لا يكاد يمر شهر دون الإعلان عن صفقة استحواذ مباشرة على حصص في شركات حكومية
مصرية، أو طروحات لقطاعات عامة حيوية، أو تخصيص أراض وقطع استراتيجية تطل على السواحل الشمالية والشرقية، تكون الصناديق السيادية أو الشركات القابضة
الإماراتية الطرف الرئيسي والمستثمر الأكبر في أغلبها.
والأحد، أعلنت الهيئة العامة للرقابة المالية نية شركة "
بلاك كاسبيان لوجيستكس هولدينج ليمتد" -خاصة محدودة بالأسهم مؤسسة في سوق أبوظبي- التقدم بعرض شراء إجباري (محتمل- غير ملزم) على أسهم شركة "الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع".
عتبة السيطرة والمكاسب والنفوذ
العرض يهدف لزيادة حصة "بلاك كاسبيان" الحالية من 19.33بالمئة إلى 90 بالمئة من إجمالي الأسهم، بنحو 953.4 مليون سهم إضافي، بسعر 22.99 جنيه للسهم الواحد (نحو نصف دولار)، بقيمة إجمالية تصل حوالي 21.9 مليار جنيه (465 مليون دولار).
وأنهى سهم "الإسكندرية لتداول الحاويات" تعاملات الأحد، عند 25.71 جنيه، وهو أعلى من السعر المعروض للاستحواذ بنحو 2.7 جنيه أو 11.8 بالمئة، ما يدعم وجهة نظر المعارضة المصرية القائل بأن أغلب الاستحواذات على الطروحات والشركات المصرية تتم دون القيم السوقية الحقيقية.
اظهار أخبار متعلقة
ووفقا للإفصاح المقدم، فإن عرض الشراء الإجباري المحتمل سيكون معلقًا على شرط تملك ما لا يقل عن 51 بالمئة من رأس المال المصدر لشركة "الإسكندرية لتداول الحاويات"، بقصد السيطرة أو ما يطلق عليها مراقبون "عتبة السيطرة".
الاستحواذ الثاني في 25 يومًا
ويعد هذا هو التحرك الثاني خلال 25 يومًا لصالح شركات إماراتية في حصص "الإسكندرية لتداول الحاويات"، المصرية التي تأسست عام 1984، وتمتلك محطتين عملاقتين بمينائي "الإسكندرية" و"الدخيلة" على البحر المتوسط متصلتين بشبكة السكك الحديدية الوطنية، وتعمل بسعة 1.5 مليون حاوية مكافئة سنويًا، مسجلة 8.37 مليار جنيه إيرادات، و6.09 مليار جنيه أرباحا العام المالي الماضي.
في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، استحوذت مجموعة "موانئ أبوظبي" التابعة لشركة "القابضة ADQ" الإماراتية، على نسبة 19.328 بالمئة من "الإسكندرية لتداول الحاويات"، وهي حصة الشركة "السعودية المصرية للاستثمار"، بقيمة 13.2 مليار جنيه، في صفقة حققت فيها الأخيرة أرباحا ضخمة تعدت 10 مليارات جنيه خلال 3 سنوات فقط، من استحواذها على تلك النسبة من الحكومة المصرية عام 2022.
وفي نهاية 2022، استحوذت (القابضة ADQ)، و"السعودية المصرية" على 32 و19 بالمئة من "الإسكندرية لتداول الحاويات"، بحوالي 193 مليون دولار من الأولى، و126 مليون دولار من الثانية، وبنسبة نمو وصلت 5 بالمئة حققت (الإسكندرية للحاويات) 6.6 مليار جنيه أرباحا بعام (2024/2025)، مرتفعة من 1.41 مليار جنيه في (2020/2021).
