الكتاب: الكيان الصهيوني من التأسيس إلى
الأزمة
الكانب: محمد رشاد الشريف
الناشر:د ار كنعان للدراسات و النشر
والتوزيع-دمشق، الطبعة الأولى 2012، (عدد الصفحات 219 من القطع المتوسط)
في هذا الجزء الثاني والأخير من القراءة
الخاصة التي يقدّمها موقع "عربي21" للكتاب المهم "الكيان الصهيوني من التأسيس إلى
الأزمة" للكاتب محمد رشاد الشريف، يتابع الباحث والمفكر التونسي توفيق المديني
تحليله العميق لمسار العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، بوصفها
علاقةً تتجاوز منطق التحالف السياسي إلى مستوى الارتباط البنيوي الوظيفي الذي
صاغته الإمبريالية الحديثة في المنطقة العربية.
يرى المديني، في استعراضه لأطوار هذه
العلاقة عبر مراحلها التاريخية، أنّ واشنطن لم تكن مجرد داعم سياسي أو عسكري
لـ"إسرائيل"، بل كانت الراعي الأعمق للمشروع الصهيوني منذ نشأته،
والمُؤطِّر الأيديولوجي والسياسي لاستمراره كأداة استعمارية متقدمة في الشرق
الأوسط. من دعم وعد بلفور ومؤتمر بلتيمور، إلى حرب 1967 واتفاقات كامب ديفد
وأوسلو، تتكشّف أمام القارئ خيوط التحالف الإمبريالي الصهيوني الذي تحوّل مع نهاية
الحرب الباردة إلى نموذج جديد من السيطرة المشتركة على مقدّرات المنطقة.
بهذا الجزء تُستكمل القراءة التي تضع هذا
الكتاب في سياقه الفكري والسياسي، بوصفه محاولةً جادة لفهم جذور الأزمة البنيوية
التي تحكم علاقة الغرب بالكيان الصهيوني، ولإعادة التفكير في موقع القضية
الفلسطينية داخل معادلة التحرّر العربي في ظل التواطؤ الأمريكي الصهيوني المستمر.
المراحل التاريخية لتطورالعلاقات بين أمريكا
و"إسرائيل"
1 ـ سنوات ما بين 1948 و1967:
يرى الكاتب محمد رشاد الشريف أنَّ الأساس البنيوي للعلاقات بين الولايات
المتحدة والكيان الصهيوني، لم تبدأ بالطبع، مع قيام هذا الكيان عام 1948، بل إن
الولايات المتحدة وقفت ودعمت المشروع الصهيوني منذ بداياته، وكان لها دور أساسي في
الدفع نحو إصدار وعد بلفور عام 1917، وهي وقفت إلى جانب الحركة الصهيونية في رفض
الكتاب الأبيض عام 1939. وخلال الحرب العالمية الثانية عقد فيها مؤتمر بلتيمور عام
1942، والذي كان إيذاناً بنقل مركز ثقل الحركة الصهيونية، من بريطانيا إلى
الولايات المتحدة، والانطلاق نحو العمل من أجل إعلان قيام الدولة الصهيونية.
بعد قيام الكيان الصهيوني آثرت الولايات المتحدة المتطلعة إلى الحلول محل النفوذ البريطاني ، أن توكل مهمة دعم الكيان الصهيوني، عسكرياً ومالياً لحلفائها الفرنسيين والألمان، حيث قدمت فرنسا طائرات المستير والميراج، للجيش الصهيوني فيما ساعدت التعويضات الألمانية الاقتصاد الإسرائيلي في الوقوف على رجليه، واستيعاب مئات الألوف من المهاجرين القادمين من البلاد العربية والإسلامية.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية التي
خرجت منها الولايات المتحدة زعيمة للمعسكر الإمبريالي، وتحاول الحلول محل النفوذ
البريطاني والفرنسي في المنطقة، ضغطت مع الحركة الصهيونية على سلطات الانتداب
البريطاني في فلسطين، من أجل قبول 100 ألف مهاجر يهودي جديد من أوروبا، ثم ضغطت
على بريطانيا، من أجل الانسحاب من فلسطين وإنهاء الانتداب، تمهيداً لإعلان الدولة
اليهودية فيها، وهي ضغطت في الأمم المتحدة، على مجموعة كبيرة من الدول، لقبول قرار
التقسيم رقم 181 لعام 1947، وقدمت السلاح المتنوع للعصابات الصهيونية، قبل وخلال حرب
عام 1948، وعندما أعلنت الدولة الصهيونية في 14 أيار 1948، كانت أول دولة في
العالم تعترف فوراً بها.
