نشر موقع "
دروب سايت" تقريرا يسلّط الضوء على توسّع الوجود الأمريكي في غزّة عبر عقود جديدة مع تصاعد وتيرة تجنيد الشركات الأمنية الخاصة المتورّطة في انتهاكات خطيرة خلال عمليات توزيع
المساعدات. ويعزى الخوف من عودة هذه الشركات إلى توثيق استخدامها للقوة المميتة ضد المدنيين، في ظل ترتيبات دولية جديدة قد تمنحها دورًا أوسع داخل القطاع.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن شركة "يو جي سوليوشنز"، وهي مقاول عسكري أمريكي بارز تولّى تأمين "مؤسسة غزّة الإنسانية"، تكثّف جهود التجنيد مع وجود خطط محتملة لإنشاء عدة مواقع جديدة لتوزيع المساعدات في غزّة الشهر المقبل. وقد أوضح ضابط سابق في الجيش، تقدّم لوظيفة "ضابط أمن إنساني دولي" لدى الشركة، أن أحد مسؤوليها أبلغه خلال مقابلة عمل في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر بأن ما بين 12 و15 موقعًا جديدًا يجري التخطيط لافتتاحها في غزّة، وأن الشركة "ستحتاج عددًا أكبر بكثير من العناصر". وقد أدلى الضابط بشهادته شريطة عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية.
وذكر أن هذه التطورات تأتي في لحظة مفصلية لمستقبل غزّة، عقب تصويت مجلس الأمن هذا الأسبوع على قرار برعاية أمريكية يجيز إنشاء قوة استقرار دولية في القطاع تكون خاضعة لإشراف "
مجلس السلام" برئاسة الرئيس دونالد ترامب، بدلًا من ولاية الأمم المتحدة، مع منحه صلاحيات واسعة تشمل إعادة الإعمار، والأمن، والتعافي الاقتصادي، وتنسيق عمليات توزيع المساعدات.
وأفاد بأن الاستعانة بمقاولين عسكريين خاصّين في عمليات توزيع المساعدات داخل غزّة بدأت لأول مرة في مايو/ أيار، مع إطلاق "مؤسسة غزّة الإنسانية" أربعة مواقع توزيع تولّت حمايتها عناصر أمنية جرى تجنيد كثير منها عبر "يو جي سوليوشنز". وخلال الأشهر الأربعة والنصف التي نشطت فيها المؤسسة، استشهد أكثر من 2,600
فلسطيني كانوا يبحثون عن الغذاء، وأصيب أكثر من 19,000 آخرين برصاص قوات الاحتلال أو العناصر الأمنية عند مواقع التوزيع أو في محيطها، قبل أن تُفكك تلك المواقع عقب دخول "وقف إطلاق النار" الذي رعته واشنطن حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر/ تشرين الأول.
وأضاف الموقع أن المسؤول في الشركة، جويل رييس، الذي أجرى المقابلة الهاتفية مع الضابط، أوضح أن الانتشار في غزّة متوقّع بين أوائل ومنتصف ديسمبر/ كانون الأول، على أن تستمر المهمات 90 يومًا، مع رواتب تصل إلى 800 دولار يوميًا لـ"الحراسة الثابتة" و1000 دولار يوميًا لـ"الحراسة المتحرّكة"، إضافة إلى بدل يومي قدره 180 دولارًا. وعندما سُئل عن طبيعة المهمة، اكتفى بالقول إنها "تأمين وحماية".
ردًا على أسئلة تتعلّق بدقّة المعلومات حول مواقع المساعدات الجديدة وخطط الانتشار المرتقبة، قالت جينيفر كاونتر، نائب رئيس الشركة للشؤون الحكومية في رسالة إلكترونية إن شركة "يو جي سوليوشنز" تستعد لمجموعة واسعة من السيناريوهات المحتملة في غزّة تبدأ من دور استشاري استنادًا إلى خبرتنا منذ يناير/ كانون الثاني 2025 وحتى اليوم، وصولًا إلى حضور أمني قوي لدعم إيصال المساعدات الإنسانية، وتقديم مساعدة تقنية محتملة لقوة الأمن الدولية".
وأضاف الموقع أن هناك مؤشرات إضافية على خطط لزيادة الوجود الأميركي في غزّة. ففي 25 سبتمبر/ أيلول، وبعد يوم واحد فقط من انتهاء عقد "مؤسسة غزّة الإنسانية" البالغ 30 مليون دولار رسميًا، بدأ تنفيذ عقد أميركي جديد مع شركة تُدعى "كيو تو إمباكت" بقيمة 7 ملايين دولار تمتد على خمس سنوات، يهدف إلى "رصد فاعلية المساعدات الإنسانية في فلسطين ولبنان".
