ملفات وتقارير

محللون عراقيون لـ"عربي21": العراق مقبل على تصعيد أمريكي بسبب أنشطة الفصائل المرتبطة بإيران

يقول توم باراك إن مشكلة العراق لا تتعلق بالدولة بقدر ما تتعلق بالفصائل المسلحة- ائتلاف دولة القانون
يقول توم باراك إن مشكلة العراق لا تتعلق بالدولة بقدر ما تتعلق بالفصائل المسلحة- ائتلاف دولة القانون
شارك الخبر
ما زال قرار حذف العراق للحوثيين وحزب الله اللبناني عن قائمة "تجميد أموال الإرهابيين"، وذلك بعد ردود الفعل التي أثارها انتشار خبر إدراجهما على اللائحة، يلقي بظلاله على بلد هش سياسيًا واقتصاديًا وحتى أمنيًا، حيث لم تجد الرواية الحكومية التي قالت إن ما جرى كان "سهوا" قبولًا لدى الكثيرين لتبرير التراجع السريع.


متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، قال إن واشنطن "تشعر بخيبة أمل" من تراجع العراق عن قراره بتجميد أصول حزب الله اللبناني والجماعة اليمنية (أنصار الله)، وأوضح المتحدث في تصريح لقناة mtv، أن "كلا الجماعتين تشكلان تهديدًا للمنطقة والعالم"، مشددًا على ضرورة أن "تمنع الدول استخدام أراضيها من قبل وكلاء تدعمهم إيران لأغراض التدريب أو جمع الأموال أو الحصول على السلاح أو تنفيذ الهجمات"، وأضاف أن "الولايات المتحدة ستواصل الضغط على العراق لاتخاذ إجراءات ملموسة ضد الجماعات التابعة لإيران التي تهدد المصالح الأمريكية والعراقية".

Image1_12202510113148479104897.jpg

وما يزيد المشهد توترًا، هو ما كشفته وكالة رويترز ، حيث نقلت عن تسعة مسؤولين أمريكيين قولهم إن واشنطن "تشعر أن بغداد لا تقوم بما يكفي لمعالجة مسألة الفصائل الموالية لإيران، وإن الوقت قد حان لرفع مستوى الضغط الدبلوماسي والاقتصادي بما يضمن حماية مصالح الشركات الأمريكية".

اظهار أخبار متعلقة


نبرة الخطاب تكشف عن لغة تتضمن تحذيرات غير مباشرة أو معتادة علناً في التواصل بين واشنطن وبغداد، وهو ما يمكن تفسيره على أن الولايات المتحدة لم تعد تنظر إلى العراق باعتباره حليفاً متردداً يمكن التفاهم معه من خلال نصائح ورسائل هادئة، بل باعتباره دولة باتت مُلزمة بأن تقدم إجراءات واضحة وملموسة على الأرض، وأن غياب هذه الخطوات قد يدفع واشنطن لاتخاذ قرارات أكثر صعوبة، بعضها مالي وبعضها سياسي، ضمن سياق أوسع لإعادة ترتيب ساحات النفوذ في الشرق الأوسط بعد الضربات التي تعرضت لها المنشآت النووية الإيرانية.

تقديم حكومة ضعيفة ومقيدة الإرادة
ورغم الحراك المكثف الذي تشهده الساحة منذ أسابيع بين القوى الأساسية ضمن الإطار التنسيقي والمكونات السنية والكردية بهدف التوصل إلى تفاهمات حول شكل الحكومة المقبلة وتوزيع المناصب العليا، إلا أن كثرة أعداد المرشحين لرئاسة الحكومة توحي بوجود حالة انقسام داخلي، وتنافس حاد بين الأطراف، إضافة إلى ضغوط إقليمية ودولية تسعى للتأثير على مسار التشكيل، وهو ما قد يفضي لتقديم حكومة ضعيفة ومقيدة الإرادة، في تناقض تام مع حاجة البلاد إلى سلطة تنفيذية قوية وقادرة على مواجهة التحديات، حيث يجري الحديث عن توافق بشأن حكومة خاضعة للقوى النافذة التي تتعامل مع العملية السياسية بوصفها مجال وصاية وفق نظام المحاصصة.

