بقائمة موالية وموحدة ووسط غياب المعارضة، بدأت السبت الماضي، ولمدة 5 أعمال تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس "الشيوخ"، المقررة مطلع آب/ أغسطس وحتى 4 أيلول/ سبتمبر المقبلين، والتي يتبعها انتخابات مجلس "النواب"، الخريف القادم، في ظل تراجع مثير لحزب "النور" السلفي.
وشكل 12 حزبا مصريا قائمة انتخابية موحدة، باسم "القائمة الوطنية من أجل
مصر"، يقودها "مستقبل وطن"، و"الجبهة الوطنية" -الحزب الأحدث في مصر- بعد توافق بينها واختيار كوتة كل حزب، بعد اجتماعات ومناقشات استثني منها حزب "النور"، رغم كونه من أشد داعمي رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، ما يثير التساؤلات.
"سقوط من القمة"
وفي أول انتخابات برلمانية مصرية شهدتها البلاد عقب ثورة 25 يناير 2011، وأكدت منظمات دولية على نزاهتها؛ ظهر حزب "النور" كثاني جبهة سياسية خلف حزب "الحرية والعدالة" الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، داخل مجلسي الشعب والشورى عام 2012، و2013، وبدا كقوة تصويتية هائلة بالشارع السياسي.
حصل "النور" على حوالي 7.5 مليون صوتا، منحته 125 مقعدا من أصل 508 مقاعد بانتخابات مجلس "الشعب" 2012، البرلمان الذي بدأ أعماله 23 يناير/ كانون الثاني من ذات العام، وقرر المجلس العسكري الحاكم للبلاد حله في 16 حزيران/ يونيو.
مع انقلاب قائد الجيش ورئيس السلطة الحالي عبدالفتاح السيسي على الرئيس الراحل محمد مرسي 3 تموز/ يوليو 2013، أيد حزب "النور" القوة العسكرية الجديدة وظهر في المشهد بقوة، حيث شارك أمين الحزب جلال مرة، في بيان 3 يوليو، الذي ألقاه السيسي، معلنا إلغاء الدستور والإطاحة بالرئيس المنتخب وتعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا مؤقتا.
مثل الحزب التيار الإسلامي الوحيد الذي لم يناهض السلطة الجديدة، وبرر موقفه بأنه كان يهدف إلى "حقن الدماء" وتجنب الفوضى، وأن مرسي قد "خان الأمانة" بعدم تطبيق الشريعة، كما استندوا إلى فقه "الحاكم المتغلب".
أكمل الحزب ذات التوجه بقبوله "دستور 2014"، وحشد قواعده للتصويت بـ"نعم"، وإعلان تأييده للمشير السيسي بالانتخابات الرئاسية أيار/ مايو 2014، ليجدد الدعم ذاته له بانتخابات 2018، فيما أقر أعضاء الحزب بمجلس النواب تنازل مصر عن جزيرتي "تيران وصنافير" للسعودية، وعلى التعديلات الدستورية 2019.
اظهار أخبار متعلقة
أيد الحزب أيضا توجهات السلطة فيما يتعلق بحرب غزة، ففي نيسان/ أبريل الماضي، اعتبر رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي، فتوى "هيئة علماء المسلمين"، بضرورة مناصرة الدول الإسلامية للفلسطينيين عسكريا، غير واقعية وخاطئة، محملا المقاومة مسؤولية دخول الحرب منفردة دون تشاور مع الدول الإسلامية.
وفي المقابل، فإن الإجراءات الأمنية العنيفة التي طالت أغلب الإسلاميين في مصر عقب 3 يوليو 2013، لم تطال أعضاء
حزب النور، وأموالهم، وبقي حزبهم، لكن تصدر السلطات من آن إلى آخر قرارات بمنع بعض قيادات السلفيين من الخطابة، ما يعتبره البعض رسالة تحذير.
"تهميش رغم التماهي"
ولكن الحزب ورغم تماهيه التام مع مواقف وقرارات السلطة الجديدة والتي بينها قتل واعتقال آلاف المصريين المتظاهرين والمعتصمين في ميادين "رابعة العدوية" و"النهضة"، جرى تهميشه وتراجع للخلف بأول انتخابات برلمانية لمجلس النواب عام 2015، في وضع تكرر بصورة أكبر في انتخابات "الشيوخ"، و"النواب"، عام 2020.