وبعد قيام الكيان الصهيوني آثرت الولايات
المتحدة المتطلعة إلى الحلول محل النفوذ البريطاني ، أن توكل مهمة دعم الكيان
الصهيوني، عسكرياً ومالياً لحلفائها الفرنسيين والألمان، حيث قدمت فرنسا طائرات
المستير والميراج، للجيش الصهيوني فيما ساعدت التعويضات الألمانية الاقتصاد
الإسرائيلي في الوقوف على رجليه، واستيعاب مئات الألوف من المهاجرين القادمين من
البلاد العربية والإسلامية.
وفي الوقت الذي عملت فيه مع الدول الغربية
الأخرى، على احتواء نتائج اغتصاب الأرض الفلسطينية، عبر تحويلها إلى قضية لاجئين
وطحين، ومساعدات إنسانية، وإنشاء وكالة الغوث الدولية (الأونروا)، وتقديم بعض
الدعم المالي لها للقيام بهذه المهمة، فقد عملت على حماية أمن الكيان الصهيوني، في
فترة البناء والتأسيس التي كان يقوم بها. ليس من خلال تقديم السلاح والدعم المالي
من قبل الحلفاء وحسب، بل وعبر التحكم في توريد السلاح إلى المنطقة، لمنعه عن العرب.
2 ـ حرب 1967 فاصلة أساسية في العلاقات
الأمريكية الإسرائيلية:
وعندما حدثت حرب عام 1967 التي قام الكيان
الصهيوني فيها، باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وسيناء والجولان، تواطأت الولايات
المتحدة معه في الإعداد لها، والمحافظة على نتائجها، من أجل توجيه ضربة قاصمة
لحركة التحرر الوطني العربية، وإعادة ترسيخ الهيمنة الاستعمارية، في تجلياتها
الأمريكية الصهيونية على المنطقة العربية وهي بعد نجاح هذا الكيان في أداء دوره
الوظيفي، وما ظهر من جدارته العدوانية، ومستواه العسكري التقني، وخاصة قواته
الجوية، انتقلت إلى مرحلة الدعم السافر المباشر له، والذي لم يسبق له مثيل.
وهي ألقت جانباً كل مزاعمها السابقة، عن
الحفاظ على خطوط الهدنة، والحدود والسيادة الإقليمية لدول المنطقة، لتدعم الاحتلال
والتوسع الصهيوني، فالرئيس الأمريكي ليندون جونسون الذي قال في رسالة إلى إسرائيل
يوم 1967/6/3: أكدت للسيد أبا إيبان ضرورة عدم بدء إسرائيل الأعمال العدوانية...
وإنني أريد حماية السيادة الإقليمية لإسرائيل وللدول الأخرى في هذه المنطقة من
العالم..، تناسى ذلك وعاد بعد أسبوعين في 1967/6/19 ليقول: هناك من يطلب كحل وحيد
وبسيط، عودة مباشرة إلى وضع الرابع من حزيران، وكما يتبين لنا ويقول سفيرنا آرثر
غولد برغ، فهذه ليست دعوة للسلام بل إلى تجديد النزاعات والاعتداءات.. أي أنه
انقلب ليدعم بشكل سافر الاحتلال والابتزاز الصهيوني..!!؟؟.
