نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"
تقريرا للصحفيين جاريد مالسين وسمر سعيد وبينوا فوكون يتناول تداعيات العدوان على قطر على دول المنطقة العربية والخليج بشكل عام.
وذكر التقرير، أن الغارة الجوية الإسرائيلية على قادة حماس في قطر أدت إلى تفاقم التوتر في علاقاتها مع دول الخليج، وهي دول كانت قبل بضع سنوات فقط حجر الزاوية في آمالها في تأمين مستقبلها من خلال كسب القبول الدبلوماسي في الشرق الأوسط.
وأكد "الهجوم على حي السفارات الهادئ في الدوحة، والذي أسفر عن مقتل عدد من مسؤولي حماس وأحد أفراد قوات الأمن القطرية، إدراكا متزايدا بأن إسرائيل اتخذت قرارا استراتيجيا بتأمين نفسها بقوة السلاح حتى على حساب علاقاتها الدبلوماسية"، وفقا للمقال.
كما أثار تساؤلات حول ما إذا كان يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة لفرض ضبط النفس وتوفير الحماية، خاصة عندما تكون دول الخليج نفسها في مرمى النيران.
وردت الدول العربية بتعبيرات غاضبة حادة. أدانت السعودية والإمارات وقطر الهجوم واعتبرته انتهاكا للقانون الدولي ووصف أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية، الضربة بالخيانة، في حين سارع ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان إلى الدوحة.
وكان من المتوقع أن يزور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان العاصمة القطرية أيضا.
وانتقد الرئيس ترامب الضربة يوم الثلاثاء، معربا عن أسفه لوقوعها في قطر وتعهد بعدم تكرارها. لكنه أشاد أيضا بقتل أعضاء حماس باعتباره هدفا نبيلا.
وبعيدا عن تبادل الانتقادات الفوري، تُقيّم دول الخليج الغنية في المنطقة نظاما جيوسياسيا مُضطربا حديثا، وتدرس ما إذا كانت ستنظر إلى إسرائيل كشريك محتمل، أو خطر أمني، أو كليهما.
وبحسب الصحيفة، فإن هذا يُمثل قطيعة مع السنوات الأخيرة، عندما أقامت دولتان خليجيتان تقعان على جانبي قطر، الإمارات والبحرين، علاقات رسمية مع إسرائيل بموجب اتفاقيات إبراهيم، بينما درست السعودية ودول أخرى خطوات تطبيع خاصة بها.
وقال خالد الجندي، الباحث الزائر في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون، إن الهدف من الاتفاقيات هو دمج إسرائيل كشريك متساو في المنطقة. وأضاف أنها بدلا من ذلك، تتصرف كقوة مهيمنة.
وقال الجندي: "ليس هذا ما وقعوا عليه. هناك بعض الندم على القبول".
وجاء "الهجوم على حماس في الدوحة بعد أشهر من التوتر المتزايد على علاقة إسرائيل بالخليج. وتوقف زخم التطبيع مع ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في حرب
غزة، التي أشعلتها هجمات حماس على إسرائيل قبل نحو عامين، وتضاؤل احتمال قيام دولة فلسطينية"، بحسب التقرير.
وعندما هاجمت إسرائيل إيران في حزيران/ يونيو، كانت تواجه تهديدا مشتركا. ولكن بينما استفادت الحكومات العربية من ضعف إيران، إلا أنها كانت قلقة من رغبة إسرائيل في استخدام تفوقها العسكري والاستخباراتي في المنطقة.
وأثارت الضربات على القيادة العسكرية الإيرانية مخاوف من أن إسرائيل قد تسعى إلى تغيير النظام وتغرق المنطقة في سنوات من الفوضى وترك هجوم الدوحة الكثيرين يتساءلون عما إذا كانت هناك أي خطوط حمراء لا تزال قائمة كما ذكر تقرير "وول ستريت جورنال".
من جانبه قال آشر فريدمان، مدير معهد اتفاقيات إبراهيم للسلام في إسرائيل: "هناك قلق بين هذه الدول من أن إسرائيل أصبحت قوية عسكريا بشكل مفرط وغير منضبطة، مما يخشى أن يؤدي إلى المزيد من الصراعات الإقليمية وعدم الاستقرار".
ويترك الهجوم دول الخليج في مأزق بشأن كيفية الرد. وأفادت مصادر مطلعة على المكالمات أن مسؤولين خليجيين أجروا مكالمات لمناقشة الحاجة إلى رد قوي وموحد على إسرائيل، لكنهم لم يتوصلوا بعد إلى تفاصيل محددة. وأضافوا أن كبار المسؤولين السعوديين يخططون لإبلاغ الولايات المتحدة بأن التطلعات الأمريكية للسلام من خلال التكامل الإقليمي معرضة للخطر.
وقال عبد الخالق عبد الله، وهو عالم سياسي إماراتي بارز في دبي: "هذا بالتأكيد تحول كبير، ونسمي إسرائيل الآن قوة رئيسية مزعزعة للاستقرار في المنطقة".
وأشارت قطر إلى أنها ستعلق دورها كوسيط في المحادثات بين إسرائيل وحماس.
وقال حسين إبيش، الباحث المقيم الأول في معهد دول
الخليج العربية، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن، إن تنسيقها مع إسرائيل بشأن القضايا الأمنية خارج نطاق العلاقات الدبلوماسية الرسمية سيتضرر بشدة أيضا.
ولكنه يعتقد أن دولا مثل قطر من المرجح أن تبطئ عملية تحسين العلاقات بدلا من وقف التعاون تماما.
وقال: "قطر تعتمد على الولايات المتحدة بشكل كبير لدرجة أنها لا تستطيع التخلي عن تلك العلاقة".
