طغت على زيارة وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو للمنطقة أخبار الحملة العسكرية
الإسرائيلية في مدنية
غزة وخطة احتلالها، وتداعيات الضربة الإسرائيلية ضد قطر في محاولة لاغتيال قادة حركة حماس هناك، وسط حديث أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا تقف في وجه الخطط الإسرائيلية لضم
الضفة الغربية.
ونشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" مقالا لفيليب غوردون، مستشار الأمن القومي للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2024، ومنسق شؤون الشرق الأوسط بالبيت الأبيض في عهد باراك أوباما، والباحث حاليا في معهد بروكينغز، إن إدارة ترامب لا تقف في وجه الخطط الإسرائيلية، وأن القصف في قطر بدد الأمال في الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين من غزة.
وذكر المقال أن "الحملة العسكرية الجارية في مدينة غزة ستطيل من أمد الحرب ومعاناة مليوني فلسطيني في قطاع غزة.. وفي الوقت الذي تستحق الحرب في غزة كل الإهتمام والتركيز إلا أنها ليست الأزمة الوحيدة التي تلوح على حدود إسرائيل. فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية أيضا تسارعا في خطط إسرائيل للسيطرة على الضفة الغربية، إن لم يكن ضمها رسميا، وهو تطور من شأنه أن يؤدي بالتأكيد إلى مزيد من العنف ويحول إسرائيل إلى دولة منبوذة في نظر معظم العالم".
وأضاف "استغل اليمينيون المتطرفون في الحكومة الإسرائيلية وعلى مدار العامين الماضيين، الحرب في غزة وسيطرتهم السياسية على نتنياهو وفوضى القيادة الفلسطينية وما يشبه الضوء الأخضر من إدارة ترامب لتحقيق حلم السيطرة على الضفة الغربية وضمها".
وذكر أنه "ما لم يتم اتخاذ إجراءات دولية لوقفه، فقد يصبح الضم قريبا واقعا وكابوسا للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.. وكان الاستيلاء الإسرائيلي التدريجي على الضفة الغربية، بالطبع، جاريا منذ عقود. فقد ارتفع عدد المستوطنين الإسرائيليين هناك وفي القدس إلى حوالي 740,000 مستوطنا اليوم من حوالي 10,000 مستوطنا في أوائل السبعينيات من القرن الماضي".
وأكد أن "توسع المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير القانونية يتسارع بزحم، فمنذ العام الماضي، يجري العمل على أكثر من 100 مشروع جديد. وفي 20 آب/ أغسطس، وافقت سلطات التخطيط التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية في الضفة الغربية على كتلة استيطانية كبيرة تسمى (إي1)، وستجعل الخطة، التي يطلق عليها غالبا مؤيدو حل الدولتين اسم "مستوطنة يوم القيامة"، من المستحيل إنشاء دولة فلسطينية متصلة جغرافيا، وذلك لأنها تقوم بعملية فصل مادي بين المدن ذات الكثافة السكانية الفلسطينية في القدس الشرقية ورام الله وبيت لحم".
وأشار إلى أنه "عند الإعلان عن خطط المضي قدما في خطة (إي1) قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى أن المستوطنة "تدفن فكرة الدولة الفلسطينية". وقد ردد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا المفهوم الأسبوع الماضي، حيث قال أثناء توقيعه اتفاقية للمضي قدما في خطة إي1: "سنفي بوعدنا بأنه لن تكون هناك دولة فلسطينية. هذا المكان ملك لنا". وفي مؤتمر صحافي في القدس في 3 أيلول/سبتمبر، قدم سموتريتش خطة لضم ما يقرب من 82% من الضفة الغربية رسميا، مما سيعزل الفلسطينيين في جيوب صغيرة بينما تتولى إسرائيل رسميا ملكية الباقي من جانب واحد. ولم يؤيد نتنياهو الخطة، ولا تحظى بتأييد شعبي واسع، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي دعم الضم الجزئي على الأقل في الماضي، وألمح مؤخرا إلى أن الخطط الأوروبية للاعتراف بدولة فلسطينية قد تدفع إسرائيل إلى الرد "بإجراءات أحادية الجانب"، والتي قد تشمل الضم".
ويقول غوردون إن التوسع الإستيطاني، ليس وحده ما يهدد المنطقة. فبدعم من الحكومة الإسرائيلية، كثف المستوطنون في جميع أنحاء الضفة الغربية نشاطاتهم لترهيب واستخدام العنف لطرد الفلسطينيين. فهم يضايقون السكان، الذين يعيش الكثير منهم في منازلهم منذ أجيال، فيدمرون المحاصيل ويقطعون المياه وأحيانًا يحرقون سياراتهم أو حتى يقتلونهم.
