كيف تسببت أوامر السيسي بـ"إزهاق" أرواح مصريين وإهدار الأموال؟
القاهرة- عربي2101-Jul-2507:28 AM
0
شارك
انهيار بالطريق الإقليمي الدائري الذي افتتحه رئيس النظام المصري- جيتي
تعيش مصر على وقع مقتل 19 فتاة، في حادث دامي على طريق قرب القاهرة، الجمعة الماضية، خلال عودتهنّ من العمل بمزارع العنب، بسبب انهيار بالطريق الإقليمي الدائري الذي افتتحه رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، قبل 6 سنوات.
تزامنت حالة الحزن على وفاة طالبات بكليات: الهندسة، والآداب، ومعهد التمريض، ورابعة متفوقة بالشهادة الإعدادية، وعروس فرحها بعد أيام، مع انتقادات وجّهها مصريون إلى السيسي، ووزير النقل، كامل الوزير، ومنظومة العمل الحكومي التي "تدار بالأمر المباشر، والقرارات التي يجري اتخاذها على الهواء دون تخطيط ودراسة وتقدير موقف"، وفق قول البعض.
"حكاية طريق الموت" الطريق الإقليمي، (400 كيلومتر)، جزء منه من تنفيذ الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، ووزارة الإنتاج الحربي، وجهاز التعمير التابع لوزارة الإسكان، والهيئة العامة للطرق والكباري بوزارة النقل، وافتتح السيسي، مرحلته الأخيرة 9 أيلول/ سبتمبر 2018، بتكلفة 9 مليارات جنيه، في مشهد إعلامي سبقه توجيهات مكثفة بضرورة الانتهاء من المشروع.
الشركة "الوطنية للطرق"، المملوكة لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة، تدير الطريق منذ افتتاحه، وتقوم عبر محطتي عبور "بلبيس" و"بنها"، بتحصيل 10 جنيهات من الملاكي و15 للنقل، و25 جنيها للنقل الثقيل الفارغة، مقابل صيانة الطريق.
مهندس مصري أوضح لـ"عربي21"، أنه "جرى تنفيذ القوس الشمالي من الطريق اقتطاعا من الأراضي الزراعية، ومن خامات الرمل والطفلة بارتفاع نحو 3 أمتار، فوقها طبقة رصيف ضعيفة غير مطابقة للمواصفات، من شركات تعمل من الباطن مع الجيش".
وبيّن أنه "وسط صدمة من مرتادي الطري، اإنهار سريعا في قطاعات عديدة وجرت له عمليات ترقيع بين بلبيس وبنها في نزلة منيا القمح، لكن مع زيادة الانهيارات تم غلق بعض مناطق منه العام الماضي، لوضع شبكة حديدية وصبات خرسانية بسمك 50 سم، في تكلفة رهيبة، يصعب حسابها ماليا".
ولفت إلى أنه "نتيجة للإغلاق الجزئي للطريق بأماكن متفرقة لا يمكن لمرتاديه السير باتجاه واحد بشكل مبستمر، حيث تعمل شركات عدة بأماكن متفرقة، ما يدفع للانتقال بين طريق الذهاب والعودة الذي لا يستوعب مرور السيارات".
"63 تصادما.. من المسؤول؟" الوضع قد تسبّب في وقوع نحو 63 حادثة تصادم أودت بحياة حوالي 116 مصري، وإصابة نحو 470، على الطريق الذي يربط محافظات القاهرة، والجيزة، والقليوبية، والمنوفية، والشرقية، والفيوم، وبني سويف، ويصلها بالعاصمة الجديدة وطرق رئيسية منها إلى الإسكندرية والسويس والإسماعيلية ومحافظات الصعيد.
وقبل حادث الجمعة بأيام، شهد الطريق الإقليمي تصادما مروعا أدى لمصرع 9 مصريين وإصابة 7 آخرين، فيما سجل آذار/ مارس 2020، مقتل 18 مصريا وإصابة 15 آخرين بعد تصادم عدة سيارات، بذات الطريق.
ويحمَّل البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي المسؤولية لسيارات النقل، بينما يرى آخرون أنّ الجاني الحقيقي هو من أمر بتنفيذ الطريق في وقت قصير.