محللون سياسيون لم يستبعدوا أن تكون الفصائل المسلحة قد زجت محمد السوداني في فخ أطاح بحظوظه في ولاية رئاسية ثانية، وهو ما سيجعل من مستقبل العراق أكثر ضبابية وسط تشظي لوحدة القرار واستقلاليته، بالتزامن مع تحولات جيوسياسية يشهدها العالم لن يكون العراق بمعزل عنها. ولاستقراء ما يجري على الساحة وما يمكن أن تحمله الأيام القادمة من أحداث، أجرى موقع "عربي21" لقاءًا خاصًا مع كل من مصطفى كامل، رئيس تحرير صحيفة "وجهات نظر"، وأستاذ العلوم السياسية الدكتور قحطان الخفاجي، وفيما يلي نص اللقاء:

محمد السوداني يخرج عن صمته، ويسرد عدة نِقَاط منها أن الحكومات السابقة كانت دكاكين وعقود مزورة، ونزع سلاح الفصائل حق دستوري. هل قلب بخطابه هذا الطاولة على خصومه؟





Image1_1220251012931947893687.jpg

قحطان الخفاجي
: ما صدر عن السوداني مؤخرًا بشأن كون الحكومات السابقة شكلية وغير ناضجة وتخللها الكثير من عمليات التزوير، يدل على أن لديه رغبة بالابتعاد عن الإطار التنسيقي وبشكل يتناغم مع الإرادة الأمريكية، ليكون جزءًا من صيرورة قادمة تحظى بقبول واشنطن، وفق شروط الولايات المتحدة ورؤيتها لرئيس الوزراء القادم، لذا يرى السوداني أن بقاءه ضمن الإطار لن يمنحه الفرصة لتجديد الولاية بسبب ارتباط هذه الكتلة بإيران وخضوعها لتوصيات طهران التي تتصادم مصالحها مع أمريكا.

أما مصطفى كامل، فرد قائلا: محمد شياع السوداني المتبني لنهج حزب الدعوة، وهو نتاج الإطار التنسيقي الذي يجمع الميليشيات المسلحة في العراق، ولولا "الإطار" لما وصل إلى هذا المنصب الذي لم يكن في حسبانه، لذا هو لن يقلب الطاولة على أحد داخل الإطار التنسيقي، والمعنيون يمكن أن يكونوا منافسين له لكنهم بالتأكيد ليسوا خصومه أساسًا، فهو لن يخرج عن الخط العام للإطار، لكنه قد يختلف في بعض التفاصيل بحكم أنه طامع بالترشيح للولاية الثانية، وعليه تقديم بعض المجاملات الدبلوماسية في هذا الصعيد.

Image1_12202510121042981183890.jpg

لكنني أعتقد أن فرص السوداني في نيل رضا الأمريكيين ضعيفة، وقد تكون انعدمت بعد قضية التراجع السريع المخزي عن إدراج حزب الله في لبنان والحوثي في اليمن على لائحة الإرهاب، فهذا موقف يصطدم مع أهم التوجهات الأميركية وفي صميمها بالتحديد.

حركة النجباء وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله دعوا إلى "إعدام الولاية الثانية" لمحمد السوداني بعد أزمة تصنيف حزب الله وجماعة الحوثي، واتهموه بالخيانة. هل كان كميناً لإزاحة السوداني؟

مصطفى كامل: الميليشيات المنضوية في "الإطار" والتي خارجه تتفق على أسس ثابتة لا تحيد عنها، ولكنها قد تختلف في تقييم بعض الأشخاص، وهذا وارد، وما حصل من مواقف لميليشيات النجباء والعصائب والكتائب ضد السوداني إنما ينحصر في أحد الاحتمالين التاليين، أو كلاهما، وهما:

الأول: الخلافات الجزئية داخل أطراف التحالف الميليشياوي، وهذا مفهوم.
الثاني: المزايدات داخل الأطراف المنضوية في "الإطار" للحصول على مزيد من الرضا الإيراني الذي يؤهل هذه الجهات المزايدة للحصول على مكاسب أكبر في إطار الطائفة وليس في إطار الوطن، ومع كلا الاحتمالين فإن توريط السوداني بفخ إدراج الكيانين الإرهابيين أمر ممكن.

