الكاتب: حاتم الجوهري
الكتاب: دفاعًا عن القدس وهوية الذات
العربية
نقد خطاب الاستلاب العربي للصهيونية في ظل
الاتفاقيات الإبراهيمية وصفقة القرن والمروجين العرب لهما
الناشر: إضاءات للنشر والتوزيع، 2023م
عدد الصفحات: 472 صفحة
تتناول هذه الدراسة بالنقد والتحليل ما
تسميه ظاهرة الاستلاب للصهيونية والآخر، وخطابها الذي ظهر في الثقافة العربية منذ
نهاية عام 2015م، مع مواكبة حملة ترشح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي صرح
خلالها بأنه يجهز لصفقة القرن لحل القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي،
ووعده بتنفيذ القرار المؤجل بنقل السفارة الأمريكية للقدس. والمقصود بخطاب
الاستلاب للصهيونية للآخر، هو الخطاب الذي ظهر في الإعلام المرئي بدايةً مع
الأكاديمي
المصري يوسف زيدان؛ مروجًا لخطاب التخلي عن مدينة القدس والمسجد الأقصى
بمبررات شتى، وكأنه أحد المروجين لصفقة القرن، ليتبعه مجموعة من المثقفين
والإعلاميين المصريين والعرب في الإعلام المرئي والمقروء.
عرفت الدراسة خطاب الاستلاب للصهيونية
والآخر، الذي ظهر في سياق صفقة القرن الأصلية، والصفقة المعدلة في عهد بايدن، ومع
ما عرف بالاتفاقيات الإبراهيمية، بأنه ظهور حالة الافتتان والترويج والدعوة لبديل
حضاري آخر، يستلب الذات العربية المصرية عن إمكانية تحققها الخاص في مشروع وسردية
كبرى خاصة بها، ويبرر لانفصال الذات العربية عن مستودع هويتها لصالح آخر ومستودع
هويته، يتمثل في مستواه الظاهر في الذات الصهيونية وروايتها للصراع العربي
الصهيوني، مع إشارة مضمرة للآخر الأعلى المصدر المتمثل في الذات الغربية
الأوروبية، التي تعد الصهيونية تمثله الأقرب والمندوب عنه، مع الوضع في الاعتبار
السياق الفلسفي الذي أدى إلى ظهور نموذج الاستلاب عربيًا، والقائم على فشل محاولات
القرن العشرين في إنتاج نموذج ذاتي يصل للتحقق ويتجاوز حالة الاغتراب، مما كرس
لظهور مفهوم الاستلاب ونموذجه في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
كشفت الدراسة أن خطاب الاستلاب للآخر
والصهيونية كان يصحب أو يأتي متلازمًا عادةً مع شكل ما من أشكال الانسلاخ عن الذات
العربية، أي أن الدراسة ترصد نمطًا في ظاهرة خطاب الاستلاب العربي للصهيونية
مفادها أن هذا الخطاب والموقف تجاه الآخر كان يأتي مصحوبًا بموقف آخر تجاه الذات
العربية.
اعتبرت الدراسة أن يوسف زيدان هو المركز
التاريخي لظهور خطاب الاستلاب للصهيونية لعدة عوامل رئيسية، أهمها:
أولًا ـ أن
الدراسة ترى أن خطاب يوسف زيدان المتكرر في الإعلام ليس مجرد محاولة فردية، بل هو
محاولة لتقديم بديل سياسي قد يتواكب مع تمرير ضغوط صفقة القرن على مصر، بوصف ذلك
الخطاب قد يكون حلاً سياسيًا رخيص التكلفة يستسهله البعض، قد يُطرح على الإدارة
السياسية المصرية كمقاربة للتعاطي مع الضغوط الأمريكية.
ثانيًا ـ تحول خطاب الاستلاب ومقولاته التي
قدمها يوسف زيدان إلى خطاب سائد، خاصة بين الشباب المستقل وبعض التيارات
الليبرالية والعلمانية وبعض اليساريين المحبطين والمثقفين، الذين أصيبوا بالحساسية
تجاه معظم ما له علاقة بالدين (ص25).