وهي في السنوات التي تلت تلك الحرب والعدوان
والاحتلال الصهيوني، عملت ما بوسعها لتغطية هذا الاحتلال واستمراره من خلال طرح
مشاريع تسوية جوهرها تسويغ أطماع التوسع الصهيوني تحت ستار تعديل الحدود، والحدود
الآمنة، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين، مثل: مشروع دين راسك 1968، ومشروع روجرز
1970. وفي الوقت نفسه أصبحت الولايات المتحدة المزود الرئيسي للكيان الصهيوني،
بالسلاح والعتاد المتطور، والذي تصاعدت قيمته من 25 مليون دولار عام 1968، إلى
307.5 مليون دولار عام 1973، أي أنه تضاعف أكثر من 12 مرة في خمس سنوات.
وإذا كانت حرب تشرين التحريرية عام 1973، قد
وجهت ضربة قوية للجيش الصهيوني وغطرسته وعنجهيته، فقد عملت الولايات المتحدة كل ما
تستطيع خلال تلك الحرب، لمنع هزيمة هذا الجيش وانهياره، ليس فقط من خلال ما سمي
بالرعشة النووية، والتي تمثلت في استنفار السلاح النووي، في القواعد الأمريكية في
أوروبا، من أجل التدخل، بل ومن خلال الجسر الجوي الذي نقلت من خلاله، السلاح
والعتاد المتطور وأحدث الصواريخ المضادة للدبابات، وقامت بعد الحرب مباشرة، بتعويض
هذا الكيان عما فقده، من دبابات وطائرات في هذه الحرب، قارب نصف ترسانته العسكرية،
وقدمت الدعم المالي والاقتصادي، المواجهة الأزمة المالية والاقتصادية التي خلفتها
هذه الحرب.
وفي الوقت نفسه فقد عملت الولايات المتحدة
على الصعيد السياسي، لاحتواء نتائج تلك الضربة، وفرملة الديناميات التي ولدتها
الحرب، والساعية لحل عادل للصراع العربي الصهيوني، وإنهاء الاحتلال الصهيوني
الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وإعطاء الكيان الصهيوني الوقت لترميم قوته
العسكرية، من خلال القبول بعقد الجلسة الافتتاحية اليتيمة لمؤتمر جنيف 1974،
وسياسة الخطوة خطوة الكيسنجرية (نسبة إلى هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي)
والاتفاقات الجزئية لفصل القوات التي أفضت إلى عقد معاهدة كامب ديفد (عام 1979)
على الجبهة المصرية، التي أعادت الخلل من جديد إلى موازين الصراع، بإخراجها مصر
القطر العربي الأكبر من الدائرة المباشرة لهذا الصراع. وتفجير الحرب الداخلية في
لبنان عام 1975 -، لاستنزاف المقاومة الفلسطينية، والحركة الوطنية اللبنانية
وسورية.
ومع توقيع اتفاقات كامب ديفد: ارتقت
العلاقات الأمريكية الصهيونية إلى مستوى جديد، حيث لم يكتف بالضمان العملي للأمن
الصهيوني، عبر التواجد الأمريكي في سيناء المنزوعة السلاح في غالبيتها ضمن القوات
متعددة الجنسيات، بل تكفلت الولايات المتحدة بتغطية بناء بديل للمطارات العسكرية
في سيناء، بأخرى في النقب وتقديم مساعدات مالية وعسكرية للكيان الصهيوني، توازي
ثلاثة مليارات من الدولارات سنوياً، وفي عام 1979 وحده الذي وقعت فيه معاهدة كامب
ديفد، بلغ مقدار المساعدات الأمريكية 3815 مليار دولار، على شكل قروض وهبات مدنية
وعسكرية. ليس هذا فقط بل إن الولايات المتحدة، وقعت مع الكيان الصهيوني اتفاقات
متوالية، لضمان تزويده بالنفط: الأولى في عام 1975، تضمن تزويده بالنفط لمدة خمس
سنوات، بقيمة إجمالية مقدارها 300-350 مليون دولار. وفي عام 1979 وقعت اتفاقية
ثانية مدتها خمسة عشرة سنة، وهي تنص على الحفاظ بشكل دائم على احتياطات نفطية في
الكيان الصهيوني لستة اشهر وكان مقدراً أن تصل تكاليف هذه الاتفاقية، ما بين 10
و18 مليار دولار.
