حذّرت
الجزائر من محاولات العودة إلى الوضع
الذي كان قائمًا قبل السابع من أكتوبر، معتبرة أن أي تسوية تتجاهل جذور المأساة
الفلسطينية أو تُبقي على الحصار والاحتلال ستكون "نكوصًا خطيرًا" عن
العدالة الدولية.
وأكد السفير عمار بن جامع، الممثل الدائم
للجزائر لدى الأمم المتحدة، في خطاب له أمام
مجلس الأمن الدولي مساء أمس الخميس في
نيويورك، أن بلاده ترفض بشكل قاطع العودة إلى الحصار والحرمان والإفلات من العقاب،
مشددًا على أن "العدالة والحرية والسلام والكرامة لشعب فلسطين ليست مجرد
ضرورة، بل هي حاصل لا محالة"، في إشارة إلى حتمية تحقق الدولة الفلسطينية رغم
كل التحديات.
وقال بن جامع أمام أعضاء المجلس إن "العودة
إلى الوضع القائم قبل السابع من أكتوبر والعودة إلى الحصار وحرمان الفلسطينيين من
حقوقهم والإفلات من العقاب وعدم الاكتراث بالقانون الدولي، أمور كلها مرفوضة رفضًا
قاطعًا".
وأضاف أن الفلسطينيين في غزة، وبعد عامين من
القصف المتواصل والتجويع وخطر التطهير العرقي وعدوان يهدف للإبادة، بدأوا يشعرون
بـ"بصيص أمل" نحو مستقبل كريم، مشيرًا إلى أن "هذه اللحظة الحساسة
تحمل في طياتها بذرة أمل لحياة كريمة مبنية على العدالة ونيل الحق المشروع في
إقامة دولتهم المستقلة".
دعوة إلى إطلاق عملية سلام "جدية وذات مصداقية"
وشدّد الدبلوماسي الجزائري على أن الوقت حان
لإطلاق عملية سلام جادة وذات مصداقية، لا تترك مجالاً للمناورة أو التسويف، وتؤدي
"دون أي تعطيل إلى إقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع
من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".
وأوضح أن أي عملية سلام مستقبلية يجب أن
تستند إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وأن تكون برعاية دولية
حقيقية تضمن التنفيذ لا الوعود، مؤكدًا أن الجزائر ستدعم كل مسعى يصبّ في هذا
الاتجاه.
وأعرب ممثل الجزائر عن ترحيب بلاده بالجهود
الحثيثة التي بذلتها الدول الوسيطة ـ وعلى رأسها الولايات المتحدة ومصر وقطر
وتركيا ـ التي ساهمت في تثبيت وقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى وتسهيل وصول
المساعدات الإنسانية إلى غزة.
لكنه في المقابل ذكّر بواجب إسرائيل كقوة
احتلال، كما نصّ على ذلك الرأي الاستشاري الصادر حديثًا عن محكمة العدل الدولية،
مؤكدًا ضرورة احترام وقف إطلاق النار والسماح الكامل بدخول المساعدات الإنسانية
إلى كل أرجاء القطاع، بما في ذلك دور وكالة “الأونروا” التي وصفها بأنها
"أساسية ضمن جهود الأمم المتحدة ولا غنى عنها".
إعادة إعمار غزة مسؤولية جماعية وليست انتقائية
أكد السفير بن جامع أن إعادة إعمار غزة يجب
أن تكون مهمة جماعية للمجتمع الدولي، داعيًا إلى "تعبئة كاملة تستلهم قيم
التضامن الإنساني ورؤية سياسية تقود إلى العدل والسلام".
وقال: “إن حجم الدمار الذي لحق بالقطاع
يتعدى الخيال، والثمن الإنساني والاجتماعي باهظ جدًا. مئات الآلاف من الأسر شُردت،
والأطفال بلا مدارس، والبطالة بلغت مستويات غير مسبوقة”، مشيرًا إلى أن الجزائر
ستتحمل حصتها من هذا الجهد ضمن رؤيتها الشاملة لدعم الشعب الفلسطيني.
وأضاف أن إعادة الإعمار لا يجب أن تقتصر على
"الإسمنت والحجارة"، بل ينبغي أن تفتح آفاقًا سياسية تؤدي إلى سلام عادل
ودائم يجسّد في إقامة الدولة الفلسطينية.
ولم يغفل المندوب الجزائري عن التطورات
الأخيرة في الضفة الغربية، محذرًا من الخطوات الإسرائيلية الهادفة إلى ضمّها
رسميًا، بعد تصويت الكنيست على مشروع قانون في هذا الاتجاه.
وقال بن جامع إن هذه الخطوة "تشكل
محاولة صريحة لإضفاء الشرعية على المستوطنات، في انتهاك فاضح للقانون الدولي
ولقرارات مجلس الأمن"، مشددًا على أن الجزائر "تندد بأشد العبارات بهذه
الأفعال العدوانية"، وتدعو مجلس الأمن لتحمل مسؤولياته في صون ما تبقّى من
آفاق حل الدولتين.
واختتم السفير الجزائري كلمته بالتأكيد على
أن الجزائر ستظل ثابتة في موقفها التاريخي المبدئي تجاه فلسطين، وقال: "لن
يكون هناك سلام في الشرق الأوسط دون عدالة، ولا عدالة دون إنهاء الاحتلال، ولا
كرامة دون دولة فلسطينية حرة ومستقلة".
يأتي خطاب الجزائر في توقيت حساس عقب سلسلة
تحركات دولية لإعادة تثبيت وقف إطلاق النار في غزة وبحث ترتيبات ما بعد الحرب، في
ظل حديث متزايد عن خطط لإعادة الإعمار.