تقول وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لعام 2026 إن عهد الحروب الطويلة لبناء الدول قد انتهى، فهل كانت تجربة العراق سببًا لهذا التحول؟

قحطان الخفاجي: نعم، حرب أمريكا في العراق كلفت الولايات المتحدة الكثير، وبالتالي لا رغبة لدى واشنطن لتكرار هكذا سيناريوهات، سيما وأن أدوات الحرب وفنون القتال وتوزيع عناصر القوة اختلفت كثيرًا مع ظهور سلاح الدرونات "الطائرات المسيرة" والذكاء الاصطناعي وغيره، فضلًا عن غياب الخصم الذي يدفع أمريكا للجوء إلى الدخول في حرب طويلة، والخلاف مع إيران مثالًا على ذلك، حيث لن تتأثر مصالح أمريكا سلبًا فيما لو انتظرت عدة سنوات دون الدخول مع نظام طهران في مواجهة مباشرة، وبالتالي تتجنب التعجل في اتخاذ قرارات حساسة كما كان يجري في السابق.

المبعوث الأمريكي توم باراك يقول إن البنية السياسية في العراق تشبه النموذج اللبناني، بسبب طريقة توزيع السلطات والتي جعلت القرار مشلولًا، من سن نظام المحاصصة؟

قحطان الخفاجي: كلام باراك ليس بجديد، والكل يؤكد ويعترف بذلك، فالطائفية والمحاصصة هي التي تحكم العراق، كما هو الحال في لبنان الذي يعيش ظروفًا مأساوية بسبب هكذا نوع من الأنظمة السياسية. وقد اعتمد العراق بعد عام 2003 آلية توزيع المناصب وفق التقسيم المذهبي والعرقي، وهو ما أدى إلى شلل العمل السياسي، كما انعكس على المجتمع حيث تسبب في تمزيق وحدة الصف، وبالتالي غياب القرار الوطني الجامع. وتغاضى باراك عن ذكر سبب وجود هكذا نهج عمل وهو الغزو الأمريكي للعراق والأسس التي وضعها السياسي نوح فريدمان، والحاكم المدني للعراق عقب الاحتلال بول بريمر.

أما مصطفى كامل فقال: لا يمكن قراءة تصريحات براك على أنها استسلام على الإطلاق، بالعكس كل المؤشرات توحي أن التصعيد قادم، وأعتقد أنه سيكون مفاجئًا لكثيرين، لأن ما يجري في العراق من أوضاع لا تخدم استقرار أمن المنطقة، ولا تحقق مصالح الولايات المتحدة التي تعتقد أن التوجهات التي ينبغي أن تسود في الشرق الأوسط تستبعد "العراق الميليشياوي" من المعادلات

هل غازل محمد السوداني ترامب عبر ترشيحه لجائزة نوبل، أم أن الرئيس الأمريكي هو من طلب من السوداني ذلك بحسب قول الأخير؟

مصطفى كامل: الرئيس الأميركي دونالد ترمب لا يمكن أن يطلب من السوداني ذلك، وبالتأكيد فإن السوداني في مسعاه نحو الولاية الثانية فإنه مستعد لتقديم كثيرٍ من التنازلات، لكنها تنازلات لفظية ووقتية ولا يمكن تحقيقها بوجود المرجعية التي ينطلق السوداني منها ويستند إليها، وأعني مرجعية "الإطار التنسيقي" الحاكمة، وواشنطن تعلم أن المشكلة تكمن في أن من جاء بالسوداني من الصفوف الخلفية ووضعه في المنصب التنفيذي الأول في العراق لن يسمح له بالخروج عن الخطوط المرسومة، وهي بالتأكيد خطوط طائفية وتمثل أجندات إيرانية ولا علاقة لها بمصالح العراق الوطنية، وفضيحة التراجع السريع عن إدراج حزب الله والحوثي في لائحة الإرهاب تؤكد أن المصلحة الوطنية ليست في وارد الكيانات السياسية المهيمنة على منظومة الحكم والأمن في العراق، فهذا التراجع سيسبّب أزمة دولية للعراق، وسيثقل كاهل الاقتصاد العراقي والمواطن العراقي بمزيد من الأزمات الخانقة، لكن هذا لن يوضع في حسبان الجهات المسيطرة لأن الإملاءات الخارجية هي من تحكم في النهاية.