كما تُعيد دول الخليج النظر في مستقبل اعتمادها على الولايات المتحدة، التي تُحافظ على وجود قوي في المنطقة لحماية حلفائها وتأمين إمدادات الطاقة العالمية بحسب التقريٍر.
واستثمرت دول الخليج بكثافة في علاقاتها مع واشنطن، ومع ترامب تحديدا، حيث يُفضل بعض قادة الخليج أسلوبه الشخصي والتعاملي في الدبلوماسية وموقفه الأكثر عدوانية تجاه إيران.
وزار ترامب الرياض وعواصم خليجية أخرى في أيار/ مايو، واستقبله أمراء عرب في قصورهم المُذهّبة، حيث أشاد باستقرارهم وازدهارهم.
ودفعت الحرب مع إيران، التي تجاوزت حدود دول الخليج، والهجوم على الدوحة، الدول إلى التساؤل عما إذا كانت استثماراتها تُؤتي ثمارها في النفوذ أو السلامة.
وأشارت الصحيفة إلى ان استعداد أمريكا لحماية دول الخليج أصبح موضع تساؤل في الماضي. ففي عام 2019، اخترق هجوم بطائرات مُسيّرة وصواريخ نُسب إلى إيران الدفاعات الجوية السعودية وضرب إحدى منشآت النفط الرئيسية في المملكة. وخلال الصيف، شنت إيران هجوما صاروخيا على قاعدة جوية أمريكية في قطر.
وقالت دانا شيل سميث، السفيرة الأمريكية السابقة في قطر: "مع انهيار السلام مرتين في غضون ثلاثة أشهر، أتخيل أن الناس في جميع أنحاء الخليج بدأوا يشككون في مصداقية الولايات المتحدة كشريك أمني".
ولأنها غنية باحتياطاتها الهائلة من النفط والغاز وتتمتع بنفوذ عالمي هائل، لم تدخل دول الخليج قط في صراع مسلح مباشر مع إسرائيل، على عكس جيرانها مثل سوريا ومصر، اللتين خاضتا عدة حروب مع إسرائيل بعد تأسيسها عام 1948.
كما أن الولايات المتحدة تصنف قطر نفسها حليفا رئيسيا من خارج حلف الناتو، وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، تضم آلاف الجنود الأمريكيين.
وقد راهنت البلاد على علاقاتها مع واشنطن، وفي وقت سابق من هذا العام، أهدت طائرة كبيرة للحكومة الأمريكية لاستخدامها مستقبلا كطائرة الرئاسة الأمريكية.
وتابعت، "لطالما واجهت دول الخليج أكبر التهديدات الأمنية في أماكن أخرى. فقد غزا العراق في عهد صدام حسين الكويت المجاورة".
وعبر الخليج العربي، حشدت إيران الثورية ترسانة من الصواريخ ووضعت استراتيجية لبسط نفوذها الإقليمي. شنّ الحوثيون المتحالفون مع إيران في اليمن سلسلة من الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على السعودية خلال الحرب الطويلة بين البلدين.
وشجعت كل من "إدارتي ترامب وبايدن إسرائيل ودولا مثل السعودية على تطبيع العلاقات في خطوة من شأنها دمج الشرق الأوسط على نطاق واسع، وفتح آفاق اقتصادية جديدة، وكسر مقاطعة دبلوماسية عربية استمرت عقودا".
وقبل عام 2020، عندما اعترفت الإمارات والبحرين والمغرب بإسرائيل، كانت مصر والأردن الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين تربطهما علاقات دبلوماسية معها.
وأردف التقرير، أنه "بعد توقيع إسرائيل على اتفاقيات إبراهيم، وسّعت الولايات المتحدة قيادتها العسكرية الرئيسية في الشرق الأوسط لتشمل إسرائيل، وهي خطوة نحو التكامل الأمني الإقليمي ساعدت إسرائيل على مواجهة تهديد الصواريخ والمسيّرات من إيران".
وأشار إلى أن "هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أدت إلى تحول في التفكير الاستراتيجي في إسرائيل، حيث أظهرت البلاد ميلا كبيرا للمخاطرة واستعدادا لاستخدام تفوقها العسكري والاستخباراتي لضرب أعداء مفترضين في جميع أنحاء المنطقة".
وبحسب الصحيفة فإن النهج الإسرائيلي الجديد، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يحمل مزايا ومخاطر في آن واحد.
وقال إلداد شافيت، ضابط الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي السابق الذي خدم أيضا لسنوات في مكتب رئيس الوزراء في عهد نتنياهو: "من ناحية، أصبحت إسرائيل الآن قوة يمكنها زعزعة استقرار الوضع في وقت قصير. ومن ناحية أخرى، فإن إسرائيل قوة قوية حقا تمتلك الاستخبارات والقدرة العسكرية للقيام بأشياء لا يمكن تصورها".
ومن الاعتبارات الأخرى لدول الخليج أن مواطنيها متعاطفون بشكل كبير مع الفلسطينيين. رغم أن قادتهم غير منتخبين، إلا أنهم قلقون سرا بشأن استمرارهم على المدى الطويل، لا سيما بعد أن أطاحت الاحتجاجات بزعماء مصر ودول أخرى عام 2011.
وقال يوسي ميكلبيرغ، الزميل الاستشاري الأول في تشاتام هاوس بلندن: "ما لا يأخذه نتنياهو في الاعتبار، وترفض إسرائيل أخذه في الاعتبار، هو أن هناك أيضا جمهورا محليا لما تفعله هذه الحكومات. في الواقع، تتحمل هذه الحكومات الكثير، ولكن عندما تتحمل هذا، فهذا يعني أن هناك ثمنا محليا".