في 16/6/2025، قدمت المفوضة الأممية
فرانشيسكا ألبانيزي تقريرا مهما لمجس حقوق الإنسان، عنوانه "من اقتصاد
الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية". وهو يعد بحق، صرخة شجاعة من إنسانة
بطلة، وقفت رغم التهديدات لتنصر غزة والحقوق المشروعة للشعب
الفلسطيني الذي يتعرض
على مدى عامين لأكبر نكبة في تاريخه.
وفي هذا المقال، نقدم موجزاً لما جاء في
التقرير:
وظف الاستعمار الإٍسرائيلي
الشركات والمصالح
التجارية في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، وجرائم الإبادة الجماعية، والتهجير
القسري، وحرمان الفلسطينيين من حق تقرير المصير. واليوم يتعرّض وجودهم للخطر، إذ
تُدمَّر الحياة في غزة، وتتعرض الضفة لهجوم متصاعد. وسبب استمرار هذه الإبادة هو
أنها مُربحة للكثيرين. وكيف أصبح الاحتلال الأبدي ساحة اختبار مثالية لمصنّعي
الأسلحة وشركات التكنولوجيا الكبرى.
وقد أنشأت مفوضية
الأمم المتحدة لحقوق
الإنسان قاعدة بيانات، تضم ألف كيان، مما ساعد في رسم خريطة لتورط الكيانات
المؤسسية حول العالم في الجرائم الدولية في الأرض الفلسطينية المحتلة. ومع ذلك،
فهناك شبكة معقدة وروابط غامضة بين الشركات الأم والشركات التابعة، والمشاريع
المشتركة، مما يشير إلى تورط كيانات أخرى تسعى لإخفاء تورطها.
السياق القانوني لتوثيق الجرائم والحساب
في رأيها الاستشاري، أكدت محكمة العدل
الدولية في 19 يوليو / تموز 2024 عدم شرعية وجود إسرائيل في الأراضي المحتلة عام
1967: الوجود العسكري، المستوطنات، بنيتها التحتية، وسيطرتها على الموارد. وفي
قضية الإبادة الجماعية، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بالتوقف عن خلق ظروف
مُدمرة للحياة، وذكّرت الدول بالتزاماتها الدولية بعدم نقل الأسلحة التي قد
تُستخدم لانتهاك الاتفاقيات الدولية. وتُحمّل هذه القرارات الكيانات التجارية
مسؤوليةً الانخراط في تعاملات ذات صلة، وأن عليها الانسحاب كليًا ودون قيد أو شرط
من هذه التعاملات؛ وإلا فإنها ساهمت عمدًا في جرائم الإبادة الجماعية. ويمكن
الاستعانة بالقوانين الجنائية والمدنية في مختلف الولايات القضائية لمحاسبتها أو
مسؤوليها التنفيذيين بموجب القانون الدولي.
اقتصاد الاستعمار الاستيطاني والإبادة
الجماعية
تاريخيا، ساهمت الشركات في المحو الاستعماري
الاستيطاني في فلسطين. وبعد حرب 1967، ساهمت في عسكرة وتوسع الوجود الإسرائيلي غير
القانوني في الأرض المحتلة، وتهيئة الظروف للتطهير العرقي، وخنق الاقتصاد
الفلسطيني، وتحويله إلى سوق أسير. وقد رسّخت اتفاقيات أوسلو الثانية استغلال
إسرائيل واحتكارها لأكثر من 61% من أراضي الضفة الغنية بالموارد (المنطقة ج).
ويكلف هذا الاستغلال الاقتصاد الفلسطيني ما لا يقل عن 35% من ناتجه المحلي
الإجمالي.
تاريخيا، ساهمت الشركات في المحو الاستعماري الاستيطاني في فلسطين. وبعد حرب 1967، ساهمت في عسكرة وتوسع الوجود الإسرائيلي غير القانوني في الأرض المحتلة، وتهيئة الظروف للتطهير العرقي، وخنق الاقتصاد الفلسطيني، وتحويله إلى سوق أسير. وقد رسّخت اتفاقيات أوسلو الثانية استغلال إسرائيل واحتكارها لأكثر من 61% من أراضي الضفة الغنية بالموارد (المنطقة ج). ويكلف هذا الاستغلال الاقتصاد الفلسطيني ما لا يقل عن 35% من ناتجه المحلي الإجمالي.
