مع إصدار الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب، الاثنين الماضي، قرارا تنفيذيا بدراسة إمكانية تصنيف بعض فروع جماعة
الإخوان المسلمين في
مصر، والأردن، ولبنان، تنظيمات إرهابية أجنبية وكيانات إرهابية عالمية.
تحدث خبراء لـ"عربي21"، حول الطرق والوسائل المتاحة للجماعة لوقف قرار قد يصدر خلال 45 يوما، أو تقليل آثاره.
وذكر بيان البيت الأبيض، أن "الرئيس ترامب، يواجه الشبكة العابرة للحدود لجماعة الإخوان المسلمين، التي تغذي الإرهاب وحملات زعزعة الاستقرار ضد المصالح الأمريكية وحلفائها في الشرق الأوسط"، فيما كلف وزير الخارجية ماركو روبيو ووزير الخزانة سكوت بيسنت ببدء إجراءات التصنيف.
وترد جماعة الإخوان المسلمين على مثل تلك القرارات بتصنيف بعض فروعها كـ"منظمات إرهابية" من قبل إدارة ترامب، وغيره، نافية بشدة أي تورط لها بالعنف أو الإرهاب، وتتهم مصر والسعودية بالإمارات بتصويرها وتصنيفها كـ"إرهابية" وحظر أنشطتها وملاحقة أعضائها خوفا من صعودها للحكم بانتخابات ديمقراطية.
وفي 30 نيسان/ أبريل 2019، وخلال ولاية ترامب، الأولى، أعلن البيت الأبيض أنه يعمل على إدراج الإخوان للقائمة الأمريكية الخاصة بـ"الجماعات الإرهابية الأجنبية"، وهو الإدراج الذي لم يكتمل لرفض "البنتاغون"، ووزير الخارجية الأمريكية الأسبق ريكس تيلرسون.
ويشير البعض لخطورة الأمر هذه المرة، وينصح الجماعة بتجهيز الدفوع القانونية، والسياسية، التي تؤكد رفضها العنف والإرهاب وعدم ارتكابها أية وقائع تدفع بها إلى هذا التصنيف وما ينتج عنه من آثار سلبية، على الجماعة صاحبة الـ97 عاما في العمل الإسلامي والسياسي في العالمين العربي والإسلامي وأوروبا وأمريكا.
وطالب آخرون بحل "التنظيم الدولي" للإخوان المسلمين، وإعلان عدم ارتباط الجماعة بـ"حزب الله اللبناني"، وجماعة "أنصار الله الحوثي"، في اليمن، وكذلك بتنظيمي "القاعدة"، و"الدولة الإسلامية"، خاصة مع ما حمله إعلان ترامب، من إشارات لارتباط الجماعة ببعض تلك التنظيمات.
ووفق مراقبين، فإنه حال صدور قرار التصنيف ستتم "ملاحقة أعضاء الجماعة، ومصادرة أموالهم، وإغلاق مكاتبهم، ومقارهم، ومؤسساتهم، وفرض قيود على حركة سفرهم، وحظر تمويل أنشطة الجماعة ومؤسساتها بأمريكا ومنع دخولهم لأي من الولايات، ومنع البنوك من التعامل مع أعضاء الجماعة ومؤسساتها وتجميد أصولهم المالية، وفرض عقوبات عليهم، مع تحرك دول أخرى لوصم الجماعة بذات التصنيف".
اظهار أخبار متعلقة
البعد الإقليمي والمستفيدون العرب
وفي رؤيته، قال رئيس "أكاديمية العلاقات الدولية" المصري الدكتور عصام عبدالشافي، لـ"عربي21"، إن "هذا أمر تنفيذي، وهو لا يصنف بشكل مباشر، ولكنه يدعو للتصنيف، ويعطي مهلا زمنية محددة للجهات المعنية مثل وزارتي الخارجية والخزانة وبعض المؤسسات القانونية والأجهزة الأمنية كجهاز الاستخبارات، وغيره".
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بعدة جامعات عربية وغربية، لفت إلى "الأبعاد الإقليمية والدولية لهذا القرار"، موضحا أنه "يرتبط باتصالات مباشرة بين واشنطن وأنظمة مصر، والأردن، والسعودية، والإمارات، خاصة وأنها أنظمة تحظر الجماعة وتصنيفها كيان وجماعة إرهابية وتجميد أرصدتها وتلاحق عناصرها ووضعت يدها على منشآتها ومؤسساتها".
وأكد أن "أن تلك الدول هي الأطراف الأساسية المستفيدة من مثل هذا التصنيف، بجانب الكيان المحتل"، موضحا أن "مضامين القرار التنفيذي وصحيفة الحقائق المنشورة بموقع (البيت الأبيض) تربط بين الإخوان وبعض الحركات التي واجهت الاحتلال ودعمت المقاومة".
