الكتاب: أثر البصمة الوراثية في قضايا
الأحوال الشخصية" دراسة فقهية مقارنة"
الكاتبة: منال محمد العشي
الناشر: مكتبة سمير منصور، 2018م.
عدد الصفحات: 429 صفحة.
تعد البصمة الوراثية من القضايا ذات التأثير
المباشر في حياة الإنسانية، فهي ذات أهمية كبيرة في مسائل الأحوال الشخصية التي
باتت شائكة في المجتمع، إذ يكشف العلم الحديث جملة من الحقائق والأسرار ذات
العلاقة بالبصمة الوراثية؛ الأمر الذي يوجب على العلماء والمجتهدين الوقوف في
مواجهة الثورة العلمية البيولوجية، ومواكبة تطورها، وتوضيح آثارها المنعكسة على
القضايا الشرعية، ثم العمل على الاستفادة منها في الإنجازات العلمية كافة، والسعي
نحو صياغة قانون شرعي، وأخلاقي يعمل على ضبطها وفق معايير الشريعة الإسلامية إذ لا
يتصور الوصول إلى الحكم الصحيح بغير الإلمام بجوانب المسألة من ذوي الاختصاص.
قال رسول الله صل الله عليه وسلم: (إن
العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهما، إنما ورثوا
العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر).
كما تمثل البصمة الوراثية حالة خاصة في
القضايا المتعلقة بالأحوال الشخصية ذات خصوصية متعددة الأبعاد في حياة الانسان،
الأمر الذي يدفع المشرع نحو تناولها بدقة وشفافية، إذ أولت الشريعة الإٍسلامية
الأسرة عناية فائقة، واهتمت بها أبلغ اهتمام فعالجت القضايا والمشكلات التي قد
تعصف بها، بينت حكم الشارع فيها لا سيما القضايا المستجدة والنوازل، وهو جاء بنصوص
القرآن الكريم، وفسرته السنة النبوية، وناقشه الإجماع الإسلامي.
تقول العشي: "إن كانت البصمة الوراثية
من القضايا المستجدة حديثاً؛ إلا أن العلماء القدامى كانوا قد طرحوا الأمر من خلال
العمل بالقرائن في اثبات النسب أو نفيه، وتمشياً مع التطور العلمي، قد تمكن العلم
الحديث من الكشف عن البصمة الوراثية، ودورها في اثبات نسب الانسان، وهويته مع
الحديث حول الدور الشرعي الذي تلعبه الوراثة اليوم فيما يتعلق بقضايا الأحوال
الشخصية".
"إن كانت البصمة الوراثية من القضايا المستجدة حديثاً؛ إلا أن العلماء القدامى كانوا قد طرحوا الأمر من خلال العمل بالقرائن في اثبات النسب أو نفيه، وتمشياً مع التطور العلمي، قد تمكن العلم الحديث من الكشف عن البصمة الوراثية، ودورها في اثبات نسب الانسان، وهويته مع الحديث حول الدور الشرعي الذي تلعبه الوراثة اليوم فيما يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية".
مرت تقنية الحصول على البصمة الوراثية
لتحديد هوية الشخص بإجراءات عديدة، لكن دون الدخول إلى التفاصيل العلمية الدقيقة،
بغية بيان الفكرة التي بني عليها العمل المعياري لكل تقنية منها، ذلك لرسم صورة
إجمالية عن الطرق العلمية التي يجريها العلماء لفحص البصمة الوراثية، وتعرف تقنية
الحزم الوراثية باسم (Rflp) وتعتمد على عزل واستخلاص الحامض النووي من الخلية وتنقيته ثم معاملته
من انزيمات، لتقطع إلى حزم دناوية يتم التفريد الكهربي للحزم الدوناوية، ثم بعد
ذلك تنقل على غشاء من النيتروسليلوز، ثم يضاف منقب عبارة عن تتابع من
النيوكليوتيدات المحددة؛ وتتميز هذه التقنية بأن لها قوة تمييز عالية بين الأشخاص،
فجميع البشر يختلفون في عدد وتكرارية، وموقع التتابعات المميزة ما عدا التوائم
المتماثلة.
