جدد مجلس القضاء الأعلى في
العراق، اليوم
الخميس، التأكيد على استقلاليته ورفضه الزج باسمه في المداولات السياسية المتعلقة
بتشكيل
الحكومة الجديدة، داعيًا القوى والأحزاب الفائزة في الانتخابات الأخيرة إلى
الالتزام بالتوقيتات الدستورية الخاصة بتشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وقال المجلس في بيان صدر عقب اجتماع عقد
برئاسة القاضي فائق زيدان، إن المؤسسة القضائية "ترفض زج اسم القضاء كمؤسسة
أو أشخاص في المداولات الخاصة بتسمية رؤساء السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعلى
وجه الخصوص تسمية رئيس الوزراء القادم". وأضاف أن "القضاء لا يتبنى ولا
يدعم ولا يطرح رأيًا بخصوص أي شخصية قضائية أو تنفيذية أو سياسية لتولي هذا
المنصب، كونه شأنًا خاصًا بالأحزاب السياسية".
رسالة واضحة وسط ضبابية المشهد السياسي
وتأتي تصريحات مجلس القضاء الأعلى في وقت
تتواصل فيه مشاورات الكتل والأحزاب السياسية لمحاولة التوصل إلى تفاهمات بشأن
تشكيل الحكومة المقبلة، وسط خلافات داخلية حول التحالفات ومسار العملية السياسية
بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في 11 تشرين الثاني/نوفمبر.
وتمثل تصريحات المجلس ردًا مباشرًا على
تسريبات وتكهنات جرى تداولها في الأيام الماضية، تحدثت عن إمكانية دعم القضاء
أسماء محددة لتولي منصب رئيس الوزراء، ما أثار جدلًا واسعًا داخل الأوساط السياسية
والإعلامية.
الطعون الانتخابية عقدة ما قبل تشكيل
الحكومة
وفي السياق نفسه، ما تزال المفوضية العليا
المستقلة للانتخابات تدرس 872 طعنًا تقدمت بها أحزاب وتحالفات سياسية على نتائج
الانتخابات، في خطوة يُتوقع أن تؤجل بشكل ملموس الحسم النهائي للنتائج قبل إحالتها
إلى الهيئة القضائية المختصة، التي تملك مهلة تصل إلى أسبوعين للبتّ فيها.
ويمثل الانتهاء من مرحلة الطعون شرطًا
أساسيًا للشروع في أولى خطوات تشكيل البرلمان الجديد، ثم انتخاب رئيس للجمهورية،
ويليه تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، وفق التسلسل الدستوري المعمول به
في البلاد.
انسداد سياسي محتمل
ومن الممكن أن تؤدي الخلافات بين القوى
المتنافسة، إضافة إلى كثافة الطعون، إلى تعطيل المسار الدستوري وتكرار مشاهد
التعطيل التي رافقت دورات سابقة، الأمر الذي دفع مجلس القضاء الأعلى إلى تشديد
دعوته لجميع الأطراف بضرورة احترام المدد الدستورية وعدم تحميل المؤسسة القضائية
مسؤولية التجاذبات السياسية.
ويأتي موقف القضاء الأعلى ضمن سلسلة مواقف
سابقة هدفت إلى النأي بالمؤسسة القضائية عن التجاذبات الحزبية، في ظل محاولات
متكررة من بعض القوى السياسية لزج أسماء قضائية أو الإيحاء بدعمها لترشيحات معينة،
وهو ما اعتبره المجلس محاولة للمساس باستقلال القضاء وهيبته.
أبرز الأسماء المرشّحة لرئاسة الحكومة
المقبلة
بحسب مصادر مطلعة على مسار المشاورات داخل
كتل الأحزاب والتحالفات، يُطرح حاليًا ثلاثة أسماء رئيسية كمرشحين محتملين لمنصب
رئيس الوزراء القادم: محمد شياع السوداني ـ رئيس الوزراء المنتهية
ولايته، نوري المالكي ـ زعيم تحالف / كتلة "دولة القانون" السياسية، حميد
الشطري ـ رئيس جهاز المخابرات العراقية سابقًا (أو مرشح أمني)، مرشح مفاجئ مقارنة
بالشخصيات التقليدية.
وتُشير مصادر إلى أن هذه الأسماء قد يتم
اختيار أحدها عبر تصويت داخلي ضمن قوائم الإطار التنسيقي ـ التحالف الشيعي الأوسع
الذي أصبح يملك الأغلبية الفعلية للبرلمان.
رهانات استمرار محمد شياع السوداني.. بين
الفرص والصعوبات
بعد نتائج انتخابات 2025، تصدر ائتلاف
السوداني ـ ائتلاف الإعمار والتنمية ـ قائمة المقاعد البرلمانية، ما يعزز موقعه
كأحد اللاعبين الرئيسيين في تشكيل الحكومة.
بعض تحليلات داخل الأوساط السياسية رأت أن
السوداني لديه فرصة لإدارة توازنات دقيقة بين مختلف المكونات (شيعية، سنية،
كردية)، وهي سمة قد تكون مطلوبة في الحكومة المقبلة.
لكن السوداني رغم تصدره لا يمتلك أغلبية
كافية بمفرده لتشكيل الحكومة، ما يعني أنه بحاجة إلى تحالفات داخل "الإطار
التنسيقي" ومع قوى سنية وكردية.
وهناك من هم داخل "الإطار التنسيقي"
ينظر إلى خيار سحب ترشيح السوداني أو استبداله بشخصية ذات قبول أوسع داخل تحالفات
ما بعد الانتخابات.
كما أن موجة الطعون في نتائج الانتخابات
(872 طعنًا حتى الآن) والحاجة إلى حسمها قضائيًا قبل المضي في تشكيل الحكومة تضيف
طبقة من الشك والتأجيل على أي ترشيح سريع.
لماذا ملف ترشيح رئيس الوزراء لا يزال
مفتوحًا؟
بحسب الدستور العراقي، بعد الانتخابات يجب
أن يُنتخب رئيس الجمهورية ثم تُكلف الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة خلال 15 يومًا لكن
عمليًا، لا توجد كتلة مفردة تملك الأغلبية، ما يجعل تشكيل الحكومة رهين مفاوضات
وتحالفات.
وأصبح "الإطار التنسيقي" الشيعـي،
الأكبر برلمانيًا بعد الانتخابات، يلعب الدور الأبرز في تسمية رئيس الوزراء، لكن
الخلافات داخله حول اسم المرشح الأنسب تُبقي الباب مفتوحًا أمام عدة سيناريوهات.
كما أن تضارب المصالح بين رغبة بعض القوى
بولاية ثانية للسوداني، وبين رغبة أخرى في تغيير القيادة للمرحلة المقبلة، يجعل
خيار استمرار السوداني غير مضمون حتى اللحظة.
وبينما أبعد القضاء نفسه عن خوض معارك
التسمية، إلا أن الساحة السياسية باتت تشهد تنافسًا محمومًا على رئاسة الحكومة
القادمة. ومع وجود أسماء بارزة مثل السوداني والمالكي والشطري على رأس قائمة
المرشحين، فإن نتيجة المعركة لن تُحسم إلا بعد أن تنتهي مفاوضات التحالفات، وتُحسم
الطعون الانتخابية، وتُترجم الأوزان البرلمانية إلى توافق سياسي. في هذه الأجواء
المتقلبة، تبدو ولاية ثانية للسوداني ممكنة لكنها رهينة بتحالفات داخلية وخارجية،
وبقدرة الأخير على حشد دعم كافٍ.
اظهار أخبار متعلقة