تتواصل لليوم الثالث على التوالي معاناة مئات الآلاف من سكان محافظة
الجيزة المصرية، جراء
انقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب عن عدد واسع من المناطق، وسط موجة حر شديدة تضرب البلاد، بلغت فيها درجات الحرارة نحو 41 درجة مئوية في القاهرة الكبرى، و45 درجة في محافظات الجنوب، ما فاقم من غضب السكان وتذمرهم.
وتعود الأزمة إلى عطل فني مفاجئ في محطة محولات "جزيرة الذهب"، إحدى المحطات المركزية في المحافظة، ما أدى إلى انسحاب الجهد الكهربائي من عدة دوائر، وتسبب بانقطاع شبه كلي للكهرباء عن مناطق مكتظة بالسكان، أبرزها إمبابة، والهرم، وفيصل، والعمرانية، والحوامدية، فضلاً عن تعطل محطات مياه الشرب المرتبطة بها.
ورغم إعلان محافظة الجيزة، الاثنين، الانتهاء من إصلاح كابل الجهد العالي بمنطقة "ساقية مكي" جنوب المحافظة، وبدء تشغيل محطة مياه "جزيرة الذهب" تدريجياً، إلا أن الشكاوى لا تزال تتوالى من سكان مناطق واسعة تؤكد استمرار انقطاع
الكهرباء والمياه لساعات طويلة، ما ألقى بظلاله الثقيلة على الحياة اليومية والخدمات العامة، بما فيها الاتصالات والإنترنت.
غياب الجاهزية ومطالبات بالمحاسبة
وفي هذا السياق، أعرب حزب العدل المصري في بيان رسمي عن "بالغ قلقه" إزاء ما وصفه بـ"القصور الفادح في الاستعدادات التشغيلية"، مشدداً على أن ما جرى يمثل انعكاساً واضحاً لغياب الجاهزية والتخطيط للطوارئ، رغم توقعات بزيادة الأحمال خلال فصل الصيف.
وحمّل الحزب الجهات المعنية مسؤولية فشل إدارة الأزمة، معتبراً أن تعطل محطة محورية مثل "جزيرة الذهب" يكشف "عجزاً عنيفاً" في إجراءات التأمين الفني، فضلاً عن غياب المولدات الاحتياطية التي تُعد من أساسيات منظومات الطوارئ.
كما أشار البيان إلى عدد من أوجه الخلل المزمن في قطاعي الكهرباء والمياه، من بينها:
- ضعف الأولويات في الصيانة والإنفاق، مع استمرار تهميش إصلاح البنية التحتية المتهالكة.
- انعدام منظومات مراقبة الأحمال، ما يؤدي إلى تكرار الأعطال المفاجئة.
- ضعف كفاءة الخدمة مقابل الإنفاق المرتفع، مما يقوّض ثقة المواطنين.
- استنزاف الكفاءات البشرية، نتيجة تدني الأجور وهجرة المهندسين والفنيين.
- خلل في سلاسل تقديم الخدمة، من الوقود وصولاً إلى البنية التحتية والمخرجات.
ووصف الحزب تحميل المواطن تكلفة مرتفعة مقابل خدمة متدهورة بأنه "أمر غير مقبول"، داعياً إلى مراجعة شاملة للسياسات التشغيلية والمحاسبة الفورية للمقصرين.
انقطاعات متواصلة وتكدّس للحصول على المياه
وبحسب إفادات سكان من مناطق الهرم وفيصل والعمرانية، فإن الكهرباء لا تزال تنقطع عن منازلهم لفترات تتجاوز خمس ساعات متواصلة، مقابل عودة التيار لفترة قصيرة لا تتجاوز الساعتين، قبل انقطاعه مجدداً.
وأشار المواطنون إلى انقطاع المياه لأكثر من 30 ساعة متواصلة في بعض الأحياء، مؤكدين أن معظم مناطق الجيزة ما زالت محرومة من المياه رغم تصريحات المسؤولين.
وقال مصدر مطّلع بمحافظة الجيزة، إن محطة "جزيرة الذهب" خرجت مجدداً عن الخدمة خلال الساعات الماضية، بسبب تكرار العطل الفني في كابل الجهد العالي (66 ك.ف) بمنطقة ساقية مكي، مؤكداً أن محاولات الإصلاح السابقة فشلت، ما دفع الجهات الفنية للجوء إلى تركيب دوائر بديلة، وهي عملية معقدة قد تستغرق وقتاً.