فقد تمكن بيولوجيون من دراسة عينات من
حيوانات جمدت في جليد القطب آلاف السنين، من بينها حيوان البيزون جمد منذ 35000
سنة عثر عليه في آلاسكا، وكانت أقدم عينات من الدنا البشري مأخوذة من هياكل عمرها
8000 سنة كان مخها محفوظاً بشكل جيد عثر عليها علماء الأثار بفلوريدا، كما أخذ بعض
العلماء عينات دنا من مومياويات
مصرية ومن حيوان منقرض اسمه كواجا (ص30).
يمكن رصد أبرز ما تميزت به البصمة الوراثية:
1 ـ للبصمة الوراثية قوة تمييز عالية بين الأشخاص إلى حد
يستحيل معه تشابه، وتماثل بصمة شخص ببصمة شخص أخر، فكل انسان يتفرد ببصمة وراثية
خاصة به تحدد هويته التفصيلية.
2 ـ يمكن الحصول على نتائج عند اجراء فحص البصمة الوراثية من
أي عينة بشرية في جسم الإنسان، حيث أنها لا تتغير بتغير مكانها في الجسد، فجميع
خلايا جسم الإنسان تحتوي على البصمة الوراثية فالبصمة الموجودة في أي جزء تطابق
الموجودة في جزء آخر.
3 ـ ثبات البصمة الوراثية أمام المتغيرات الجوية والتلوثات
البيئة، حيث إنها تتمتع بقوة تقاوم عوامل التعفن والتحلل فلا تتغير مع مرور الزمن،
ولا تفقد شيئاً من هويتها ولا من معالمها.
4 ـ التطور التكنولوجي المستمر في تقنيات فحص البصمة يعطي
خيارات واسعة لخبير البصمة لاختيار التقنية المناسبة لإجراء الفحص المطلوب مهما
كانت المعطيات التي أمامه.
القرآن الكريم عن العلاقات الوراثية:
تحدث القرآن الكريم عن الأسرار الوراثية،
والحمض النووي المسؤول عن نقل نمط التوارث من الزوجين إلى الذرية وهذا ما أثبته
العلم بالبصمة الوراثية قال تعالى ( إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ
أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) ، فالـآية الكريمة تشير
إلى لحظة وجود إنسان جديد في الدنيا، وهي لحظة حمل البويضة للحيوان المنوي، وتكون
النطفة الأمشاج، وقد لاحظ العلماء تحت عدسات المجاهر أن خلايا الكائنات الحية التي
تتكاثر بالأمشاج تنقسم إلى نوعين: الأول الخلايا الجسدية، وتشمل كل أعضاء الجسد فيما
عدا الخصية والمبيض، أما النوع الثاني: الخلايا الجنسية: توجد في الخصية والمبيض،
وتنتج النطفة الذكرية والأنثوية.
أما الآية الكريمة قال تعالى: ( هُوَ ٱلَّذِى
يُصَوِّرُكُمْ فِى ٱلْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ ۚ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلْعَزِيزُ
ٱلْحَكِيمُ)، فتشير إلى العملية التصويرية للأجنة في أرحم الأمهات حيث يوصف الحمض
النووي في القرآن بأنه صورة للجسد، وأن أحد مقاصد التصوير في القرآن هو وصف انتقال
الصفات الوراثية من الآباء " الأصل" إلى الأبناء " الصورة "
عبر النطفة، فآدم وحواء كجسد هما الأصل والحمض النووي لهما صورة، ومن هذه الصورة
تم تصوير الذرية في الأصلاب ثم في الأرحام.(ص42).
بين الرسول صل الله عليه وسلم في الحديث
النبوي الشريف كيفية تكون الجنين قال: "إن النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة
ثم يتصور عليها الملك"، وأوضح النبي صل الله عليه وسلم حقائق علمية تحدث عنها
القرآن الكريم بالإشارة تارة، وبالعبارة تارة أخرى مفصلاً وشارحاً بجوابه للسائلين
بلغة علمية نفهمها اليوم وفق قوانين الوراثة.
