ملفات وتقارير

حكومة المونديال على المحك.. كيف تستعد الأحزاب المغربية للفوز بثقة الناخبين قبل 2026؟

لا يبدو أن المشهد الحزبي في المغرب يتّجه نحو تحالفات جديدة- فيسبوك
لا يبدو أن المشهد الحزبي في المغرب يتّجه نحو تحالفات جديدة- فيسبوك
بين أحزاب تقليدية تحاول تجديد خطابها، وتيارات ناشئة تسعى لكسر الاحتكار السياسي، وشارع يبدي نوعا من الفُتور تجاه العملية السياسية، شدّت الأحزاب أنفاسها، مجدّدا، لكسب ثقة الناخبين، وذلك مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المغربية لعام 2026، والتي تكتسي أهمية استثنائية لكونها ستشكل ما بات يوصف بـ"حكومة المونديال"؛ إذ ستتولى إدارة الشأن العام خلال استضافة المغرب لكأس العالم 2030.

في هذا التقرير، انطلقت "عربي21" من رسم خريطة الأحزاب المغربية، قبيل الاستحقاقات الانتخابية المُقبلة، مع قراءة مؤشرات المشهد في ظل معطيات محلية ودولية استثنائية. فيما برزت جُملة من الأسئلة بخصوص قدرة الأحزاب على تقديم نفس جديد يلبّي تطلعات الشارع المغربي، خاصة في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية باتت توصف بـ"الطّاحنة"؟


وجرّاء تحليل استعدادات الأحزاب الكُبرى وبرامجها، ورصد تحركاتها الميدانية، وقياس درجة تفاعل المغاربة مع خطابها، نحاول الإجابة عن سؤال آخر: هل تمتلك النخب السياسية المغربية ما يكفي من الرؤية والجدّية لتشكيل حكومة قادرة على قيادة البلاد خلال هذه المرحلة الحاسمة التي تجمع بين الاستحقاق الانتخابي والحدث الرياضي العالمي؟

تحدّيات المرحلة.. أي تعامل؟  
تحديات جسيمة تواجه المجتمع المغربي، في السنة الأخيرة من عمل الحكومة الحالية، التي يرأسها رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، والتي تُعدّ تقليديا "سنة بيضاء" من حيث التشريع والمبادرات الحكومية، ما يستدعي -وفقا لمهتمين بالشأن العام المغربي- "تسريع وتيرة العمل وتحقيق انسجام أكبر بين مكونات الائتلاف الحكومي، إذ سينعكس إيجابا على مصالح باقي الأحزاب المُشاركة".

Image1_4202530215644418903777.jpg

وقال الباحث في العلوم السياسية، محمد أمكور: "أعتقد أن حزب التجمع الوطني الأحرار، حاليا، هو الحزب الأكثر تنظيما وانضباطا واستعدادا للاستحقاقات القادمة، لعدة أسباب؛ أولها: حضور مكثف في المشهد السياسي طيلة هذه الولاية، عبر أنشطة بجميع الأقاليم والجهات".

وأضاف أمكور، في حديثه لـ"عربي21" أنّ الأحرار "استفاد من التواجد في الحكومة، بعدد من الحقائب الوزارية التي تغطّي مجمل القطاعات الحيوية كالفلاحة والتعليم على سبيل المثال لا الحصر، مع توفّره على فريق برلماني من الناحية العددية يمثل مختلف الجهات".

"حزبا العدالة والتنمية، يتوفر على خزان انتخابي قار يتمثّل في مناضليه ومنتسبي حركة التوحيد والإصلاح، مضاف إليهم المتعاطفون، ومن جماعة العدل والإحسان" تابع أمكور، مردفا: "صحيح أنه فقد جزء هامّا من الكتلة النّاخبة، والتي كانت تشمل الطبقات الوسطى، لكن أمام الإصلاحات التي مسّت جيوب هذه الطبقة (التقاعد/ المقاصة…) تخلت عن فكرة التصويت للحزب"، بحسب تعبير الباحث في العلوم السياسية.