وقبل بضعة أسابيع، ظهر مستوطن متطرف يدعى ينون ليفي في مقطع فيديو يزعم أنه أطلق النار على الناشط الفلسطيني عودة الهذالين. استغرقت إسرائيل أكثر من أسبوع لإعادة جثمان الهذالين إلى عائلته، لكن محكمة إسرائيلية أطلقت سراحه بسرعة بعد أن قالت إنها تفتقر إلى أدلة على ارتكابه جريمة. وقد وثقت الأمم المتحدة أكثر من ألف حالة عنف ارتكبها مستوطنون في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين هذا العام، بزيادة قدرها 16% تقريبا عن الفترة نفسها من العام الماضي، وهو أعلى متوسط شهري منذ أن بدأت الأمم المتحدة في جمع هذه السجلات عام 2006.
ولم تعلن إدارة ترامب موافقتها رسميا على ضم الضفة الغربية. لكن يبدو أنها لا تفعل شيئًا لعرقلة إسرائيل. وعندما سئل عن إمكانية الضم في وقت سابق من الشهر، اكتفى وبيو بالقول إن الضم "ليس أمرا نهائيا"، وإنه قيد المناقشة "بين بعض أطراف السياسة الإسرائيلية".
وقال السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، وهو مؤيد صريح لمفهوم "إسرائيل الكبرى"، لصحافي إسرائيلي هذا الشهر إن
الولايات المتحدة "لم تطلب قط من إسرائيل عدم تطبيق السيادة" على الضفة الغربية، على الرغم من أن جميع الإدارات السابقة، بما في ذلك إدارة ترامب الأولى، قد فعلت ذلك. وبالمثل، بينما عارضت جميع الإدارات الأمريكية السابقة في العقود الأخيرة بناء المنطقة إي1 وساعدت في منعه، قال هاكابي إنه "قرار تتخذه حكومة إسرائيل".
ويبدو الآن أن إدارة ترامب تساعد حتى محاولات إسرائيل لنزع الشرعية عن السلطة الفلسطينية، مما يسهل تبرير السيطرة الإسرائيلية الدائمة على كل من الضفة الغربية وغزة. في آب/أغسطس وبعد لقائه وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، أعلن روبيو أنه لن يصدر تأشيرات دخول أمريكية لمسؤولي السلطة، بمن فيهم الرئيس محمود عباس، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك الأسبوع المقبل، مدعيا، من بين أمور أخرى، أنهم فشلوا في "نبذ الإرهاب باستمرار" بما في ذلك هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2024، مع أن عباس فعل ذلك. وفي الوقت نفسه، ألغت الإدارة العقوبات الأمريكية على جماعات وأفراد من المستوطنين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين، بمن فيهم ليفي، قبل مقتل الهذالين.
ويقول غوردون إن الكونغرس لديه أداوت لمنع عمليات الضم، من خلال تشريع يعيد فرض العقوبات وتوسيعها لتشمل وضع علامة تجارية خاصة على المنتجات الصادرة عن المستوطنات لا استخدام علامة "صنع في إسرائيل"، إلا أنه من المستبعد تحرك الجمهوريين في الكونغرس. ففي الشهر الماضي، زار رئيس مجلس النواب مايك جونسون الضفة الغربية، حيث تناول العشاء مع نتنياهو وهاكابي في إحدى المستوطنات، وقيل إنه أعلن أن "جبال يهودا والسامرة" (المصطلح التوراتي للضفة الغربية) "موعودة للشعب اليهودي وهي ملك لهم بحق".
ولم تؤد سيطرة إسرائيل الآخذة بالتوسع على الضفة الغربية بعد إلى اندلاع حرب كبيرة، على الرغم من مقتل ما يقرب من 1,000 فلسطينيا على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين منذ هجمات حماس في 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023. ويبدو أن المزيد من العنف وسوء المعاملة أمر لا مفر منه إذا حاولت إسرائيل طرد الفلسطينيين أو تنفيذ خطة سموتريتش لحشر أكثر من ثلاثة ملايين فلسطيني من الضفة الغربية في جيوب أصغر حجما محاطة بالمستوطنين.
ويعتقد غوردون أن العمل الدولي وحده كفيل لمنع كارثة قادمة، وبخاصة في ظل الرضوخ الأمريكي الظاهر. وأشار إلى تصريحات دولة الإمارات العربية المتحدة عن الضم باعتباره خطا أحمر، وسيهدد علاقة إسرائيل المهمة مع أبوظبي. وسيكون المؤتمر الذي ترعاه فرنسا والمملكة العربية السعودية في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل حول القضية الفلسطينية فرصة أخرى للمجتمع الدولي لتوضيح اعتراض معظم دول العالم على أجندة هذه الحكومة الإسرائيلية. وعلى حكومة نتنياهو أن تفهم أنها تستطيع بناء علاقات مزدهرة مع بقية العالم، أو السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، ولكن ليس كليهما.