ملفات وتقارير

موسيقى "البانك" تصرخ من جديد رفضا للجرائم الإسرائيلية.. تعرف عليها

فرقة "ذا كلاش" كانت من أبرز الملهمين لروح التضامن مع الشعوب المستعمرة- جيتي
فرقة "ذا كلاش" كانت من أبرز الملهمين لروح التضامن مع الشعوب المستعمرة- جيتي
يعود الحديث عن موسيقى "البانك Punk" باعتبارها من أبرز الأساليب الثقافية التي تعبر عن مضامين رافضة للأنظمة السياسية والمؤسسات الكبرى والرأسمالية والتمييز الاجتماعي وغيرها من القضايا، بعد موقف فرقة "بوب فيلان - Bob Vylan" البريطانية الداعم لفلسطين والرافض لجرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي.

وأدى هذا الموقف إلى إلغاء حفلة للفرقة في ألمانيا، مع سحب تأشيرات كانت ممنوحة لها ضمن جولة في الولايات المتحدة، مع تواصل التحريض الإسرائيلي ضدها، إلا أن ذلك أدى إلى زيادة اهتمام الناس بها وعودة أعمالها إلى قوائم الأكثر انتشارًا.

وعقّب الثنائي الموسيقي البريطاني على دعوات التحريض بحظر الموسيقى الخاصة بهما، بعبارة أن "الناس قالوا لا"، وذلك بعد النجاح الكبير لأحد ألبوماتهما وتصدرها في قوائم الأكثر انتشارًا وتحميلًا.

موسيقى البانك
نوع موسيقي وثقافي ظهر في منتصف سبعينيات القرن العشرين في الولايات المتحدة وبريطانيا، كردّ فعل على الركود الاجتماعي والاقتصادي، ونتيجة موسيقى الروك التي صارت متكلفة وتجارية.

ونشأ أسلوب موسيقى البانك كتعبير عن الغضب والتمرّد والرفض التام للسلطة، سواء كانت سلطة سياسية أو ثقافية، ويتميز بأغانٍ قصيرة جدًا تكون أحيانًا أقل من دقيقتين وبإيقاع سريع وحادّ، وصوت جهير وغيتارات صاخبة "مشحونة بتشويش - Distortion".

وكانت موضوعات التمرّد على النظام والمؤسسات الكبرى، وانتقاد الرأسمالية والتمييز الاجتماعي، والدفاع عن الحريات الفردية وحقوق المهمّشين، إضافة إلى التعبير أحيانًا عن أجواء من الاغتراب واليأس، من أهم ما جرى التعبير عنه ضمن هذا الأسلوب الفني الفريد.

اظهار أخبار متعلقة


وكانت فرق "رامونز - The Ramones" الأمريكية، "سكس بيستولز - Sex Pistols" و"ذا كلاش - The Clash" البريطانيتين، من أبرز من برعوا وانتشروا تاريخيًا في هذا المجال.

ويتميز هذا الفن بما يمكن وصفه بالراديكالية، حيث لا حياد سياسي ولا مجاملة للسلطة، مع عفوية مطلقة ورفض التكلّف الموسيقي والتقني، مع تركيز على المجتمعات المهمشة والدعم المتبادل.

الحرية من القيود
تشابهت موسيقى البانك ظاهريًا مع مختلف أنواع الموسيقى الصاخبة الأخرى من الروك والميتال بصريًا وسلوكيًا، حيث يرتدي نجوم هذه الموسيقى ملابس فريدة وغريبة، جلدية أو سوداء أو حتى ممزقة، مع تسريحات شعر غريبة وغير مألوفة.

ومع ذلك اختلفت هذه الموسيقى عن غيرها عبر هدفها الرافض للأنظمة، ما صنع ثقافة "اصنعها بنفسك - Do it yourself"، وذلك فيما يتعلق بإنتاج الموسيقى والتصميم والتوزيع وغيرها من التفاصيل المعقدة اللازمة لنجاح أي عمل فني.

ولم تتجاهل موسيقى البانك هذه العوامل الأساسية للنجاح، إلا أن معظم رواد هذا النوع الفني اتجهوا لأسلوب "اصنعها بنفسك"، أي بعيدًا عن الشركات الكبرى التي تخضع غالبًا لأجندات معينة أو ضغوط خارجية.