ويلفت متابعون إلى أن مشاكل الهبوط والتشققات لم تحدث إلا في القوس الشمالي من الطريق الذي جرى تنفيذه في عهد السيسي، ولم تطال القوس الجنوبي 40 كيلومترا الذي بدأ العمل به نهاية عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتم افتتاحه بعهد الرئيس الأسبق محمد مرسي.
بل يشير الأهالي إلى تجاهل وزير النقل كامل الوزير، مكاتبات الأهالي المطالبة بترقيع الطريق الإقليمي، وشكاواهم مع كثرة الحوادث وزيادة عدد القتلى على الطريق، لتشهد محافظات الشرقية والمنوفية والجيزة 14 و12 و10 حوادث على التوالي.
ووفقا لتصريحات وزارة النقل تقدر إجمالي التكلفة المالية لمشروعات قطاع الطرق والكباري من 2014 وحتى 2024 حوالي 530 مليار جنيه، فيما يبلغ طول المشروع القومي للطرق 7 آلاف كيلومتر بتكلفة 175 مليار جنيه، ورغم ذلك فإن وزير كامل الوزير، اعترف بأن عدد ضحايا الطرق عام 2024، بلغ 5260 مصريا و76362 إصابة.
اظهار أخبار متعلقة
"من الحاج سعيد إلى الإقليمي" أشار مراقبون إلى عدد من الوقائع التي تؤكد أن أوامر السيسي، كانت سببا في إزهاق أرواح المصريين وإهدار ملايين الجنيهات من الموازنة العامة الحكومية، وتوريط البلاد بمشروعات غير منتجة يجري الاستدانة الخارجية لتنفيذها، وتقوم الحكومة بسداد فوائدها وأقساطها اقتطاعا من باقي بنود الموازنة.
وكشف مشروع موازنة العام المالي (2025/ 2026)، عن التزام حكومي بسداد فوائد وأقساط ديون بقيمة 4382.6 مليار جنيه، ما يعادل 64.8 بالمئة من إجمالي استخدامات الموازنة التي تبدأ الشهر المقبل.
وفي تموز/ يوليو 2017، وقبل 14 شهرا من افتتاح المرحلة الأخيرة من الطريق الإقليمي رسميا 9 أيلول/ سبتمبر 2018، أصدر السيسي، توجيهات رئاسية لاستكمال المشروعات الكبرى ومنها محاور الطرق التي كان أهمها حينها، الإقليمي الدائري.
وفي وقت مبكر من فترته الرئاسية الأولى (2014- 2018) بدت رغبة السيسي لاستخدام صلاحياته بالإسناد المباشر للمشروعات الحكومية إلى شركات بعينها، إذ أنه وفي 17 كانون الأول/ ديسمبر 2015، قال إنه مستعد لـ"توقيع أوراق المشروعات القومية شريطة اختزال مدد تنفيذها، مع إسنادها إلى لمن يقدمون تعهدات بتنفيذها في أزمنة قياسية".
هذا التوجّه من السيسي، أشاد به الإعلام الحكومي وبفكرة سرعة الإنجاز، ولم يدرك البعض تبعاته لاحقا، خاصة مع استمرار تلك القرارات ومحاولة تقنينها باستبدال قانون تنظيم المناقصات والمزايدات (رقم 89 لسنة 1998) بالقانون (رقم 182 لسنة 2018)، الذي أصدره السيسي، في أيلول/ سبتمبر 2020.
في أكثر من مناسبة وخلال افتتاح مشروعات، فاجأ السيسي، الوزراء بمطالبات بعمل محاور جديدة، وزيادة معدلات العمل، والافتتاح المبكر، والإسناد بالأمر المباشر، ومنها واقعة كانون الأول/ ديسمبر 2021، المسجلة بذاكرة المصريين باسم "الحاج سعيد".
وخلال افتتاح مشروعات بصعيد مصر، قال وزير النقل إن "تكلفة إنشاء 3 جسور 9 مليارات جنيه"، ليطلب السيسي تخفيضها، فيقبل الوزير بتخفيض المبلغ 1.5 مليار دفعة واحدة دون دراسة، ليطالب السيسي، مقاولا يدعى "الحاج سعيد"، بتدشين جسر "دشنا" في عام واحد، مع دفع 25 بالمئة فقط من التكلفة، في مشهد أثار انتقادات اقتصاديين.