وأضاف المصدر أن شركة جنوب القاهرة لتوزيع الكهرباء تحاول حالياً تأمين محطات المياه والصرف الصحي بمولدات ديزل احتياطية، لكن الخدمة لا تزال غير مستقرة، محذراً من أن عودة الكهرباء والمياه بشكل كامل لا تزال "غير مضمونة".
اظهار أخبار متعلقة
مشاهد "الازدحام والإهانة"
وكانت محافظة الجيزة قد دفعت، الأحد الماضي، بعدد من المولدات الكهربائية المؤقتة، بالإضافة إلى أسطول من سيارات المياه الصالحة للشرب لتوزيعها على الأحياء المتضررة، إلا أن مشاهد التزاحم للحصول على المياه أثارت غضباً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبّر كثيرون عن استيائهم من "إذلال المواطنين للحصول على أبسط حقوقهم"، في ظل ما وصفوه بـ"فشل إدارة الأزمات".
واستفحل الاستياء العام بعدما لجأ عدد كبير من سكان الجيزة إلى مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن غضبهم واستيائهم إزاء ما وصفوه بـ"تخلٍّ حكومي واضح عن المواطنين في أوقات الأزمات"، مشيرين إلى أن الدولة تنفق مليارات الجنيهات على مشروعات البنية التحتية والدعاية لمشروعات قومية، لكنها تفشل في إدارة عطل فني واحد، فضلاً عن غياب التنسيق والتواصل مع المواطنين للتخفيف من آثار الأزمة المتصاعدة.
وكتب الناشط محمد جابر على صفحته: "خروج محطة محولات جزيرة الذهب بالكامل وانقطاع الكهرباء عن الجيزة يجب أن يكون ناقوس خطر جديد يُذكرنا بأن الإهمال في الصيانة الدورية للبنية التحتية الحيوية يضعنا جميعًا أمام أزمات متكررة وخسائر فادحة".
وتابع: "الكهرباء هي شريان الحياة للمنازل والمستشفيات والمصانع، وأي خلل في إدارتها يعطل مصالح الملايين ويُظهر مدى غياب التخطيط والرقابة. حان الوقت لأن تكون الصيانة الدورية إلزامية وبجدول معلن وشفاف، وأن يُحاسب كل مسؤول يقصّر في أداء واجبه".
"نموت من الحر والعطش"
وفي رسالة استغاثة مؤثرة، قالت مواطنة: "المياه والكهرباء بقوا أزمة قاتلة، نفسي المشكلة تتحل نهائي، لأننا مش قادرين نتحمل، وأطفالنا وكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة بيتعرضوا للخطر، وإحنا في الظلمة ومن غير نقطة ميه، لا أكل ولا شرب، بقينا 3 أيام على نفس الحال، وبنموت من الحر".
أما سهام من منطقة فيصل، فقالت:"من إمبارح الصبح الساعة 11 والمياه مقطوعة تمامًا، والكهرباء بتقطع كل شوية ولساعات طويلة. ولما الكهرباء بترجع، المياه مش بترجع معاها، ومفيش جهة طالعة تطمّننا أو تقول لنا إمتى الأزمة دي هتتحل".
وفي شهادة أخرى أوضحت إحدى المواطنات: "النهاردة اليوم التالت من غير ولا نقطة ميه، ومحدش بيرد علينا.. كأننا مش موجودين على خريطة الحكومة".
وتأتي هذه الأزمة بعد سلسلة من الانقطاعات المتكررة للكهرباء في مصر خلال الأشهر الأخيرة، نتيجة ما تقول الحكومة إنه "نقص في الوقود" و"زيادة غير مسبوقة في الأحمال"، في حين يشكك مراقبون بفعالية الاستثمارات الحكومية الضخمة في مشروعات الطاقة، متسائلين عن غياب العائد الفعلي على جودة الخدمات الأساسية.
وفي ظل استمرار انقطاع الكهرباء والمياه في مناطق الجيزة، ومع غياب جدول زمني واضح لعودة الخدمات، يتصاعد الغضب الشعبي وسط دعوات متزايدة للحكومة المصرية إلى محاسبة المقصرين وتحقيق الشفافية بشأن أسباب الإخفاقات المتكررة في البنية التحتية الحيوية.