ملفات وتقارير

من حلم الزيارة إلى كابوس الحصار.. "عربي21" ترصد استغاثات العالقين في غزة (شاهد)

معبر رفح عنوان بارز لمعاناة ومأساة عشرات آلاف العالقين بغزة بينهم الفلسطينيون- الأناضول
معبر رفح عنوان بارز لمعاناة ومأساة عشرات آلاف العالقين بغزة بينهم الفلسطينيون- الأناضول
"أنا مواطن مصري، اسمي محمود جمال عبد المنعم سيف النصر، حاليا في غزة، سبعة شهور، ولم نعرف بعد العودة لبلادي؛ طيب هناك أشخاص كُثر خرجوا، ونحن يواصلون القول لنا، دع والدتك تتوجّه إلى الخارجية المصرية، لكن لا مجيب، من سيسمع كلامنا ويستجيب لدعواتنا؟" كانت هذه أول دعوة لمحمود، قبل ما يناهز عام ونصف.

محمود توجّه إلى غزة، لأول مرّة، بغرض زيارة لأهل زوجته، وكان فرحا بالزيارة، وبتوثيق جمال غزة على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تنقلب حياته رأسا على عقب، ويجد نفسه عالقا بين حيرتين، أهل زوجته الحامل، وأمه المريضة الموجودة في مصر.

سنتان من المناشدات
واصل المناشدات على حساباته على موقع التواصل الاجتماعي "إنستغرام" وإلى رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، ووزارة الخارجية، ووزارة الهجرة. وفي المقابل، واصل توثيق معاناة معيشته، قسرا، في قلب واقع بات صعبا على الغزّيين أنفسهم، حيث قصف الاحتلال الإسرائيلي لم يرحم بشرا ولا حجرا. 

يقول محمود في حديثه لـ"عربي21" بصوت منهك: "مرّت سنتين على مناشداتنا، للعودة إلى مصر، أنا وزوجتي وابني. وضعنا للصراحة سيئ جدا؛ كلما كنت أتوجه إلى المعبر، يقولون لنا اسمكم غير موجود في الكشف، وفي المقابل يتوجّه أهلي لوزارة الخارجية بمصر، لكن لا مستجيب لحدود اللحظة".


ويضيف: "أنا مواطن مصري الأصل، ولأول مرة أزور غزة، كل ما أطلبه هو العودة إلى مصر، أنا وزوجتي وابني، لا أطلب أي شيء آخر"، مردفا: "الوضع هنا بات منهكا، القصف محيط بنا، ونزحنا لأكثر من مرّة، ولا مكان آمنا هنا في غزة".

ويختم محمود حديثه لـ"عربي21" بالقول: "والدتي توفّيت، ونحن لا نزال عالقين هنا في واقع صعب، وأكثر من سنتين ونحن نناشد الجهات المختصة للعودة لبلادي أنا وزوجتي وأبنائي، الواقع صعب جدا".


مناشدات بالجُملة.. هل من مُستمع؟ 
محمود ليس إلاّ واحدا من عالقين كُثر بقلب القطاع المحاصر، الذي يعايش، قسرا، ويلات عدوان الاحتلال الإسرائيلي، حيث انتُهكت كافة القوانين الدولية والمواثيق المرتبطة بحقوق الإنسان، على مرأى العالم. فبات واقعا مأساويا، بالنسبة للغزّيين أنفسهم، وكذا العالقين، من عدد من الدول العربية.

بدوره، أحمد محفوظ صديق خليفة، مواطن مصري آخر، تزوّج من فلسطينية بغزة، وأتى لزيارة أهلها، وعلق بالقطاع المحاصر، تزامنا مع عدوان الاحتلال الإسرائيلي، يروي تفاصيل معاناته بالقول: "منذ بداية الإبادة الجماعية، ونحن نعاني كغيرنا من الغزّيين، من القصف الأهوج المتواصل، ومن المجاعة، وصعوبات كثيرة".

وأضاف: "أكرمني الله بطفلة، الآن لو فقط مرضت لن أجد لها علاجا، وأنا لا أطالب بأكثر من الدخول إلى بلدي مصر"، مردفا: "أناشد الرئيس والحكومة المصرية إنقاذنا من هذا الجحيم، نحن معرّضون للموت، رأيت أمام عيني الأشلاء البشرية وقطع اللحم الممزقة في مدرسة تعرضت للقصف بالقرب منا، والعديد من جيراننا استشهدوا في قصف منازلهم".


وكانت السلطات المصرية، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، قد أعادت 100 من مواطنيها العالقين في القطاع، فيما أطلقت وزارة الخارجية المصرية، في كانون الأول/ ديسمبر 2023، رابطا إلكترونيًا للتسجيل، بهدف مساعدة المصريين العالقين في قطاع غزة، وتسهيل عودة المواطنين وأسرهم من القطاع إلى مصر.

وفي السياق نفسه، كان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، آنذاك، قد تعهّد بإعداد كشوفات؛ تمهيدا لتسليمها للقائمين على معبر رفح الحدودي من الجانبين المصري والفلسطيني بشكل مباشر، لتسهيل عبورهم من القطاع إلى مصر، مبرزا أن تلك الوسيلة الوحيدة للعودة لأرض الوطن، وأن أي وسيلة أخرى يتم الحديث عنها، تندرج ضمن أعمال النصب والاحتيال واستغلال الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع.