تحول التطبيع إلى مفهومي الاستلاب والمسألة
الأوروبية:
الإطار المعرفي لخطاب الاستلاب للآخر
الصهيوني، وإعادة إنتاج متلازمات المسألة الأوروبية عن نسخ القيم الثقافية لأوروبا
وإلغائها لكل الذوات الأخرى، ظهر مبكرًا للغاية نهاية عام 2015م، مع حملة ترشح
دونالد ترامب الانتخابية الأولى ومشروع الصفقة ونقل السفارة، حيث تواكبت حملة
ترامب مع عدة متغيرات سياسية مصرية بإزاحة نظام الإخوان، وصعود المؤسسة العسكرية
كقلب دولة ما بعد الاستقلال عن الاحتلال الأجنبي مرة أخرى للواجهة. ومن ثم أعطى
الكاتب تعريفًا عامًا لخطاب الاستلاب العربي للصهيونية بأنه ظهور حالة الافتتان
والترويج والدعوة لبديل حضاري آخر يستلب الذات العربية عن إمكانية تحققها الخاص في
مشروع وسردية كبرى خاصة بها، ويبرر لانفصال الذات العربية عن مستودع هويتها لصالح
أخرى أعلى ومستودع هويته، يتمثل في مستواه الظاهر في الذات الصهيونية وروايتها
للصراع العربي الصهيوني، مع إشارة مضمرة للآخر الأعلى المصدر المتمثل في الذات
الغربية الأوروبية.
الإطار المعرفي لخطاب الاستلاب للآخر الصهيوني، وإعادة إنتاج متلازمات المسألة الأوروبية عن نسخ القيم الثقافية لأوروبا وإلغائها لكل الذوات الأخرى، ظهر مبكرًا للغاية نهاية عام 2015م، مع حملة ترشح دونالد ترامب الانتخابية الأولى ومشروع الصفقة ونقل السفارة
في أواسط عام 2019م كانت هناك موجة أوسع من
خطاب الاستلاب للآخر، حيث كان يجري الترويج لزيارة مدينة القدس تحت الاحتلال
الصهيوني، فشلت بسبب الرفض الشعبي وبعض دعاة استعادة الذات العربية (ص40).
قبل الإعلان عن اتفاقية أبراهام بين
الإمارات وإسرائيل، ظهرت عربياً مجموعة من الأسماء التي اعتبرت يوسف زيدان الأب
الروحي لخطاب الاستلاب للآخر الصهيوني وسارت في المسار نفسه، وامتدت هذه الأسماء
على مدار الوطن العربي كله لتشمل سليمان الطراونة "الأردن"، نبيل فياض
"سوريا"، فرحات عثمان "تونس"، صالح الفهيد، وفهد الشمري
"السعودية" وغيرهم.
إذا كان التطبيع يعني إقرار طرفين بوجود كل
منهما، مع إقامة علاقات وتبادلات تزيد أو تقل، فالتطبيع إجمالًا هو اعتراف بوجود
آخر وقبول هذا الوجود في أشكال من العلاقات زادت أو قلت، تنوعت أو انحصرت. ومع
التطبيع، احتفظ كل جانب بروايته، فالعرب والصهاينة احتفظوا كل منهما بالرواية
الخاصة به، لكن أخطر ما يمثله مشروع الاستلاب للآخر، هو تفريقه عن عملية التطبيع
القديمة، وذلك على المستوى الكلي والفلسفي، فالتطبيع كان يعترف بالآخر، لكن
الاستلاب يعترف برواية الآخر، التي تزيح رواية العرب من أساسها رغم قبولهم التعايش
وفق اشتراطات التطبيع.