قحطان الخفاجي رد على السؤال نفسه قائلَا: نعم، هي رسالة "استجداء" من السوداني لترامب لعل واشنطن تساعده في تجديد الولاية له، وللسوداني تجربة سابقة مماثلة حين غازل الأمم المتحدة وأعلن رغبته في إنشاء نصب تذكاري للمنظمة الأممية وسط بغداد بهدف الحصول على دعم دولي.



واشنطن تشعر أن بغداد لا تقوم بما يكفي لمعالجة مسألة الفصائل الموالية لإيران، وأن الوقت حان للضغط بما يضمن حماية المصالح الأمريكية. ما أشكال الضغط المتوقعة؟

مصطفى كامل: كل أشكال الضغط متوقعة من جانب الولايات المتحدة، وليس سرًا ولا من قبيل المبالغة أن واشنطن تملك الكثير مما يمكن أن تفعله في العراق، ولأن على رأس الإدارة الأمريكية رئيس غير تقليدي فإن احتمالات التدخل الفعلي، وليس الضغط فقط، قائمة، وربما نشهد معالجة غير تقليدية للملف العراقي الذي ما يزال مفتوحًا، وتصريحات المبعوثين الأمريكيين للعراق مارك سافايا ولسوريا ولبنان توم براك الأخيرة تعدّ باعتقادي تصعيدًا دراماتيكيًا لموقف واشنطن من بغداد.

خبراء عسكريون يتحدثون عن استبعاد العراق من "القبة الصاروخية الخليجية"، هل هو بأمر من جهات خارجية، أم لأسباب لوجستية؟

قحطان الخفاجي: رغم أن العراق والخليج كلاهما يكمل الآخر، إلا أن استبعاد العراق من الدفاع الخليجي المشترك هو قرار بريطاني الأصل أمريكي التنفيذ، والهدف من ذلك إبقاء أجواء العراق مكشوفة بعيدة عن حالة الأمان، ويضيف الخفاجي أي ترتيب خليجي يتم بتوجيه أمريكي، وقرار استبعاد العراق جاء بسبب موقفه السابق حين كان قوة رادعة حامية لدول الخليج، وهو واقع لا يخدم مصالح الولايات المتحدة.



في عودة بشأن الصراع على السلطة، معهد الحرب الأمريكي يقول إن المالكي عرض عبر وسطاء على أمريكا نزع سلاح الفصائل في حال دعمته ليتسلم منصب رئيس الوزراء، هل يمكن أن يبدر منه هكذا طرح؟

مصطفى كامل: لا أعتقد أن المالكي يمكن أن يقدم مثل هذا التنازل، ومن الأصل لا أعتقد أن له فرصة للحصول على منصب رئيس مجلس الوزراء مرة ثالثة، وما يشاع في هذا الصدد مجرد بروباغندا إعلامية لا أساس لها في الواقع.

على ما يبدو، فإن الملف العراقي ما زال ضمن اهتمامات واشنطن، وليس كما يشاع بأنه لم يعد ضمن اهتمام إدارة البيت الأبيض وفق "استراتيجية الأمن القومي لعام 2026"، التي كشفت عن تغير لافت في شكل المقاربة الأمريكية للشرق الأوسط، مع انتقال إدارة الرئيس دونالد ترامب نحو تقليص الانخراط المباشر والتركيز على إعادة توزيع الأعباء بين الحلفاء الإقليميين.

العراق.. كل ما تبقى لـ"إيران"
الملف العراقي استرجع موقعه ضمن أجندة الإدارة الأمريكية، مدفوعًا بسلسلة مواقف صريحة وغير معتادة، كان أبرزها ما قاله الموفد الرئاسي الأمريكي توم باراك، حين قدّم واحدة من أكثر القراءات وضوحًا لمسار السياسة الأمريكية في العراق خلال العقدين الماضيين.

باراك وخلال حديث صحفي، اختصر المشهد بجملة مباشرة قال فيها: "ما حدث في العراق هو أننا استسلمنا"، قبل أن يوضح أن الولايات المتحدة أنفقت نحو ثلاثة تريليونات دولار خلال عشرين عامًا، وخسرت مئات الآلاف من الأرواح، ثم خرجت بلا نتيجة، تاركة وراءها فراغًا سياسيًا وأمنيًا ما زال يؤثر في بنية الدولة العراقية حتى اليوم.