في انتخابات "النواب" 2015، تراجع أداء حزب النور بشكل غير مبرر، حيث دفع بحوالي 91 مرشحا، ليحصل على 11 مقعدا فقط من أصل 596 مقعدا، وبعد حصوله على 7.5 مليون صوت مصري في 2012 تراجعت أعداد ناخبيه إلى 494 ألف صوت فقط.
التراجع الأكبر في الشارع السياسي المصري للنور، شهدته انتخابات برلمان 2020، إذ حصل على 7 مقاعد بمجلس "النواب" ومقعدين بـ"الشيوخ".
وفي الانتخابات المقبلة والمقررة آب/ أغسطس المقبل، ووسط استبعاد الجهات الأمنية المنظمة لعملية الاقتراع لحزب النور من القائمة الموحدة، يبحث الحزب عن حلم بمقعد في "الشيوخ" إذ تقدم بـ4 أسماء فقط إلى الجهات القضائية المسؤولة عن تسلم طلبات الترشح السبت الماضي.
اظهار أخبار متعلقة
الحزب الذي تأسس كنتيجة عملية لثورة 25 يناير، في 12 أيار/ مايو 2011، ليكون الذراع السياسية عن "الدعوة السلفية"، دفع بعضو هيئته العليا صلاح عبد المعبود مرشحا فرديا لدائرة المنوفية، ومحمد سعد عليني بالقليوبية، ومتولي العريبي في أسوان، ومحمد بلال علي بطيخ، عن سوهاج، حتى كتابة هذه السطور.
"سر هذا التحول"
ورغم أنه لا يوجد إعلان رسمي أو تأكيد من جهات سيادية أو من حزب النور بأنه تم استبعاده من القائمة المدعومة من الدولة فإن غيابه عنها يرى فيه مراقبون انعكاسا لموقعه البعيد عن سلطة السيسي، ما يثير التساؤل عن سر هذا التحول.
يفسر محللون الأمر بانتهاء "الحاجة" إلى الحزب كـ"واجهة إسلامية"، رغم أنه في 3 تموز/ يوليو 2013 وفر غطاء دينيا لإطاحة السيسي، بالإخوان المسلمين، وأظهر أن هناك تيارا إسلاميا سلفيا كبيرا يؤيد الانقلاب ويقف ضد الجماعة.
ويلفت البعض إلى أن التوجه العام للسيسي، هو تجفيف منابع الإسلام السياسي، وتقليص نفوذه وتأثيره في المشهد العام، حتى ولو كان مواليا كحزب النور، والاعتماد على أحزاب غير إسلامية مثل "مستقبل وطن"، و"الجبهة الوطنية".
"حزب ولد ميتا"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري، والمتحدث باسم "الجبهة السلفية"، الدكتور خالد سعيد: "هذا الحزب تم تكوينه وإشهاره على عجل في فورة الانفتاح السياسي الذي فرضته ثورة يناير، وكان تمويله وتسهيل إشهاره بدعم ودفع وتمويل الجهات الأمنية آنذاك؛ بحسب معلومات مؤكدة عندي".
وأضاف لـ"عربي21": "كعادة الثورات يستفيد منها من لم يصنعوها، ويتصدر مشهدها من لم يشاركوا فيها، بل كثير من معتادي المكاسب والمصالح أيا كان طريق الوصول إليها، بل من كانوا خصومها وأعداؤها، وشر أولئك من ألبسوا تلك الأفعال قميص الدين".
وتابع: "قد كان شيخ الدعوة السلفية بالإسكندرية (ياسر برهامي) التي شكلت حزب النور؛ يجمع أتباعه في المساجد بأمر من أمن الدولة، ويحذرهم من الثورة وأن المظاهرات بدعة، والثورة حرام".
"وكنا نرسل لأتباعهم للخروج في واجهة الثوار وعدم تضييع اللحظة التاريخية على أبناء المنهج الإسلامي، فهي فرصة لنيل الحرية ومصلحة البلد وصناعة التاريخ، ونحن أخف الناس بها كإسلاميين لأننا خصوم السلطة طوال القرن الماضي، وقد خرج الشعب كله لنفس مطالبنا وحقوقنا، فكانوا أبعد الناس عنها وأكثرهم تبرؤا منها".