اظهار أخبار متعلقة


إلى متى؟
في الوقت الذي لم تتوصّل فيه "عربي21" لأي تقديرات رسمية أو غير رسمية تظهر أعداد العالقين في قطاع غزة، رصدت جُملة من المنشورات على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، تبرز بالصوت والصورة أصوات استغاثاث متتالية، هدفها الأساسي وقف حرب الإبادة الجماعية على القطاع المحاصر، وعودتهم لبلادهم سالمين.

دنيا أيت زاكور، مواطنة مغربية، وجّهت نداءات متتالية، على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، طالبت فيها الجهات المختصّة ببلادها بإخراجها وأفراد أسرتها من قطاع غزة المحاصر، بالقول: "الأمور في غزة كانت جميلة جدا، فجأة انقلب الأوضاع، وباتت صعبة للغاية، وأنا خائفة جدا على ابني الصغير، أود صوتي أن يصل إلى المسؤولين".


وفي سياق متصل، كشفت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أنها عملت منذ انطلاق عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة على إجلاء خمسة أفواج من المغاربة العالقين بالقطاع وعائلاتهم، حيث بلغ عدد المستفيدين من هذه العملية 369 شخصا.

وأوضحت الوزارة، عبر جواب على رسالة رئيس الفريق النيابي للتقدم والاشتراكية بمجلس النواب، رشيد حموني، أنه "بسبب تكثيف الأعمال العسكرية الإسرائيلية في القطاع، وما تلا ذلك من إغلاق للمعابر الحدودية وتعقيدات الوضع الأمني، اضطرت بلادنا، على غرار دول أخرى، إلى تعليق عمليات إجلاء المواطنين المغاربة من قطاع غزة، في انتظار توفر الظروف الملائمة لاستئناف هذه العمليات"، وفق تعبيره.

وأوردت الوثيقة نفسها، أنّ "خلية الأزمة التي أوكلت إليها مهمة متابعة أحوال المغاربة العالقين بقطاع غزة إثر الأحداث الأليمة التي شهدها القطاع وما زال، سبق لها أن أدرجت اسم المعنية بالأمر ضمن القائمة الخامسة للمواطنين المغاربة الراغبين في مغادرة قطاع غزة، الذين سمح لهم بمغادرة القطاع بتاريخ 8 أبريل 2024".

"غير أنها تخلفت عن الحضور وقتها لمعبر رفح، دون أن تشعر بعثة المملكة المغربية برام الله بأسباب ذلك، وبالتالي تعذّرت مغادرتها القطاع" يسترسل الجواب نفسه، الذي اطّلعت "عربي21" على نسخة منه، مردفا بأن المصالح المركزية لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، وتمثيليات المملكة المغربية في البلدان المعنية، مازالت تتابع أوضاع الجالية المغربية بالقطاع، وتنسق مع سلطات بلدان الاعتماد، لتسهيل خروج المواطنين المغاربة العالقين متى توفرت ظروف ذلك.

وأشار المصدر ذاته إلى أنّ "مصالح السفارة المغربية برام الله تواصلت مع المعنية بالأمر للاستفسار عن أسباب تخلفها عن المجموعة التي غادرت القطاع في 8 أبريل 2024، كما طلبت منها موافاتها بالوثائق الخاصة بزوجها وطفلها حديث الولادة؛ بغرض تنسيق عملية ترحيلها حالما تتوفر الظروف لاستئناف عمليات الإجلاء".

اظهار أخبار متعلقة


إلى ذلك، كانت بوابة معبر رفح البري على الحدود، بين قطاع غزة ومصر، قد باتت عنوانا بارزا لمعاناة ومأساة عشرات آلاف العالقين بغزة، بينهم الفلسطينيون من المرضى وأصحاب الوضعيات الخاصة الصّعبة، جرّاء إغلاقه المتواصل، وفتحه على فترات، كانت متباعدة، لسفر أعداد محدودة من أصحاب الحالات الإنسانية.

معبر رفح، الذي يصفه المتواجدون في القطاع، بكونه "بوابتهم الوحيدة نحو العالم"، كشف لما يناهز عامين كاملين عن حجم المأساة التي يعيشها العالقين في غزة، الذين يقدر عددهم بنحو 20 ألف راغب بالسفر، لأسباب ترتبط بظروف إنسانية، بحسب وزارة الداخلية في القطاع.


وتغلق السلطات المصرية معبر رفح الواصل بين قطاع غزة ومصر بشكل شبه كامل منذ تموز/ يوليو 2013، وتفتحه استثنائيا فقط لسفر الحالات الإنسانية. فيما تقول الجهات الرسمية المصرية، إن فتح المعبر مرهون باستتباب الوضع الأمني في محافظة شمال سيناء المحاذية لغزة، وذلك عقب هجمات تستهدف مقرات أمنية وعسكرية مصرية قريبة من الحدود مع القطاع.

وفي 18 آذار/ مارس الماضي، استأنف جيش الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الأهوج على قطاع غزة، رافضا الانسحاب من محور فيلادلفيا واستكمال مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، عقب إتمام المرحلة الأولى منه بإطلاق حركة "حماس" 33 أسيرا بينهم 8 قتلى، فيما أفرج الاحتلال عن 1800 أسير فلسطيني.

ومنذ استئنافه العدوان، جُرح الآلاف من الفلسطينيين والعالقين في كافة أنحاء قطاع غزة المحاصر، فيما تجاوز إجمالي الشهداء منذ بدء الحرب حاجز الـ51 ألفا. وتزايدت التحذيرات من الأوضاع المأساوية التي يعاني منها أهالي القطاع، لا سيما فيما يتعلق بتوافر الغذاء.
التعليقات (0)

خبر عاجل