وحذر من "التهوين من الأمر، بدعوى أن الأوامر التنفيذية مرتبطة برئيس عندما تنتهي فترة ولايته قد يتغير الأمر"، مشددا أن "الأمر تقف خلفه أطراف مستفيدة وتسعى لتوظيفه".
مواجهة سردية المستفيدين
ولذلك يرى الأكاديمي المصري، أن الأمر يحتاج تحركا على عدة مستويات، أولها "الحراك السياسي"، مبينا أنه "لابد من التواصل مع برلمانيين في الكونغرس، والمراكز البحثية الأمريكية الفاعلة، وتلك الأخرى ذات الطابع القانوني، للوقوف على نصوص القوانين التي أشار إليها الأمر التنفيذي وكيفية التعامل معها".
عبدالشافي، تحدث عن ضرورة تدشين "حملة إعلامية بشكل موسع ومكثف وبرغم عدم صدور القرار بشكل نهائي بالتصنيف"، ملمحا إلى أن "الأطراف المستفيدة ستسعى لتوظيف الأمر التنفيذي، وقد يكون هناك مزيدا من الاستهداف والحملات الأمنية المشددة والاعتقالات، وليس مستبعدا القتل خارج إطار القانون والاختفاء القسري لعدد من الشخصيات".
وخلص للقول: "وهنا يظهر دور الحملة الإعلامية المكثفة والموازية لهذا القرار، لتوضيح الحقائق، بحيث تحول دون أن تكون سردية النظم السياسية المتواطئة والمتعاونة في هذا القرار هي الغالبة، وتقديم سردية أخرى تقوم على نشر الحقائق وتوضيح الصورة".
المسار القانوني وتفعيل اللوبي
وحول المسارات الأكثر احتمالا والتي قد يلجأ إليها الإخوان المسلمون، لمواجهة قرار أمريكي بتصنيفهم "منظمة إرهابية"، قدم الباحث المصري في العلاقات الدولية الدكتور محمد الصاوي، 6 نقاط تحليلية بالاستناد إلى أدبيات العلاقات الدولية وحالات تصنيف مشابهة.
وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار أولا إلى "المسار القانوني والدبلوماسي غير المباشر"، مؤكدا على ضرورة "التحرك عبر منظمات حقوقية أمريكية ودولية للطعن في القرار باعتباره غير قائم على أدلة قضائية مُلزِمة، والضغط لإعادة تقييمه كما حدث مع مراجعات تصنيف جماعات في تسعينيات القرن الماضي".
ولفت ثانيا إلى أهمية "إعادة هيكلة الخطاب واتخاذ مسافة من الأعمال العنيفة"، وذلك عبر "إبراز وثائق داخلية وبيانات تؤكد عدم الانخراط في عمليات مسلحة داخل مصر، في محاولة لنزع الحجّة الأمنية التي استند إليها القرار".
"تفعيل اللوبي والتواصل مع صانعي القرار الأمريكيين غير التنفيذيين"، ثالث المسارات التي يدعو إليها الصاوي، مشددا على ضرورة "التركيز على الكونغرس، ومراكز الأبحاث، والجامعات؛ عبر حملات تواصل تشير إلى الانقسام الداخلي داخل الجماعة ومحاولاتها تبنّي عمل سياسي سلمي".
اظهار أخبار متعلقة
المناورة والتدويل وتحوير السردية
وتحدث رابعا عما وصفه بـ"المناورة التنظيمية"، من خلال "تقليص البنية الهرمية، وتخفيف مركزية القيادة، وتقنين الحركة إلى شبكات اجتماعية صغيرة يصعب تصنيفها ككيان واحد قابل للحظر".
كما دعا الباحث المصري جماعة الإخوان المسلمين بـ"تدويل القضية"، مع "الاستفادة من مواقف أوروبية—مثل موقف بريطانيا الذي لم يصنّف الجماعة منظمة إرهابية—لتوليد ضغط مضاد على القرار الأمريكي عبر المقارنات القانونية".
وأشار إلى أهمية "تعزيز الحضور الإعلامي الرقمي"، كمسار سادس، وذلك عبر "بناء حملة منظمة على المنصات الدولية لتحوير السردية من (تهديد أمني) إلى (حركة سياسية منقسمة)".
وخلص للقول: "الإخوان المسلمون في مصر يستطيعون تحويل قرار التصنيف الأمريكي من تهديد وجودي فوري إلى معركة استراتيجية قانونية وسياسية طويلة الأجل، عبر استخدام أطر القانون الدولي وحقوق الإنسان، وإعادة الهيكلة التنظيمية وتحشيد دعم دولي".