إذا كانت حرب تشرين التحريرية عام 1973، قد وجهت ضربة قوية للجيش الصهيوني وغطرسته وعنجهيته، فقد عملت الولايات المتحدة كل ما تستطيع خلال تلك الحرب، لمنع هزيمة هذا الجيش وانهياره، ليس فقط من خلال ما سمي بالرعشة النووية، والتي تمثلت في استنفار السلاح النووي، في القواعد الأمريكية في أوروبا، من أجل التدخل، بل ومن خلال الجسر الجوي الذي نقلت من خلاله، السلاح والعتاد المتطور وأحدث الصواريخ المضادة للدبابات
وفي 11/20/ 1981 وقعت اتفاقية التحالف
الاستراتيجي الأولى بين الطرفين الصهيوني والأمريكي، والتي تنص على أن يقدم كل طرف
للطرف الآخر المساعدة العسكرية، في حال تعرضه لأي تهديد، وإجراء مناورات بحرية
وبرية وجوية مشتركة، والتعاون في نشاطات مشتركة تشمل التخطيط والاستعداد
والمناورات، وفي مجالات أخرى يتفق عليها. وتشمل الاتفاقية تشكيل مجلس تنسيق
للأعمال المشتركة، ومجموعات عمل تعقد لقاءات دورية وفصلية، لتعالج أية مشاكل تتعلق
بالتعاون العسكري، والمناورات المشتركة، والنشاطات والاستعدادات، والدخول إلى
منشآت الصيانة والخدمات والتعاون في مجالات البحث والتطوير والتجارة الأمنية. وحسب
قول وزير الحرب أرئيل شارون الذي وقع الاتفاقية عن الجانب الصهيوني فإن هذا
الاتفاق يحسن وضع إسرائيل، ويضعها في مجال مختلف تماماً بالنسبة للوضع الدولي.
3 ـ مرحلة سيادة النظام الأمريكي الليبرالي
أحادي القطبية
في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات، وحين
كان الكيان الصهيوني يواجه أزمته الاقتصادية، ممثلة بالتأرجح بين التضخم والركود،
وأزمته السياسية ممثلة، في مواجهة استنزاف المقاومة الوطنية اللبنانية في الجنوب
واستنزاف الانتفاضة الفلسطينية الأولى التي اندلعت أواخر عام 1987، في الأرض
الفلسطينية المحتلة، بمساعدة حثيثة من الولايات المتحدة، بدأت التغيرات الدولية
والإقليمية العاصفة التي جاءت رياحها مواتية للأشرعة الأمريكية والصهيونية، وتجسدت
في انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومة الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية، التي كانت
تقف إلى جانب العرب والقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، مع ما أحدثه
ذلك من خلل في توازن القوى والمعادلات الدولية، وبروز نظام القطب الواحد الذي تقف
على رأسه الولايات المتحدة على الصعيد الدولي، وجر العراق لاجتياح الكويت وحدوث
حرب الخليج الثانية، التي أنتجت تدمير العراق وحصاره، وإطلاق ما سمي عملية السلام
ومؤتمر مدريد في 1991/10/28. وعلى الصعيد الصهيوني الداخلي، أدى هذا الانهيار
لإطلاق أكبر موجة هجرة يهودية في تاريخ الكيان الصهيوني، جاء في سياقها حوالي
مليون مهاجر يهودي، مما أدى إلى تنشيط الاقتصاد من خلال عملية البناء وتنشيط
الطلب، ونمو الصناعة الالكترونية، بمجيء عشرات ألوف المهندسين في هذه الهجرة.
في ظل سيادة النظام الدولي الجديد الأمريكي
أحادي القطبية ، تحول الكيان الصهيوني، إلى إمبريالية فرعية في هذه المنطقة، التي
ينظر إليها في الاعتبارات الأمريكية، على: أنها مصدر مذهل للقدرة الاستراتيجية،
وواحدة من أعظم الجوائز المادية في تاريخ العالم، وافقت الولايات المتحدة، على
تقديم 10 مليارات من الدولارات، كضمانات قروض للمساعدة في استيعاب الهجرة اليهودية
الجديدة، عقب انتهاء جرب الخليج الثانية مع بداية سنة 1991.
