قضايا وآراء

خيارات ترامب الإسرائيلية تدحرج كرة الحرب الإقليمية

حازم عيّاد
"نتنياهو دحرج كرة الحرب بحجة تحسين شروط التفاوض مع طهران"- جيتي
"نتنياهو دحرج كرة الحرب بحجة تحسين شروط التفاوض مع طهران"- جيتي
اعتمد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أأمس الخميس، قرارا يدين إيران بـ"عدم الامتثال" لالتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، كمقدمة لفرض مزيد من العقوبات وإحالة ملفها إلى الأمم المتحدة، واليوم الجمعة سارع الاحتلال لإطلاق هجوم مدمر طال منظومة القيادة والسيطرة لدى القيادة الإيرانية ومركز الثقل داخل النظام السياسي.

فالنص الذي أعدته لندن وباريس وبرلين وواشنطن أيّدته 19 دولة من أصل 35، ورفضته الصين وروسيا وبوركينافاسو وامتنعت عن التصويت 11 دولة، كان يعني أن القرار لن يرى النور في مجلس الأمن بفعل الفيتو الروسي الصيني، لكنه لن يمنع العقوبات الأوروبية من أن تجد طريقها إلى إيران كما لم يمنع توجيه الكيان الإسرائيلي ضربات للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

التصعيد الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي يكاد يتجاوز الهدف المعلن بالضغط على طهران لتقديم تنازلات جوهرية تتعلق بتخصيب اليورانيوم؛ إلى هدف أبعد يتهدد وجود النظام الإيراني وبقاءه وعلى نحو يرشح المنطقة للانزلاق إلى أتون حرب إقليمية طويلة؛ تتورط فيها إدارة دونالد ترامب حال تمكن إيران من الرد

النتيجة النهائية لقرار الوكالة الدولية أشارت إلى تعادل ميزان القوى بالنسبة لإيران في المحافل الدولية، غير أن ميزان القوى الفعلي على الأرض كان شديد الاختلال لصالح الكيان الإسرائيلي الذي وجد فرصة في قرار الوكالة الدولية للطاقة وفي الموقف الأوروبي والضوء الأخضر الأمريكي، لتنفيذ هجوم واسع على إيران وبرنامجها النووي.

الجولة لم تنته عند حدود الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعد أن أعقبها تصريح للرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبّر فيه عن تراجع ثقته بإمكانية التوصل لاتفاق مع الجانب الإيراني وتحذيره إيران من عواقب ذلك، بالتزامن مع تسريب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية خبرا عن وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود وإتمام الكيان الإسرائيلي استعداداته لتوجيه ضربة لإيران محدودة، بعد جولة المفاوضات الأحد المقبل في العاصمة العمانية مسقط.

محاولة إيران على لسان وزير دفاعها العميد عزيز زاده ردع الكيان الإسرائيلي وإحراج الولايات المتحدة بتهديدِها استهداف القواعد الأمريكية في المنطقة حال فشل جولة المفاوضات النووية لم تؤت أُكلها اليوم الجمعة، فالضربة الإسرائيلية الصاعقة جاءت مباغتة لمركز الثقل في النظام الإيراني على نحو تسبب بشلل عسكري وسياسي لم تتضح بعد أبعاده.

التصعيد الأمريكي الإسرائيلي الأوروبي يكاد يتجاوز الهدف المعلن بالضغط على طهران لتقديم تنازلات جوهرية تتعلق بتخصيب اليورانيوم؛ إلى هدف أبعد يتهدد وجود النظام الإيراني وبقاءه وعلى نحو يرشح المنطقة للانزلاق إلى أتون حرب إقليمية طويلة؛ تتورط فيها إدارة دونالد ترامب حال تمكن إيران من الرد والتقاط أنفاسها، الأمر الذي لا يتوقعه الجانب الأمريكي والإسرائيلي؛ كون الرهان الأمريكي على تكرار نموذج حزب الله في لبنان حاضرا وبقوة حتى لحظة كتابة هذه السطور.

استهداف النظام الإيراني وجوديا إغراء يكتسب بريقا بفعل الصدمة الإيرانية وغياب الرد والفعل الدفاعي المؤثر، إذ ألمحت التسريبات الأمريكية الإسرائيلية وضعف الرد الإيراني ومحدودية تأثيره حتى اللحظة إلى وجود نقاشات أمريكية إسرائيلية لاستهداف النظام الإيراني وجوديا، وهو ما شجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على التلميح عبر حسابه على شبكة "تروث سوشال" لإمكانية استهداف المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، بتحذيره من ضربة أقوى في حال رفضت إيران تقديم تنازلات جوهرية.

خيارات ترامب الإسرائيلية التفاوضية مع إيران لن تقود المنطقة إلى مكان، آمن ما يعني العجز عن الوصول إلى حلول سياسية في الأجل القريب، فهي تدحرج كرة الحرب في الإقليم على نحو جنوني يهدد بمزيد من الفوضى بفعل تنامي شهية الاحتلال الإسرائيلي لتحقيق المزيد من الإنجازات

نتنياهو دحرج كرة الحرب بحجة تحسين شروط التفاوض مع طهران، غير أن المواجهة عرضة لأن تتطور إلى أفعال وردود فعل متتابعة يصعب ضبطها والسيطرة عليها؛ على نحو يورط الإدارة الأمريكية في مواجهة مكلفة اقتصاديا وطويلة عسكريا ولن تتوانى الصين وروسيا عن الاستثمار فيها إن تمكنت إيران من استجماع قوتها والرد بفاعلية، فما قد يقلق ترامب وقادته العسكريين غياب القدرة على الحسم العسكري وغياب الحل السياسي، واستشعار إيران لتهديد وجودي لا تمكن مواجهته إلا بالمقاومة.

بيئة الصراع الدولية ترجح خيار التمسك بطاولة المفاوضات عند الجانب الأمريكي، غير أن محدودية الرد الإيراني تغري بالمضي قدما نحو إسقاط النظام الإيراني بدحرجة نتنياهو كرة الحرب نحو الإقليم بأكمله لتحقيق طموحاته وكيانه الإسرائيلي، وهي ديناميكية لا زال نتنياهو يتحكم بها بفعل نشوة المباغتة الصاعقة.

ختاما.. خيارات ترامب الإسرائيلية التفاوضية مع إيران لن تقود المنطقة إلى مكان، آمن ما يعني العجز عن الوصول إلى حلول سياسية في الأجل القريب، فهي تدحرج كرة الحرب في الإقليم على نحو جنوني يهدد بمزيد من الفوضى بفعل تنامي شهية الاحتلال الإسرائيلي لتحقيق المزيد من الإنجازات لتغيير وجه "الشرق الأوسط"، فما بعد إيران ستكون تركيا التي ألمح إليها نتنياهو خلال لقائة الرئيس الأرجنتيني في القدس يوم الثلاثاء بالقول: "لن نسمح بعودة الخلافة العثمانية".. جنون إسرائيلي مطبق يعكس أزمة وجودية ومعادلة صفرية باتت حاضرة على نحو عبثي ومدمر في المنطقة.

x.com/hma36
التعليقات (0)