وفي الحرب الحالية، وبدلا من انسحاب هذه
الكيانات، فإنها متورطة في اقتصاد الإبادة الجماعية. وأصبح إنتاجها من الأسلحة
والتقنيات العسكرية أدوات للقتل الجماعي والتدمير، مما جعل غزة وأجزاء من الضفة
الغربية غير صالحة للعيش. وأُعيد استخدام المعدات الثقيلة، الجرافات، لمحو المشهد
الحضري في غزة.
القطاع العسكري وصناعة الإبادة
أدى العنف المُسلّح إلى قيام إسرائيل، ولا
يزال يُشكّل محرك مشروعها الاستعماري الاستيطاني. وقد طوّر مُصنّعو الأسلحة
الإسرائيليون والدوليون، من خلال التعاون أو التنافس، أنظمةً وتقنياتٍ تُمكّن
إسرائيل من تكثيف القمع والتدمير، ثم تُسوّقها على أنها "مُجرّبة في
المعارك". وأصبح المجمع الصناعي
العسكري الإسرائيلي العمود الفقري لاقتصادها، وصارت ثامن أكبر مُصدّر للأسلحة في
العالم. وارتفع الإنفاق العسكري خلال عام من حرب غزة بنسبة 65%. وتُعدّ شركتان
إسرائيليتان من بين أكبر 50 شركة أسلحة
على مستوى العالم.
وتستفيد إسرائيل من أكبر برنامج مشتريات
دفاعية على الإطلاق، مثل طائرة إف-35 التي تنتجها شركة لوكهيد، إلى جانب 1650 شركة
أخرى وثماني دول. وتعد مع إف-16 محور سلاح الجو الإسرائيلي، ولهما قدرة كبيرة على
حمل قنابل زنة ألفي رطل؛ ويمكن لطائرة إف-35 حمل أكثر من 18000 رطل من القنابل،
مما زودها بقوة جوية غير مسبوقة لإبادة وتدمير غزة. وتعد المسيّرات، والكوادكابتر،
والرباعية المروحيات، آلات قتل حاضرة في سماء غزة، وتقوم بمراقبة الفلسطينيين
وتقديم معلومات استخباراتية عن الأهداف. وفي العقدين الماضيين، وبدعم من هذه الشركات،
وبالتعاون مع مؤسسات مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، اكتسبت المُسيّرات
الإسرائيلية أنظمة أسلحة آلية وقدرة على الطيران على شكل أسراب.
ولتسهيل تزويد إسرائيل بهذه الأسلحة أو
تصديرها، يعتمد المصنعون على شبكة من الوسطاء، بما في ذلك شركات قانونية وشركات
التدقيق والاستشارات، والتجار والوكلاء والوسطاء. ويوفر موردون مثل شركة فانوك
اليابانية آلات روبوتية لخطوط إنتاج الأسلحة. وتنقل شركات الشحن، مثل شركة ميرسك
الدنماركية، المكونات والمواد الخام للحفاظ على تدفق مستمر للأسلحة التي توفرها
الولايات المتحدة.
الجانب المظلم لإسرائيل "دولة الشركات
الناشئة"
احتلت إسرائيل، "دولة الشركات
الناشئة"، المرتبة الأولى عالميًا من حيث عدد الشركات الناشئة للفرد، بنسبة
نمو 143% في مجال التكنولوجيا العسكرية. وشكلت هذه التكنولوجيا 64% من الصادرات
الإسرائيلية. وتوفر بنية مزدوجة الاستخدام لجمع البيانات، واختبار التكنولوجيا
العسكرية بالأرض الفلسطينية. وقد ساعدها في ذلك، فتح عمالقة التكنولوجيا الأمريكية
فروعًا ومراكز بحث وتطوير في إسرائيل، مما حفز تطورات غير مسبوقة: الدوائر
التلفزيونية المغلقة، المراقبة البيومترية، نقاط التفتيش التكنولوجية المتقدمة،
الجدران الذكية، الحوسبة السحابية، وتحليل البيانات التي تدعم الأفراد العسكريين
الميدانيين.