التداوي بالعلاج الجيني:
تعمل تقنيات العلاج على معالجة الأمراض
الوراثية وغيرها عن طريق الجينات، وذلك بتعويض واستبدال الجين المعطوب بآخر سليم
من خلال كبت وتثبيط المعطوب وتزويد الجسم بالبروتين العلاجي من مصدر خارجي، أو عن
طريق استئصال بعض الجينات المسئولة عن إحداث مرض معين أو تشوه ما. " يشمل
العلاج الجيني كل من الإنسان والحيوان والنبات، وتستخدم الوسائل المختلفة لإيلاج
الجين السليم إلى الخلايا وغرس الجينات الوظيفية لتصحيح العيوب الوراثية"،
والعلاج الجيني يعتبر اليوم أفضل من غيره من العلاجات الأخرى، لأنه في الغالب يؤدي
إلى الشفاء من المرض نهائياً أو منع حدوث مرض معين يمكن أن يتعرض له الشخص في
المستقبل.
مما لا شك فيه أن تحديد البصمة الوراثية
للشخص، وتمييزه عن غيره، وربطه بنسبه على جهة اليقين والقطع، فتح باب استخدام
البصمة الوراثية على مصراعيه على المستوى القضائي، وما يتعلق به من قضايا الأحوال
الشخصية، كتحديد الأب الحقيقي للشخص، حيث تتضح صلة الولادة بين الأب وابنه في
حالات الاختلاف فيها، مما يحقق مقصد الشارع في حفظ الأنساب، لما في اختلاط الأنساب
من مفاسد كبيرة كضياع حق الأبن، وتهرب الأب من المسئولية تجاه أبنائه".
من عظيم نعم الله تعالى على عباده وتكريمه
لهم، أن خلقهم وربط بينهم بأصول نسبية يرجعون إليها، ويتعارفون من خلالها، قال
تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا
وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)، ولقد جاءت التعاليم الشرعية بوجوب الحفظ
والمحافظة على هذه العلاقة النسبية التي تربط الافراد بعضهم ببعض.
طرق إثبات النسب بشكل عام قديماً تمت
بالفراش، والفراش من الأدلة التي احتلت مكان الصدارة في إثبات نسب الولد لأبيه في
الفقه الإسلامي، ومرد ذلك إلى السبب القوي الذي يقف وراء ثبوته وهو النكاح الصحيح،
والطريق الثاني إثبات النسب بالإقرار، الذي يعد له دور حاسم في قطع النزاع؛ لما
فيه من الاعتراف بالحقوق الثابتة لأصحابها والالتزام بتسليمها لهم، عبر إخبار
الشخص بوجود القرابة بينه وبين شخص آخر، وفق النص القرآني: "وَإِذْ أَخَذْنَا
مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن
دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ".
أما طريقة إثبات النسب بالوراثة فهي الطريقة
الذي رسمه الشارع لإثبات النسب عند حلول النزاع على نسب البإن وفقدانه الجهة التي
ينتسب إليها هو القيافة "هي إلحاق الولد بأصوله لوجود الشبه بينه وبينهم".
مشروعية العمل بالبصمة الوراثية
باتت البصمة الوراثية وسيلة لا تنازع في
مجال الكشف عن الشخصية، على وجه من الدقة المتناهية التي تميز بين الأشخاص، وذلك
بما لها من دلالة ثبوتية تحقق الاطمئنان، وتعمق القناعة بنتائجها الحسية بعيدة عن
الظن والتخمين، وقد اتفق العلماء المعاصرون اتفاقاً ضمنياً على حجية العمل بالبصمة
الوراثية، ولكنهم اختلفوا في إمكانية اعتبارها قرينة يستعان بها في قضايا النسب،
أو اعتبارها طريقاً من طرق اثبات النسب قياساً على الطرق الشرعية لإثبات النسب،
وللعلماء في هذه المسألة ثلاثة أراء:
الأول ـ اعتبار البصمة الوراثية بمثابة
قرينة ظنية تخضع للسلطة القضائية، بالاستئناس والترجيح لدلاتها على الأمر غير قوية
لأنها
عرضة للخطأ.
يتقاطع العلم مع الاجتهاد، ليظهر أثره على توجيه اجتهاد العلماء، فإلمام المجتهد بالحقائق العلمية بالقدر الذي تتضح به الصورة له أثره في وضوح الرؤية لديه، وحصول التصور الصحيح الذي يمكنه من تنزيل الحكم الشرعي على الواقعة على جهة الصواب.
الثاني ـ إعطاء البصمة الوراثية مرتبة
القرينة القطعية نسبة 100%، أو قاربت على القطعية؛ لأنها تدل على المطلوب مع
احتمال الخطأ النادر جداً.
