بعد مماطلة لنحو 4 شهور،
أعلن رئيس الوزراء
الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تنفيذ اتفاق لتصدير
الغاز الطبيعي
مع
مصر، بقيمة 34.67 مليار دولار (112 مليار شيكل)، من حقل (ليفياثان) حتى عام
2040، مؤكدا أنها صفقة تاريخية تنعش خزينة الاحتلال بـ(58 مليار شيكل) ما قيمته 18
مليار دولار.
وفي آب/ أغسطس الماضي، وقعت
شركة "نيو ميد إنرجي"، الشريك بحقل "ليفياثان" بالمياه
الإقليمية لفلسطين المحتلة، تعديلا على اتفاق يعود للعام 2018، بتصدير الغاز إلى
مصر بصفقة قدرت حينها بـ15 مليار دولار، جرى تنفيذها عام 2020، لتضيف 4.6 تريليون
قدم مكعب (ما يعادل 130 مليار متر مكعب).
مكاسب إسرائيلية
نتنياهو، خرج مساء
الأربعاء، مخاطبا الإسرائيليين حول فوائد الصفقة، مؤكدا أنها تتفق والمصالح
"الأمنية" و"الحيوية" لإسرائيل، رافضا ذكرها، لكنه أكد أن
"الاتفاق يعزز مكانة إسرائيل كقوة إقليمية بمجال الطاقة"، و"يُشجع
الشركات للاستثمار باستكشاف الغاز"، معلنا التزام الشركات المنتجة ببيع الغاز
بسعر مناسب للإسرائيليين.
ردود فعل الصحافة العبرية،
جاء راصدا كواليس قبول نتنياهو الصفقة بعد تجميدها 4 شهور، حيث أرجعته
"هآرتس"، و"معاريف"، لضغوط واشنطن الساعية لعقد لقاء بين
نتنياهو، ورئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي.
لكن "غلوبس"
الاقتصادية أكدت أن
الاتفاقية تزيد الصادرات لمصر 3 أضعاف وتمول مشاريع بنية تحتية
ضخمة بحقل (ليفياثان)، لتشير "يديعوت أحرونوت": إلى أنها "تعمّق
الاعتماد الإقليمي على الغاز من إسرائيل وترسخ مكانتها كمورد إقليمي".
وخرجت تقارير صحفية عبرية
وأمريكية، تؤكد وجود ضغوط أمريكية على نتنياهو للقبول بالصفقة، وتقارير أخرى تشير
لرفض السيسي لقاء نتنياهو، وسعي مصر لتأمين الغاز من قطر كبديل عن إسرائيل،
وتوجهها لتنمية حقولها المحلية والتوسع في الاكتشافات والاعتماد على السوق الدولية
واستئجار سفن تغويز، لضخ الغاز بالشبكة القومية بشكل مباشر، وسط تكلفة عالية.
اظهار أخبار متعلقة
ترى نشرة
"إنتربرايز"، أن للاتفاق دور باستقرار إمدادات الغاز بمصر التي عانت
لتحقيق التوازن بين الطلب المحلي المتزايد وتراجع الإنتاج المحلي، ملمحة إلى
الحفاظ على استمرارية التيار الكهربائي ومنع العودة إلى تخفيف الأحمال.
وتعتقد أن "الاتفاقية
تسهم في كبح فواتير استيراد الغاز"، لافتة إلى أن تكلفة تأمين إمدادات الغاز
المسال حتى عام 2026 تقدر بـ8 مليارات دولار باتفاقيات مع 6 شركات دولية، مشيرة
إلى الأسعار التنافسية للغاز القادم من الشرق وتقليل الضغوط على احتياطيات النقد
الأجنبي، مع البنية التحتية الموجودة بالفعل، متوقعة عودة
تصدير الغاز المسال
لأوروبا من محطتي "دمياط" و"إدكو".
لكن مراقبين انتقدوا الصفقة
واعتبروها "من مال الشعب المصري الفقير"، وأكدوا أنها "تدعم خزينة
إسرائيل، وتؤمن مستقبل الأجيال الإسرائيلية المقبلة"، وفق رؤية الصحفي جمال
سلطان، الذي وصفها بـ"صفقة مشبوهة لشراء غاز، بدائلها متاحة من دولتين
عربيتين".
وفي 11 تشرين الثاني/ نوفمبر
الماضي، كشف موقع "المنصة" المحلي، رغبة إسرائيل رفع سعر الغاز المورد
بقيمة 3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية فوق السعر الحالي (7.7 دولارا)، كما أشارت
أنباء أن الصفقة واجهت اعتراضا من وزارة الطاقة الإسرائيلية بشأن سعر توريد الغاز.
ويرى محللون أن قبول
نتنياهو بالصفقة بعد رفضها وإعلانه أنها الأكبر في تاريخ إسرائيل، تحول مثير خلفه
تنازلات وتوافقات وتواؤمات مع السلطات المصرية، ويدفع للتساؤل حول أسباب رفضه
الصفقة، ثم أسباب وسر القبول بها.