وتستحوذ شركة "ألفا أوريكس ليمتد" وهي أيضا إحدى شركات مجموعة "ADQ الإماراتية"، على 32 بالمئة من "الإسكندرية لتداول الحاويات"، ما وضع نحو 51.328 بالمئة من أسهم الأخيرة في حصة حاكمة بحوزة الصندوق السيادي الإماراتي، فيما وتتوزع النسبة الباقية بواقع 35.37 بالمئة للشركة القابضة للنقل البحري والبري، و7.63 بالمئة لهيئة ميناء الإسكندرية، وكلاهما جهات حكومية مصرية.
أهمية الشركة وأعمالها وملاءتها المالية
التسارع الإماراتي نحو الاستحواذ على حصة أغلبية مسيطرة على "الإسكندرية للحاويات"، يدفع للبحث عن أهمية تلك الشركة، وأسباب الإصرار الإماراتي على تملكها، وبحسب موقع الشركة عبر الإنترنت، فإنها تقوم بإدارة وتشغيل المحطات متعددة الأغراض ببعض الموانئ المحلية، وأعمال التخليص الجمركي، وشحن وتفريغ الحاويات –نحو 1.5 مليون حاوية مكافئة سنويًا-، ونقل البضائع للموانئ –الدخيلة والإسكندرية- وتخزينها بمخازن مفتوحة.
ومنذ الاستحواذ الإماراتي السعودي على نحو 51 من "الإسكندرية للحاويات"، في 2022، جرى تسعير خدمات الشركة من الشحن والتفريغ وخلافه بالعملات الأجنبية، وليس بالجنيه المصري، ما ضاعف إيراداتها بنسبة 194 بالمئة في 3 سنوات، وفي عام (2024/ 2025) قامت "الإسكندرية للحاويات"، بمناولة نحو 1.07 مليون حاوية مكافئة، بمعدل تشغيل قدره 71 بالمئة من طاقتها التشغيلية، ما رفع قيمتها السوقية إلى 1.3 مليار دولار، ووضعها بالمركز الـ30 بقائمة "فوربس"، لأقوى 50 شركة عاملة في مصر.
وفي تقرير لها أكدت وكالة "بلومبيرغ"، أن "الإسكندرية للحاويات" تدير أنشطة عالية الربحية ومولدة للدخل، وتتمتع بميزانية مالية قوية ومستقرة مع صافي نقدي يبلغ 9.7 مليارات جنيه مصري حتى منتصف 2025، "الأمر الذي سيساهم في تعزيز وضع مجموعة موانئ أبوظبي من حيث السيولة والرافعة المالية".
مكاسب الشركة الإماراتية
الصفقة تمنح "موانئ أبوظبي" حصة أغلبية مسيطرة في واحدة من أكبر الشركات المشغلة لمحطات الحاويات المصرية، والتي قالت في بيان لها إن الاستحواذ سيسهم في تحقيقها مكاسب استراتيجية ومالية ويعزز حضورها بأحد أهم الممرات البحرية العالمية، مشيرة لزيادة 3 بالمئة بإيراداتها من حصتها بـ"الإسكندرية للحاويات" في (2024/2025).
وبعد استحواذ "القابضة أبوظبي" على 32 بالمئة من "الإسكندرية للحاويات" بقيمة 186 مليون دولار في نيسان/أبريل 2022 عوضت المجموعة نحو 93.5 بالمئة من ثمن الشراء خلال أيلول/ سبتمبر 2025 بفضل الأرباح الضخمة (173.92 مليون دولار)، وتعزز الصفقة الجديدة السيطرة الإماراتية في القطاع عبر حصة حاكمة مسيطرة، وإعفاء ضريبي لأرباح صندوق أبوظبي السيادي في مصر وفق قرار رسمي في 15 حزيران/ يونيو 2025، مما يمنحها تحكما كاملًا بالشركة واستراتيجيتها والقرارات الإدارية لأكبر
شركة حاويات مصرية.
