حب
المصريين للأولياء أمر مشهور عنهم
تاريخيا، سواء كان هؤلاء الأولياء من آل البيت، أو كانوا من الصالحين الذين اشتهر
عنهم الصلاح، والذهاب للموالد ظاهرة مصرية منذ قرون، سواء كان في هذه الموالد بدع
وخرافات، أم التزام بالسلوك الإسلامي، والضوابط الشرعية، ومن بين هذه الموالد:
مولد السيد البدوي بطنطا بمحافظة الغربية.
وقد كان هذا العام حضور مولد البدوي كبيرا،
وكان لافتا للنظر، من حيث عدده، ومن حيث كم التجاوزات الشرعية التي ترتكب باسم
البدوي والتصوف، وزيارة الأولياء، في ظل صمت من المؤسسة
الدينية الرسمية، بل
مشاركة من رؤوسها كما رأينا في ذلك حضور الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف،
والدكتور علي جمعة المفتي السابق، ورعاية رسمية من الدولة.
يجري توظيف هذه الأعداد الغفيرة من الحضور الجاهل لمولد السيد البدوي وغيره، لصالح السلطة، من حيث تغييب العقول، وتدجين الناس، وإلهاء الناس بخرافات وبدع ليست من الدين، بل هي ضده، وضد الفهم الصحيح له، ولا يرجى من أصحابه تغييرا، أو يخشى منهم على سلطة أو تغيير.
ولا يوجد تلازم بين الموالد والتصوف،
فالتصوف في أصله علاقة روحية للإنسان المسلم، وقلما يخلو منها مدرسة فقهية أو
فكرية قديمة أو معاصرة، فكثير من المدارس الفقهية تجد لدى علمائها كتابات فقهية،
وبجانبها كتابات في التصوف، أو ما سماه علماء آخرون: السلوك، وذلك بعد أن ساءت
سيرة التصوف، أو ساءت صورته في أذهان الناس، فقل أن تخلو مدرسة من التصوف، بغض
النظر عن العنوان الذي وضع له.
لكن الملاحظ أن السلطة في مصر تميل بشكل
لافت للنظر لهذا للون معين من التصوف، وهو ما يمكن أن نسميه: التصوف الخرافي، أو
التصوف السلبي، وهو التصوف الذي يكون مؤيدا للسلطة، بل ومنافحا عنها.
لوحظ هذا العام ومن قبل، فيما يتعلق بموالد
الصوفية، كالسيد البدوي، والسيدة زينب، والسيدة نفيسة، والإمام الحسين، وغيرهم من
الموالد المشهورة في مصر، أن اتجاهين لم يعترضا على هذه الموالد، على الرغم من أن
السياسة والتوجه المتبع مع مثل هذه التجمعات، هو الرفض والهجوم، بل وشن الحملات
الأمنية والإعلامية بكل مستوياتها.
الاتجاه الأول: هو السلطة، ممثلا في السيسي
وكل السلطة التنفيذية، فالسلطة التي ترفض أي تجمع لمرشح كأحمد الطنطاوي، أو لمرشح
لمجلس الشعب ليس على هوى السلطة، والتي ترفض عقد مباريات في الملاعب بجماهير
غفيرة، أو مظاهرة محدودة أمام نقابة الصحفيين لعدد قليل من الناشطين يتضامنون مع
فلسطين، أو من يرفع علم فلسطين في ملعب، تتعامل السلطة مع كل هذه المظاهر ببطش غير
متوقع، وغير مبرر كذلك.
بينما نرى في مثل هذ الموالد حضورا لافتا
للسلطة، ممثلة في وزير الأوقاف، والمحافظ، في ظل ترك هذه الأعداد الغفيرة لعدة
أيام وليالي متتابعة تتوافد بكثرة، دون أكمنة للشرطة على مدخل المحافظة، أو تضييق
على أي من الحضور، ورغم أن هذا النشاط يصنف ضمن النشاط الديني، لكنه مرحب به، لأنه
يسير في اتجاه تغييب الشعب، والبعد عن التدين الإيجابي، الذي فيه ما يهدد شرعية
هذه السلطة، أو وجودها.
