ملفات وتقارير

أكبر شريك تجاري مع "إسرائيل" يقترح فرض عقوبات على الاحتلال.. ما معنى ذلك؟

الاتحاد الأوروبي يتجه لفرض عقوبات على الاحتلال الإسرائيلي في خطوة تاريخية - CC0
الاتحاد الأوروبي يتجه لفرض عقوبات على الاحتلال الإسرائيلي في خطوة تاريخية - CC0
قدمت المفوضية الأوروبية، مقترحًا رسميًا إلى مجلس الاتحاد الأوروبي يقضي بتعليق بنود محددة من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والاحتلال الإسرائيلي، والتي تتعلق بالامتيازات التجارية، بالإضافة إلى فرض عقوبات على وزراء متطرفين في الحكومة الإسرائيلية ومستوطنين٬ في خطوة اعتبرتها بروكسل استجابة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحديدًا في قطاع غزة والضفة الغربية.

وتأتي هذه الخطوة بعد مراجعة دقيقة التزمت بها المفوضية الأوروبية بشأن مدى التزام الاحتلال الإسرائيلي بالمادة الثانية من اتفاقية الشراكة، التي تنص على أن العلاقات بين الطرفين يجب أن تستند إلى احترام حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية، وتعتبرها المادة جوهرية وأساسية في الاتفاقية. 

وقد خلصت المراجعة إلى أن السياسات التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك الحصار المفروض على المساعدات الإنسانية في غزة، وتوسيع المستوطنات في منطقة E1 في الضفة الغربية، تشكل انتهاكًا صارخًا لهذه المبادئ الأساسية، ما يتيح للاتحاد الأوروبي تعليق الاتفاقية بشكل أحادي.


وأوضحت فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي، كأكبر مانح للمساعدات الإنسانية في المنطقة، لا يمكنه البقاء صامتًا أمام التدهور المأساوي في الأوضاع الإنسانية في غزة، مشددة على ضرورة وقف إطلاق النار الفوري، وتوفير وصول غير محدود للمساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح جميع المحتجزين لدى حركة حماس. 

وقالت: "نقترح تعليق الامتيازات التجارية مع إسرائيل، وفرض عقوبات على الوزراء المتطرفين والمستوطنين العنيفين، مع استمرار دعم المجتمع المدني الإسرائيلي ومؤسسة ياد فاشيم".


تأثير القرار على التجارة والدعم المالي
وتشمل التعليقات العملية للقرار تعليق الامتيازات التجارية التي كانت تمنح للاحتلال الإسرائيلي بموجب اتفاقية الشراكة، بحيث تخضع السلع القادمة من الاحتلال الإسرائيلي للرسوم الجمركية المطبقة على أي دولة ثالثة لا تربطها بالاتحاد الأوروبي اتفاقية تجارة حرة. 

وقدرت الإحصاءات أن إجمالي التجارة بين الاتحاد الأوروبي والاحتلال الإسرائيلي بلغ في 2024 نحو 42.6 مليار يورو، منها 15.9 مليار واردات من الاحتلال٬ و26.7 مليار صادرات إلى السوق الإسرائيلية، بينما وصل حجم التجارة في الخدمات بين الطرفين إلى 25.6 مليار يورو في 2023.

كما يشمل التعليق تعليق الدعم المالي الثنائي الذي يقدمه الاتحاد الأوروبي الاحتلال من خلال صندوق "الأداة الأوروبية للجوار والتعاون الدولي" للفترة 2021–2027، والذي كان يتضمن حوالي 6 ملايين يورو سنويًا، بالإضافة إلى تعليق المشاريع الجارية في إطار التعاون المؤسسي وبرامج التعاون الإقليمي، والتي تبلغ قيمتها نحو 14 مليون يورو. 

وقد استثنى القرار دعم المجتمع المدني الإسرائيلي ومؤسسة "ياد فاشيم"، التي تحتفظ بدور بارز في حفظ تاريخ الهولوكوست وتعليم الأجيال القادمة.