يؤكد الكاتب أنه في الوقت الذي كان فيه
العرب، بما في ذلك الفلسطينيون، ينتقلون من روايتهم الأصلية إلى الرواية الوسط،
كان الحكم في إسرائيل وبلا مواربة محورًا لأفكار المرجعية للحركة الصهيونية، التي
دعا إليها في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي زئيف جابوتنسكي، وخلاصتها
أنه لا مجال لدولة عربية في فلسطين، بل الدولة اليهودية يجب أن تقوم على ضفتي نهر
الأردن. ومن هنا شتان بين الاعتراف بالآخر وبين الاعتراف بروايته؛ لأن الاعتراف
برواية الآخر في حالة وجود الصراع يعني الهزيمة والتخلي عن رواية الذات (ص43).
أصبح هذا التيار خطرًا داخليًا يشن حربًا
ناعمة ومشروعًا للهيمنة بالوكالة لصالح الصهيونية وأمريكا ومن شايعهما، ويروج
لحسنات الخضوع للهيمنة للآخر والتخلي عن الذات ومستودع هويتها، وليس مجرد الخطاب
القديم للتطبيع السياسي، أو حتى الصناعي والتجاري، بل يقوم خطاب الاستلاب للآخر
الصهيوني، ممثلًا عن الذات الأوروبية الغربية، على فكرة مركزية تختلف تمامًا عن
مشروع التطبيع الذي كان مطروحًا على الطاولة المصرية مع اتفاقية السلام، أو مع
اتفاقية أوسلو في التسعينيات بين الفلسطينيين والصهاينة، حيث يقوم خطاب الاستلاب
على الخضوع لرواية الآخر الصهيوني وتصوره للصراع سياسيًا ودينيًا وتاريخيًا،
وتفكيك وكبح رواية الذات العربية للصراع سياسيًا ودينيًا وتاريخيًا (ص45).
روج خطاب الاستلاب ومن تبعه للرواية
الصهيونية دينياً، فنفى علاقة المسلمين بالمسجد الأقصى والقدس، وأكد على الرواية
الدينية اليهودية التي تستند إليها الصهيونية، كما روج لخطاب الاستلاب للرواية
الصهيونية سياسيًا من خلال الاعتراف حتى بدولة إسرائيل كدولة يهودية يكون العرب
المسلمون والمسيحيون فيها درجة ثانية، بالإضافة لترويج خطاب تفوق الآخر علميًا
وحضاريًا.
نمط خطاب الاستلاب الناعم، تفجير تناقضات
مستودع الهوية وإدارته، تختلف التكتيكات التي استخدمها لفرض خطاب الاستلاب ومحاولة
كسر إدارة الجماهير العربية عن الأسلوب القديم لنمط الحرب من أجل صدم الوعي العربي
وفرض وجود إسرائيل وتطبيع وجودها، إذ سننتقل من الحرب الخشنة المباشرة سواء بين
العرب وبين إسرائيل، أو بين العرب والعرب بعد حرب العراق والكويت بتخطيط أمريكي،
أو بين العرب وأمريكا "العراق وأمريكا في حرب الخليج الثانية"، ليظهر
عندنا نمط تفجير تناقضات مستودع الهوية وإدارته لتمرير الهيمنة الإسرائيلية وفرضها
عبر تفجير التناقضات الداخلية بين الدول وفي الحاضنة العربية وبين محيطها الإسلامي
إيران وتركيا.