وتنمو شركات التكنولوجيا الإسرائيلية
انطلاقًا من الاستراتيجيات والبنية التحتية العسكرية. فمجموعة NSO، أسسها
أعضاء سابقون في الوحدة 8200. ويستخدم برنامجها بيغاسوس عالميا في مراقبة الهواتف
الذكية للقادة والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان.
تعمل شركة IBM في إسرائيل منذ 1972، وتُدرّب الاستخبارات، خاصةً الوحدة
8200، وقطاع الشركات الناشئة. وشغلّت وطورت القاعدة المركزية لجمع وتخزين البيانات
البيومترية، ودعمت نظام التصاريح التمييزي.
وتعمل مايكروسوفت في إسرائيل منذ عام 1991،
حيث طورت أكبر مركز لها خارج الولايات المتحدة. ودأبت على دمج أنظمتها وتقنياتها
في الجيش الإسرائيلي، واستحوذت على شركات إسرائيلية للأمن السيبراني والمراقبة.
ومع الأنظمة الإسرائيلية للفصل العنصري
والتحكم السكاني، زاد اعتماد إسرائيل على التخزين السحابي والحوسبة. وفي 2021،
تعاقدت إسرائيل مع ألفابت وأمازون لصالح "نيمبوس" لتوفير البنية التقنية
الأساسية.
وتمنح الشركات إسرائيل وصولاً إلى تقنياتها
السحابية، مما يعزز معالجة البيانات، واتخاذ القرارات، والمراقبة والتحليل. ومنذ
بداية حرب غزة، تدخلت مايكروسوفت بمنصتها Azure، وتحالف مشروع نيمبوس، ببنية تحتية سحابية
بالغة الأهمية، وصفها عقيد إسرائيلي بأنها سلاح بكل ما تعنيه الكلمة.
طور الجيش الإسرائيلي أنظمة ذكاء اصطناعي،
مثل "لافندر" و"غوسبل" و"أين أبي؟" لمعالجة
البيانات وإنشاء قوائم بالأهداف، مما يعيد تشكيل الحرب الحديثة، ويوضح الطبيعة
المزدوجة للذكاء الاصطناعي. وقامت شركة بالانتير تكنولوجيز بتوسيع دعمها للجيش
الإسرائيلي، ووفرت تقنية الشرطة التنبؤية الآلية، والبنية التحتية لبرمجيات
عسكرية. وتسمح منصتها للذكاء الاصطناعي باتخاذ القرارات الآلية.
شركات الآلات ثقيلة في خدمة التدمير
الاستعماري الاستيطاني
يعتمد الاحتلال على معدات الشركات العالمية
لـ"نزع" الفلسطينيين من أراضيهم، وهدم البنى التحتية الحيوية. وهذه الآلات جزءًا لا يتجزأ من تدمير غزة
وإتلاف أرضها الزراعية.
وعلى مدى عقود، حصلت إسرائيل من كاتربيلر
على هذه المعدات ضمن برنامج التمويل العسكري الأجنبي الأمريكي. وطورت إسرائيل
جرافة كاتربيلر D9 لتصبح سلاحًا
أساسيًا للجيش، وتُستخدم في كل نشاط عسكري منذ عام 2000. وفي حرب غزة، تم توثيق
استخدامها لتنفيذ هدم جماعي، ودفن جرحى فلسطينيين أحياء.
وارتبطت هيونداي وفولفو بتوريد الآلات
الثقيلة الكبرى، التي تُستخدم في تدمير الممتلكات الفلسطينية في الأراضي المحتلة.
وتمتلك الشركتان معًا شركة ميركافيم، التي تنتج حافلات مدرعة تُباع للمستوطنات.
وقد تواصل إمداد إسرائيل رغم الأدلة الوافرة على الاستخدام الإجرامي لها الآلية.
