نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" مقالا للكاتب ديفيد إغناطيوس قال فيه إن
ولي العهد محمد بن سلمان هو "الملك المستقبلي" للمملكة العربية
السعودية، كما قال الرئيس دونالد ترامب عند تقديمه يوم الثلاثاء. قد يأتي الانتقال قريبا، وقد يحكم محمد بن سلمان لعقودٍ طويلة، كما أن نجاحه المستمر في تحديث المملكة أمرٌ بالغ الأهمية لمستقبل أمن الشرق الأوسط.
وأضاف: "عندما ننظر بنظرة جامدة إلى المصالح الأمريكية، نجد أنها تُمثل الأساس في تقييم زيارة محمد بن سلمان إلى
واشنطن هذا الأسبوع. يدي القائد السعودي ملطختان أيضا بدماء زميلي وصديقي جمال خاشقجي. هذا لن يتغير أبدا. قال محمد بن سلمان يوم الثلاثاء إن مقتل خاشقجي كان 'مؤلما' و'خطأ فادحا'. بل كان أسوأ من ذلك. لكن هذه ليست نهاية القصة".
وأوضح أن "محمد بن سلمان هو على الأرجح أهم لاعب في المنطقة الآن. لقد نجح في استئصال التطرف الإسلامي في بلاده، وهو يعمل على تحقيق الأمر نفسه في أماكن أخرى. إنه يريد تطبيع العلاقات مع إسرائيل وإيران. ولعل الأهم من ذلك كله، أنه قرر ربط مستقبل المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة".
وأشار إلى أن ترامب كان حريصا على "تحقيق المجد" يوم الثلاثاء في المكتب البيضاوي. ولكن كما قال محمد بن سلمان، فهو يراهن على رهان سيدوم "لعقود". إذا نجح هذا التحالف، فإن المملكة العربية السعودية وجيرانها الحداثيين، الإمارات العربية المتحدة وقطر، يمكن أن يوفروا ممرا للنفوذ الأمريكي يصل إلى أفريقيا وآسيا. هذا الحاجز الذي تقوده أمريكا ضد طموحات "الحزام والطريق" الصينية المتوسعة يمكن أن يؤدي إلى عالم أكثر أمانا للجميع.
اظهار أخبار متعلقة
وقال إن "إسرائيل من المفترض أن تستفيد أيضا، ولكن ستكون هناك تكاليف. قد يُضعف قرار ترامب بيع طائرات إف 35 للمملكة "التفوق العسكري النوعي" الذي وعدت به واشنطن إسرائيل منذ فترة طويلة. صرّح محمد بن سلمان يوم الثلاثاء بأنه يريد الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، لكنه يريد أولا "مسارا" إلى دولة فلسطينية، وهو أمر قد يستغرق سنوات عديدة. كما ينبغي أن تكون إسرائيل أكثر أمانا إذا نفذت الولايات المتحدة وحلفاؤها الخليجيون خطتهم لإعادة إعمار غزة وإصلاح السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. لكن ذلك سيقلل من نفوذ إسرائيل في القضية الفلسطينية".
وأضاف: "لا بد من القول: لقد سخّر محمد بن سلمان بلاده لشريك متقلب المزاج هو ترامب. بدا السعودي بزيه البدوي محرجا تقريبا بينما انتقد ترامب الرئيس السابق جو بايدن وانتقد الصحفيين بشدة. بدت تعليقات محمد بن سلمان حول 'الخطأ الجسيم' المتمثل في مقتل خاشقجي متحفظة مقارنة بهجوم ترامب على كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست ووصفه بأنه صحفي 'مثير للجدل للغاية'، وأن هذه 'الأمور تحدث'".