"نماذج إسناد وقرارات وخسائر وتبعات" إعلان السيسي عن مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة آب/ أغسطس 2014، وتنفيذه خلال عام بدلا من 3 أعوام والإسناد لشركات تابعة للجيش أو مرتبطة به دون مناقصة عالمية أو دراسة مسبقة للتكلفة وعوائد المشروع، أحد الأمثلة على قرارات السيسي، التي أهدرت 64 مليار جنيه (8 مليارات دولار) عام 2015، بحسب خبراء.
وبينما لم تحقق التفريعة رقم 100 مليار جنيه كدخل سنوي، الذي أعلنه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، رئيس هيئة قناة السويس الفريق مهاب مميش؛ دفع المشروع بمصر في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام التالي لاستدانة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
وهو توجّه تبعه أول قرار بتحرير سعر صرف الجنيه وخفض قيمة العملة المحلية 48 بالمئة -من 8.8 جنيهات إلى حوالي 18 جنيها- ما تلاه قرارات حكومية برفع جميع أسعار السلع والخدمات والمحررات الحكومية وتقليص دعم الوقود بأنواعه والسلع التموينية، ما فاقم نسب الفقر، فيما أوصلت تلك القرارات وما تلاها التضخم لأعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 بالمئة أيلول/ سبتمبر 2023.
أيضا، أدّى مشروع العاصمة الإدارية والعلمين الجديدة، ومشروعات كالقطار الكهربائي (544 مليار جنيه)، والمونوريل (26 مليار جنيه)، التي تم إسناد أغلب بنيتها ومرافقها ومبانيها للهيئة الهندسية للقوات المسلحة، دون طرحها بمناقصات عالمية شفافة، وفق خبراء لارتفاع التكاليف، وهيمنة الكيانات العسكرية على حساب القطاع الخاص.
ومع استدانة مليارات الجنيهات لتنفيذ العاصمة الإدارية -بتكلفة 59 مليار دولار وفق صحيفة "نيويورك تايمز"- وصلت ديون شركة العاصمة -مملوكة بنسبة 51 بالمئة للجيش و49 بالمئة لهيئة حكومية- لـ40 مليار دولار للشركات المنفذة، ما دفع الشركة لطرح 40 ألف فدان من المرحلة الثانية من المدينة للبيع لمستثمرين محليين وخليجيين في يوليو/ تموز المقبل.
"تبعات خطيرة" إثر ثورة يناير2011، جرت محاكمة وسجن عشرات الوزراء والمسؤولين المصريين والرئيس الأسبق حسني مبارك ونجليه بتهم الفساد، وبينها قرارات الإسناد المباشر دون اتباع القانون، بينها حكم بسجن وزير المالية الأسبق يوسف غالي 10 سنوات لإسناده إنتاج "اللوحات المعدنية" لشركة ألمانية بالأمر المباشر، والتربح منها.
ويؤكد اقتصاديون أنّ: "قرارات السيسي، بالإسناد المباشر تقلل من الشفافية والمساءلة، وتفتح الباب أمام شبهات الفساد أو إهدار المال العام، لغياب المنافسة التي تضمن اختيار العرض الأفضل والأكثر كفاءة، وتؤثر على مبدأ تكافؤ الفرص، وتمنح أفضلية لشركات الدولة والجيش".
ويلفتون إلى أن "غياب الدراسة والتخطيط مقابل الأوامر الصادرة على الهواء مباشرة أو بسرعة التنفيذ إلى عدم كفاية الدراسات الفنية والاقتصادية للمشاريع، مما قد ينجم عنه مشاكل في التنفيذ، أو تجاوزات في الميزانية".
وفي رؤيته، أكد الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، أن حادث مصرع الـ19 فتاة كشف عن سوء قرارات "إسناد المشروعات بالأمر المباشر"، مؤكدا في مقال بـ"عربي21"، أنه قرار يتبعه "عدم مراعاة المواصفات عند تنفيذ الطرق الجديدة"، مشيرا إلى شكاوى المصريين "من سوء حالة الطريق"، التي أرجعوها لـ"إقامته على أرض زراعية وعدم دك الرمال بالشكل المطلوب بسبب الرغبة في سرعة التنفيذ".
وقال الولي: "استند البعض لما شاهدوه من إسناد الجنرال تنفيذ مشروعات طرق وكباري إلى مقاولين بالأمر المباشر في احتفالية عامة"، مؤكدا أنه "يخالف قانون المناقصات الحكومية الذي يتطلب طرح المشروعات المطلوب تنفيذها على الكافة، ودراسة العروض الفنية والمالية... ".
