اتهم الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب؛ روسيا والصين وكوريا الشمالية بالتآمر
على بلاده، جاء ذلك بعد مشاركتها في الاستعراض العسكري السنوي للجيش
الصيني فيما
يعرف باحتفالات يوم النصر، إذ قال ترامب للرئيس الصيني شي جين بينغ: "بلغ
تحياتي لبوتين وكيم في العرض العسكري لأنكم تتآمرون ضد أمريكا"، وأضاف خلال
استقباله الرئيس البولندي في المكتب البيضاوي أن العرض العسكري "صُمم في بكين
لكي أشاهده وهو ما حدث".
لم يكن العرض العسكري السبب الوحيد الذي يقف خلف تصريحات ترامب القلقة، فقد
سبقتها محاولات أمريكية متوترة وفاشلة للتواصل مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا
مودي قبيل مشاركته في قمة دول شنغهاي للتعاون (SCO) يوم الاثنين الفائت في مدينة
تيانجين الصينية، فجل ما كان يخشاه الرئيس الأمريكي أن يترجم التوتر بين واشنطن
ودلهي إلى مزيد من التقارب بين الصين والهند وروسيا في قمة تيانجين الصينية.
أمريكا تكون بذلك الطرف الذي تآمر على نفسه قبل أن يتآمر عليه الروس والصينيون والكوريون الجنوبيون، فهي من عمد إلى استفزاز الدول الكبرى، وهي من أطلق العنان للحرب التجارية
والتوتر جاء على خلفية فرض رسوم جمركية أمريكية بقيمة 50 في المئة على
البضائع الهندية، لرفض الأخيرة الالتزام بالعقوبات الأمريكية المفروضة على النفط
الروسي والإيراني، فالهند التي وقفت عائقا أمام إقرار عملة مشتركة لدول مجموعة
البريكس في قمتها الخامس عشرة المنعقدة في جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا عام 2023، وذهبت
أبعد من ذلك بوضع عوائق أمام التوسع في استعمال العملات المحلية في التبادلات
التجارية بديلا للدولار، باتت أكثر انفتاحا على هذه الخيارات في قمة دول منظمة
شنغهاي للتعاون.
أمريكا تكون بذلك الطرف الذي تآمر على نفسه قبل أن يتآمر عليه الروس
والصينيون والكوريون الجنوبيون، فهي من عمد إلى استفزاز الدول الكبرى، وهي من أطلق
العنان للحرب التجارية مجددا من خلال التعريفات الجمركية المرتفعة والعقوبات
التجارية، وألحقتها باستفزازات أمنية واستخبارية، كما لا يمكن تجاهل الخلافات
الأوروبية الأمريكية على خلفية الابتزاز التجاري الأمريكي للدول الأوروبية
لإكراهها التوقيع على اتفاقات تجارية رديئة، بالتزامن مع انفتاح أمريكي على روسيا
كسر عزلة الرئيس بوتين بعقد قمة انكوريج في ألاسكا في آب/ أغسطس.
أمريكا تآمرت على نفسها بدعمها المطلق للكيان
الإسرائيلي على نحو عزلها عن
الرأي العام العالمي وحاصرها داخل المؤسسات الدولية، ووضعها في صدام مباشر مع الرأي
العام العالمي والمجتمع الدولي بمعارضتها مؤتمر حل الدولتين الذي ترعاه باريس
والرياض والذي انضمت إليه حليفتها بريطانيا مؤخرا؛ في خطوة تعكس غياب المرونة
والفاعلية للسياسة الأمريكية، فأمريكا تقوض الاستقرار العالمي وتدعم المجازر والإبادة
الجماعية في قطاع غزة على نحو أدى لنزيف كبير في مكانتها العالمية، فالعزلة
والنزيف الأخلاقي لم يعد مقتصرا على الكيان الإسرائيلي بهذا المعنى، بل يشمل
الولايات المتحدة أيضا.
أمريكا اختارت العزلة على نحو يهدد بإفقادها دورها القيادي، مقدمة قوة دفع
للاستراتيجية الصينية والروسية في قمة تيانجين، فسلوكها عزز مصداقية الطرح الصيني،
بإعلان الصيني مجددا عن مبادرة الحوكمة العالمية إلى جانب روسيا، تدعو فيها
للمساواة في السيادة والامتثال لسيادة القانون الدولي، وممارسة التعددية، ما يعني أن
العالم بات أقرب إلى بلورة تكتل عالمي أمني واقتصادي يغذيه السلوك الأمريكي الأخرق
وسياساتها الحمقاء المتهورة.
العالم بات أقرب إلى بلورة تكتل عالمي أمني واقتصادي يغذيه السلوك الأمريكي الأخرق وسياساتها الحمقاء المتهورة
قمة تيانجين الصينية اتخذت بعدا اقتصاديا واضحا بالإعلان عن استراتيجية
تنمية مشتركة تمتد للعام 2035، وإنشاء مصرف جديد للتنمية، والتوسع في التعامل
بالعملات المحلية، وهي خطوات ما كان لها أن تكون لولا تآمر الولايات المتحدة على
نفسها بالوقوف إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي في أطماعه التوسعية وجرائمه ضد
الإنسانية، وبتوسعها في العقوبات والتلويح التعرفة الجمركية، تارة لمعالجة مشاكلها
الدولية وأخرى لمواجهة تحديات السياسية المالية الداخلية.
ختاما.. لم يكن ارتفاع سعر الذهب الأسبوع الفائت محض صدفة، إذ ارتفع بأكثر
من 100 دولار ليبلغ 3500 مع توقعات بأن يتجاوز 3700 دولار خلال أسابيع قليلة
قادمة، في انعكاس واضح لتراجع الثقة بالدولار وبالقيادة الأمريكية العالمية ، فالسياسات
الداخلية والإشكالات الاقتصادية الدولية الممتدة في أوروبا نتيجة الركود الصناعي
الألماني وأزمة الديون الفرنسية، وإشكالات السندات اليابانية؛ لا تفسر وحدها صعود
الذهب واضطراب الأسواق، إذ لا يمكن تجاهل تأثير قمة دول
منظمة شنغهاي (SCO) التي أكدت
على اقتراب تخلق قطب اقتصادي عالمي برؤية أكثر استقرارا ووضوحا مما لدى الإدارة الأمريكية
والمعسكر الغربي؛ الذي خسر قيمه في غزة وحربه في أوكرانيا وغرق اقتصاده في مستنقع
الفوضى التي يقود مسيرتها ترامب ومن خلفه وأمامه نتنياهو.
x.com/hma36