لم يتمكن دونالد
ترامب، الرئيس الأمريكي الـ47، في ولايته الأولى من تصنيف "جماعة الإخوان المسلمين"، منظمة إرهابية أجنبية (FTO)، إلا أنه عاود فتح الملف الشائك، الأحد الماضي، معلنا في تصريح حصري لموقع "Just the News": أن الوثائق النهائية بشأن القرار "قيد الإعداد"، وستكون "بأقوى وأشد العبارات".
إعلان ترامب، يأتي بعد إصدار حاكم ولاية "تكساس" الجمهوري جريج أبوت، 19 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، قرارا صنف بموجبه "الإخوان المسلمين"، ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية "كير"، "تنظيمات إرهابية أجنبية"، و"منظمات إجرامية عابرة للحدود الوطنية".
لماذا فشلت قرارات سابقة؟
ويفتح حديث ترامب تساؤلات حول إذا ما كانت تصريحاته مجرد تهديدات اعتاد عليها لمواجهة خصومه، وأنه يهدف ممارسة الضغوط على الجماعة صاحبة الانتشار والتأثير الواسع بالعالم الإسلامي وأوروبا وأمريكا، أم أنه بصدد اتخاذ القرار الذى عجز مشرعون أمريكيون عن تنفيذه لرفض "الكونغرس"، ووزارات "الخارجية"، و"العدل"، و"البنتاغون"؟.
في 30 نيسان/ أبريل 2019، وخلال ولاية ترامب، الأولى، أعلن البيت الأبيض أنه يعمل على إدراج الإخوان للقائمة الأمريكية الخاصة بـ"الجماعات الإرهابية الأجنبية"، وذلك بناء على طلب من رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي، أثناء لقائهما بواشنطن 9 نيسان/ أبريل 2019، وهو الإدراج الذي لم يكتمل لرفض "البنتاغون"، ووزير الخارجية الأمريكية الأسبق ريكس تيلرسون.
اظهار أخبار متعلقة
إتمام هذا التصنيف واجه السنوات السابقة عقبات قانونية متعلقة بالأدلة حيث يتطلب قانون وزارة الخارجية الأمريكية دليلا قويا ومباشرا يثبت مشاركة المنظمة بشكل منظم بأنشطة إرهابية تهدد الأمن الأمريكي، فيما عرضت وزارة الحرب (البنتاغون) هذا التصنيف بشدة.
واعتمد الرفض السابق من وزارتي الخارجية، والعدل، أن البيت الأبيض لم يتمكن من تقديم دليل يثبت أن الكيان الأم (الإخوان) أو غالبية الفروع تفي بالمعايير القانونية الصارمة للتصنيف الإرهابي، ويرى المستشارون القانونيون بالوزارتين أن الجماعة كيان عالمي واسع ومنتشر، وتتخذ فروعها المختلفة في دول عدة أشكالا سياسية واجتماعية بحتة.
ويحذرون من أن التصنيف سيعقد العلاقات الدبلوماسية الأمريكية في دول رئيسية حليفة (مثل
تركيا وقطر)، وقد يزعزع الاستقرار في دول تشارك فيها فروع الجماعة في العمل السياسي بشكل سلمي.
وبرغم دعم بعض مستشاري الأمن القومي بولاية ترامب الأولى للتصنيف، إلا أنه رأى البعض أن التصنيف قد يدفع المزيد من الشباب إلى التطرف والانضمام إلى جماعات أكثر عنفا، ليتم تجميد الملف عدة مرات بسبب تداخله مع أولويات سياسية خارجية أخرى أكثر إلحاحا.
وفي العام 2019، وردا على وصفها بالإرهاب خلال إدارة ترامب الأولى، قالت جماعة الإخوان المسلمين: "سنظل ثابتين في عملنا وفقا لتفكيرنا المعتدل والسلمي، والتعاون الصادق والبناء، لخدمة المجتمعات التي نعيش فيها والإنسانية ككل".
مشروعات تمهد للقرار
لكن مع إعلان ترامب، الجديد، والذي يأتي بضغط الجمهوريين بغرفتي الكونجرس، إلى جانب بعض الديمقراطيين، على وزارة الخارجية، هل تتغاضى السلطات الأمريكية عن أسباب رفضها السابق لتصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية، وتسمح بتمرير القرار؟.
يعتقد البعض أن إدارة ترامب، "جادة هذه المرة، وتعمل منذ فترة على إعداد دفوعها القانونية لتمر التصنيف"، وتمهد له، مشيرين إلى إعلان وزير الخارجية ماركو روبيو، آب/ أغسطس الماضي، أن الأمر "كان قيد الإعداد، لكن العملية كانت طويلة ودقيقة، لأن الجماعة لديها العديد من الفروع والشركات التي يجب فحصها بشكل فردي".