"في صلابة البسكويت" من يتحمل مسؤولية أرواح ضحايا الطريق الإقليمي؟، وكيف كانت أوامر السيسي سببا في إزهاق أرواح المصريين وإهدار الملايين؟، وكم تكلفت الدولة من أموال في عمليات الإصلاح والترقيع؟، أسئلة ثلاثة، أجاب عليها الكاتب والمحلل السياسي أحمد حسن بكر.
في حديثه لـ"عربي21"، أشار بداية إلى "بيان وزارة النقل في نيسان/ أبريل 2024، عن تكلفة بلغت 530 مليار جنيه لتطوير منظومة النقل والمواصلات من (2014- 2024)، منهم 175 مليارا لإنشاء طرق دائرية، وإقليمية، 3.5 مليار جنيه نصيب جزء من (طريق الموت) الإقليمي بطول 40 كم".
وقال إن "طرق الموت الجديدة التي نُفذت منذ 2014 وحتى الآن أشباه طرق في صلابة (البسكويت)، لأنها نُفذت على عجل بأوامر شخصية من الرئيس، وبخامات غير مطابقة للمواصفات، ودون دراسات معمقة"، ملمحا إلى أن "ذلك نتج عنه "تكرار الحوادث، والأخطاء".
واستدرك: "رغم وقوع عشرات الحوادث سنويا على الطرق الجديدة، تصر وزارة النقل على إقامة تلك الطرق بنفس الخامات الرديئة، وبذات الشركات المنفذة، وبنفس الأسعار المبالغ فيها، ما يثير الشكوك أن إنشاء الطرق سبوبة لتربح أشخاص بعينهم".
ومن خلال إقامته بين مصر وأمريكا، أوضح أن "دول العالم التى تشغلها سلامة مواطنيها، والمحافظة على حياتهم، تأخذ بالأسباب العلمية لإنشاء الطرق، فتدرس نوعية التربة بطول مسار الطريق، ونوعية الأسفلت المستخدم، وسمك طبقته، ليناسب حالة الطقس، ونوع المركبات وحمولتها، وأحيانا تدعم بالخرسانة المسلحة بعض مسافات لمنع انزلاقها أو انبعاجها".
وواصل حديثه: "وقبل أن تُسلم تلك الطرق للتشغيل يتم استكمال مرافق خدمات الطريق من إنارة إلى لوحات إرشادية، وتخطيط فوسفوري، وخدمات مرورية، وبعد تشغيله يظل مراقبا فنيا لضمان جودة التنفيذ وانعدام الأخطاء".
اظهار أخبار متعلقة
"للجباية والموت" يعتقد بكر، أن "الأمر يختلف عن دول العالم، فلكي ننشىء طريقا يكفي أن نحدد طوله ومساره، ثم نفرد الرمال الخشنة والطفلة، ونغطيها بطبقة أسفلت غير مطابقة للمواصفات أصلا، لإحتوائه على نسب عالية من عنصر الكبريت، ما يفسر سبب تشقق الأسفلت كقطع البسكويت مع المطر، وبارتفاع درجات الحرارة".
وأضاف: "من يطالع أرشيف الصحف سيقرأ عشرات الحوادث على طرق جديدة لعدم الالتزام بمعايير الجودة والسلامة"، متسائلا: "مسؤولية الضحايا في رقبة من؟".
ومضى يؤكد أنه "بكل ثقة يمكن توجيه الإتهام إلى من أمر بإنشاء تلك الطرق بزمن وجيز، وبالأمر المباشر لشركات بعينها، وإدارات المرور التى منحت تراخيص قيادة لمدمني مخدرات، ولم تُخضعهم لدورات تدريبية وتثقيفية بآداب وقواعد المرور، والتقاعس عن تسيير دورات راكبة بالطرق، والاكتفاء بكمائن ثابتة، بها عناصر تتغاضى عن المخالفات بمقابل".
وختم حديثه بالقول إن "دماء الضحايا توزع على مسؤول كبير، ووزير، يبحثان عن إنجازات وهمية، وشركات تنفذ أعمالا بلا مواصفات فنية سليمة، وعلى إدارات مرور لا تقوم بواجباتها تجاه الطريق والسائق والمركبة، وعلى سائقين مخدرين دائما".