هذا الحضور الطاغي للتصوف الخرافي، والأداء
المهين للتدين، من تراقص، واختلاط، وشرب محرمات، وصور وفيديوهات لذكر بشكل رقص
مهين للذكر، وهو ما تساءل عنه من قبل الشيخ الغزالي قائلا: ذكر أم نسيان؟! أي: هذا
ذكر لله، أم غفلة ونسيان لله وشرعه؟ هذا هو اللون المحبب لدى السلطة، وهو كذلك
المسموح به داخل الجيش، فلا مشكلة من وجود رتب عسكرية متدينة تدين صوفي شعائري فقط.
ويجري
توظيف هذه الأعداد الغفيرة من الحضور
الجاهل لمولد السيد البدوي وغيره، لصالح السلطة، من حيث تغييب العقول، وتدجين
الناس، وإلهاء الناس بخرافات وبدع ليست من الدين، بل هي ضده، وضد الفهم الصحيح له،
ولا يرجى من أصحابه تغييرا، أو يخشى منهم على سلطة أو تغيير.
التوظيف السياسي للتصوف، ليس وليد هذه اللحظة، بل منذ القرن السادس الهجري، حيث كان قبل هذا التاريخ على يسار السلطة، ثم بداية من هذا التاريخ أصبح يستخدم لدعم السلطة في كثير من الأحيان، إلا من يرفض من أتباع التصوف الحقيقي، بل استخدمه الاستعمار كذلك، ليكون مدخله لتدجين الشعوب، وصرفها عن مقاومته، سواء بالأفكار السلبية والمستسلمة، والجبرية في القدر، والسلبية تجاه المنكر، النابع من الداخل عبر ظلم الحكام، أو الوارد من الخارج عبر الاستعمار.
الجهة الثانية التي صمتت عن هذه التجمعات،
رغم أنها تجمعات ضد العقل وخطابه، هم أدعياء التنوير، الذين يصدعون رؤوس الناس ليل
نهار، بتقديس العقل، ورفض الخرافة، وهجومهم على الإسلام السياسي كما يطلقون عليه،
بينما مجال التنوير الحقيقي هو هذه الموالد وأتباعها، فمساحة الرفض للمارسات
العقلية كتنوير، هي أقل بكثير جدا لدى الإسلاميين، بينما هي متوافرة بكثرة لدى
الصوفية الخرافية وأتباعها من أهل الموالد.
لكنه التواطؤ مع السلطة، من أدعياء التنوير،
لأنهم يعلمون أن الصدام مع هؤلاء يفقدهم دفء السلطة، والمظلة التي تحميهم بها، فهم
لا يوجهون سهامهم سوى للإسلام السياسي، لأنه يهدد السلطة تهديدا حقيقيا، حتى لو
كان عن طريق صناديق الانتخاب، فتنويرهم في إطار السلطة، وحمايته، ولا يبتعد عن فلك
هذه السلطة.
هل سمعت أحدا من هؤلاء يخرج ليهاجم السلطة
التي سمحت لهذا الكم من الخرافات، والشطحات، أو وجهوا كلامهم لهذه الجماهير أو
لشيوخهم، أو كيف تسمح السلطة لهذه التجمعات، بينما تمنع أي تجمع سياسي، أو ثقافي،
لا يروق لهذه السلطة؟
التوظيف السياسي للتصوف، ليس وليد هذه
اللحظة، بل منذ القرن السادس الهجري، حيث كان قبل هذا التاريخ على يسار السلطة، ثم
بداية من هذا التاريخ أصبح يستخدم لدعم السلطة في كثير من الأحيان، إلا من يرفض من
أتباع التصوف الحقيقي، بل استخدمه الاستعمار كذلك، ليكون مدخله لتدجين الشعوب،
وصرفها عن مقاومته، سواء بالأفكار السلبية والمستسلمة، والجبرية في القدر،
والسلبية تجاه المنكر، النابع من الداخل عبر ظلم الحكام، أو الوارد من الخارج عبر
الاستعمار.
لكن التوظيف يتضح أكثر مع الحكم العسكري
والمستبد، فإنه يجد مدخلا دينيا لتدجين الشعوب، وذلك عن طريق إما مشايخ السلطة من
المتصوفة، أو من مشايخ السلطة من المداخلة، وكل هذه الطرق الدينية تؤدي لمصلحة
واحدة: ترسيخ حكم الظلمة والمستبدين، وهو ما تجلى في دعم السيسي ونظامه للموالد،
بينما يقف بالمرصاد بشرطته أمام موالد الحرية التي هي حق مشروع للشعوب.
[email protected]