دعم الاستيطان وتسويق منتجاته ومشروعاته
ساهمت الشركات في تدمير حياة الفلسطينيين،
وساعدت في بناء المستوطنات، ومدها بالطاقة، وتسويق منتجاتها الزراعية، وجلب الزوار
إليها كما لو كانت وجهة سياحية عادية. ورغم الحرب، فقد حافظت على نمو غير مسبوق في
المشروع الاستيطاني، والدعم والتربح من ظروف معيشية مُصممة لتدمير حياة
الفلسطينيين.
قامت الشركات ببناء أكثر من 371 مستعمرة
وبؤرة استيطانية على أرض الفلسطينيين، وتزويدها بالطاقة، والمتاجرة بها. وتكثف
البناء بعد انتقال إدارة المستوطنات إلى سموتريش. وخلال سنة من الحرب الحالية،
أنشأت إسرائيل 57 مستعمرة وبؤرة استيطانية جديدة، عن طريق شركات إسرائيلية ودولية.
وعلى مدار عشر سنوات، استُخدمت حفارات ومعدات ثقيلة. وساهمت هايدلبرغ، من خلال
شركتها هانسون إسرائيل، في نهب ملايين الأطنان من الدولوميت من محجر نحال رابا في
الضفة لاستخدامها في بناء المستوطنات.
ساهمت الشركات في تدمير حياة الفلسطينيين، وساعدت في بناء المستوطنات، ومدها بالطاقة، وتسويق منتجاتها الزراعية، وجلب الزوار إليها كما لو كانت وجهة سياحية عادية. ورغم الحرب، فقد حافظت على نمو غير مسبوق في المشروع الاستيطاني، والدعم والتربح من ظروف معيشية مُصممة لتدمير حياة الفلسطينيين.
وساهمت الشركات في تطوير الطرق والبنية
التحتية لإنشاء وتوسيع المستوطنات، وربطها بإسرائيل، وعزلها عن الفلسطينيين. ومن
هذه الشركات شركة البناء الإسبانية/الباسكية المساعدة للسكك الحديدية لصيانة
وتوسيع الخط الأحمر للقطار الخفيف في القدس، وبناء الخط الأخضر الجديد. وتشمل هذه
الخطوط 27 كيلومترًا من المسارات الجديدة، و50 محطة جديدة في الضفة الغربية، تربط
المستوطنات بالقدس الغربية.
تبيع الشركات عقارات في المستوطنات لمشترين
إسرائيليين ودوليين. وتمتلك مجموعة العقارات العالمية، كيلر ويليامز ريالتي، من
خلال شركتها في إسرائيل، فروعًا في المستوطنات. وفي ٢٠٢٤، نظمت من خلال شركتها
الأخرى "بيت في إسرائيل"، جولة ترويج عقاري في كندا والولايات المتحدة
لتسويق آلاف الشقق في المستوطنات.
ومنذ ١٩٦٧، مارست إسرائيل سيطرة منهجية على
الموارد الطبيعية الفلسطينية، ورسخت التبعية الفلسطينية لها، المصممة لتهجير
السكان والسيطرة على حياتهم، ولأغراض الإبادة الجماعية، وخلق ظروف معيشية متعمدة
لتدمير الفلسطينيين كمجموعة في الضفة الغربية وغزة. وتُجبر إسرائيل الفلسطينيين
عبر شركة ميكورت على شراء المياه الجوفية من أراضيهم، بأسعار مبالغ فيها،
وبإمدادات متقطعة. وفي غزة، لا يفي أكثر من 97% من المياه الجوفية الساحلية
بمعايير جودة المياه لمنظمة الصحة العالمية، مما يجعل السكان يعتمدون على خطوط
أنابيب "ميكوروت" للحصول على معظم مياه الشرب الخاصة بهم. وخلال الأشهر
الستة الأولى بعد الحرب، أدارت "ميكوروت" خطوط أنابيب غزة بنسبة 22% من
طاقتها، مما يترك مناطق مثل 95% من مدينة غزة بدون مياه، مما يساعد بشكل فعال في
تحويل المياه إلى أداة إبادة جماعية.
