قضايا وآراء

الحرب والهُدن من غزة إلى إسلام آباد

حازم عيّاد
"المنطقة تعد لجولات جديدة من المواجهات التي تحمل عنوان الهدن المؤقتة"- AI by Sora
"المنطقة تعد لجولات جديدة من المواجهات التي تحمل عنوان الهدن المؤقتة"- AI by Sora
"الحرب والسلام" رواية للأديب الروسي ليو تولستوي، وثقت الحرب الروسية النابليونية في القرن التاسع عشر، الرواية بدأت بلغة روسية مطعمة بكلمات فرنسية، على نحو ما هو دارج لدى بعض المثقفين في المنطقة العربية من الدمج بين العربية والإنكليزية أو الفرنسية، لتنتهي بلغة روسية صرفة تعكس التعافي الروسي من الغزو الفرنسي، وهنا يُطرح السؤال: هل تتعافى المنطقة بالهدن الأمريكية وحدها وما هي دلالاتها في المنطقة؟

فالحرب والهدن اتجاه عام رسم ملامح الإقليم، واللافت ان أمريكا حاضرة فيها جميعا، من إسلام آباد التي خاضت مواجهة خطرة مع جارتها الهند المحكومة بأجندة وأيديولوجيا "الهندوتوفا" الهندوسية المتطرفة، إلى طهران التي توصلت إلى هدنة "شفوية" لوقف الحرب بعد مشاركة مباشرة من الولايات المتحدة إلى جانب الكيان الإسرائيلي، إلى الهدن القريبة في لبنان واليمن، حيث حضرت أمريكا في جملتها الأولى والأخيرة أسوة بجمل تولستوي المتفرنسة. وتلك الهدن المتباعدة زمانيا والمتوقعة قريبا في قطاع غزة، كانت أولاها في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وثانيتها في كانون الثاني/ يناير 2025، وثالثتها باتت متوقعة لكنه غير محسومة أو مؤكدة رغم توافر مبرراتها وأسبابها الموضوعية.

الهدن الأمريكية لن تكون بديلا للسلام الأمريكي، ولن تخفي نيران الحرب ورمادها المستعر في الإقليم، فهي مجرد محطات للاستراحة استعدادا لمواجهات أقوى وأشرس تعكس فقدان السلام الأمريكي معناه في تحقيق الاستقرار للمنطقة الممتدة من غرب آسيا إلى غرب أفريقيا

الهدن الأمريكية لن تكون بديلا للسلام الأمريكي، ولن تخفي نيران الحرب ورمادها المستعر في الإقليم، فهي مجرد محطات للاستراحة استعدادا لمواجهات أقوى وأشرس تعكس فقدان السلام الأمريكي معناه في تحقيق الاستقرار للمنطقة الممتدة من غرب آسيا إلى غرب أفريقيا.

تكشف فلتات لسان دونالد ترامب وتقلباته خلال قمة دول حلف الناتو في هولندا وما بعدها؛ سيادة منطق الهدن ما بين الحروب بتأكيده إمكانية استهداف إيران مجددا من قبل الكيان الإسرائيلي، في مقابل تصريحات المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية علي خامنئي يوم أمس الخميس؛ أكد فيها فشل الهجمات الأمريكية على المواقع النووية الإيرانية واحتفاظ إيران بقدراتها، ورفضها الاستسلام للشروط الأمريكية والإسرائيلية، واستعداها المتواصل للرد على الهجمات الإسرائيلية.

الحرب لن توقفها الهدن المؤقتة، فالمعركة لم تُحسم وميزان القوى الإقليمي والدولي لم تستقر وجهته بعد، وفي أحسن الأحوال فإن الهدن ستمتد خمس سنوات من الزمن حال التوصل إلى اتفاق ينهي القتال في قطاع غزة، فالاحتلال الإسرائيلي لم يتمكن من حسم معاركة في الإقليم، وتعرض إلى خسارة ونزيف استراتيجي في الساحة الدولية بلغت ذروتها الثلاثاء بفوز المرشح "زهران ممداني" المناهض للاحتلال الإسرائيلي في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة مدينة نيويورك، وهي خسارة وتراجع لن تعوضها الاتفاقات الإبراهيمية والتطبيعية مهما بلغت سقوفها واتسع نطاقها.

الحرب يراد أمريكيا استبدالها بهدن مؤقتة تعكس التفوق التقني والاستخباري للكيان الإسرائيلي المعزز بالتحالف الاستخباري لدول العيون الخمس (Five Eyes)، والمعروفة اختصارا بـ"FVEY"، وتضم أمريكا وبريطانيا وأستراليا وكندا ونيوزلندا، وهي تعزز بضغوط اقتصادية ودبلوماسية وعمليات عسكرية يستهدف فيها الكيان الإسرائيلي إيران، فالحرب الإسرائيلية الإيرانية انتهت ولكن لم تُحل، بحسب الدكتور راز زيمت (Raz Zimmt)، مدير برنامج أبحاث إيران والمحور الشيعي في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) الذي دعا في مقالته التي حملت نفس العنوان على موقع المعهد؛ للإعداد لحرب طويلة مع إيران،
المنطقة أبعد ما تكون عن الاستقرار والسلام الأمريكي الذي استُبدل بالهدن الأمريكية، هدن تشرف عليها أمريكا اليوم وفي الغد تنضم إليها جمل دبلوماسية واستخبارية من الصين وروسيا
تتخللها ضربات متبادلة على شكل مواجهات محدودة وعمليات استخبارية غير منقطعة، تفضي لانهيار النظام وتغيره، وتمزيق الدولة الإيرانية، على نحو أكده اللقاء الذي جمع معارضين لطهران وسفير الاحتلال الإسرائيلي في واشنطن يحيئيل ليتر يوم الأربعاء.

أدركت إيران حقيقة الحملة العسكرية والسياسية منذ الضربة الأولى، لتسارع إلى تجميد تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، معلنة بذلك الغموض النووي، كما استغلت مشاركة وزير الدفاع الإيراني الجنرال ناصر زاده في اجتماع وزراء الدفاع لدول مجموعة شنغهاي للتعاون في بكين أمس الخميس، لمناقشة إمكانية شراء منظومات دفاع جوي وطائرات صينية أسوة بجارتها الباكستان.

ختاما.. المنطقة تعد لجولات جديدة من المواجهات التي تحمل عنوان الهدن المؤقتة، فالمنطقة أبعد ما تكون عن الاستقرار والسلام الأمريكي الذي استُبدل بالهدن الأمريكية، هدن تشرف عليها أمريكا اليوم وفي الغد تنضم إليها جمل دبلوماسية واستخبارية من الصين وروسيا على نحو يذكّر برواية تولستوي، علما أن التوقعات المتفائلة تشير إلى مرور عقدين أو ثلاثة قبل أن تصاغ بلغة عربية وفارسية وتركية وأوردية صرفة.

x.com/hma36
التعليقات (0)

خبر عاجل