وظهر ذلك بشكل واضح في نجاح فرقة "بوب فيلان" خلال الفترة الأخيرة رغم التحريض الواضح ضدها، وهو ما أشار له الثنائي بشكل صريح في منشور عبر منصة "إكس" (تويتر سابقًا) قائلين فيه: "نحن بحاجة إلى فنانين يرفعون صوتهم، ألبومنا Humble As The Sun عاد إلى قوائم التصنيفات، وكفرقة مستقلة نصدر موسيقانا عبر شركتنا الخاصة، فهذا يُظهر قوة الناس".

وأضاف الثنائي "لا يمكن لأحد أن يلغي عقدك إذا كنت تملك الشركة، شكرًا لكم جميعًا"، وهو ما حصل سابقًا مع العديد من المتضامنين مع القضية الفلسطينية خلال حرب الإبادة الحالية، سواء بخسارتهم لعقود رعاية مع شركات كبرى، أو حتى تراجع الطلب عليهم من قبل هذه الشركات الكبرى.


أغنيات فريدة
تعد أغنية "نداء لندن - London Calling" الصادرة عن فرقة "ذا كلاش" عام 1979 من أهم أغنيات موسيقى البانك تاريخيًا، وتضمنت كلماتها معارضة صريحة للنزعة الإمبريالية البريطانية والتهديدات النووية والتدهور البيئي.

وأصبحت أغنية "نداء لندن" فيما بعد شعارًا للاحتجاجات المناهضة للحروب حول العالم.



ومن هذه الأغنيات أيضًا "إجازة في كامبوديا - Holiday in Cambodia" لفرقة "ديد كينيديز - Dead Kennedys" الصادرة عام 1980، وهي ساخرة تنتقد الطبقة المتوسطة الأمريكية السطحية.

وتقارن الأغنية بين رخاء هذه الطبقة الأمريكية وفظائع نظام الخمير الحمر في كمبوديا، وتهاجم أيضًا ازدواجية المعايير الأمريكية تجاه قضايا حقوق الإنسان.

اظهار أخبار متعلقة


والخمير الحمر هو نظام شيوعي متطرف حكم كمبوديا بين 1975 و1979 بقيادة بول بوت، حيث سعوا لإقامة مجتمع زراعي خالٍ من الطبقات بإجبار السكان على العمل القسري في الريف ومنع التعليم والدين والمال، مما أدى لمقتل حوالي 1.7 إلى 2 مليون شخص بالإعدامات والجوع والمرض، قبل أن يسقطهم الجيش الفيتنامي عام 1979، ويُعتبر نظامهم من أسوأ الأنظمة الإبادية في القرن العشرين.



ولعل من أبرز أيقونات موسيقى البانك هي أغنية "حفظ الله الملكة - God Save the Queen" الصادرة عن فرقة "سكس بيستولز" عام 1977، وهي تهاجم النظام الملكي البريطاني ومراسم اليوبيل الفضي للملكة إليزابيث الثانية.

ومُنعت الأغنية في ذلك الوقت من البث في الإذاعات البريطانية الرسمية لكنها تصدّرت المبيعات ومؤشرات الاستماع وحققت نجاحًا واسعًا حتى على مستوى العالم.



ورغم أن أغنية "القتل باسم - Killing in the Name" لفرقة "الغضب ضد الآلة - Rage Against the Machine" والصادرة عام 1992، تمزج بين البانك والروك، إلا أنها من أبرز الأعمال التي عارضت النظام الأمريكي.
وترفض الأغنية عنف الشرطة الأمريكية والعنصرية المؤسساتية، وصارت فيما بعد رمزًا للتمرد ضد السلطة.



وتعد أغنية "إيه كبيرة إيه صغيرة - Big A Little A" الصادرة عن فرقة "كراس – Crass" عام 1981 من أهم أغنيات موسيقى البانك المناهضة للسلطة، وتضمنت كلماتها انتقادًا للنفاق الأخلاقي ورفضًا لكل أشكال السلطة والسيطرة.

وأصبحت الأغنية لاحقًا شعارًا للحركات الأناركية (لاسلطوية) والتحررية في بريطانيا والعالم.