وتابع: "بالنسبة لحزب الاتحاد الاشتراكي، فقد دخل في سبات طويل منذ حوالي عقدين من الزمن، وبالضبط منذ حكومة جطّو، تراجع انتخابيا بشكل قفز من المرتبة الأولى للمرتبة الخامسة في حكومة عباس2007-2010 (حكومة ما قبل الربيع العربي) والسبب يعود بشكل مباشر لانسحاب المناضلين وتجميد عضويتهم في الحزب، إثر خلافات بدأت منذ تولي اليازعي القيادة وصولا لولايات إدريس لشكر المتتالية".

وفيما ختم أمكور بالقول إنّ "مسألة الحضور الرقمي تقتصر أحيانا على عدّة أحزاب؛ الأحرار، الاستقلال، الأصالة والمعاصرة، والعدالة والتنمية". رصدت "عربي21" تراجع تفاعل الشباب المغربي مع القضايا السياسية، على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، إلاّ من شباب منتمين لأحزاب معينة، مثل العدالة والتنمية، أو حملات رقمية منسّقة من حزبي الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار، مع حضور خافت لحزب الاستقلال، وحضور -نوعا ما- بارز لأحزاب اليسار.

اظهار أخبار متعلقة


لعبة العودة.. 
في قراءة للمشهد الحزبي المغربي، البداية مع حزب العدالة والتنمية التي جدّد الثقة في عبد الإله بنكيران، بانتخابه أمينا عاما، خلال المؤتمر الوطني التاسع الذي اختتم أعماله نهاية الأسبوع الماضي، في مدينة بوزنيقة. وذلك عقب تولّيه المنصب ذاته بمؤتمر استثنائي، أتى بعد ما وُصف بـ"الهزيمة الانتخابية الكبيرة" التي تعرّض لها الحزب في 8 أيلول/ سبتمبر 2021، والتي أنهت سيطرته على رئاسة الحكومة بعد ولايتين متتاليتين.

وبالنسبة لحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يقود الحكومة المغربية، حاليا، فإنّ عدّة التكهنات تتصاعد حوله، بخصوص عودة الملياردير السياسي، يوسف بنجلون، بعد رحلته السياسية بين عدة أحزاب، إذ كشفت مصادر لـ"عربي21" أنّ "لقاء جمعه مع قيادات الحزب بالرباط يشير لرغبة الأخير في استقطابه وترشيحه للانتخابات المقبلة، ما قد يُشعل جدلا داخليا".

أمّا بخصوص حزب الاستقلال، فإنّه يخوض معركته الانتخابية بجُملة سيناريوهات توصف بكونها "متضاربة"، إذ تشير معطيات وصلت لـ"عربي21" إلى توجّه الحزب لترشيح عبد الجبار الراشدي، وهو كاتب الدولة المكلف بالإدماج الاجتماعي، بدلا من النائب الحالي محمد لحمامي، فيما تستبعد مصادر أخرى من داخل الحزب نفسه لهذا الخيار وترجّح اسما آخر. 

في السياق نفسه، يعيش حزب الأصالة والمعاصرة، المعروف باسم "البام"، على إيقاع توتّر مُحتدم، بين أبرز وجوهه (عادل الدفوع ومنير ليموري)، وذلك على خلفية تمثيل الحزب في البرلمان، مع إمكانية لجوء الحزب لاستقطاب وجوه جديدة من خارج صفوفه الحالية، بحسب ما يرد من معلومات مُتفرٍّقة.

Image1_420253022229960103904.jpg

كذلك، أثار تصريح منسقة حزب الأصالة والمعاصرة، فاطمة الزهراء المنصوري، جدلاً واسعا، بعد تأكيدها استعداد حزبها للفوز بالانتخابات المقبلة وقيادة "حكومة المونديال" ما بعد 2026؛ في إشارة لطموحها لأن تكون أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في المغرب. فيما عبّر قادة حزب التجمع الوطني للأحرار عن تصميمهم على الاحتفاظ بموقعهم على رأس الحكومة لولاية ثانية، وأكد حزب العدالة والتنمية عودته للصورة من جديد بشكل أقوى، ما أضفى طابعا تنافسيا محتدما، قبيل أشهر من الاستحقاقات الانتخابية.

أمام هذه التحولات التي تعكس ديناميكية المشهد السياسي المغربي في خضمّ التحضيرات للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، كان الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، محمد أوزين، قد قال إنّ "قادة الأغلبية الحكومية يستفزون المغاربة وهم يعلنون بشكل صريح الدخول في سباق نحو الانتخابات المقبلة".

