قضايا وآراء

كيف يواجه الإخوان قرار ترامب ضدهم؟!

عصام تليمة
ما فعله الإخوان بأنفسهم لا يقدر على صنعه أشد أعدائهم، وهو الضعف والتشرذم، وغياب البوصلة، وضياع الرؤية..
ما فعله الإخوان بأنفسهم لا يقدر على صنعه أشد أعدائهم، وهو الضعف والتشرذم، وغياب البوصلة، وضياع الرؤية..
انتظر الناس قرار ترامب بتصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، وكان المتوقع أن يشمل قراره الإخوان بوجه عام، لكنه اقتصر على ثلاث دول هي: مصر، والأردن، ولبنان، فوضح للناس الأسباب الكامنة وراء القرار، وهو علاقة ودور الإخوان في هذه الأقطار في طوفان الأقصى، ورفضها التطبيع مع الكيان، وقد أسهب عدد من الكتاب على موقع عربي 21 في الحديث عن تداعيات القرار، وكيف يواجه قانونيا؟ وبقيت مساحة مهمة أن تطرق في كيفية مواجهة الإخوان لهذا القرار، وذلك من ذاتهم.

فإن أهم معادلة في الموضوع هنا هو الإخوان أنفسهم، فسواء صدر قرار بتصنيفهم، أو محاربتهم، يبقى العنصر الأهم هو: مدى قوة وصلابة الإخوان، واستعصائها على الذوبان، أو الإقصاء والتهميش. ويبقى العامل المشترك في جل محن الإخوان واضحا، فهو علاقتها ودورها في القضية الفلسطينية، وهو سبب رئيس في محنها، ويبقى العامل المشترك في تجاوز الإخوان هذه المحن، هو صلابتها الداخلية، وقوة تماسكها، وتحويل محنها إلى منحة، والوثوب بعد السقوط المؤقت.

ليس نهاية الإخوان

قرار ترامب ليس علامة على نهاية الإخوان، ولا على استئصالهم، فإن ما فعله الإخوان بأنفسهم لا يقدر على صنعه أشد أعدائهم، وهو الضعف والتشرذم، وغياب البوصلة، وضياع الرؤية، وتحول التنظيم إلى توجيه قواه ضد بعضه بعضا، وانتقال عدوى التشظي من قطر إلى آخر، حتى وصل للقطر الأم (مصر)، وقد كانت الفروع المختلفة من الإخوان خارج مصر، تقول: إذا انشقت الأقطار كلها، فيصعب أن ينشق إخوان مصر، ولكن ما حدث، أن المستحيل المتصور بات واقعا للأسف.

قرار ترامب ليس علامة على نهاية الإخوان، ولا على استئصالهم، فإن ما فعله الإخوان بأنفسهم لا يقدر على صنعه أشد أعدائهم، وهو الضعف والتشرذم، وغياب البوصلة، وضياع الرؤية، وتحول التنظيم إلى توجيه قواه ضد بعضه بعضا، وانتقال عدوى التشظي من قطر إلى آخر، حتى وصل للقطر الأم (مصر)، وقد كانت الفروع المختلفة من الإخوان خارج مصر، تقول: إذا انشقت الأقطار كلها، فيصعب أن ينشق إخوان مصر، ولكن ما حدث، أن المستحيل المتصور بات واقعا للأسف.
فليست المعضلة هنا في مواقف ترامب أو غيره، فهي مواقف مرتبطة بالإخوان منذ نشأتها، فلم تعش الإخوان عصرا أو حكما من بدايته لنهايته على وئام معه، فكل حكم بدأ بتهدئة مع الإخوان، سرعان ما انتهى الوئام وتحول لمواجهة، سواء كانت مواجهة خشنة أم ناعمة، في مصر وخارجها، ولم تكن نهاية الإخوان قرار نظام بإقصائها أو حظرها.

درس التاريخ الإخواني

فالتاريخ الإخواني في مصر مثلا، يخبرنا عن ذلك بوضوح، ففي مصر، بدأوا في عهد الملك فاروق بمهادنة، ودخلوا في مجالات الحياة العامة، ثم جاءت حرب فلسطين، وبرزت قوة التنظيم والجماعة، بشكل لافت للجميع، فسيقوا من ميادين النضال إلى باحات السجون والمعتقلات، وصدر قرار حل الإخوان الأول، وخرج الإخوان من سجونهم أقوى وأصلب، رغم اغتيال واستشهاد مرشدهم ومؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا.

سريعا اختار الإخوان مرشدا جديدا، وكان الإخوان ممنوعين، وكانوا بلا لافتة رسمية، يحكي شيخنا القرضاوي عن هذ المرحلة، فيقول: كانت تسبقنا الدعوة في الوصول للناس، وكنا بلا أي عنوان رسمي، سوى أننا الإخوان المسلمون، ووصلنا لمساحات لم نكن نصلها حين كنا رسميين ومصرح لنا.

