كتاب عربي 21

مؤامرات فرط صوتية.. ومقاومة لم تزل حاضرة!

حلمي الأسمر
"المقاومة لم تزل حاضرة وتجلس على الطاولة، وترفض مغادرتها رغم كل ما حيك حولها من تآمر"- إعلام القسام
"المقاومة لم تزل حاضرة وتجلس على الطاولة، وترفض مغادرتها رغم كل ما حيك حولها من تآمر"- إعلام القسام
حين تدير وجهك عن شريط الأخبار العاجلة لبعض شأنك، أو ضجرا من تسارع الأحداث، تعود مدفوعا برغبة حارقة بالمتابعة، فتجد أن ثمة شيئا جديدا يحصل، هناك تسارع غير مسبوق في الأحداث.. حتى وقت قريب كان يمر الشهر أو الشهران دون أن ترى خبرا عاجلا، أما اليوم لا تمر ساعة دون أن تصطبغ شبكات الأخبار باللون الأحمر، هناك حالة من "فرط صوتية" تعيشها بلادنا منذ يوم السابع من أكتوبر، ومع تسارع الأحداث وجِدّتها، ثمة مسار آخر غير مرئي نرى ونشعر بأثره الموجع: كتل من المؤامرات السوداء تنفجر من حولنا كينابيع مياه آسنة، مؤامرات كبرى بحجم منجز المقاومة وعنفوانها، مقاومة تدير رؤوس المتابعين، وتغيظ العدو ومَن وراءه ومَن وراء وراءه!

من خلف دخان التصريحات التي يطلقها رجل نصف مجنون ونصف مغامر مقامر، تنتظر توقيعه الشهير أكبر قوة عسكرية في العالم، تشم رائحة حكايات ومؤامرات، تترى كموج البحر، بعضها أو جلها يتكسر على رمال الشاطئ، وبعضها غير المرئي ربما يتحول إلى موجات تسونامي مجنونة، ويبدو أننا على أبواب شيء من هذه الأخيرة!

الطبخة التي تحدث عنها هذا المسؤول الكبير فاحت رائحتها المنتنة، حتى قبل أن "يبوح" بسره الخطير، بل إن أخبارها ملأت الشريط الإخباري الأحمر، والسؤال هنا: أين المقاومة من كل هذا؟ هذا السؤال لم يزل مطروحا على الطاولة

يهمس في أذني أحدهم؛ سمع مباشرة من مسؤول كبير جدا في سلطة رام الله أن مبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط ويتكوف، هذا الرجل الذي يبدو كأنه ترامب صغير لكن أشد ذكاء منه وحامل سره، تواصل غير مرة معه والتقاه في غير عاصمة عربية وغربية، و"وعده" أن "المعلم" الكبير يخطط لإقامة شيء يسمى "دولة" فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، مع ربط الإقليمين بممر. وفي التفاصيل: ستكون دولة بلا مواصفات الدولة، وتحت سقف اشتراطات "أوسلو" وربما أدنى بكثير منها، مع بقاء جل أو كل مستوطنات الصهاينة في الضفة الغربية، وتعديلات ما على تقسيمات الأراضي الأوسلوية: "أ" و"ب" و"ج"، وسيترافق هذا مع حفلة تطبيع كبرى مع دول عربية وإسلامية.

الطبخة التي تحدث عنها هذا المسؤول الكبير فاحت رائحتها المنتنة، حتى قبل أن "يبوح" بسره الخطير، بل إن أخبارها ملأت الشريط الإخباري الأحمر، والسؤال هنا: أين المقاومة من كل هذا؟ هذا السؤال لم يزل مطروحا على الطاولة، لسبب بسيط ووحيد هو أن المقاومة لم تزل حاضرة وتجلس على الطاولة، وترفض مغادرتها رغم كل ما حيك حولها من تآمر ليس لإبعادها عن الطاولة فقط، بل لدفنها تحت سابع أرض، إلا أنها حتى اليوم تسجل حضورها في دفتر الحضور والغياب، كحاضر واحد ووحيد في قائمة الشرف!

