ملفات وتقارير

لحظة وفاء.. الأسير المحرر أكرم أبو بكر يروي لـ"عربي21" لقاءه بابنه ورسالته لزوجته (شاهد)

الأسر ترك أثرا عميقا في حياته لكنها عززت إرادته وإيمانه بالمقاومة  - إكس
الأسر ترك أثرا عميقا في حياته لكنها عززت إرادته وإيمانه بالمقاومة - إكس
خاض الأسير الفلسطيني المحرر أكرم أبو بكر رحلة استثنائية من الصمود والمقاومة، امتدت أكثر من عشرين عامًا داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، سنوات من العزلة والألم، واجه خلالها أصعب الظروف، لكنه لم يفقد ارتباطه بأحبائه أو حنينه للحياة خارج القضبان.

ويروي أبو بكر تفاصيل حياته اليومية في الأسر، معاناة أسرى المقاومة، والقرارات المؤلمة التي اضطر لاتخاذها من أجل حماية عائلته، خاصة انفصاله عن زوجته، وحرصه على سلامتها وحياتها بعيدًا عن قيود السجن.

والتقت " عربي21" بالأسير المحرر لتغوص معه في أعماق تجربة الأبوة من خلف القضبان، حيث لم يتمكن من رؤية ابنه سميح إلا بعد عقدين من الفراق، لتكون لحظة لقائهما داخل السجن مشحونة بالعاطفة والأمل، واستعادة سنوات ضاعت في ظروف قاهرة، معبرا عن سعادته للممارسة الأبوة حتى وإن كانت بين جدران السجن وآلامه.

كما يستعرض أبو بكر في حديثه خلفيات انخراطه في المقاومة، منذ طفولته في الانتفاضة الأولى، وتأثره المباشر بالظلم الذي مارسه الاحتلال بحق شعبه، وفي خضم هذه التجربة، بقيت غزة حاضرة في وعيه، رمزا للمعاناة والصمود، ودرسا حيا في التضحية من أجل الحرية والكرامة.

روى الأسير الفلسطيني المحرر أكرم أبو بكر، المبعد إلى مصر، لـ "عربي21" تفاصيل تجربته الطويلة في الأسر الفلسطيني، مؤكداً أن لحظة الإفراج لم تكن مفاجئة بالنسبة للأسرى القدامى، رغم الظروف القاسية والمعاملة اللاإنسانية، وقال إنهم كانوا يتابعون الأخبار بطرقهم الخاصة، متجاوزين التضليل الذي تمارسه إدارة السجن، وأنهم كانوا قادرين على استقاء المعلومات الصحيحة رغم كل الصعاب، وأضاف: "كنا متوقعين عملية الإفراج، لم نكن نعرف أسماء من ستشملهم الدفعة، ولكن كنا مستعدين نفسياً لها".


اظهار أخبار متعلقة


وأشار أبو بكر إلى أن إدارة السجون لا تخبر الأسرى بتفاصيل النقل أو الإجراءات، بل تبلغ الأسير فجأة أنه سيخرج: "تأتيك الإدارة وتقول لك فقط: حضر أمورك، وستخرج من هذه الغرفة"، مضيفاً أن هذه الطريقة كانت تزيد من التوتر والقلق بين الأسرى، خصوصاً أولئك الذين سيبقون في الزنازين بعد خروج زملائهم.

وصف أبو بكر لحظة الإفراج بأنها كانت مشاعر مختلطة، بين فرح بالخروج ووجع لترك البعض خلفهم، وقال: "كنت أرغب في الفرح، لكن لم أرغب أن ألمس مشاعر إخوتي الذين سيبقون".

وأوضح الأسير المحرر أن الإفراج في الدفعة الأخيرة بدأ يوم الجمعة، مع تجميع الأسرى في سجن النقب وسجن بن عوفه، قبل نقلهم للضفة الغربية، بينما أسرى غزة تم تجهيزهم في أقسام خاصة داخل النقب.

ظروف قاسية وخطأ للأسرى


وقال إن "الظروف خلال الحرب كانت قاسية جدًا، مع مضاعفة التنكيل والضرب والإهانة في اللحظات الأخيرة قبل الإفراج"، مضيفا أن إدارة السجون تجاهلت القوانين الداخلية التي كانت تحمي الحقوق الأساسية للأسرى، وأن الحقوق التي تحققت عبر نضالات طويلة سابقًا سقطت بالكامل.