وجاء الصدام مع عبد الناصر، وظن الراصدون أن الإخوان قد انتهوا، لكنهم انطلقوا إلى بلدان عربية وغربية، واقتحموا مساحات لم يكونوا يفكروا فيها لولا المحنة، فقد أسدى إليهم عبد الناصر جميلا كبيرا، فقد حولهم من جماعة مصرية عربية، لا تتعدى التواجد في دول عربية قليلة أبرزها سوريا والعراق، إلى تواجدها في دول غربية، وتأسيس مراكز ومدارس إسلامية في هذه البلدان، ووصول الإخوان للعالمية بالمعنى الحقيقي الذي لم يحدث في عهد المؤسس نفسه، ولا خطط له خلفاؤه، ولكن عقلية الأفراد والقيادات الوسيطة آنذاك التي غادرت مصر إلى العالم، فانطلقت بدعوتها، وأسست هذا الميراث الضخم الذي يراه العالم الآن.

وعندما جاء السادات ومبارك، لم يكن هنا وجود رسمي للجماعة، بل كان يطلق عليها في إعلام السلطة: الجماعة المحظورة، بينما كان الإعلام المحايد يقول: الجماعة المحظوظة، لأنها بدون غطاء رسمي وقانوني، تدخل كل النقابات المهنية، وتستحوذ على مفاصل النقابات، وتترك المناصب الكبرى حتى لا تسبب استفزازا للسلطة، وكان هذا النهج من الذكاء الذي جعلها تستعصي على كل محاولات الإقصاء، أو الإنهاء، رغم الإنهاك الذي كان يقوم به النظام، من استنزاف مواردها بسجن أفرادها.

كان العامل المشترك فيما مضى كما ذكرت، أن سبب المحنة، وسبب المعافاة منها، هو الهم الإسلامي الذي حملته الجماعة وأفرادها وحاضنتها الشعبية، وكان عامل صمودها هو هذه الحاضنة، والنواة الصلبة المتمثلة في التنظيم وأفراده، وهو ما لم يحدث للأسف في محنتهم بعد تجربة الحكم، سنة 2013م، وليس ذلك لقوة السيسي، بل إنه أضعف من سابقيه كلهم، لكن المشكلة هنا في ضعف الإخوان، لا قوة خصومهم، ومع هذا الضعف بشهادة الإخوان، وبشهادة أهل فلسطين، وأن أقل أداء وعطاء للجماعة مع القضية كان مع مرحلة طوفان الأقصى، ومع ذلك، وجهت لها الضربة الأخيرة من ترامب.

درس التاريخ العام:

كل ذلك يمكن أن ينتهي إلى لا شيء، لو استعادت الإخوان عافيتها، وهو أمر يحتاج لإخلاص وجهد وتجرد من الأطراف المتنازعة، وإلى مثابرة في العمل والعطاء في مراجعة ما مضى، ووضع رؤى لما هو قادم، يتمثل في وحدة الإخوان كأشخاص، ثم قوة وتطور منهجهم ووسائلهم في مواجهة التحديات الجديدة.

درس التاريخ الإخواني، ودرس التاريخ العام، يخبر الإخوان أن الحل بأيديهم، لا بأيدي حلفائهم، ولا بأيدي خصومهم، بقاؤهم ونهايتهم لن يكتبها الخصوم، بل يكتبونها هم بأيديهم، وقد بدأوا كتابتها للأسف، ولم يبق إلا أن يعودوا إلى رشدهم، أو يمضوا في غيهم، ثم يقال لهم ما قيل لأبي عبد الله عند سقوط الأندلس: ابك بكاء النساء على ملك ضعيتموه.
فدرس التاريخ العام يخبرنا أن أمريكا كم من جهات حاربتها، ولكن صلابة خصومها أجبرت أمريكا وكل قوى العالم على التعامل مع قرارات الحظر كأن شيئا لم يكن، والنماذج كثيرة، أولها حماس نفسها، فهي مصنفة قبل الإخوان بسنوات، ومع ذلك مجبرة ومضطرة أمريكا للتعامل والتفاوض معها بأعلى مستويات التفاوض، في طوفان الأقصى، وصولا لوقف الحرب على غزة.

ومن قبل كانت طالبان نموذجا واضحا، فقد ناصبت أمريكا الحركة العداء، ولم تكتف بتصنيفها جماعة إرهابية، بل شنت حربا عليها، وأخرجت الحركة من الحكم، وظلت عشرين عاما تقاتلها، ثم انتهى بها الأمر إلى التفاوض والتفاهم، وتسليم الحكم لها مرة أخرى.

منذ عام كان أحمد الشرع، أبو محمد الجولاني سابقا، حتى شهور قليلة مضت، كان مطلوبا، ومرصودا لمن يأتي به عشرة ملايين دولار، وتحول كل ذلك إلى هباء منثور، لا قيمة له، بمجرد دخوله دمشق، والتقاه ترامب في السعودية قبل إسقاط العقوبات.

درس التاريخ الإخواني، ودرس التاريخ العام، يخبر الإخوان أن الحل بأيديهم، لا بأيدي حلفائهم، ولا بأيدي خصومهم، بقاؤهم ونهايتهم لن يكتبها الخصوم، بل يكتبونها هم بأيديهم، وقد بدأوا كتابتها للأسف، ولم يبق إلا أن يعودوا إلى رشدهم، أو يمضوا في غيهم، ثم يقال لهم ما قيل لأبي عبد الله عند سقوط الأندلس: ابك بكاء النساء على ملك ضعيتموه.

[email protected]
التعليقات (0)