من خلال ما يمكن تسميته بـ "تكتيكات
تفجير مستودع الهوية العربي وطبقاته المتراكمة والمتنوعة"، وارتباط ذلك بظهور
خطاب الاستلاب عربيًا وخطاب الاتفاقيات الإبراهيمية غربًا وأمريكًا، يقول الكاتب:
"على المستوى العربي تم استخدام طبقة أو نخبة ثقافية مأزومة تجاه ذاتها
العربية، ولديها من الأسباب والدوافع الشخصية ما يجعلها في حالة استلاب للآخر،
ولمتلازمات المسألة الأوروبية وقيمها الثقافية التي صدرتها للعالم، في تواكب بين
تفجير مستودع الهوية العربي ضغطًا على الأنظمة العربية كسياسة خارجية يطبقها الآخر
الأمريكي ممثلًا عن الذات الأوروبية القديمة والمسألة الأوروبية بتعاليها
وعنصريتها، وبين خروج بعض العرب في قبول وتمرير مؤسسي ما ليعلن انسلاخه تمامًا عن
مستودع الهوية العربية وفساده كليًا"، حيث ارتمى هؤلاء في حضن المسألة
الأوروبية ومتلازماتها الثقافية، ودعوا إلى إلحاق الذات العربية بالآخر الأوروبي
الغربي، باعتبار الصهيونية ممثلًا لتلك الذات الأوروبية وواحدة من تمثلات المسألة
الأوروبية وهيمنتها بمركزيتها المتعالية على حساب الذوات الأخرى (ص53).
الاتفاقيات الإبراهيمية:
تنامى خطاب الاستلاب مع ظهور الاتفاقيات
الإبراهيمية، من محاولة النخبوية لفرض نمط جديد وتشكيله في الرأي العام المصري
والعربي، لكن في نهاية عام 2020م ظهر تحول جذري في السياسات الأمريكية تجاه منطقة
الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين، ووجود وحدة متخصصة لها بوزارة الخارجية
الأمريكية، وهو ما يعززه تطور مجريات الأحداث، حينما وجه السفير سام بروان باك،
سفير الحريات الدينية في وزارة الخارجية الأمريكية، الدعوة إلى الشيخ عبد الله بن
بيه في الإمارات للمشاركة في مؤتمر مبادرة الديانات الإبراهيمية، التي تنظمه وزارة
الخارجية الأمريكية، وهو ما قبله الشيخ عبد الله بن بيه. فبالنسبة للعرب المسلمين،
النبي إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء وأبو إسماعيل جد العرب، وإسحاق جد
اليهود عليهما السلام، لكن بالنسبة للرواية والسردية الدينية اليهودية، الأمر
مختلف تمامًا، ينسب اليهود أنفسهم لنبي الله إبراهيم عليه السلام، ولكن الفقه
اليهودي يقر بأن نسب اليهود دينيًا وما يترتب عليه من وعد بالأرض المقدسة فلسطين،
أو على شمول الوعد من نهر النيل إلى نهر الفرات وما بينهما، يخص أبناء سارة زوجة
نبي الله العبرانية ولا يخص أبناء هاجر زوجة نبي الله المصرية، أي يخص إسحاق عليه
السلام ومن بعده يعقوب الذي سمي بإسرائيل، وإليه ينسب بني إسرائيل الذين عرفوا
فيما بعد باليهود.
السردية الإبراهيمية مقاربة للتعالي
والهيمنة في كافة النواحي؛ على المستوى الديني قام صلب الاتفاقيات وصفقة القرن على
سيطرة دولة الاحتلال على مدينة القدس، وعلى مخططات لهدم المسجد الأقصى وبناء معبد
يهودي في موضعه. وعلى المستوى السياسي، لم تمنح صفقة القرن والاتفاقيات
الإبراهيمية شيئًا للفلسطينيين، لا دولة ولا حدود ومدنًا، ولا أي شيء. وعلى
المستوى الحضاري، ترفض دولة الاحتلال اعتبار الفلسطينيين داخلها مواطنين من الدرجة
الأولى، وتشرع المزيد من قوانين التمييز العنصري والحضاري بين العرب والمستوطنين
الصهاينة من اليهود. اجمالًا، ما طرحته صفقة القرن على الفلسطينيين مع الاتفاقيات
الإبراهيمية كان حزمة من المساعدات الاقتصادية (ص70).
