قضايا وآراء

الانتخابات البرلمانية المصرية 2025.. حين أصبح الفساد هو المشرّع الوحيد

محمد حمدي
"مقاعد مُحددة قبل الاقتراع"
"مقاعد مُحددة قبل الاقتراع"
في مشهد ليس جديدا على مصر، لكنه هذه المرة أكثر فجاجة ووضوحا، جاءت انتخابات البرلمان 2025 لتكشف عن منظومة سياسية فقدت آخر خيوط الحياء، وتحولت إلى ساحة مغلقة مُحكمة، تُدار بأوامر الأجهزة الأمنية، وتُحسم بنتائج معروفة سلفا، في انتخابات لم يكن للمنافسة فيها سوى دور "الكومبارس".

قوائم صُنعت لتفوز.. ومقاعد مُحددة قبل الاقتراع

لم تكن القوائم الانتخابية سوى منتج أمني جاهز؛ أسماء اختيرت بعناية داخل غرف مغلقة، ووزعت وفق توازنات الأجهزة، لا وفق إرادة الناس، قوائم لا تعرف منافسة ولا خصوم، لأنها صُممت أصلا لتنجح دون أن تتعرّض ولو لصداع سياسي بسيط.

أما المقاعد الفردية، التي كانت في الماضي مساحة محدودة لشيء من التنوع، فقد خضعت بالكامل لـ"ختم الموافقة الأمنية"، حتى المستقلون الذين ظهروا على الساحة كانوا مستقلين بالاسم فقط؛ وجوه جرى اختيارها مسبقا، ثم تُركت لتخوض معركة يعرف الجميع نتيجتها.

سوق السيسي للبرلمان.. الكرسي يبدأ من 25 مليون
أحد أكثر المشاهد انكشافا كان تسعير البرلمان، فلم يعد المقعد النيابي تعبيرا عن إرادة شعب، بل أصبح سلعة تُباع وتُشترى في سوق سياسي فاسد

أحد أكثر المشاهد انكشافا كان تسعير البرلمان، فلم يعد المقعد النيابي تعبيرا عن إرادة شعب، بل أصبح سلعة تُباع وتُشترى في سوق سياسي فاسد، يبدأ فيها سعر الكرسي من 25 مليون جنيه ويصل إلى 70 مليونا، كما صرّحت بذلك صراحة السيدة حنان شرشار، عضو حزب "حماة وطن". أموال ضخمة تُضَخُّ لشراء الشرعية، تمهيدا لبرلمان يدين بالولاء الكامل لمن مكّنه، لا لمن انتخبه.

رشاوى انتخابية.. و200 جنيه تفضح جمهورية الفقر

ورغم مليارات "السيسي" التي صُنعت بها القوائم والمقاعد، كان الشارع يروي فصلا أكثر بشاعة: شراء أصوات المواطنين مقابل 200 جنيه أو كيس مواد غذائية.

لم يكن الأمر مجرد مخالفة قانونية، بل جرحا عميقا في كرامة الأمة. مصر اليوم دولة يستطيع فيها الفقر أن يهزم الإرادة، ويستطيع الجوع أن يبيع المستقبل مقابل بضع أوراق نقدية.

لكن السؤال الحقيقي ليس: لماذا باع الناس أصواتهم؟ بل: من أوصلهم إلى هذا القاع؟ من المسؤول عن إذلال المواطن؟

أنا لا ألوم المواطنين، لقد استمعتُ إلى شهادات مؤلمة:

- أسر لم تتذوق اللحم منذ عام كامل.

- آخرون بلا دخل ثابت.

- مرضى عاجزون عن شراء الدواء.

- شباب يقتاتون على اليوم بيومه.

من الذي خلق هذا الاحتياج، ثم استغله ليجعل من المواطنين كتلة بشرية قابلة للشراء؟ من الذي سحق الطبقة الوسطى، ودمر مصادر الدخل، وترك الناس رهائن للجوع؟ إنه النظام ذاته الذي أراد انتخابات بلا إرادة، وبرلمانا بلا معارضة، وشعبا بلا قوة تفاوض.

برلمان بلا كرامة.. ومهمة واحدة: تمرير أوامر السلطة
هذا البرلمان، الذي صُنِع من المال الفاسد والولاء الأمني، ستكون مهمته الأولى كما تشير كل المؤشرات تعديل الدستور مجددا لزيادة المدد الرئاسية، وتحويل الحكم إلى صيغة "التفويض الدائم"، وترسيخ البقاء الأبدي لهذا النظام، مهما كان الثمن

ما جرى ليس انتخابات، بل عملية تصنيع برلمان أمني. مجلس للاستهلاك السياسي، وظيفته الرئيسية ليست التشريع ولا الرقابة، بل تسهيل ما يريده النظام.

هذا البرلمان، الذي صُنِع من المال الفاسد والولاء الأمني، ستكون مهمته الأولى كما تشير كل المؤشرات تعديل الدستور مجددا لزيادة المدد الرئاسية، وتحويل الحكم إلى صيغة "التفويض الدائم"، وترسيخ البقاء الأبدي لهذا النظام، مهما كان الثمن.

الإصلاح مستحيل.. والثورة وحدها هي الطريق

بعد كل ما جرى، أصبح من العبث الحديث عن إصلاح أو ترميم أو تغيير تدريجي. هذا النظام لم يُنشأ ليُصلِح، بل ليُفسد، لم يُبنَ ليُعالِج، بل ليهدم. مهمته الوحيدة منذ اللحظة الأولى كانت تحطيم مستقبل هذا الشعب، وتجريف وعيه، وإفقاره، ثم استخدام احتياجه كوسيلة للسيطرة عليه.

الإصلاح مع هذا النظام مستحيل، لأن الفساد ليس خطأ فيه، بل هو بنيته الأساسية. وحين تصبح الدولة أسيرة منظومة تمتد جذورها في الأجهزة، ورجال الأعمال، مع إعلام موجه، وبرلمان مزور؛ يصبح التغيير من داخل هذه الدوائر مجرد وهم.

ولهذا لم يعد أمام المصريين سوى خيار واحد: الثورة؛ ثورة تُعيد تعريف الدولة، وتكسر هذه المنظومة الأمنية المالية، وتعيد السلطة إلى الشعب، وتفتح الطريق لميلاد جمهورية جديدة تقوم على العدل والحرية والكرامة الإنسانية. ثورة لا تُسقط أشخاصا فحسب، بل تُسقط الأسلوب كله، وتُصحّح المسار الذي انحرف عقودا، فلا مستقبل لهذا البلد إلا بالإطاحة بمن دمّر مستقبله.
التعليقات (0)

خبر عاجل