السيطرة على الكهرباء والغاز والوقود
ساهمت شركات الطاقة الدولية في تغذية
الإبادة الجماعية الإسرائيلية كثيفة الاستهلاك للطاقة، إذ تعتمد إسرائيل على
واردات الوقود والفحم لتزويد المستوطنين بالطاقة بسلاسة؛ بينما تتحكم في وصولها
إلى الفلسطينيين. ولم توفر محطة التوليد في غزة سوى 10 إلى 20% من احتياجاتها من
الكهرباء، مما يجعلها تعتمد بشكل كبير على الوقود للمولدات وعلى خطوط إمداد
إسرائيلية. ومنذ بدء الحرب، قطعت إسرائيل الطاقة عن معظم أنحاء غزة، مما أوصل
مضخات المياه والمستشفيات ووسائل النقل وأنظمة الصرف الصحي إلى حافة الانهيار
التام. وقد ساهم انهيار أنظمة الصرف الصحي في عودة ظهور شلل الأطفال في القطاع
المنكوب.
يأتي 60% من الفحم المستخدم في توليد
الكهرباء لإسرائيل بشكل أساسي من كولومبيا؛ والباقي من شركة دروموند الأمريكية
وجلينكور السويسرية. وقد علّقت كولومبيا صادرات الفحم إلى إسرائيل في أغسطس ٢٠٢٤.
تستخرج شيفرون الأمريكية ونيوميد إنرجي
الإسرائيلية الغاز الطبيعي من حقلي ليفياثان وتمار. وتوفر الشركتان أكثر من 70% من
استهلاك الطاقة الإسرائيلي. وفي 2025، تعمل شركة BP البريطانية
على توسيع مشاركتها عبر الاستكشاف في الأراضي البحرية الفلسطينية التي تستغلها
إسرائيل بشكل غير قانوني.
وتُعد شركتا BP وشيفرون أكبر مساهمين في واردات إسرائيل من النفط الخام،
بصفتهما المالكتين الرئيسيتين لخط أنابيب أذربيجان، وائتلاف خط أنابيب بحر قزوين
الكازاخستاني، وحقول النفط المرتبطة بهما. وتزود هذه الشركات إسرائيل بوقود
الطائرات العسكرية.
المتاجرة بثمار الأعمال غير القانونية
تنتج المستوطنات سلعًا وتقنياتٍ تخدم
المصالح الاستيطانية، وتجذب الاستثمار العالمي؛ وتُمحى أنظمة الغذاء الفلسطينية.
وتُعد شركة تنوفا، أكبر تكتل غذائي، وهي مملوكة لمجموعة برايت فود الصينية
المحدودة. وقال رئيسها: "الزراعة وتربية الأبقار موردٌ استراتيجي وركيزةٌ
أساسيةٌ في المشروع الاستيطاني". وتساعد تنوفا وغيرها في استغلال السوق
الفلسطيني الأسير الناتج، وفي هيمنتها عليه، وإلحاق خسائر به.
وشركة نتافيم، هي شركة عالمية رائدة في مجال
تكنولوجيا الري بالتنقيط. وقد صممت تقنياتها بما يتماشى مع متطلبات التوسع
الإسرائيلي، والاستغلال المكثف للمياه والأراضي في الضفة الغربية، مما أدى إلى
استنزاف الموارد الطبيعية الفلسطينية، وحرمان الفلسطينيين من المياه، إذ تبلغ نسبة
أراضيهم غير المروية 93%، وهي صورة فجة من أساليب الاستغلال الاستعماري القديمة.
تُغرق منتجات المستوطنات الأسواق العالمية
من خلال كبار تجار التجزئة، وتُخفي الشركات منشأها من خلال وضع ملصقات مضللة، وخلط
في سلسلة التوريد. وتشحن شركات الخدمات العملاقة مثل ميرسك بضائع المستوطنات إلى
الأسواق. وتعمل سلاسل السوبرماركت ومنصات التجارة مثل Amazon مباشرةً في المستعمرات، مما يدعم اقتصادها،
ويُمكّنها من التوسع من خلال تقديم خدمات تمييزية.