وفي تموز/ يوليو الماضي، تقدم السيناتور الجمهوري تيد كروز، بمشروع قانون لمجلس الشيوخ استحدث "استراتيجية"، لتجنب رفض القانون كما حدث لمشروعه السابق، عام 2015، زاعما أن "الفرع الفلسطيني للجماعة هو حركة حماس"، مدعيا أنها "جماعة إرهابية ارتكبت أكبر مذبحة لليهود منذ الهولوكوست".
أيضا، ظهر مشروع مشترك للسيناتور الجمهوري ماريو دياز بالارت، والديمقراطي جاريد موسكوفيتز، منتصف تموز/ يوليو الماضي، كما قدمت النائبة الجمهورية عن ولاية كارولينا الجنوبية نانسى مايس، 10 حزيران/ يونيو الماضي، تشريعا في هذا الإطار.
تغذية مخاوف إدارة ترامب
كذلك يتحدث البعض عن وجود "مخاوف" داخل إدارة ترامب، قد تدفع نحو التصنيف بقوة، ملمحين إلى ما جاء بتحقيق "Just the News"، الخميس الماضي، حول أنشطة الجماعة التي مر على تأسيسها 97 عاما على يد الإمام حسن البنا، من مدينة الإسماعيلية في آذار/ مارس 1928، والذي اعتبره كثيرون أحد مجددي الإسلام في القرن الماضي، والذي يدعو لحكم إسلامي يجمع المسلمين في أنحاء العالم تحت خلافة موحدة.
وفي هذا الإطار، يزعم السيناتور، توم كروز، أن الإخوان "ملتزمون بإسقاط وتدمير أمريكا وغيرها من الحكومات غير الإسلامية في جميع أنحاء العالم، ويشكلون تهديدا خطيرا لمصالح الأمن القومي الأمريكي".
وتغذي مراكز البحث الغربية والإسرائيلية التوجه نحو تصنيف الإخوان "إرهابية"، بينها لمعهد "دراسة معاداة السامية والسياسات العالمية" الذي اتهم الإخوان المسلمين، بأنها "الإلهام الفكري للجماعات الإسلامية وفروعها الجهادية، مثل "تنظيم الدولة"، و"القاعدة"، و"حماس"، على حد تعبيرها.
وفي تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أصدرت "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" تقريرا زعم أن "الإخوان على الصعيد العالمي، بوابة للإرهاب، إذ تُغذّي أعضائها بالعقائد الدينية والكراهية التي تُبرّر العنف"، داعيا واشنطن لتصنيف الجماعة وفروعها كمنظمات إرهابية.
هل تؤثر الأوضاع الإقليمية؟
خلال حرب الإبادة الدموية الإسرائيلية على غزة، شنت الأذرع الإعلامية والسياسية والأكاديمية الإسرائيلية حملة واسعة ضد جماعة الإخوان المسلمين، بينها ما وجهه المسؤول بجامعة "كولومبيا"، هارلي ليبمان، من اتهام للجماعة، ودولة قطر، بأنهما "أنفقتا مليارات الدولارات لدعم معاداة السامية في جامعات أمريكية".
وتتواصل الضغوط الإسرائيلية لتصنيف الإخوان إرهابية، ما بدا واضحا في تقديم رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الشكر للرئيس الأمريكي لقراره المحتمل بـ"حظر الإخوان وتصنيفها منظمة إرهابية"، وتأكيده أن حكومته "حظرت جزءا من الجماعة، وستعمل على استكمال الخطوة قريبا"، زاعما أن "الإخوان منظمة تُهدد الاستقرار في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
وتعتمد مشروعات دول أوروبية لتصنيف "الإخوان إرهابية"، ومقدمي المشروعات الأمريكية، على حظر الجماعة في بلدها الأم، مصر، منذ أيلول/ سبتمبر 2013، إلى جانب إدراجها بالسعودية، والإمارات، والبحرين، كـ"منظمة إرهابية" منذ 2014، ثم حظر الأردن أنشطة الجماعة في نيسان/ أبريل الماضي.
مؤشرات رفض القرار
على الجانب الآخر، يتعزز البعض برؤية أن "الإخوان كجماعة عامة، وفروع تابعة لها؛ لم تتورط بشكل مباشر في أعمال إرهابية، أو جرائم عنف في أي من البلدان التي تتواجد فيها عبر مؤسسات رسمية مقننة، يتم مراجعة أعمالها بشكل دوري من قبل الجهات الرقابية بتلك الدول".
ورغم دعوة "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"، في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، واشنطن لتصنيف الإخوان منظمة إرهابية إلا أنها اعترفت في تقريرها أن "فروع جماعة الإخوان في أمريكا وأوروبا ترفض استخدام العنف".