يغيب عن السردية الإبراهيمية "احترام
الطرف الآخر كصاحب مركز مناظر"، لأن حوار الأديان والتواصل أو التحالف
الحضاري والدبلوماسية الثقافية كلها مقاربات تقوم على احترام الطرف الآخر والتأكيد
على المشترك معه، كلها مقاربات لم تحقق دولة الاحتلال العنصري ولم تستوف معايير
الإندراج فيها، وأمريكا مع بايدن طورت نسخة معدلة من صفقة القرن الخاصة بها،
واعتمدت السياسة الخارجية الخاصة بها الاتفاقيات الإبراهيمية، وسعت لتوسيع نطاقها
في استمرار سياسات الهيمنة.
اجتماع النقب وإعادة تشكيل الإقليم هوياتيًا:
عقد اجتماع النقب في مارس 2022م، الذي ضم
حضورًا على مستوى وزراء الخارجية: أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي في إدارة
بايدن، ويائير لابيد، وزير الخارجية الإسرائيلي، وأربعة وزراء خارجية عرب، من
الإمارات والبحرين والمغرب، دول التطبيع الجديد، ووزير خارجية مصر سامح شكري
ممثلًا عن محور التطبيع القديم. ظهر في الاجتماع تكتيك تفجير تناقضات الهوية
بوضوح، سواء من ناحية التسخين تجاه إيران ببعدها الديني الشيعي، والتشدد فيما يخص
الاتفاق النووي معها، أو التهدئة والتبريد مع الدول العربية السنية والاتفاقيات
الإبراهيمية، وهو ما بدا واضحًا من خلال تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي يائير
لابيد، الذي قال: "إن تعزيز العلاقات بين إسرائيل والشركاء العرب سيردع
إيران"، وأضاف: "ما نقوم به هنا هو صنع التاريخ وبناء هيكل إقليمي جديد
قائم على التقدم والتكنولوجيا والتسامح الديني والأمن والتعاون
الاستخباراتي"، وتابع: "هذه التركيبة الجديدة ـ القدرات المشتركة التي
نبنيها ترهب وتردع أعداءنا المشتركين وفي مقدمتهم إيران ووكلاؤها" (ص136).
السردية الإبراهيمية مقاربة للتعالي والهيمنة في كافة النواحي؛ على المستوى الديني قام صلب الاتفاقيات وصفقة القرن على سيطرة دولة الاحتلال على مدينة القدس، وعلى مخططات لهدم المسجد الأقصى وبناء معبد يهودي في موضعه. وعلى المستوى السياسي، لم تمنح صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية شيئًا للفلسطينيين، لا دولة ولا حدود ومدنًا، ولا أي شيء.
في سبيل الهدف الأمريكي وبشكل مرحلي في
إدارة تناقضات الهوية في المنطقة وتمثلاتها السياسية، سنجد أنه في لحظة ما قد جرت
تغيرات دالة لتتجه كل الجهود لخدمة الأولوية الجديدة؛ فتم إدارة التناقضات في
المنطقة لتخدم الهدف، فيجري تهدئة الملف النووي الإيراني، وتخفيف الدعم لحرب
السعودية في اليمن، والتفاوض مع الحوثيين، وإزاحة طبقة الحكم اليمنية القديمة
وظهور ومجلسي رئاسي، في الوقت نفسه تهدئة مخاوف إسرائيل وتنفيذ سياساتها عبر
اجتماع النقب وتفاهماته السياسية، والاقتصادية، والعسكرية، والشاهد أن معظم
الملفات الساخنة في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط، تم العمل بها وفق دعم
الحشد الأمريكي ضد الأوراسية الجديدة في روسيا وغزو أوكرانيا.