الثالث ـ اعتبار البصمة الوراثية دليلاً
مباشراً أو بينة مستقلة، أو حجة دامغة في الفصل في النزاعات المختلفة، ودليلاً
مسانداً لأدلة الشرع لإثبات البراءة أو الإدانة أمام القضاء بحكم قطعية النتائج.
يرجع الخلاف بين العلماء لسببين الأول:
الاختلاف في الاعتماد على النظريات العملية الحديثة من عدمه، فمن اعتبر البصمة
الوراثية مجرد نظرية لم يقطع العلماء بنتائجه بعد، فتكون عرضة للخطأ، كونها في طور
التجريب بدليل تدوينها بصيغة غير يقينية.
السبب الثاني ـ الاختلاف في تكييف البصمة
الوراثية، فمنهم من كيفها على أنها أمر خارجي؛ فهي تشير إلى المطلوب اثباته،
فاعتبرها قرينة، ومنهم من نظر إليها على أنها أمر داخلي لا تنفك عن الشيء المطلوب
اثبات، فوصفوها بالدليل(ص288).
تقول الكاتبة: "إن البصمة الوراثية
تجاوزت حد النظرية إلى حيز التطبيق، وقد أثبتت النتائج التجريبية دقتها، فتميزت
بما يحقق الاطمئنان، ويعمق القناعة بهذا الكشف العظيم، لذلك فهي حقيقة علمية بكل
المقاييس".
أما عن سبب الاختلاف في تكييف البصمة
الوراثية فيكمن أن منهم من كيفها على أنها أمر خارجي، فهي تشير إلى المطلوب
إثباتهـ فاعتبروها قرينة، ومنهم من نظر إليها على أنها أمر داخلي لا تنفك عن الشيء
المطلوب اثباته، فوصفوها بالدليل، تقول الكاتبة:" ليس هناك فرق في كون البصمة
الوراثية قرينة قطعية أو دليلاً، فكلاهما يجوز الاعتماد عليه في الحكم بصفة
مستقلة"، فالبصمة الوراثية بواقعية نتائجها وصحتها ودلالتها القطعية على كان
خفياً ومستوراً، تعادل القرينة بدلالتها الظاهرة على ما كان خفياً.
المعايير الشرعية لضبط العمل بالبصمة
الوراثية:
ـ إن اجراء تحليل البصمة الوراثية لا يكون
إلا بناء على أوامر من السلطة المختصة، حتى يقفل باب التلاعب واتباع الأهواء عند
ضعاف النفوس.
ـ أن تكون المختبرات الخاصة بتحليلات البصمة
الوراثية تابعة للدولة، وخاضعة لرقابتها.
ـ الحفاظ على السرية التامة لنتائج الفحص،
وفرض العقوبات الزاجرة والرادعة لكل من تسول له نفسه التلاعب بالجينات أو الغش أو
تسريب النتائج لما يترتب على ذلك من مخاطر كبيرة.
ـ أن يجري التحليل في مختبرين على الأقل
معترف بهما، على أن تؤخذ الاحتياطات اللازمة لضمان عدم معرفة أحد بالمختبرات التي
تقوم بإجراء الاختبار ونتيجة المختبر الأخر.
أنهت الكاتبة دراستها بمجموعة من النتائج
ـ البصمة الوراثية هي علامة موروثة تحدد
الهوية بوسيلة علمية دقيقة قطعية الثبوت، وان اجراء كشف البصمة الوراثية هو عمل
مخبري يقوم على قواعد ثابتة، وخبرة مكتسبة بالمعرفة وبالتعلم.
ـ أهم ما تميزت به البصمة الوراثية أن لها
قوة تمييز عالية بين الأشخاص، إلى حد يستحيل معه تشابه وتماثل بصمة شخص ببصمة شخص
أخرى.
ـ تحدث القرآن الكريم عن الأسرار الوراثية
والحمض النووي المسؤول عن نقل نمط التوارث من الزوجين إلى الذرية قال تعالى:
إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ
سَمِيعًا بَصِيرًا).
يتقاطع العلم مع الاجتهاد، ليظهر أثره على
توجيه اجتهاد العلماء، فإلمام المجتهد بالحقائق العلمية بالقدر الذي تتضح به
الصورة له أثره في وضوح الرؤية لديه، وحصول التصور الصحيح الذي يمكنه من تنزيل
الحكم الشرعي على الواقعة على جهة الصواب.