وفي إطار عملية السلام، عملت الولايات
المتحدة لدفع الأمور بالاتجاه الذي يريده الكيان الصهيوني، بتحويل هذه العملية إلى
مفاوضات مباشرة، تنتج اتفاقات توائم الطرح الصهيوني للتسوية، وفي هذا الإطار جرى
توقيع اتفاق أوسلو المشؤوم، الذي لم يحرر أرضاً، ولا أوقف استيطاناً، في حدائق
البيت الأبيض يوم 1993/9/13، وتوقيع اتفاق وادي عربة مع الأردن في العام التالي
1994. وفي ظل هذه العملية والأجواء الإيجابية، التي عكسها على الكيان الصهيوني،
خرج هذا الكيان من أزمته الاقتصادية، وبلغت نسبة النمو فيه 6.5 % عام 1996.
في سنوات التسعينات هذه، لم يتوقف الالتزام
المالي والأمني الأمريكي، بل منحت مساعدات إضافية، ففي /5/4/ 1991 وافق البيت
الأبيض، على منح هذا الكيان 800 مليون دولار إضافية. وفي 7/16/1993 لخص وزير الحرب
الأمريكي التعاون بين الطرفين، بتقديم المساعدات المالية والعسكرية إلى إسرائيل،
في كل عام 3 مليارات من الدولارات، ومساعدات تسليحية أخرى للمحافظة على تفوق
إسرائيل النوعي المتطور، وإقامة ترتيبات أمنية ملموسة، واتصالات عسكرية ومناورات
عسكرية مشتركة بصورة دورية، والمحافظة على وجود أمريكي في المنطقة، والعمل مع
إسرائيل على منع انتشار الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية في المنطقة.
وفي 1998/10/31 توصلت الولايات المتحدة مع
إسرائيل إلى مذكرة تفاهم، للتشاور الفوري في حال حدوث تهديد لإسرائيل، من الصواريخ
ذاتية الدفع متوسطة المدى أو أكثر، لتقديم أي مساعدة أو دعم دبلوماسي.
وفي 1999/3/13 أبقى وزير الحرب الأمريكي
وليام كوهين على احتمال زيادة مساهمة الولايات المتحدة، في مشروع الصاروخ أرو،
الذي يكلف 1.5 مليار دولار، ووعد بمساعدات بقيمة 1.2 لدعم إعادة الانتشار في الضفة
الغربية، وعن بيع إسرائيل طائرات ف 15 و60 طائرة ف 16. وفي تموز من العام نفسه قال
الرئيس كلنتون إنه يخطط لرفع المساعدة العسكرية لإسرائيل، من 1.8 مليار دولار إلى
2.4 مليار دولار.
واستمر الدعم الأمريكي المالي والعسكري
للكيان الصهيوني في الأعوام التالية، في ظل متغيرات جديدة، في مقدمتها الانسحاب
الصهيوني من جنوب لبنان، وانطلاق الانتفاضة الفلسطينية بعد وصول اتفاق أوسلو إلى
حائط مسدود مع فشل محادثات كامب ديفد في تموز عام 2000، ومع الهجمة الأمريكية
الصهيونية على المنطقة، في ظل إدارة جورج بوش الابن المحافظة اليمينية، وبعد أحداث
11 أيلول / سبتمبر، التي اتخذت غطاء لاحتلال أفغانستان 2001 والعراق 2003، ولسحق
الانتفاضة الفلسطينية الثانية: هجمة السور الواقي ومجزرة مخيم جنين عام 202،
وصولاً إلى تصفية الرئيس ياسر عرفات 2005، ثم الهجوم على لبنان صيف 2006، وعلى غزة
أواخر 2008 / أوائل 2009، حيث قدمت الولايات المتحدة الغطاء للكيان الصهيوني، في
مجازره الوحشية ضد الشعب الفلسطيني ومنعت عنه أية إدانة في مجلس الأمن، وعملت على
توفير الوقت له لترسيخ وجوده، وتوسيع استيطانه ومضاعفته في الأرض الفلسطينية
المحتلة، من خلال استمرارها في القبض على الحركة السياسية وما يسمى بعملية السلام،
ومشروعات لم تكن غير سراب، كخطة خارطة الطريق، ووعود الرئيس بوش، وحركة وزيرة
خارجيته المكوكية كونداليزا رايس، ومؤتمر أنا بوليس.