اظهار أخبار متعلقة


وأكد باراك أن الهيكل السياسي الذي أُنشئ بعد عام 2003 أفرز وضعًا معقدًا جعل رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني "كفؤًا جدًا لكنه بلا سلطة"، على حد وصفه، وذلك بسبب عدم قدرته على تشكيل ائتلاف برلماني مستقر، في ظل تأثير الحشد الشعبي وممثليه داخل مجلس النواب، وهو ما يراه باراك أحد أهم أسباب تعثر القرار داخل الدولة، وأضاف أن إيران لن تترك العراق بسهولة، لأنها تعتبره الساحة الأكثر أهمية بعد الضغوط التي تعرضت لها مع حزب الله والحوثيين، إلى جانب الهجمات التي طالتها داخل أراضيها بعد حرب الأيام الـ12، كما أشار باراك إلى أن طهران "تقاتل بقوة للحفاظ على العراق، لأنه بالنسبة لها… كل ما تبقى".


ويرى باراك أن مشكلة العراق لا تتعلق بالدولة بقدر ما تتعلق بـ"الفصائل وطريقة تشكيل الحكومة"، معتبرًا أن البنية السياسية الحالية تشبه إلى حد كبير النموذج اللبناني، حيث تتوزع السلطات بطريقة تجعل القرار مشلولًا من دون توافق المكونات، وهو ما أدى، وفق تعبيره، إلى حالة "فوضى" تزداد صعوبة مع مرور الوقت.

التجربة العراقية "مثال لأمور ينبغي ألا تُكرر أبدًا"
وقال الموفد الرئاسي الأمريكي إن بلاده أبلغت المسؤولين العراقيين بوضوح بأنها لن ترسل قوات جديدة، ولن تنفق مليارات الدولارات كما في السابق، في إشارة إلى تحول في طريقة تعامل واشنطن مع العراق، يقوم على تقليص الكلفة المباشرة وإعادة النظر بآليات النفوذ التي اعتمدتها خلال السنوات الماضية، كما اعتبر باراك أن إيران تقدمت وملأت الفراغ داخل العراق، لأن الهيكل السياسي الذي صاغته الولايات المتحدة سمح بنمو نفوذ الميليشيات إلى مستوى يفوق نفوذ البرلمان، وهو ما أدى، وفق قوله، إلى اختلالات عميقة في مسار الدولة.

وختم باراك حديثه بالقول إن التجربة العراقية أصبحت "مثالًا واضحًا لأمور ينبغي ألا تُكرّر أبدًا"، في إشارة إلى أن الولايات المتحدة وصلت إلى قناعة بأنها لم تعد قادرة على حل المشكلة، وأن الانسحاب كان نتيجة إدراك تراكمت مع الزمن.

وثيقة أمريكية تظهر توجهًا لـ"ضغط محتمل"
على ما يبدو، فإن العراق مقبل على تطورات كبيرة خلال العام 2026، حيث أظهرت وثيقة خاصة بمجلس النواب الأمريكي حول قانون تفويض الدفاع، مطالبة المجلس لوزير الحرب بيتر هيغسيث بفرض قيود على أية أموال مخصصة لدعم العراق في ميزانية العام 2026، ما لم يتم ضمان تقليص نفوذ الفصائل المسلحة، وتلك المرتبطة بإيران، بما في ذلك منظمة بدر بزعامة هادي العامري.

وفي فقرة تحمل الرقم 1228، يضع التقرير الذي يتضمن تعديلات على البنود قيودًا على أموال مخصصة لقوات الأمن العراقية بنسبة يمكن أن تصل إلى 75 بالمئة، إلى أن يقدم وزير الحرب الأميركي للجان الكونغرس العسكرية تأكيدات بأن حكومة العراق اتخذت خطوات موثوقة. ويوضح التقرير أن الخطوات تتضمن ما يلي:
1- تقليص القدرة العملياتية للميليشيات المرتبطة بإيران، من خلال عمليات نزع سلاح موثوقة ومعلنة، وتسريح وإعادة دمج.
2- تعزيز سلطة وسيطرة رئيس الوزراء العراقي كقائد أعلى للقوات المسلحة والأمنية.
3- التحقيق ومحاسبة أعضاء الميليشيات المرتبطة بإيران أو أعضاء القوات الأمنية العراقية والذين يعملون خارج سلسلة القيادة ويتورطون في هجمات على أفراد أميركيين أو عراقيين، أو يعملون بطريقة غير مشروعة ومزعزعة للاستقرار.