وتساءل: "ما هو المسار الذي قاد محمد بن سلمان إلى المكتب البيضاوي يوم الثلاثاء، وربما قريبا، إلى العرش الملكي في الرياض؟" وأجاب بالقول إنه تم تنظيفه بواسطة جرافة. فمنذ اللحظة التي تولى فيها الملك سلمان العرش عام 2015، سعى ابنه الطموح جاهدا لتغيير بلد رآه فاسدا، مُحتضرا، وضعيفا بفعل الأصولية الإسلامية. وذكر أنه وصف محمد بن سلمان في ملف شخصي عام 2016 بأنه شخص "يمكنه أن يُعيد المملكة إلى مسارها - أو أن يدفعها نحو الهاوية". وقال إنه كان، كما أشار، "من نوع الأمراء الذين قد يُحاكيهم مكيافيلي [مؤلف كتاب الأمير]".
وذكر أنه كان لدى محمد بن سلمان ثلاثة أهداف آنذاك، وفقا لمستشار مُقرّب. أراد السيطرة على نظام الغنائم المُتفشّي الفاسد في العائلة المالكة الآخذة في الاتساع. وأراد استعادة بعض انفتاح المجتمع السعودي الذي كان قائما قبل أن تُمكّن الثورة الإيرانية عام 1979 المسلمين السعوديين المتطرفين الذين ساعدوا في تمويل أسامة بن لادن. وأراد أيضا دفع المملكة إلى قلب عالم عربي أكثر ديناميكية.
وقال إن محمد بن سلمان حقق هذه الأهداف إلى حدٍّ مذهل. ولكن ليس دون الكثير من الكسر القاسي. فقد جرّد ولي العهد محمد بن نايف من سلطاته ثم أخذ مكانه في عام 2017؛ واحتجز أثرياء سعوديين في فندق ريتز كارلتون بالرياض في وقت لاحق من ذلك العام حتى وافقوا على تسليم بعض الغنائم التي غنموها؛ وشنّ حربا مكلفة ضد الحوثيين في اليمن.
وأخيرا، في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، ووفقا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، سمح لعملائه باعتقال أو قتل صحفي فضولي كان يكتب لصحيفة واشنطن بوست، حيث أبلغه مساعدوه أن انتقاداته تُقوّض سيطرته على السلطة.
اظهار أخبار متعلقة
وأشار إلى أن ترامب حمى محمد بن سلمان من المساءلة عن ذلك العمل الوحشي خلال ولايته الأولى. لكن بالنسبة للسعوديين، لم تكن هذه شراكة موثوقة. فعندما ضربت الصواريخ الإيرانية منشآت النفط السعودية في بقيق عام 2019، لم تفعل الإدارة شيئا يُذكر. واستشهد الكاتب بقول مسؤول أمريكي: "كان يعتقد أن الولايات المتحدة ستُقدّم كل ما لديها لدعمه. لكننا لم نفعل سوى الحد الأدنى".
وأكد أنه ولهذا السبب، يتوق محمد بن سلمان بشدة إلى ضمانات دفاعية أمريكية الآن، ويريد شراء طائرات إف-35. إنه يشعر بأنه مُعرّض للخطر في منطقة لا تزال غير مستقرة. يريد الانضمام إلى الفريق الأمريكي، ولكن فقط إذا كان لديه الحماية.
وقال إن ما أدهشه أكثر من أي شيء آخر، وهو يشاهد كل هذا يتكشف، هو نجاح محمد بن سلمان في تحديث المملكة العربية السعودية مع إبقائها تحت سيطرة سياسية مُحكمة. حيث أوضح أنه سافرت إلى المملكة لأول مرة عام 1981، ويصعب وصف مدى كسلها وقمعها. الفرق الآن مذهل. إن كنتَ تشك في ذلك، فابحث في غوغل عن "حفلات موسيقى الروك في السعودية".
وأضاف: "حلّ محمد بن سلمان محلّ القيادة الدينية، وقيّد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبدأ يُقدّم للشباب السعوديين أحد الأشياء التي كانوا يفتقدونها: المتعة. ولعلّ الأهم من ذلك كله، تمكينه للنساء، وسمح لهن بقيادة السيارات، وممارسة الرياضة، والسفر دون مرافق. وبدأ بإصلاح النظام القانوني في المملكة، وهي عملية بطيئة لاستناده إلى الشريعة الإسلامية. ولكن حتى مع إجرائه هذه الإصلاحات، حافظ على دولة بوليسية كان فيها تحدي الحكومة الحديثة أمرا خطيرا".