الخاتمة
بالإجمال يمكن القول إن هذا السياق
التاريخي، لتطور العلاقة بين الطرفين الصهيوني والأمريكي، يؤكد ما ذهب إليه الكاتب
محمد رشاد الشريف في كتابه المهم، من أن هذه العلاقة، هي علاقة من نمط خاص وعلاقة
غير عادية بين الدول، وأن تطور هذه العلاقات، والارتباط العضوي الوظيفي بين
الطرفين، الذي يجد أساسه في طبيعة البنية الاستيطانية والسيكولوجيا الاجتماعية
والعقائدية، والتقاء المصالح الإستراتيجية الاستعمارية بين الطرفين، جعل من الكيان
الصهيوني نوع من الاستطالة، أو الامتداد للولايات المتحدة في منطقتنا العربية
والإسلامية، وعلى الأقل جزء من أمنها القومي، والذي يعبر عنه باستمرار، بأن
للولايات المتحدة، كما قال سفيرها في الكيان الصهيوني مارتن أنديك ذات مرة، لها
أولويتان في منطقة الشرق الأوسط: أمن "إسرائيل"، واستمرار تدفق النفط.
بمعنى أنَّ من يخوض صراعاً ضد الكيان
الصهيوني، بأشكاله السياسية أو العسكرية، عبر طريق التسوية السياسية، أو عملية
التحرير والمقاومة المسلحة، يجب أن تكون حاضرة في ذهنه باستمرار هذه الحقيقة، وإلا
فإنه سيرتكب خطأ استراتيجياً قاتلاً، يجعله يدور في حلقة مفرغة. فعلى صعيد
التسوية، لن تكون الولايات المتحدة، حسب المعطيات القائمة منذ بدء الصراع وحتى
اليوم، وسيطاً نزيهاً، وهي مهما اتبعت من أساليب المناورة السياسية، ستدافع عن
مصالح الصهاينة، كما تدافع عن مصالحها الوطنية تماماً. وفي مجال الحرب والصراع
المسلح، فهي ستضع كل ثقلها وإمكانياتها العسكرية، إلى جانب الكيان الصهيوني. وهذا
لا يعني بأي حال التوقف عن خوض الصراع ضد الاحتلال والاغتصاب، وهذا التحالف
الاستعماري الأمريكي الصهيوني، فالولايات المتحدة هزمت مرات ومرات خارج أراضيها،
أمام حركات التحرر الوطني للشعوب.
أما فيما يتعلق بما يمكن أن يطرأ على هذه
العلاقة من تغيير فإنه يمكن القول: إنه لا يتوقع أن يحدث تغير جدي في مستوى هذه
العلاقة في المدى المنظور، وأن تغييراً حقيقياً يحتاج إلى تغير في معطيات الصراع،
ومعطيات الوضع الإقليمي والدولي، بحيث تشعر الولايات المتحدة، أن هذه العلاقة في
شكلها القائم، تشكل تهديداً جدياً لمصالحها، في المنطقة وفي العالم، وهذا يحتاج
أول ما يحتاج إلى إستراتيجية عمل وطني فلسطيني، وإستراتيجية عمل قومي عربي جديدة،
تعيد للقضية الفلسطينية القها، باعتبارها قضية قومية عربية أولى، وقضية مستقبل ووجود
بالنسبة للأمة العربية، والشعوب الإسلامية، وتحرر الشعوب والإنسانية، على النطاق
العالمي.
إقرأ أيضا: الكيان الصهيوني والبيت الأبيض.. قراءة تاريخية في علاقة غير عادية.. كتاب