5 مخاطر.. أهمها حضور الكيان
الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى يوسف، تحدث إلى "
عربي21"، عن 5 مخاطر من الاستحواذ الإماراتي الجديد، قائلًا إن: "استحواذ الشركات الإماراتية على الموانئ وشركات الحاويات المصرية مسألة في غاية الخطورة، نظرا للتماهي الشديد بين نظام أبوظبي ودولة الاحتلال"، ملمحًا إلى أن "الإمارات أمدت إسرائيل خلال حرب الإبادة الجماعية على غزة (2023- 2025) بكل ما تحتاجه، عبر الطريق البري".
الباحث في الاقتصاد السياسي والتنمية والعلاقات الدولية، أوضح أن "شركات الإمارات استخدمت أيضا، ميناء الإسكندرية لتصدير الفواكه الطازجة والكثير من المنتجات التي حظرت دول العالم تصديرها لإسرائيل في رحلات متتابعة مع ميناء أشدود".
وذهب للقول: "ولهذا فإن الأمن القومي المصري معرض لمخاطر شديدة جدا جراء استحواذ الشركات الإماراتية على أهم أصولها؛ ناهيك عن شبهات الفساد في الصفقات، ورأينا شركات خليجية اشترت حصصا في شركات مصرية وحققت من بيع ذات الحصص خلال 3 سنوات نحو 10 مليارات جنيه"، ويرى أن "بيع الأصول وخاصة الاستراتيجية المصرية بالذات للإمارات فيه جانب تعويضي، خاصة وأن أبوظبي استثمرت بقوة في نظام 3 تموز/ يوليو 2013، وقدمت له سيلا من الإنفاق الاستراتيجي دعما له".
ولفت ثانيًا إلى أن "الإمارات لديها خبرات واسعة في مجال
الاستثمارات وحققت أرباحا مضاعفة عن المبالغ التي استحوذوا بها على الأصول المصرية والأراضي مثل: رأس الحكمة، وجزيرة الوراق، ومثلث ماسبيرو، والقطاع الصحي، والتعليمي"، ملمحًا إلى "خطورة تبادل المعلومات نتيجة تلك السيطرة بين أبوظبي وتل أبيب".
وأشار ثالثًا، إلى "خطورة تأسيس الكيانات الجديدة المستحوذة على أصول مصرية في بلدان الملاذات الضريبية الآمنة والتي تخفي هوية المؤسسين"، موضحًا أن "هذه الكيانات المشبوهة غير معلومة الهوية ويصبح استحواذها على 90 بالمئة من شركة الإسكندرية للحاويات أو بعض الأصول الهامة فرصة لأن تؤول إلى مستثمرين إسرائيليين عبر كيان قبرصي أو من لكسمبورج أو ليختنشتاين أو فيرجن وغيرها".
رابعا، لمح يوسف، إلى أن "الاستثمار الإماراتي خالي من الاستثمار الحقيقي، هو فقط يشتري الأصول الهامة والاستراتيجية والحيوية ليتحكم في قرارك الاقتصادي والسياسي"، وختم مبينًا، أننا "في مصر سنصبح أمام خطر خامس ومأساة قانونية لإعادة الأمور لوضعها الطبيعي في حالة تغيير النظام الحالي، فلكي تعيد الشركات والأراضي والأصول قد تضطر إلى الدخول في صراعات قانونية وتحكيم دولي وقد تلجأ إلى تأميم شركات ودفع غرامات، وغيرها".
مخاوف السيطرة وكيان غامض
ويؤكد مراقبون أن الصفقة الأخيرة تعطي الحق لـ مجموعة (ADQ الإماراتية)، والكيانات التابعة لها "ألفا أوريكس ليمتد"، و"بلاك كاسبيان لوجيستكس هولدينج ليمتد"، الشراء الإجباري لكامل أسهم "الإسكندرية للحاويات"، التي تشمل الحصة المملوكة للحكومة المصرية، كما يحق لها لاحقا شطب الشركة من البورصة وإعادة هيكلتها ودمجها مع الكيانات التابعة لها، وفق محلل أسواق المال محمد مهدي، لصفحة "متصدقش".