وذكر الموقع أن الضابط السابق كان قد قدّم طلبه الأول لدى "يو جي سوليوشنز" في يونيو/حزيران، وتلقّى في أواخر يوليو/ تموز رسالة من باتريك شواف، العنصر السابق في "القبعات الخضر" ومدير دعم المهام، تُعلمه بتقدّم ملفه في مسار التوظيف. ثم انقطع التواصل حتى أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، حين تلقّى مكالمة من جويل رييس، أعقبها بعد أربعة أيام بريد إلكتروني يفيد بأنه "مؤهّل مبدئيًا" لمهمة خارجية في "بيئة عالية التهديد"، مع تحديد موعد لإجراء مقابلة ثانية.
وخلال المقابلة التي جرت مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني، وُجّهت إليه أسئلة تفصيلية بشأن خلفيته العسكرية وخبراته الميدانية، وطُلب منه أن يقدّم مثالًا عن "مأزق أخلاقي" واجهه خلال خدمته. كما أُبلغ بأن قبوله يستلزم خضوعه لتدريب يمتد من ثلاثة إلى أربعة أيام في منشأة بمدينة نيوبيرن، يشمل تدريبات على "قواعد التصعيد" و"عمليات المساعدات الإنسانية" واختبارات إطلاق النار، إضافة إلى الالتزام بتنفيذ أوامر قد تصدر عن أفراد أدنى منه رتبة، والعمل مع الشركة لفترة طويلة.
وأشار الموقع إلى أن الدور الذي لعبته "مؤسسة غزّة الإنسانية" والمقاولون العسكريون الخاصّون في توزيع المساعدات داخل غزّة أثار جدلًا واسعًا. ففي أواخر أغسطس/ آب، ومع استمرار مفاوضات وقف إطلاق النار واحتدام الهجوم العسكري الإسرائيلي الإبادي، وافقت حماس على إزالة بند كان سيمنع المؤسسة من البقاء في غزّة بعد دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، في خطوة اعتُبرت واحدة من أبرز التنازلات.
وأكدت جينيفر كاونتر، ممثلة "يو جي سوليوشنز"، استعداد الشركة لتقديم خدمات أمنية لمواقع المساعدات الإنسانية في غزّة إذا قرّر مجلس السلام بقيادة ترامب أن مواقع التوزيع أو المخازن بحاجة إلى خبراتهم. وأشارت إلى استمرار النقاش مع الجهات المعنية حول الواقع على الأرض والسبل الممكنة لدعم منظومة المساعدات، مع استعداد الشركة للتحرك سريعًا بعد قرار مجلس الأمن الصادر في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2025.
مع ذلك، تعرضت "يو جي سوليوشنز" لانتقادات واسعة منذ بدء عمل "مؤسسة غزّة الإنسانية" في مايو/ أيار، بما في ذلك استخدام الرصاص الحي والقنابل الصوتية في عمليات التوزيع، واستقالة متعاقد احتجاجًا على ما وصفه بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتجنيد عناصر من عصابة درّاجات نارية أميركية معروفة بخطاب معادٍ للمسلمين للعمل كحراس أمن.
وأكدت كاونتر استمرار الشركة في التجنيد لغزّة ومشاريع دولية أخرى، مع رغبة أعضاء فريقها السابقين بالعودة لمساعدة المجتمع المحلي المتضرر من الحرب. وفي السياق ذاته، دعا فرع "مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية" في كارولاينا الشمالية، إلى التحقيق مع الشركة على خلفية أفعالها في غزّة، مؤكدًا أن تورّط شركات محلية في انتهاكات حقوق الإنسان أو جرائم حرب ضد المدنيين أمر مروّع ويجب منع حدوثه.
وفي الختام، أكدت الصحيفة أنه منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 10 تشرين الأول/ أكتوبر، واصلت "إسرائيل" خرق الاتفاق، مُنفذة هجمات أودت بحياة ما لا يقل عن 290 فلسطينيًا، مع استمرارها في منع دخول 600 شاحنة مساعدات يوميًا إلى غزّة، وهو الحدّ الأدنى الذي سبق أن حددته الأمم المتحدة. وفي آب/ أغسطس، أعلنت الهيئة العالمية المختصة بمراحل الأمن الغذائي أن القطاع يرزح تحت حالة مجاعة. ووفقًا لوزارة الصحة في غزّة، فقد استشهد أكثر من 450 فلسطينيًا، بينهم أكثر من 150 طفلًا، نتيجة الجوع وسوء التغذية خلال الفترة بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 ونهاية سبتمبر/أيلول.