من المغالطات العلمية التي استند لها زيدان
للترويج لخطاب الاستلاب للصهيونية في عهد بايدن، والترويج للرواية الصهيونية تجاه
القدس، وما تتعرض له من عنصرية وعدوان، قال زيدان عن القدس:" كانت محتلة من
وجهة نظر المسلمين، أما من وجهة نظر المسيحيين فهي محتلة من قبل المسلمين، من بعد
العهد العمرية، ثم إن العهد العمرية وهذا من المدهشات لم تستعمل أبداً كلمة القدس
ولا بيت المقدس، وإنما لأربع أو خمس مرات يذكر اسم المدينة في العهد العمرية
باسمها المسيحي الذي كان معروفا آنذاك باسم إيلياء، وبالتالي فالمسيحية لا تعرف القدس
ولا تعرف أورشليم، ولكن المسيحية تعرف مدينة إيليا التي ارتبطت بالموروث المسيحي
مثلما ارتبطت بالموروث الوثني الروماني، والموروث العبراني القديم، ثم بالمسلمين
بعد ذلك وكل طرف يرى أنها محتلة من قبل الطرف الآخر" أي أن زيدان هنا يحاول
تارة أن ينفي حق المسلمين في المدينة بحجة الاسم القدس، ويحاول أن ينفي حق
المسيحيين فيها بحجة الاسم إيلياء، ليثبت الرواية الصهيونية الدينية فقط وحقهم في
المدينة !
تشويه اللغة العربية لصالح الصهيونية وإحياء
اللغة العبرية
كانت اللغة العربية بوصفها وعاء رئيسياً
للثقافة على موعد يوسف زيدان في خطابه للانسلاخ عن الذات العربية، فكانت هي المحطة
الثالثة في طريقه لتشويه الثقافة العربية، والانتصار للثقافة الصهيونية، وروايتها
للصراع العربي الصهيوني في بعده التاريخي والثقافي واللغوي، حيث تناول يوسف زيدان
الخلط بين اليهودية والصهيونية، ضارباً أمثلة بيهود مصر( ليلى مراد) ويهود العصور
الوسطى موسى بن ميمون، فيتم الخلط الشديد بين اليهودية كديانة والصهيونية كحركة
تهدف لاستعمار فلسطين في شكل هيمنة وجودية على العرب، وليس مجرد عودة أو حج رمزي ليهود
العالم للأماكن الدينية في فلسطين، هنا خلط زيدان الأوراق خلطاً شديداً بين الذين
يدينون باليهودية، والذين ينتمون للصهيونية كمشروع للاحتلال والهيمنة العنصرية،
وادعى أسبقية اللغة العبرية في تدوينها ودور الحركة الصهيونية في احيائها، ليحاول
خلخلة الصورة الذهنية المستقرة عن اللغة العربية باعتبارها لغة من أقدم اللغات وأم
تفرعت عنها العديد من اللغات في المنطقة وبين شعوبها، اذا يعتبرها البعض اللغة
الأكثر تجذرا بين اللغات التي سادت في منطقة بلاد الرافدين والشام وشبه الجزيرة
العربية، وذلك لصالح الاستلاب والترويج للغة العبرية التي اعتمدتها الحركة
الصهيونية لغة حديث يومي بعد فترة موات طويلة.
حذرت الدراسة من أن خطاب الاستلاب العربي قد
أخذ شكلاً جديداً في عام 2023م، مع تدشين بين العائلة الإبراهيمي في الإمارات بما
يمثل مرحلة جديدة من السردية الإبراهيمية تقدم نفسها فيها بوصفها حواراً دينياً،
وعبر نخبة عربية جديدة تقدم خطاب الاستلاب العربي للصهيونية وصفقة القرن
في شكل جديد، يرفع شعار المشترك الإبراهيمي نسبة إلى نبي الله سيدنا إبراهيم عليه
السلام، ويسعى لتمرير السردية الإبراهيمية بوصفها فعلاً حضارياً يحسن الصورة
النمطية للإسلام في الغرب، وتؤكد الدراسة على أهمية التصدي العلمي والشعبي لمثل
هذه المحاولات، وضرورة الوعي بها عند صناع القرار، والتأكيد على الذات العربية،
وأهمية استعادة مشروعها الخاص بديلاً عن محاولات التفكيك والاختراق التي تقدمها
السردية الإبراهيمية.