وتابع أوزين، خلال حديثه ببرنامج حواري بثّ على "القناة الأولى" (رسمية) أنّ "هؤلاء تركوا انشغالات المواطنين مع جملة من الملفات في مقدمتها الأسعار المرتفعة، وانصبّ تفكيرهم على حكومة المونديال ومن سيقودها، قبل نحو عام ونصف على الانتخابات".

الأمين العام لحزب السنبلة، اعتبر أيضا أنّ "الأحزاب المشكّلة للأغلبية، ليس من حقها أن تعبر عن طموحها لقيادة الحكومة المقبلة إلى حين انقضاء الولاية"؛ في إشارة لكون قادة من أحزاب التجمع الوطني للأحرار، والعدالة والتنمية، والاستقلال والأصالة والمعاصرة، قد عبروا بعدّة مناسبات عن طموحهم لتصدر الانتخابات المرتقبة، صيف عام 2026.

بين تضارب المصالح وعزوف الناخبين
‎"أصبح من الواضح أن بعض الأحزاب، وعلى رأسها التجمع الوطني للأحرار، توجّه جهدا كبيرا نحو الحملات الرقمية الممولة" هكذا انطلق الصحفي والباحث في العلوم السياسية، سمير الباز، في حديثه لـ"عربي21".

وأوضح الباز، أنّ "الحزب نفسه، يستفيد من إمكانيات مالية ضخمة، إذ بات رمزا للاحتكار الاقتصادي وتضارب المصالح، ويستفيد من خدمات شركات يُرجّح أن بعضها أجنبية"، مردفا: "أيضا، يسلك حزب الأصالة والمعاصرة المسار ذاته، ولو بشكل أقل وضوحا، لأنه أطلق حملة "جيل 2030" دون وضوح بارز لمعالمها".

وتابع: "ورغم المظهر الاحترافي لهذه الحملات، فإن مضمونها غالبا ما يظل بعيدا عن انشغالات الشباب وهموم المواطن الذي اكتوى بأزمات متتالية، بسبب هذه الحكومة، كما يعتمد على شعارات جاهزة لا تُلامس الواقع الحقيقي" أوضح سمير لـ"عربي21"، مسترسلا: "ما نعيشه اليوم هو هيمنة للصورة على حساب البرامج، وللإشهار السياسي على حساب النقاش الجاد".

وأكّد: "نحتاج لخطاب مسؤول يُعيد الثقة بدل تكريس النفور"، مضيفا: "لا يبدو أن المشهد الحزبي في المغرب يتّجه نحو تحالفات جديدة قبل انتخابات 2026، فالتوازنات الحالية توحي بأن الكتل السياسية الكبرى ستُحافظ على مواقعها كما هي، دون مفاجآت تُذكر".

اظهار أخبار متعلقة


وختم الباز حديثه لـ"عربي21" بالقول: "من غير المُرتقب أن تظهر قوى سياسية ناشئة قادرة على قلب المعادلة، خصوصا في ظل استمرار هيمنة المال واستغلال النفوذ، خاصة في العالم القروي، حيث تُكرَّس الولاءات على حساب النقاش الديمقراطي الحقيقي".

واستطرد: "يُرجّح أن تشهد الانتخابات القادمة عزوفا أكبر من طرف فئات واسعة من الناخبين، خصوصًا الشباب، نتيجة شعور عام بعدم جدوى العملية الانتخابية. وعليه، فإن انتخابات 2026 تبدو إلى حد كبير امتدادا لما جرى في 2021، دون إشارات حقيقية إلى تغيير في العمق أو تجديد في العرض السياسي".

إلى ذلك، بينما تحاول الأحزاب المغربية إثبات وجودها، خلصت "عربي21" إلى أنّ المشهد السياسي في البلاد على أعتاب مفترق طرق حاسم. فمن جهة، تحاول النخب الحاكمة تجديد خطابها عبر الحملات الإعلامية المكثفة، واستقطاب الوجوه القديمة، ومن جهة أخرى، يزداد اتساع الفجوة بين هذه الخطابات وبين هموم المواطن اليومية.
التعليقات (0)