ويستفيد الاحتلال من منصات السفر
الإلكترونية للترويج للسياحة بالمستوطنات. وتُدرِج شركتا Booking وAirbnb عقارات وغرفًا فندقية فيها. وضاعفت أثناء الحرب قوائمها في الضفة والقدس
الشرقية.
تمويل الانتهاكات
تعد سندات الخزانة ممولاً رئيسياً للميزانية
الإسرائيلية. وقد لعبت دورًا حاسمًا في تمويل حرب غزة. وعلى الرغم من خفض التصنيف
الائتماني لإٍسرائيل، فقد اكتتبت في هذه السندات بعض أكبر البنوك العالمية، مثل
باريبا وباركليز. وضاعفت مؤسسة تنمية إسرائيل مبيعاتها منها ثلاث مرات، وتُتيح
للمستثمرين إرسال عائد السندات إلى المنظمات الخيرية التي تدعم الجيش الإسرائيلي
والمستوطنات. وتُحوّل العديد من الكيانات المالية مليارات الدولارات إلى سندات
الخزانة والشركات المتورطة مباشرةً في الاحتلال الإسرائيلي والإبادة الجماعية. ومن
هذه الشركات: بلاك روك، فانغارد، مايكروسوفت، أمازون، ألفابت، وآي بي إم، وغيرهم
من الشركات.
وتستثمر الجامعات وشركات التأمين العالمية
مبالغ طائلة في الأسهم والسندات المتورطة في الاحتلال والإبادة الجماعية. وتغطي
وثائق التأمين المخاطر التي تتحملها الشركات عند العمل في الأراضي الفلسطينية
المحتلة.
وتُعد صناديق الثروة السيادية وصناديق
التقاعد جهات تمويلية مهمة، من بينها صندوق معاشات الحكومة النرويجية، أكبر صندوق
ثروة سيادية في العالم، الذي زاد بعد الحرب من استثماراته في الشركات الإسرائيلية.
وبحلول نهاية 2024، استثمر ما يعادل 6.9% من إجمالي قيمته في الشركات المذكورة في
هذا التقرير. أما صندوق المعاشات الكندي بولاية كيبيك، فقد استثمر 6,67 مليار
دولار أمريكي رغم سياسته المتعلقة بحقوق الإنسان.
تستثمر الجامعات وشركات التأمين العالمية مبالغ طائلة في الأسهم والسندات المتورطة في الاحتلال والإبادة الجماعية. وتغطي وثائق التأمين المخاطر التي تتحملها الشركات عند العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في 2024، قدم بنك باركليز ملياري دولار
كقروض وضمانات لشركات مدرجة في قاعدة بيانات مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق
الإنسان، مما أدى، منذ بدء الهجوم على غزة، إلى زيادة 179% في أسعار أسهم الشركات
المدرجة في بورصة تل أبيب، وتحقيق مكاسب بلغت 157,9 مليار دولار.
أصبحت الجمعيات الخيرية جهات تمويلية
للمشاريع غير القانونية في الأراضي الفلسطينية. وأتاحت منصات مثل "إسرائيل
تعطي" التمويل الجماعي المعفى من الضرائب في 32 دولة للوحدات العسكرية
الإسرائيلية والمستوطنين. وفي 2023، أرسلت منظمة "الأصدقاء المسيحيون
للمجتمعات الإسرائيلية" بأمريكا، ومنظمة "المسيحيون الهولنديون من أجل
إسرائيل"، أموالا إلى مشاريع تُدرّب المستوطنين المتطرفين.
إنتاج المعرفة وشرعنة الانتهاكات
تُساهم الجامعات الإسرائيلية، وأقسام دراسات
الشرق الأوسط، في دعم أيديولوجيات الفصل العنصري، ومحو التاريخ الفلسطيني. وتعمل
أقسام العلوم والتكنولوجيا كمراكز بحث وتطوير للتعاون مع الجيش الإسرائيلي وشركات
الأسلحة، والمساهمة في إنتاج أدوات المراقبة والاستهداف، والتي تُختبر بفعالية على
الفلسطينيين.