منذ مائة عام اعتدنا في بلادنا العربية وتشكل قلب العالم، أن نعيش حياتين: حياة فوق السطح مليئة بالخطابات القومجية المجعجعة بالنصر والإنجاز الكاذب والاستقلالات الوهمية، وحياة أخرى تحت أرضية تحتوي خطط وبرامج برسم التنفيذ تستهدف إبقاء هذه الأمة في حالة سيولة وميوعة وطنية، فلا هي مستقلة ولا محتلة بالمعنى الحرفي، لكنها مخترقة حد كونها تدار بأيد خفية، تكون حيث يُراد لها أن تكون، لا حيث يريد أهلها. وتلك حالة يبدو والله أعلم أننا بدأنا نشهد بدايات أولية لنهايتها، فقد سقطت الأقنعة، وتمزقت أوراق التوت، ولم تعد العورات الوطنية متوارية وراء الأكاذيب، بل إن عصا غزة، أو عصا موسى بمعنى من المعاني، بدأت تلقف ما يلقون، من عصي يهيّأ للناظر أنها أفاع، وهي محض عصي لا حول لها، تلك ليست محض أماني، فالواقع الذي سطرته غزة وفلسطين بمقاومتها وسابع أكتوبرها، أكبر من أن تحجبها مؤامرات أو قنابل دخانية، نحن أمام واقع جديد عربيا وغربيا، لن يتسامح أبدا مع تلك الجرائم الكبرى التي ارتكبها الصهاينة النازيون، وسأقول أكثر: إن الله أكرم من أن يدع تلك الدماء الزكية تذهب هدرا، هناك واقع جديد في الضمير الجمعي العربي والغربي أيضا، يقول إن الكيان ارتكب جرما كونيا ولا بد أن يعاقَب عليه، حتى ولو بدا هذا الكيان وكأنه يعيش فترة علو غير مسبوقة، فحسب قوانين الفيزياء بعد أن تبلغ كتلة ما ذروة العلو تعقبها مرحلة السقوط، أما كيف وعلى أي نحو،
ننخدع بألاعيب القومجيين، ولم نطبل أو نزمر لمن طعن المقاومة في ظهرها، وبقينا نصرخ بأعلى الصوت -وهو كل ما نملك تقريبا- مدافعين عن موقفها، وخياراتها
ومتى على وجه التحديد، فعلمها في بطن الغيب، وإن كانت كل مؤشرات عالم الغيب والشهادة أيضا تنبئ بأن هذا السقوط بات وشيكا جدا، وثمة مليون مؤشر يدعم هذا الاستنتاج، ولم يكن هذا ليحدث لولا ثبات المقاومين منتعلي الشباشب، وتشبثهم بمبدأ الحرص على الموت بمقدار ما يحرص عدوهم على الحياة، أي حياة!

صحيح أنني وأمثالي نبدو كمن "يتباهى بشعرات بنت خالته" كما يقول المثل الفلسطيني السائر، ولكننا على الأقل لم ننخدع بألاعيب القومجيين، ولم نطبل أو نزمر لمن طعن المقاومة في ظهرها، وبقينا نصرخ بأعلى الصوت -وهو كل ما نملك تقريبا- مدافعين عن موقفها، وخياراتها، ولم نروّج لما حاول بيعه المخذلون والمتخاذلون من تصنيفات وضيعة لأكثر مراحل التاريخ الفلسطيني نظافة وعنفوانا.

نحن على أبواب مؤامرة كبرى جديدة؟ على الأغلب نعم، حيث تغطيها سحابة دخانية من التصريحات الترامبية، التي تحمل الشيء وضده في الوقت نفسه، ما هو مؤكد أن كل "الترامبات" عبر التاريخ كان مصيرهم أسود قاتما، ابتداء من فرعون ونهاية بهتلر، مرورا بكثيرين أغرقوا بلادنا بالدم، وذهبوا كأي عارض صحي، وبقيت الأمة بكل عنفوانها وحضارتها و.. مقاومتها أيضا.
التعليقات (0)

خبر عاجل