السيطرة الإسرائيلية
الخبير الاقتصادي الدكتور
محمود وهبة، قال إن قبول نتنياهو بتوقيع صفقة الغاز مع مصر، بل وتغيير رأيه حول
الصفقة وإعلانها بنفسه بعد أن رفضها مدة 4 شهور، بأنه على الأغلب حصل على بنود
"ازدادت معها الكمية المصدرة لمصر، وغالبا زاد سعر التوريد بالصفقة وهو الأمر
الذي لم يُعلن رسميا"، ملمحا أيضا إلى أن "إسرائيل برهنت أنها تتحكم في
إظلام أو إضاءة مصر".
وأقر وهبة، مخاوف البعض من
احتمال أن تكون مصر قدمت تنازلات لإتمام الصفقة بملف قطاع غزة، وما يخص المقاومة
الفلسطينية، وترتيبات الحدود والمعابر، والتنسيق الأمني، وإعادة الإعمار،
والانتشار العسكري المصري في سيناء، قائلا لـ"
عربي21"، إن "مصر لا
تساعد إسرائيل فقط ضد أهل غزة، بل تشاركها".
وفي حديثه
لـ"
عربي21"، لفت الخبير المصري المتخصص في العلاقات الدولية وشؤون
الطاقة، الدكتور خالد فؤاد، إلى أن "تعليق نتنياهو للصفقة كان له علاقة
بمكاسب شخصية وأبعاد سياسية خاصة به، ورغبة بأن تتم كمنجز سياسي له يعيد تشكيل
صورته التي تضررت بحرب (طوفان الأقصى)".
فؤاد، ألمح إلى دور
"الضغوط الأمريكية بالصفقة، ومن شركة (شيفرون) عملاق الطاقة الأمريكية المشغل
الرئيسي لحقل (ليفياثان) المورد الرئيسي لصفقة الغاز لمصر"، مبينا أن
"الطوفان أجل خطط الشركة ومشروعات توسعة وزيادة الإنتاج والصادرات، ما جعل
(شيفرون) نفسها تمارس ضغوطا على تل أبيب، للتعجيل بالتعاقد مع مصر، وبالتالي فإن
الضغوط الأمريكية هنا، مفهومة".
اظهار أخبار متعلقة
الباحث في أمن الطاقة
والجيوسياسة المرتبطة بالغاز الطبيعي، يرى أن "الصفقة تعيد هيمنة الغاز
الإسرائيلي على قطاع الغاز المصري، وأضرارها ترتبط بالأساس بأمن الطاقة والأمن
القومي المصريين، فلا يمكن النظر للغاز كونه سلعة عادية استهلاكية يسهل استيرادها،
لكنها استراتيجية والتعامل معها يجب أن يكون من منظوري أمن الطاقة والأمن القومي".
ولفت إلى أن "حرب
الطوفان أثبت أن الاعتماد على الغاز من إسرائيل يعني ارتباط أمن الطاقة المصري
بالإسرائيلي، وأن أية أضرار تصيب الأخير ومنصات إنتاجه تنعكس مباشرة على إمدادات
الغاز لمصر، التي تواجه فجوة كبيرة باحتياجاتها المحلية".
ويعتقد أن "عودة مصر
الاعتماد بشكل كبير على الغاز من إسرائيل، يجعلها رهينة للتوترات الجيوسياسية
والإقليمية والأزمات الصراعات بين إسرائيل وبعض الدول وحركات المقاومة".
ولفت إلى ما وصفها
بـ"نقطة هامة، وهي استخدام إسرائيل للغاز كأداة سياسية وورقة مساومة على مصر،
وهذا ما أوضحته حرب الطوفان، وتعليق نتنياهو منذ آب/ أغسطس الماضي، الصفقة دليل
على استخدامه الغاز أداة للضغط على المفاوض المصري أثناء تعثر مفاوضات حرب غزة".
فؤاد، خلص للقول: "رغم
جهود مصر لتقليل اعتمادها على الغاز من إسرائيل، لكنها عادت ثانية لتزيد الاعتماد
على تل أبيب ما يمثل هيمنة إسرائيلية على قطاع الغاز المحلي المصري".
ورقة ضغط سيادية
من جانبه يرى الباحث المصري
محمود جمال، أن "صفقة الغاز مع إسرائيل يجعل من أمن الطاقة المصري ورقة ضغط
سيادية"، مؤكدا أن "الصفقة تُحدث ربطا مباشرا وخطيرا بين أمن الطاقة
المصري والإسرائيلي، يطال جوهر الأمن القومي والسيادة الوطنية".
وعبر صفحته بمنصة
"إكس"، حذر جمال، من "الارتهان لإسرائيل بملف استراتيجي بحجم الغاز
لا يمكن النظر إليه بوصفه خيارا اقتصاديا محضا، بل يُمثل مساسا مباشرا باستقلال
القرار الوطني.. "، مبينا أن "الطاقة عصب الصناعة، ومحرّك الاقتصاد،
وأحد مفاتيح الاستقرار الداخلي، وأي ربط لها بطرف معاد تاريخيا يفتح الباب أمام
ضغوط مستقبلية يصعب احتواؤها".