وتشير الخبيرة المصرية سالي صلاح، إلى أن "بلاك كاسبيان لوجيستكس هولدينج ليمتد"، كيان غامض، تأسس بجزيرة قبرص، إحدى أخطر ملاذات إخفاء الملكية والتهرب الضريبي وفق تقارير الاتحاد الأوروبي، ملمحة لخطورة الاستحواذ الجديد على ما تبقى من حصص الحكومة بالشركة العملاقة.
وعبر صفحتها بـ"فيسبوك"، أوضحت أن الاسم المتداول خلف الصفقة رجل الأعمال نادر خليل، مستدركة أن "التحليل المالي يشير إلى أن حجم التمويل يتجاوز قدرات رجال أعمال محليين"، لافتة إلى أن القيمة الاستراتيجية الحقيقية للشركة، تتمثل بالموقع الجيوسياسي، حيث ميناء الإسكندرية، مؤكدة أنه "في حالات الصراع، من يتحكم في الميناء يتحكم بحياة 100 مليون مصري".
وأكدت أن التقدير الحقيقي للسهم وفقا لخبراء اللوجستيات يفوق 20 ضعف القيمة المعلنة، عاقدة مقارنة بين تقدير العرض لسعر السهم بـ22.99 جنيه، بينما القيمة الجيوسياسية: من (500–750 جنيه)، لافتة إلى أن قيمة الصفقة مع بيع 90 بالمئة من الأسهم يعني 4.14 مليار جنيه، فيما تقدر القيمة العادلة ما بين (70–90 مليار جنيه).
سيطرة حاكمة على القطاع المصري
وما لها من استحواذات، وعقود انتفاع، وصفقات تطوير بمناطق حيوية بساحل البحرين الأحمر والمتوسط، ومدخلي قناة السويس الجنوبي والشمالي؛ تتحكم "موانئ أبوظبي" بالمنطقة الاقتصادية "شرق بورسعيد" و"ميناء السخنة" جنوب السويس، وما بينهما وهي قناة السويس، وفق خبراء.
كما أن سيطرة صندوق الثروة السيادي لأبوظبي، برئاسة طحنون بن زايد، على إدارة وتشغيل وتطوير بموانئ: الإسكندرية، والغردقة، وسفاجا، وشرم الشيخ، والعين السخنة، والغردقة، وبورسعيد، ودمياط، ورأس الحكمة، والعريش، يثير المخاوف من السيطرة الإماراتية واحتكارها القطاع الحيوي.
اظهار أخبار متعلقة
وفي أيار/ مايو الماضي، عقدت "موانئ أبوظبي"، اتفاقية تطوير وتشغيل منطقة "كيزاد شرق بورسعيد"، الصناعية واللوجستية قرب المدخل الشمالي لقناة السويس و"ميناء بورسعيد"، مدة 50 عاما قابلة للتجديد، وبينما مقرر مشاركة "موانئ أبوظبي" بإنشاء ميناء لليخوت والسفن السياحية في مشروع "رأس الحكمة" بالساحل الشمالي، وقعت في كانون الثاني/ يناير الماضي، مذكرة تطوير وإدارة مجمع لوجستي بميناء الإسكندرية بمساحة 1.1 كيلومتر مربع.
وفي حزيران/ يونيو 2024، نالت امتياز تطوير وتشغيل وإدارة 3 محطات للسفن السياحية بموانئ "الغردقة" و"سفاجا" و"شرم الشيخ"، 15 عاما بـ4.7 مليون دولار، بجانب امتياز 30 عاما لتطوير وإدارة وتشغيل محطة لسفن الدحرجة، وأخرى للسفن السياحية بميناء "العين السخنة".
وذلك بعد اتفاقية في 2023، لبناء وتشغيل مشروع محطة "سفاجا متعددة الأغراض"، بقيمة 200 مليون دولار، فيما استحوذت على شركتي الخدمات اللوجستية "تسي سي آي وترانسمار"، و"سفينة لخدمات الشحن"، مع اتفاقية تطوير وإدارة ميناء "العينة السخنة"، في آذار/ مارس 2022.