آلية تطبيق العقوبات
وتتمثل الخطوة التالية في اعتماد مجلس الاتحاد الأوروبي قرار تعليق الامتيازات التجارية بالإجماع أو بالأغلبية المؤهلة، لتصبح هذه التدابير سارية المفعول بعد إشعار مجلس الشراكة بين الاتحاد والاحتلال الإسرائيلي بثلاثين يومًا. 

وتشمل العقوبات أيضًا أربع مشاريع قانونية لإدراج وزراء ومستوطني عنف على قائمة العقوبات، مع إدراج عشرة أعضاء من القيادة السياسية لحركة حماس ضمن قائمة العقوبات الجديدة، في إطار نظام العقوبات الأوروبي العالمي لحقوق الإنسان، الذي يهدف إلى مكافحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بما يشمل القتل خارج نطاق القانون، والتعذيب، والاستعباد، والاحتجاز التعسفي، والإبادة الجماعية.

اظهار أخبار متعلقة


المواقف الأوروبية المتباينة
رغم الطابع الإنساني والاقتصادي المقصود من هذه العقوبات، تبقى المواقف الأوروبية متباينة، وهو ما يعكس الانقسام السياسي الداخلي الذي يعرقل اتخاذ موقف موحد.

وتصدرت ألمانيا قائمة الدول التي أبدت تحفظاتها على القرار، حيث رفضت الحكومة الفدرالية مؤقتًا تعليق التعاون البحثي، معتبرة أن هذه الخطوة لن تؤثر على السياسات العسكرية أو السياسية للاحتلال. 

وأوضح وزير الخارجية الألماني، يوهان فادهبول، خلال اجتماع وزراء الخارجية في كوبنهاغن، أن تعليق التعاون العلمي سيشكل تأثيرًا محدودًا على السياسات الإسرائيلية، بينما يجب التركيز على إجراءات أكثر تحديدًا، مثل تقييد صادرات الأسلحة التي قد تُستخدم في غزة، مشددًا على أهمية الحفاظ على التعاون العلمي الذي يعود بالنفع للطرفين في مجالات استراتيجية مثل الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والطائرات المسيّرة.

وأظهرت إيطاليا تحفظًا مشابهًا لألمانيا، بما يعقد مسار تمرير القرار، في حين دعمت فرنسا وإسبانيا وبولندا وعدد من الدول الصغيرة القرار الأوروبي، معتبرة أنه ضرورة لردع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وقال وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس: "العلاقات الأوروبية مع إسرائيل يجب أن تُبنى على أساس حقوق الإنسان، وإذا كانت هناك انتهاكات جسيمة، فلا بد من التحرك"، فيما أكدت الممثلة العليا للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أن الانقسام الأوروبي قد يضعف قدرة الاتحاد على التأثير على الساحة الدولية في واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية حساسية.

يرى الخبراء الألمان أن تحفظ ألمانيا على تعليق التعاون البحثي ينبع من عدة عوامل: أولًا، يرى صانعو القرار أن العقوبات البحثية لن تؤثر على النهج العسكري الإسرائيلي، ثانيًا، الحفاظ على التعاون العلمي الاستراتيجي يعزز الابتكار الأوروبي، ثالثًا، هناك ضغوط داخلية وسياسية قوية، ورابعًا، التوازن الاقتصادي والتجاري الذي يجعل فرض عقوبات تجارية محفوفًا بالمخاطر على العلاقات الثنائية. وأكدت تصريحات نائب برلماني ألماني على ضرورة أن تفسح ألمانيا المجال أمام فرض العقوبات التجارية الأوروبية على إسرائيل، خاصة في ظل التصعيد العسكري الأخير في غزة.

رد فعل الاحتلال الإسرائيلي
يتخذ الاحتلال الإسرائيلي موقفًا دبلوماسيًا شديد الحذر، حيث اعتبر وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن المقترحات الأوروبية «خبيثة» وتحاول الضغط على "إسرائيل" في وقت تخوض فيه حربًا ضد حماس. وفق زعمه.