وأوضح أن المخاوف من أن تُثير إصلاحات محمد بن سلمان رد فعل عنيف انحسرت - ويعود ذلك جزئيا إلى مقاومة الشباب السعوديين لأي محاولة لاستعادة ثقافة التقييد القديمة. وأشار إلى أن دبلوماسيا سابقا شرح سبب عدم اكتمال هذه القصة، حيث أخبره صديق سعودي مؤخرا أنه سيصطحب زوجته ووالدته إلى المسرح - وهو أمر كان مستحيلا قبل عقد من الزمن. وعندما سأله عن موقف الأب، أجابه السعودي: "إنه غير مرتاح لهذا الأمر بعد".
وأشار إلى أن محمد بن سلمان بدأ بتصدير جهود مكافحة التطرف إلى دول أخرى في المنطقة. وأن مصدرا مقربا من ولي العهد أخبره أن السعوديين وقّعوا مذكرة تفاهم مع السلطة الفلسطينية لتحديث نظامها التعليمي للحد من التطرف، وإصلاح إدارة شؤون الموظفين للحد من الفساد، وتطوير الحكومة الإلكترونية لجعل الضفة الغربية وغزة المُعاد إعمارها أكثر شفافية وأقل عرضة للرشاوى السرية للإرهابيين. وقد عرض السعوديون القيام بدور مماثل في إعادة إعمار سوريا، والمساعدة في شقّ طرق جديدة، وتوفير الكهرباء والمياه.
وذكر أن هذه الإصلاحات تحمل جانبا مُذهلا، فهي تعكس أفضل وأسوأ ما في محمد بن سلمان. إنه حالمٌ مُتحكّمٌ في الأمور. وهو الآن مهووس، كما هو الحال مع حكام الإمارات وقطر، بفرص أن يصبحوا مُزوّدي ذكاء اصطناعي مهيمنين في عالم تُعطيهم فيه طاقتهم الرخيصة دفعة هائلة - عند دمجها مع تقنية الذكاء الاصطناعي الأمريكية. إذا كانت المعرفة قوة، فالعكس صحيح أيضا. قد تجعل الطاقة الرخيصة للمملكة مراكز بياناتها المستقبلية مربحة بقدر آبار النفط.
اظهار أخبار متعلقة
وقال إغناطيوس إنه لجأ إلى صديقه خالد الجبري في محاولة للتفكير في محمد بن سلمان، فقليلٌ من السعوديين عانوا في السنوات الأخيرة بقدر ما عانت عائلته. كان والده، سعد، المستشار الاستخباراتي الرئيسي لمحمد بن نايف، منافس محمد بن سلمان. اتهمه محمد بن سلمان بسرقة أموال حكومية (وهي تهمة أسقطتها المحاكم الأمريكية)، وللضغط على العائلة، احتجز اثنين من أشقائه.
أخبره الجبري أنه زار السفارة السعودية في واشنطن قبل عام بناء على طلبها لتسليم رسالة إلى محمد بن سلمان نيابة عن عائلته. وجاء في الرسالة، في جزء منها: "أنا مواطن سعودي منفي منذ زمن طويل، آمل في كرم قيادته، وأحلم بخدمة وطني، وبرؤية عائلتي تتحد. أنا لست معارضا".
وختم مقاله بالقول إنه يعتقد أن هذا ما كان سيقوله خاشقجي لمحمد بن سلمان لو أتيحت له الفرصة. لكنه لم يخرج قط من القنصلية السعودية في إسطنبول. سيحكم التاريخ على ما حدث هناك. لكن التاريخ لا يُكتب بفصول منفردة. محمد بن سلمان قادر على كتابة فصول جديدة.