وتتعاون جامعات رائدة مع مؤسسات إسرائيلية.
ففي معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، تُجري المختبرات أبحاثًا في مجال الأسلحة
والمراقبة بتمويل من وزارة الدفاع الإسرائيلية. وهو البحث العسكري الأجنبي الوحيد
في المعهد. ويدير المعهد صندوق تمويل أولي لشركة لوكهيد مارتن يربط الطلاب بفرق في
إسرائيل تتيح لها الوصول إلى الأبحاث والمواهب.
منذ 2014، منحت المفوضية الأوروبية أكثر من
2,12 مليار يورو لكيانات إسرائيلية، منها وزارة الدفاع. وحصلت الجامعة التقنية في
ميونيخ على 12,6 مليون دولار لـمشروعات تعاون مع شركات عسكرية وتقنية إسرائيلية
ولتطوير تقنية إعادة التزود بالوقود الهيدروجيني الأخضر، ذات الصلة بصناعة
المسيّرات. وتتعاون مع آي بي إم إسرائيل في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي،
كجزء من تمويل برنامج هورايزون الأوروبي. وكذلك، في مشروع حول "التنقل الحضري
المشترك السلس" الذي يُرسّخ الضم من خلال النقل الحضري.
وعلى الرغم من حرب غزة، حافظت جامعات على
علاقاتها مع إسرائيل، ومنها جامعة إدنبرة التي تساهم ب2,5% من وقفها في أربع شركات
تقنية عملاقة تُعدّ أساسيةً لجهاز المراقبة الإسرائيلي والتدمير المستمر لغزة.
وتتعاون الجامعة أيضًا مع جهات تدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية، منها جامعة بن
غوريون، من خلال مختبر الذكاء الاصطناعي. ورغم المظاهرات الطلابية الرافضة لذلك،
يبدو أن حماية إسرائيل وحماية المصالح المالية المؤسسية دافعٌ أكثر ترجيحًا من
مكافحة معاداة السامية المزعومة.
التوصيات
خُتم تقرير المفوضية الأممية لحقوق الإنسان
في الأراضي الفلسطينية عام 1967 بمجموعة من التوصيات المهمة، منها ما يلي:
1 ـ فرض عقوبات وحظر كامل على توريد الأسلحة
والمواد ذات الاستخدام المزدوج مثل التكنولوجيا والآلات الثقيلة المدنية.
2 ـ تعليق أو إلغاء جميع الاتفاقيات
التجارية وعلاقات الاستثمار، وتجميد أصول الكيانات والأفراد المتورطين في أنشطة قد
تعرض الفلسطينيين للخطر.
3 ـ مساءلة الكيانات التجارية ومسئوليها
لتورطهم في انتهاكات جسيمة للقانون الدولي.
4 ـ على الكيانات التجارية الوقف الفوري
لجميع الأنشطة المرتبطة مباشرةً بالجرائم الدولية ضد الشعب الفلسطيني، أو المسببة
لها.
5 ـ دفع تعويضات للشعب الفلسطيني، على غرار
ما حدث في جنوب أفريقيا بعد انتهاء الفصل العنصري.
6 ـ على المحكمة الجنائية الدولية والهيئات
القضائية الوطنية التحقيق مع المسؤولين التنفيذيين في الشركات والكيانات التجارية
بشأن دورهم في ارتكاب جرائم دولية وغسل عائدات تلك الجرائم.
7 ـ إدراج جميع الكيانات المتورطة في
الاحتلال الإسرائيلي في قاعدة بيانات مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
8 ـ على النقابات العمالية والمحامين
والمجتمع المدني والمواطنين العاديين الضغط من أجل المقاطعة، وسحب الاستثمارات،
وفرض العقوبات، وتحقيق العدالة لفلسطين، والمساءلة على الصعيدين الدولي والمحلي.
معًا، يمكن لشعوب العالم وضع حدٍّ لهذه الجرائم المروعة.