وأكد أن "حماية
المصلحة الوطنية المصرية تقتضي إعادة تقييم شاملة لسياسات الطاقة، انطلاقا من منطق
السيادة لا من حسابات الربح الآني، ومن رؤية استراتيجية طويلة الأمد لا من ترتيبات
ظرفية".
ويأتي تثبيت اتفاقية الغاز
مع إسرائيل رغم ما تعرضت له القاهرة من مخاطر وضغوط سياسية واقتصادية إسرائيلية
أعوام 2023 و2024 و2025، بوقف إمدادات الغاز وتقليصها الحاد، ما دفع القاهرة للجوء
للسوق العالمي للغاز والاعتماد على سفن التغويز، ما يثير المخاوف مع غياب الضمانات
من تكرار تلك الإجراءات.
وفي 9 تشرين الأول/ أكتوبر
2023، أوقفت إسرائيل إنتاج حقل (تمار)، ووقف ضخ الغاز لمصر مدة شهر، لتتكرر الأزمة
في 2024، وتؤثر على شبكة الكهرباء المصرية، حيث شهد ذروة الصيف انخفاضا بين 15 إلى
20 بالمئة في إنتاج (ليفياثان) و(تمار).
اظهار أخبار متعلقة
الأمر الذي حدث في تشرين
الأول/ أكتوبر 2024، وكانون الثاني/ يناير وشباط/ فبراير 2025، بانخفاض الإمدادات
بين 10 و15 بالمئة، ليشهد صيف 2025، تذبذبا بالكميات المستلمة بين 800 إلى 1000
مليون قدم مكعب يوميا، ما اعتبرته مصر "توقفا جزئيا" يخل بالتعاقدات.
تلك التوقفات التي وُصفت
بعضها بالسياسية لممارسة الضغوط على القاهرة، كانت كفيلة وفق مراقبين بأن تدرك مصر
أن الغاز الإسرائيلي لا يجب الاعتماد عليه في تشغيل محطات الكهرباء، خاصة وأنها
توقفات دفعت بالقاهرة منذ نيسان/ أبريل 2024 للعودة لاستيراد الغاز المسال من السوق
العالمي، واستئجار سفن التغويز.
خطوات مصرية
في عام 2025، أنتجت مصر بين
4.1 إلى 4.2 مليار قدم مكعب يوميا، بينما يتجاوز الاستهلاك المحلي 6.2 مليار قدم
مكعب يوميا، مما يضع البلاد أمام عجز يتطلب واردات وزيادة الإنتاج.
وخلال عامي 2024 و2025،
اتخذت القاهرة مسارات عديدة لتعويض نقص إمدادات الغاز من إسرائيل، منها تعزيز
البنية التحتية للاستيراد المؤقت، وتنمية الإنتاج المحلي، والتحول نحو الطاقة
البديلة، وسط توقعات محللين ألا تعتمد الحكومة المصرية على استيراد الغاز من
الاحتلال كخيار وحيد.
ولتلافي آثار الضغوط
السياسية والاقتصادية الإسرائيلية بملف الغاز، ولضمان استقرار الكهرباء وتجنب
انقطاع التيار، استأجرت الحكومة في حزيران/ يونيو 2024، السفينة النرويجية
"هوكي جاليون"، حتى شباط/ فبراير 2026، لتستأجر في أيار/ مايو 2025،
السفينة "هوكي جاندريا" مدة 10 سنوات للعمل بميناء سوميد بالبحر الأحمر.
في السياق سعت لوقف التناقص
في إنتاج الحقول وزيادة الاستكشاف، حيث أعادت شركة "إيني" في تشرين
الأول/ أكتوبر الماضي، تشغيل البئر "ظهر-9" لتضيف 70 مليون قدم مكعب
يوميا للإنتاج المحلي، مع ضخ استثمارات بقيمة 569 مليون دولار لتنمية حقل ظهر، مع
خطة لحفر 4 آبار جديدة لرفع إجمالي الإنتاج الذي يساهم بنحو 35 بالمئة من غاز مصر.
كما أنه بين تموز/ يوليو
وتشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تم الإعلان عن 18 اكتشافا جديدا، 13 منها دخلت
الإنتاج فعليا، أضافت نحو 44 مليون قدم مكعب غاز يوميا، مع إطلاق مزايدة عالمية في
تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، للتنقيب في 4 مناطق بالبحر الأحمر.
وذلك مع توجهات نحو
الهيدروجين الأخضر والطاقة المتجددة، ففي نيسان/ أبريل الماضي، وقعت مصر اتفاقية
مع فرنسا لإقامة مجمع للهيدروجين الأخضر في "رأس شقير" بالبحر الأحمر
بتكلفة 7 مليارات يورو، لإنتاج مليون طن أمونيا خضراء سنويا.
كذلك شهد العام الحالي،
تقدما إنشائيا بمحطة الضبعة النووية، حيث تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية
الأولى في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وسددت مصر نحو 3 مليارات
دولار من مستحقات شركات البترول الأجانب خلال عام 2024 (من إجمالي مديونية بلغت
6.7 مليار دولار)، فيما تهدف جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقطاع البترول والغاز
بقيمة 8 مليارات دولار.