وأضاف: "ومن خلال العمل المنهجي والصبور، يمكنهم بناء دفاع قوي يعرّض القرار الأمريكي لإعادة تقييم ويقلّل من أضرار التصنيف المحتمل، مع تأمين مستقبل للجماعة كفاعل اجتماعي مدني وليس كجماعة محظورة إرهابيا".
المسار القانوني وخصوصية كل دولة
من جانبه، طرح نائب رئيس مركز "حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية"، إسلام الغمري، في حديثه لـ"عربي21"، قراءة تحليلية للمشهد السياسي والقانوني، وفي تقديره، فإن "التعامل مع خطوة إدارة ترامب، المحتملة بتصنيف الجماعة ككيان إرهابي، يكون عبر 3 مسارات رئيسية".
تحدث الغمري، أولا عن "المسار القانوني والمؤسسي"، مؤكدا على ضرورة "الاعتماد على غياب الدليل العملياتي المطلوب وفق معايير قانون تصنيف المنظمات الإرهابية (FTO) وإجراءات وزارة الخزانة (OFAC)، والتأكيد على أن الإخوان ليسوا كيانا دوليا موحدا، بل هياكل محلية مستقلة يصعب إدراجها كوحدة واحدة".
وثانيا لفت إلى "خصوصية السياق في كل دولة"، موضحا أنه في مصر "التصنيف المحلي قائم منذ 2013، وبالتالي سيكون تأثير القرار الأمريكي رمزيا وإعلاميا أكثر منه عمليا، رغم استثماره سياسيا داخل مصر".
وعن الأردن، أكد أن "الوضع القانوني مركّب؛ فجزء من الإخوان تم
حظره بقرارات قضائية، بينما يعمل جزء آخر ضمن إطار قانوني ممثل في (جمعية جماعة الإخوان المسلمين) المرخصة".
وبين أنه "لذلك، من المتوقع التعامل مع القرار الأمريكي من خلال إبراز استقلالية الإخوان القانونيين والتأكيد على التزامهم بالقانون الأردني، مع تجنّب أي مواجهة قد تُعقّد وضعهم الداخلي".
وحول لبنان، أوضح الغمري، أن "البيئة اللبنانية المعقدة تدفع الجماعة إلى التركيز على طابعها الدعوي والاجتماعي المحلي، والنأي بنفسها عن أي ارتباطات خارجية، وإبراز استقلال قرارها الوطني".
اظهار أخبار متعلقة
المسار السياسي والوجود الدولي
وثالثا أشار الباحث المصري إلى "المسار السياسي والإعلامي"، وذلك عبر وسائل منها "تعزيز خطاب الاعتدال ورفض العنف، وإبراز المشاركة السياسية القانونية حيثما وجدت، والتحذير من أن تصنيف تيار إسلامي واسع قد يُغذّي اليمين المتطرف في الغرب، ويفتح بابا لاضطرابات داخلية، وهو ما تخشاه مؤسسات الأمن الأمريكية نفسها".
ولفت رابعا إلى أهمية "ضبط العلاقات والوجود الدولي"، وذلك من خلال "تقوية التواصل مع القوى المدنية والسياسية داخل كل دولة، والتأكيد على استقلالية القرارات المحلية وعدم الارتباط التنظيمي عبر الحدود، والالتزام بالشفافية المالية للحد من أي تعقيدات مرتبطة بأنظمة مكافحة تمويل الإرهاب (AML/CFT)".
وأكد الغمري، أنه "حتى لو مضت واشنطن في هذا المسار، فإنه سيكون بالغ التعقيد قانونيا وعمليا، وسيتم التعامل معه غالبا عبر مسارات هادئة وقانونية لا صدامية، مستفيدين من اختلاف الواقع القانوني للجماعة في مصر والأردن ولبنان".
حل التنظيم الدولي
ودعا الكاتب سمير العركي، الجماعة للمبادرة إلى تفكيك وإنهاء عمل "التنظيم الدولي" العابر للحدود، خاصة وأنه ليس له وجود فعلي على أرض الواقع، مضيفا في مقال بـ"عربي21": "كما أن وجود مثل هذا التنظيم منح القوى المناوئة للجماعة الفرصة لمزيد من التدابير شديدة القسوة، دون أن يمنح التنظيم الدولي الجماعة حماية ووقاية من هذه الضربات الأمنية شديدة الوطأة".
ومنذ أزمة الانقلاب العسكري الذي ضرب مصر عام 2013، وأطاح بأول تجربة ديمقراطية مصرية بعد عام واحد حكمه الرئيس الراحل محمد مرسي، المنتمي للجماعة، واجه الإخوان المسلمين حملة قمع هي الأوسع في تاريخهم، ما أثر على تكوين الجماعة التي تشهد منذ عام 2015 انقساما تنظيميا أضعف قدرتها ومكوناتها.