وأشار رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يواجه عزلة دولية، واصفًا السيناريو الاقتصادي المتوقع في حال فرض العقوبات بأنه سيكون أشبه بــ"سوبر إسبرطة"، في إشارة إلى اعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي مع انغلاق اقتصادي شديد.

وأدى هذا الخطاب إلى تراجع مؤشرات بورصة تل أبيب وشيوع حالة من القلق في الأوساط الاقتصادية، مما دفع نتنياهو إلى عقد مؤتمر صحفي لطمأنة الإسرائيليين، مؤكّدًا أن التأثير الاقتصادي للعقوبات، في حال تنفيذها، سيكون محدودًا، وأن الاقتصاد الإسرائيلي قادر على التكيف مع القيود المحتملة على مكونات الأسلحة والمواد ذات الصلة.

الأبعاد الاقتصادية للتجارة الأوروبية-الإسرائيلية
تشير بيانات يوروستات إلى أن الاتحاد الأوروبي يظل الشريك التجاري الأول للاحتلال الإسرائيلي، مع فارق كبير عن الولايات المتحدة، إذ بلغت قيمة التجارة بين الطرفين 42.6 مليار يورو مقابل 31.6 مليار مع واشنطن، ما يجعل أوروبا المحرك الأساسي للاقتصاد الإسرائيلي من حيث الصادرات والواردات. 

وتمثل التجارة مع الاتحاد الأوروبي نحو ثلث إجمالي الصادرات والواردات الإسرائيلية، فيما لم تشكل إسرائيل سوى 0.8% من إجمالي التجارة الأوروبية، رغم أنها تحتل المرتبة الثالثة بين شركاء بروكسل في منطقة البحر المتوسط.

وتتركز الواردات الأوروبية من الاحتلال الإسرائيلي في آلات ومعدات النقل بنسبة 44%، ومنتجات كيميائية بنسبة 18%، ومنتجات صناعية أخرى بنسبة 12%، بينما تشكل الصادرات الأوروبية إلى الاحتلال نفس النسب، مع هيمنة قطاع الآلات ومعدات النقل على الصادرات. 

كما يشهد قطاع الخدمات بين الطرفين نموًا ملحوظًا، حيث بلغت قيمته 25.6 مليار يورو في 2023، منها 15.1 مليار صادرات أوروبية.

اظهار أخبار متعلقة


نيوزيلندا أمام اختبار أخلاقي
في السياق الدولي، برزت نيوزيلندا كأحد الأمثلة على التحرك الأخلاقي تجاه الاستثمار في الاحتلال الإسرائيلي، حيث قرر صندوق التقاعد النيوزيلندي (NZ Superfund) التراجع عن استثماراته في شركات متورطة في دعم الاحتلال والمستوطنات غير القانونية، بعد ضغوط شعبية وقانونية. وتشمل الشركات المتأثرة٬ إير بي إن بي٬ وبوكينج٬ وموتورولا٬ ٬وآلستوم التي تورطت في دعم البنية التحتية للاحتلال الإسرائيلي أو الربط بين المستوطنات.

وتتجه القضية إلى مراجعة قضائية في المحكمة العليا في أوكلاند خلال تشرين الأول/أكتوبر القادم، حيث تقدمت شبكة التضامن مع فلسطين في نيوزيلندا بطلب رسمي لإجراء مراجعة قضائية للطعن في استثمارات الصندوق، استنادًا إلى مخالفة القانون الدولي والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. 

في الوقت نفسه، أقر مجلس بلدية ويلينغتون قرارًا تاريخيًا يحظر الاستثمارات المرتبطة بإسرائيل ضمن استراتيجياته المالية، معتبرًا أن الأموال العامة يجب ألا تُستثمر في أنشطة تدعم الاحتلال أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

وأوضحت رئيسة المجلس توري فانو أن القرار يعكس التزام نيوزيلندا بالجانب الأخلاقي من التاريخ، ويؤكد أن الحكومة المحلية يجب أن تكون صوتًا مسؤولًا لمجتمعها، سواء عبر القرارات الرسمية أو المشاركة الشعبية.


التعليقات (0)