قضايا وآراء

القوة العربية الضائعة

محمد حمدي
"عد أن أعلن نتنياهو صراحة أن حلم "إسرائيل الكبرى" لم يعد سرا بل مشروعا معلنا، فإن القرار العربي الموحد أصبح ضرورة وجودية"- موقع الجامعة العربية
"عد أن أعلن نتنياهو صراحة أن حلم "إسرائيل الكبرى" لم يعد سرا بل مشروعا معلنا، فإن القرار العربي الموحد أصبح ضرورة وجودية"- موقع الجامعة العربية
تملك الدول العربية من عناصر القوة ما يكفي لردع أي قوة إقليمية أو دولية، بل وما يمكنها من فرض معادلات جديدة تعيد الاعتبار لسيادتها وكرامتها، غير أنّ هذه القوة، على تنوعها بين اقتصادية وعسكرية وجغرافية وبشرية، ما زالت مبعثرة ومُهدَرة، ليبقى الاحتلال الإسرائيلي يتمدد ويضرب هنا وهناك، وكأن المنطقة ولايات تابعة له ضمن ما يسميه "إسرائيل الكبرى".

عناصر قوة الدول العربية

- مصر: موقعها الجغرافي يربط بين قارتي آسيا وأفريقيا عبر قناة السويس، أهم ممر مائي عالمي، وقوة بشرية تتجاوز 110 ملايين نسمة، وجيش من أكبر عشرة جيوش في العالم.

- السعودية: ثقل اقتصادي عالمي كونها أكبر مصدر للنفط، وعضو فاعل في مجموعة العشرين، إضافة إلى مكانتها الدينية بوجود الحرمين الشريفين.

- قطر: من أكبر مصدري الغاز المسال في العالم، وصاحبة نفوذ سياسي وإعلامي دولي مؤثر، وتمتلك قاعدة اقتصادية قادرة على الاستثمار والضغط.

الاحتلال لم يعد يرى في العرب سوى "ولايات تابعة" يحق له العبث بأمنها وسيادتها متى شاء، ولو أن الدول العربية اتخذت منذ اليوم الأول لمجازر غزة موقفا جماعيا صارما، لما تجرأ الاحتلال على المضي في وحشيته

- تونس: موقع استراتيجي في قلب المتوسط، وامتداد ثقافي وسياسي نحو أوروبا وأفريقيا.

- المغرب: قوة عسكرية متنامية، وموقع جغرافي يطل على المحيط الأطلسي والبحر المتوسط، وشراكات اقتصادية مع أفريقيا وأوروبا.

- الجزائر: دولة ذات جيش قوي واحتياطات طاقة قوية ضخمة من الغاز والنفط، مع عمق جغرافي يجعلها صمام أمان للمغرب العربي.

- اليمن: سيطرة على باب المندب، أحد أهم الممرات المائية في العالم، ما يمنحه بعدا استراتيجيا بالغ الأهمية.

- لبنان: رغم صغره، يمتلك موقعا على المتوسط، وقوة مقاومة شعبية أرهقت الاحتلال لعقود، وفرضت معادلات ردع متكررة.

- الكويت: إمكانيات مالية ضخمة، واستثمارات عالمية، وموقع مهم في الخليج العربي.

الاحتلال الإسرائيلي وتوحش الغطرسة

ضرب الاحتلال الإسرائيلي سفينة الصمود في تونس، واستهدف مخازن أسلحة في سوريا، وانتهك سيادة لبنان مرارا، بل وانتهك معاهدة السلام مع مصر، كما قصف مواقع على أرض قطر، وهي دولة ذات سيادة.

في يومين فقط الاحتلال قام بقصف مخازن أسلحة داخل سوريا، وقصف سفينة من أسطول الصمود داخل الموانئ التونسية، وأسقط مسيّرة يمنية على الحدود المصرية، وقصف مقر حماس داخل العاصمة القطرية الدوحة.

كل ذلك يثبت أن الاحتلال لم يعد يرى في العرب سوى "ولايات تابعة" يحق له العبث بأمنها وسيادتها متى شاء، ولو أن الدول العربية اتخذت منذ اليوم الأول لمجازر غزة موقفا جماعيا صارما، لما تجرأ الاحتلال على المضي في وحشيته.

المطلوب: قرار عربي موحد

اليوم، وبعد أن أعلن نتنياهو صراحة أن حلم "إسرائيل الكبرى" لم يعد سرا بل مشروعا معلنا، فإن القرار العربي الموحد أصبح ضرورة وجودية.

خطوات عملية يمكن اتخاذها فورا:

- قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الاحتلال بقرار عربي شامل.

- إغلاق المنافذ البحرية والمجال الجوي والبري أمام السفن والطائرات والحافلات المتجهة من وإلى الأراضي المحتلة.

- فتح معبر رفح بالقوة وإدخال المساعدات تحت شارة قوة عربية موحدة.

- الاعتراف بالمقاومة في غزة كقوة دفاع عربية شرعية.

- استخدام النفوذ الاقتصادي بسحب استثمارات الخليج من الدول الداعمة للاحتلال.

غياب القرار الموحد لا يفسَّر إلا بالارتهان والعمالة. ومع ذلك، فقد أثبتت تصرفات نتنياهو أنه لا يرى في أي حاكم عربي "حليفا دائما"، بل يعتبر الجميع أوراقا مؤقتة، ودورهم في التصفية قادم لا محالة

- استبدال التحالف الأمريكي بحلف استراتيجي مع الصين أو قوى دولية منافسة.

هذه الخطوات كفيلة بوقف الحرب على غزة منذ اليوم الأول من إعلانها، بل وتغيير موازين المنطقة بالكامل.

لماذا لا تُستخدم القوة العربية؟

السؤال المحوري: لماذا لا تُستخدم هذه القوة؟ ما هي المنفعة التي يجنيها بعض الحكام من وجود الاحتلال؟ أليس الأجدر بهم أن يستعيدوا شرعيتهم الداخلية عبر مواجهة العدو المشترك بدلا من القمع الداخلي؟

الحقيقة المؤلمة أنّ غياب القرار الموحد لا يفسَّر إلا بالارتهان والعمالة. ومع ذلك، فقد أثبتت تصرفات نتنياهو أنه لا يرى في أي حاكم عربي "حليفا دائما"، بل يعتبر الجميع أوراقا مؤقتة، ودورهم في التصفية قادم لا محالة.

الشعوب مستعدة للصفح

إنّ الشعوب العربية رغم معاناتها من القمع والتخاذل؛ على استعداد لتجاوز الماضي إذا اتخذ الحكام اليوم الموقف الصحيح، حينها سيلتف المعارض قبل المؤيد خلف قرار المواجهة، وبهذا يحدث استقرار داخلي لكل دول المنطقة.

نحن لسنا ضعفاء، لدينا قوة اقتصادية وعسكرية وبشرية هائلة، لكننا نفتقد الإرادة السياسية. إن مواجهة الاحتلال لم تعد خيارا مؤجلا تحت شعار الدبلوماسية، بل ضرورة آنية تفرضها بقاء المنطقة وشعوبها. فإما أن نستعيد القوة العربية الضائعة، أو نظل جميعا حكاما وشعوبا تحت رحمة مشروع "إسرائيل الكبرى".
التعليقات (0)