واعترف أبو بكر بأن حل تنظيمات الأسرى داخل السجون أثناء الحرب كان خطأً، مشيراً إلى أن هذا أدى إلى ضعف المواجهة المنظمة، وأنه كان من الأفضل إعادة تنظيم الحركة الأسيرة لمواجهة الهجمات، لأن السجون ستستمر طالما الشعب الفلسطيني يقاوم، وقال: "لقد فشلنا في تشكيل حالة الطوارئ، ومصلحة السجون استغلت ضعفنا لتفكك صفوفنا".

وتحدث عن المعاناة الإنسانية اليومية داخل المعتقل: حرمان من الطعام والدواء، انتشار الأمراض مثل الجرب، عدم توفر أدوات النظافة والحلاقة، ونقص الغطاء والفرش الشتوية، وأضاف: "كنا نعيش فقط، من دون أي رعاية أو احترام للحقوق الإنسانية، كل شيء كان يستهدف كسر إرادة الأسرى".

اظهار أخبار متعلقة


وعن حياته الشخصية، روى أبو بكر تفاصيل قرار انفصاله عن زوجته خلال فترة الأسر، موضحاً أنه كان قرارًا صعبًا لكنه ضروري لمستقبلها وحياتها، مؤكداً أنه ظل ملتزما بواجباته تجاه أبنائه، كما ذكر اللحظة المؤثرة التي التقى فيها بابنه سميح لأول مرة داخل السجن، واصفاً شعوره بأنها تجربة لا توصف: فرح وحنين وامتنان مختلط، وشعور بالمسؤولية تجاه الأسرة.



رسالة إلى زوجته
في رسالة مؤثرة وجهها الأسير الفلسطيني المحرر أكرم أبو بكر إلى زوجته، من خلال " عربي21" عبّر عن تقديره العميق لشجاعتها وصدقها، مؤكداً أن وجودها في حياته يمثل مصدر سعادة وقوة.

وقال أبو بكر في كلماته: "أنت امرأة صادقة وشجاعة، شيء جميل في حياتي، وسأبقى لك وسأرعى وجودي وودي في حياتك"، معبراً عن التزامه بالبقاء إلى جانبها ورعايتها وراحتها، ووصف ذلك بأنه وعد شخصي لا يقبل التأجيل.

وأشار إلى مخاوفها من المستقبل في ظل استمرار الاحتلال، مؤكداً أنه سيعمل على منحها الطمأنينة والسعادة، وإيجاد توازن بين واجباته تجاه الوطن ومسؤولياته الأسرية. وأضاف أن اهتمامه بها لا يقتصر على ذاتهما فقط، بل يمتد ليشمل دعم عائلتهما وحماية أولادهما، مع الاعتراف بحقها في الأمان والطمأنينة.

وأكد أبو بكر أن تقديره للجهود التي بذلتها طوال فترة غيابه كبير، وأنه ملتزم بالوفاء لها، قائلاً: "هذا عهدي، وسنسعى أن نكون أوفياء لك، وسنوازن بين حياتنا الشخصية وواجباتنا تجاه الوطن"، في رسالة مليئة بالحب والوفاء والصمود.

المقاومة للعيش في كرامة 
وأكد أبو بكر على أهمية المقاومة كوسيلة للحفاظ على الحرية والكرامة، مشيدًا بتضحيات أهالي غزة والمقاومين، وقال إن الشعب الفلسطيني لن ينسى شهداءه أو أسرى سجون الاحتلال. وأضاف: "المقاومة هي الوسيلة الوحيدة للتحرر، والاحتلال لن يتراجع إلا بالقوة والمقاومة، ونحن ملتزمون بالدفاع عن أرضنا وحقوقنا مهما كلفنا الثمن".

وأشار أيضاً إلى تجربته منذ الطفولة، حيث نشأ على الانتماء للأرض والمقاومة، وشارك في الانتفاضتين الفلسطينية، مؤكداً أن قراره بالمشاركة في المقاومة كان مرتبطاً بحماية الأجيال القادمة ومنحهم حياة كريمة، وأن من يختار العزة والكرامة سيدفع الثمن دائمًا، حيث كانت البداية عند مشاهدته لاستشهاد الطفلة إيمان حجو التي رأى فيها ابنته ليقرر بعدها اختيار طريق المقاومة حفاظا على ابنته والأجيال القادمة.

ختم أبو بكر تصريحاته بالتأكيد على أن تجربة الأسر تركت أثرًا عميقًا في حياته، لكنها عززت إرادته وإيمانه بالمقاومة والحرية، وأن الالتزام بالواجب الوطني تجاه الوطن والشعب هو الطريق الوحيد للحفاظ على الكرامة والعزة، وأنه سيظل مخلصًا لشعبه ولأبنائه، حاملاً رسالة المقاومة إلى الأجيال القادمة.
التعليقات (0)