وفي بريطانيا، وخلال عام 2014، وبضغوط سعودية إماراتية، طلب رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ديفيد كاميرون، مراجعة أنشطة الجماعة، ليصدر العام التالي تقرير "جون جنكينز"، الذي لم يرق لأن تستند عليه لندن لتصنيف الجماعة كإرهابية، حيث اكتفت بمراقبة أنشطتها عن كثب.
وفي فرنسا التي تشدد بشكل عام من قيودها على المسلمين والمساجد والجمعيات، بما في ذلك المرتبطة بالإخوان، عبر قانون مكافحة ما تسميه "الانفصالية الإسلاموية"، الصادر عام 2020، أعلن الرئيس إيمانويل ماكرون أن بلاده "لن تسمح بوجود بنية تحتية للإخوان"، مؤكدا على غلق المساجد والمراكز وسحب تراخيص الجمعيات.
في المقابل، لم تنجح أي من تلك المحاولات في الوصول إلى قرار نهائي، خاصة وأن "الجماعة لا تمتلك أيديولوجية اللجوء إلى العنف أو الإرهاب لتحقيق أهدافها"، وفق قول المتحدث باسم "الرابطة االإسلاميةفي بريطانيا" خليل تشارلز.
اظهار أخبار متعلقة
ويلمح المتفائلون بعدم تمرير القرار الأمريكي، إلى أن اعتداد مشرعين أمريكيين بأزمة الجماعة في مصر منذ العام 2013، ومزاعم النظام المصري الحالي بارتكاب أفراد من الجماعة بعض أعمال عنف، مردود عليه بأنها أزمة سياسية، وبأنه لم يتورط أيا من أعضاء الجماعة بأعمال عنف داخل الأراضي الأمريكية.
وأشاروا إلى أن النظام المصري دأب على تقديم الرشا لمشرعين أمريكيين لاتخاذ القرار وصناعة رأي عام داخل الكونغرس يؤيد فكرة التصنيف، ملمحين إلى إدانة رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ السيناتور الديمقراطي بوب منينديز، في كانون الثاني/ يناير الماضي، وسجنه 11 عاما بتهم تلقي رشا من مصر.
وفي السياق، وإثر تصنيف حاكم "تكساس"، "الإخوان"، و"كير"، كـ"منظمات إرهابية أجنبية، وحظره امتلاك أي ممتلكات عقارية بالولاية، أقامت "كير"، دعوى قضائية ضد حكومة تكساس، متهمة حاكم الولاية جريج أبوت، بـ"التعصب ضد المسلمين"، قائلة إنه من أتباع "إسرائيل أولا"، ويساهم في "تأجيج الهستيريا المعادية للمسلمين المنتقدين للحكومة الإسرائيلية".
تبعات التصنيف محليا وإقليميا
وحول تداعيات القرار إن جرى التصنيف الأمريكي بالفعل، رصد السياسي المصري محيي عيسى، في حديثه لـ"عربي21"، تبعات سياسية، وقانونية، واقتصادية، وعلى مستوى العلاقات الدولية، موضحا أن التصنيف "يتبعه تجريم التعاملات المالية مع الجماعة وأفرادها داخل الولايات المتحدة، مع تجميد أصولهم وممتلكاتهم، وبجانب احتمال الملاحقة بتهمة تقديم الدعم لمنظمة إرهابية".
القيادي بجماعة الإخوان المسلمين وعضو مجلس شورى الجماعة، أشار إلى أن التصنيف، "يعزز الموقف الرسمي المصري ويدعم سياسات السيسي"، ملمحا إلى أنه "سيقابله ترحيب خليجي من السعودية والإمارات، لكنه يضع قطر وتركيا بموقف دبلوماسي صعب خاصة مع استضافة الدوحة وإسطنبول لقيادات الجماعة"، متوقعا: "إما تغير سياساتها باتجاه الإخوان، أو توتر علاقاتها بواشنطن".
اظهار أخبار متعلقة
وتحدث عيسى، عن احتمال حدوث "فجوة في التصورات الاستراتيجية بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، وخاصة ألمانيا وبريطانيا الذين لا تصنفان الإخوان جماعة إرهابية ويعيش آلاف المنتمين للجماعة على أراضيهما بشكل قانوني"، ملمحا إلى احتمال "حدوث حظر أمريكي لـ(اتحاد المنظمات الإسلامية) واجهة الإخوان بأوروبا"، وفق رؤيته.
وذهب للقول إن "مثل ذلك التصنيف يفاقم عزلة الإخوان السياسية والمالية دوليا، ويحد قدرتها على الحركة والتواصل، خاصة مع تجميد الموارد المالية وما يتبعه من صعوبة بتحويل الأموال وتلقي تبرعات عبر القنوات المصرفية الرسمية خوفا من الملاحقة الأمريكية".