اظهار أخبار متعلقة
وواصل سعيد، مبينا أنهم "انقلبوا في أيام وأسابيع معدودة ليحققوا مصالح خاصة ضيقة، وأسهموا في إشعال الواقع المصري بقضايا مشكلة ومتشابكة، ساهمت في إجهاض الثورة وتوسعة الشقة بين الإسلاميين، ومجتمعهم المصري".
وأكد أن "حزب النور لم يأخذ أصوات أتباعه ولا أتباع دعوة برهامي، وإنما أضيفت إليه كل أصوات الإسلاميين من غير الإخوان المسلمين، إذ اعتبره أكثرهم أقرب إليهم من منهج الإخوان، وهي أكبر خدعة ساذجة وقع فيها سذج الثورة".
وبين أنه "لما ظهر منهج الحزب وممارساته المجافية للإسلام ولمصلحة الوطن؛ انكشف الحزب ولم يبق معه إلا أتباعه فقط، ولو أجريت أية انتخابات قبل الانقلاب وبعد فوز الدكتور مرسي، لم يكن الحزب لينال أكثر من الأرقام التي تُذكر عنه الآن".
ومضى يؤكد أنه "انفض عنه كثير ممن انخدعوا فيه حتى من أبناء الدعوة السلفية، ومنهم أسماء معروفة ومناطق نعرفها جيدا في طنطا والإسكندرية وكفر الشيخ وغيرها".
"انتهى دوره"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري خالد الشريف: "دعونا نؤكد أنه لا يوجد الآن حياة سياسية، والبرلمان أصبح ممثلا للحكومة وليس ممثلا للشعب، بل إن البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ، انعقد ثم انفض ولم يشعر بهما أحد، ولم يقوما بشيئ يذكر، سوى خدمة السلطة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد المتحدث باسم "حزب البناء والتنمية"، سابقا، أن "هناك فرق كبير بين برلمان الثورة، وبرلمان الانقلاب، برلمان الثورة اختاره الشعب في ظل انتخابات حرة نزيهة، وبرلمان الانقلاب تم اختيار أعضائه في دهاليز المخابرات لذلك هذه البرلمانات ولاؤها وصوتها وانحيازها لسلطة الحاكم".
وأشار إلى أن "حزب النور لن يكون نشازا عن الأحزاب الديكورية التي تسبح في فلك الحكومة"، مضيفا أن "حزب النور باع نفسه للشيطان بانحيازه للانقلاب من أول لحظة، بل وشاركت بعض قياداته في الانقلاب على الرئيس المنتخب".
وأوضح أنه "لذلك انشق عدد كبير من قيادات الحزب مبكرا، وكونوا حزب (وطن) بقيادة عماد عبدالغفور، ولو قدر الله ولم يحدث الانقلاب لحقق نتائج كبيرة في الانتخابات على حزب النور".
وبين أن "كل الأحزاب الإسلامية انحازت للشرعية ورفضت موالاة الانقلاب، فكان مصيرها التجميد والانحسار والاعتقالات لقياداتها، أما حزب النور فمشى في ركاب الانقلاب، ثم تلاشي شيئا فشيئا حتى لا يكاد يبين".
ويرى الشريف، في نهاية حديثه، أن "هذا طبيعي لأنه أدى دوره في السابق؛ والآن انتهى دوره، ويبحث عن مقاعد قليلة لأنه لم يحترم الشعب الذي أعطاه أصواته ولم يدافع عن حقوقه".
"تأسيس مخابراتي ودعم خليجي"
وفي قراءته، قال الكاتب والباحث السياسي عزت النمر، لـ"عربي21": "حينما نتناول حاضر حزب النور ومستقبله ينبغي أن نشير لتاريخه وانطلاقته، لأنهما مقدمة طبيعية لما يلقاه اليوم ومصيره غدا".
وأضاف: "الحزب في نسبة ضخمة من رموزه وقياداته لم يكن لينشغل بالشأن السياسي، وكانت الفكرة التي انطلق منها التهوين من العمل السياسي، وفكرة الحزب بالأساس صنعت ودعمت مخابراتيا وخليجيا كصورة من صور تدجين الصحوة الإسلامية وتسطيح التصور الإسلامي، وليمثل هؤلاء نمط من الإسلام (السلفي) الداعم للاستبداد والخادم لنظم الحكم والديكتاتوريات".