ومن هذه الأغنيات أيضًا "الموت من أجل الحكومة – Die for the Government" لفرقة "أنتي فلاغ - Anti-Flag" الصادرة عام 1996، وهي أغنية تنتقد النزعة القومية الأمريكية والدعاية العسكرية التي تحث الشباب على التضحية بأنفسهم.

وتهاجم الأغنية أيضًا سياسات واشنطن وتعتبر من أشهر الأغاني الاحتجاجية في التسعينات.



أما أغنية "يسوع الأمريكي - American Jesus" الصادرة عن فرقة "باد ريليجن – Bad Religion" عام 1993، فتهاجم استغلال الدين المسيحي لتبرير التدخلات العسكرية والسيطرة السياسية.
ومُنعت الأغنية أحيانًا من بعض محطات البث لكنها أصبحت رمزًا لرفض التدخل الديني في الشؤون العامة.



وتعد أغنية "كاليفورنيا فوق كل شيء - California Über Alles" الصادرة عام 1979، لفرقة "ديد كينيديز"، من أبرز الأعمال التي انتقدت السلطة السياسية الأمريكية، إذ تهاجم الحاكم الديمقراطي جيري براون، وسخرت من خطاب الليبرالية الزائف.

وتعتبر الأغنية من أهم كلاسيكيات البانك الأمريكي التي جسدت روح التمرد ضد النفاق السياسي.



فلسطين والاحتلال
حظيت القضية الفلسطينية والجرائم الإسرائيلية المستمرة منذ عقود باهتمام رواد موسيقى البانك، وظهر ذلك في مواقف فرقة "بروباغاندي - Propagandhi" الكندية، التي عبرت في كثير من حفلاتها وبياناتها بشكل صريح عن دعم حركة المقاطعة BDS ورفض الاحتلال.

وأنتجت الفرقة أغنية "ركن المدرب العزيز - Dear Coach's Corner" التي تنتقد صراحة التواطؤ الغربي مع الاحتلال ضمن سياق أوسع عن الحروب والإمبريالية.



ومن هذه الفرق أيضًا "أنتي فلاغ - Anti-Flag" الأمريكية، التي لديها مواقف معلنة قوية ضد الاحتلال الإسرائيلي وضمن بياناتها دعوة لإنهاء دعم واشنطن لـ"إسرائيل".

وتضمنت أغنيتا "This Is The End For You My Friend" و"1 Trillion Dollar$" عبارات تهاجم الحروب الإمبريالية، مع ذكر فلسطين ضمن حملات التضامن.





ولعل فرقة "ذا كلاش" كانت من أبرز الملهمين لروح التضامن مع الشعوب المستعمرة، رغم أنها لم تنتج أغنية محددة عن فلسطين، إلا أنها أيّدت عمومًا حق تقرير المصير ورفضت العنصرية.

وأصبحت أغنيتهم "Washington Bullets" الصادرة عام 1980 رمزًا لرفض التدخلات الإمبريالية الغربية في أمريكا اللاتينية والعالم، واستلهم منها لاحقًا كثيرون في حركات التضامن مع فلسطين.



أما الفنان البريطاني "بيلي براغ - Billy Bragg"، فرغم أنه لا يقدم موسيقى بانك خالصة وتقليدية، إلا أنه يُلقب بـ"الضمير السياسي للبانك"، فقد كتب مقالات وشارك في فعاليات غنائية ضد الاحتلال الإسرائيلي.

ورغم عدم تخصيصه ألبومًا كاملًا للقضية، فإنه عبر مرارًا عن دعمه لحقوق الفلسطينيين في مناسبات عامة ومقابلات إعلامية.

اظهار أخبار متعلقة


ومن أحدث الأمثلة الصريحة فرقة "بوب فيلان - Bob Vylan" البريطانية، التي هتفت في مهرجان غلاستونبري ضد الجيش الإسرائيلي بعبارة "الموت للجيش الإسرائيلي".



وتعرضت الفرقة لاحقًا لحملة ضغط واسعة وإلغاء حفلاتها في ألمانيا والولايات المتحدة بسبب هذه المواقف الواضحة.
التعليقات (0)