وفي فقرة تحمل الرقم 1227، يتحدث التقرير عن حظر تمويل منظمة بدر. ويوضح أن أي من الأموال المرخص لها، بما في ذلك لوزارة الحرب الأميركية للسنة المالية 2026، لا يمكن أن تكون متاحة لمنظمة بدر أو أي منظمة تحددها وكالة المخابرات التابعة لوزارة الحرب، مرتبطة بها أو تخلفها. ولفت التقرير إلى أن بإمكان وزير الحرب القيام بتخفيف للقيود الأميركية تكون مدته 180 يومًا إذا كان هذا الإعفاء يخدم المصالح القومية الأميركية، وفق طلب خطي يقدم إلى لجان الكونجرس يتضمن تبريرًا وتوصيفًا للخطوات المتخذة لتحقيق الأهداف.

دعم مشروط.. "حان الوقت لتحرير العراق من إيران"
بدوره، أعرب النائب الأمريكي الجمهوري، جو ويلسون، عن استعداد الكونغرس - و"لأول مرة" - لإضافة بنود جديدة في قانون تفويض الدفاع الوطني للولايات المتحدة تدعم العراق مقابل التخلي عن مساندة المليشيات المدعومة من إيران، داعيًا في الوقت نفسه بغداد إلى عدم تشجيع جهات على استهداف إقليم كوردستان.

وقال ويلسون في منشور على منصة "إكس": "أُقدّر قيادة الرئيس ترامب ومبعوثه الخاص إلى العراق، مارك سافايا، الذي أعلن عن رغبته في إعادة بناء العراق، وأوضح للعراق أن استمرار دعم المليشيات المدعومة من إيران لن يُقبل"، مردفًا بالقول "لقد حان الوقت لتحرير العراق من إيران"، على حد تعبيره. وأضاف ويلسون في منشوره أن "أمام العراق فرصة للازدهار إذا غيّر سلوكه"، كما قال إنه "لا يزال قانون تفويض الدفاع الوطني يتضمن أحكامًا كنتُ أرعاها لسنوات، تحظر توجيه أموال دافعي الضرائب الأمريكيين إلى فيلق (بدر) وأي مليشيات مدعومة من إيران".


واعتبر النائب الأميركي أن "العراق يقع تحت السيطرة الإيرانية الكاملة، التي تُدير جيشه وقواته الأمنية التي تضم عددًا من المنظمات الإرهابية المُصنّفة مثل: كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وكتائب الإمام علي، وقضائه من خلال قضاة فاسدين مثل فائق زيدان، الذي يحكم دائمًا مع إيران، وشرطته التي تسيطر عليها بالكامل منظمة (بدر)، ونظامه السياسي (الذي يهيمن عليه إطار التنسيق ومليشيات أخرى مدعومة من إيران)" على حد وصفه.

اظهار أخبار متعلقة


ولفت إلى أنه "مع هذه الحقائق، يتضح أنه لا يهم من يفوز في الانتخابات أو يُشكّل حكومة، فالبلاد بأكملها مُخترقة بعمق من قِبل إيران، على الرغم من أن غالبية العراقيين من جميع الطوائف يريدون دولةً حرةً ومستقلةً خاليةً من النفوذ الإيراني الخبيث".

هل تعود الطائفية بعد تفكك "محور المقاومة"؟
ومع التحولات الأخيرة، حذّر تقرير بحثي أمريكي جديد، صادر عن مجلة "فورين أفيرز" من احتمال عودة التوترات الطائفية في الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة، في ظل ما وصفه بـ"تفكك البنية التقليدية لمحور المقاومة"، وتراجع قدراته العسكرية والسياسية بعد سلسلة تطورات إقليمية ودولية.

وبحسب التقرير، فإن "التحولات التي تشهدها المنطقة من الحرب في غزة وتقلُّص نفوذ الفصائل في سوريا والعراق، إلى الضغوط الاقتصادية والسياسية على إيران تدفع مكوّنات المحور إلى الانكفاء وإعادة التموضع، ما يُضعف قدرته على الإمساك بالتوازنات التي حافظ عليها خلال العقدين الماضيين"، فهل ينجو العراق من موجة عنف جديدة؟!.

التعليقات (0)

خبر عاجل