ويلفت إلى أن "فترة ما قبل ثورة يناير؛ برز فيها التنسيق الأمني لكثير من هؤلاء الرموز والقيادات للاستحواذ على المساجد، ونشر هذا النمط من التدين المستكين بالمجتمع".
"وبعد الثورة ومع ظهور الربيع العربي، وجدت أجهزة المخابرات في حزب النور، بغيتها واستخدمته لتفتيت أصوات الإسلاميين كي لا توجه بالكامل مع أصوات أهل الريف، والطبقة (المحافظة) إلى جعبة جماعة الإخوان المسلمين؛ الصورة كانت ستكون مخيفة بالنسبة لهم لو حدث ذلك"، وفق قول النمر.
وأوضح أنه "من أجل ذلك أُنشئ حينها حزب النور، وحصل على دعم سخي من أجهزة المخابرات والمال الخليجي، وبعض الأجهزة السيادية بالداخل المصري، وحتى من بعض رموز الإسلاميين الكارهين لجماعة الإخوان".
وخلص للقول: "كل هذا الدعم مع الصورة الإسلامية التي يتلحف بها الحزب استطاع أن يحصل على ما حصل عليه من أصوات وأصبح القوة الثانية تصويتا بعد الإخوان، وحقق الدور المنوط به (مخابراتيا)".
وأضاف: "أكمل الحزب دوره الخادم للاستبداد والداعم للثورة المضادة والمُؤَيد منها في ذات الوقت؛ حيث فتت أصوات المتدينين والمحافظين في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة عام 2012، لكنه فشل في المهمة الرئيسة له وهي إسقاط مرشح الإخوان الدكتور محمد مرسي، رحمه الله".
وتابع: "لم يجد مستخدمي الحزب بُد حينها من أن يدخل الحزب كداعم لأحمد شفيق (المرشح الرئاسي بمواجهة الراحل محمد مرسي) في الجولة الأخيرة من انتخابات الرئاسة، وباء مكرهم بالفشل".
"قمة السقوط وانكشاف الزيف"
ومضى يؤكد أنه "منذ ذلك الوقت بانت سوءات الحزب، وانكشفت المهام التي جيء به من أجلها، وانصرف عنه كثير من قياداته الشبابية الوسيطة وكثير من كتلته التصويتية".
وبين أنه "لم ينته الأمر عند هذه اللحظة، بل تم استغلال رموز الحزب من قبل الأجهزة السيادية في نشر بعض مخازيهم الأخلاقية والسلوكية، كجزء من تشويه الإسلاميين أمام قواعدهم، وتم ذلك بمؤامرة إعلامية ضخمة كان لها أثرها حينذاك".
ويرى النمر، أن "قمة السقوط لقادة الحزب ورموزه وبقاياه، بدت وظهرت بمناكفة الرئيس الشرعي وإطلاق التصريحات الكاذبة التي استُغلت إعلاميا وشارك بها هؤلاء في اسقاط التجربة الديمقراطية".
وألمح إلى أنه "لم يكن من الغريب بعده أن يقف الحزب في مشهد الانقلاب الرئيسي، وأن يسوغه في الشارع مما سبب بعض الارتباك عند بعض السذج من الشعب المصري".
وأجمل القول: "كانت هذه هي الصورة التي استُخدم بها حزب النور، وحققت للانقلاب وللثورة المضادة ما انتظروه، فلما استقر الأمر كان من الطبيعي لا كما يقال إن الحزب خسر دعم السلطة، لكن الحزب تلقى الإهانات ولم يعد لديه ما يقدمه، ومن ثم ألقته السلطة في سلة مهملاتها بمنتهى الإهانة والازدراء".
وأشار إلى استدعاء "الحزب ليؤيد رؤية السلطة في محاصرة شعب غزة وتشوية المقاومة ودعم الكيان الصهيوني في الإبادة الجماعية وحصار الفلسطينيين، إلا أن هذا أصبح واجبا بلا ثمن، والثمن الوحيد بيع الحزب نفسه ليصبح مسخا يلعنه السياسيون ويزدريه كل عاقل".
وختم بالقول: "ولا نقول انتهت أسطورة حزب، بل نقول انكشف الزيف والعمالة".