قضايا وآراء

لماذا لا يثق العوا بتجربة الشرع في حكم سوريا؟!

عصام تليمة
مما قاله العوا: أنا لا أثق في حكم شخص تلوثت يده بدماء بني وطنه. في إشارة للتوجه الذي كان يتنباه الشرع قبل حكم سوريا، وتخوفه فيما هو قادم..
مما قاله العوا: أنا لا أثق في حكم شخص تلوثت يده بدماء بني وطنه. في إشارة للتوجه الذي كان يتنباه الشرع قبل حكم سوريا، وتخوفه فيما هو قادم..
المفكر الإسلامي الكبير الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا، من الشخصيات التي تثير الإبهار والجدل معا عند حديثه، سواء كان حديثا شفيها أم كتابة، فالرجل لا يتحدث إلا إن كان لديه جديد، وجديده سواء كان متعلقا بالفكر الإسلامي، أو الواقع السياسي، هو مثار جدل وإعجاب، وفي معظم ما يصدر عنه يكون عن تأمل ودرس، ولا يخلو طرحه من النقد المباح، الذي هو موضع ترحيب لديه، ولدى كل عاقل وصاحب طرح فكري حقيقي.

وقد أثار البودكاست الذي أجرته معه الدكتورة رباب المهدي، في حوار امتد لما يقرب من ساعة ونصف، طوفت به في عدة ميادين، ربما ظن البعض أن بعضها يتعلق بقضايا تراثية، لكن العوا بطرحه الذي دائما يستلهم الأصالة من التراث، لينزل بها على واقعنا، مع عدم إغفال تفسير ما كان مرتبطا بمرحلة زمنية، وما هو دائم ثابت يصلح لكل زمان ومكان.

يمتلك العوا رصيدا ليس قليلا، من معرفته بالفرق والجماعات الإسلامية، ومن يقرأ كتابه: المدارس الفكرية الإسلامية، يعي جيدا مدى إلمام العوا بعالمي الأفكار والمشاريع، وبميزان الفقيه السياسي، أنصف كل هذه المدارس، وبين ما أضافوه للفكر الإسلامي، وما يستفاد منهم فيه، وبين ما عليهم من أخطاء يجب علينا تجنبها
وقد نالته سهام عديدة لأجل جملة قالها عن عبد الفتاح السيسي، جاءت في سياق معين، وبهدف محدد، وقد كانت معظم هذه السهام من الرافضين لحكم السيسي، والرافضين لمظالمه، وهو أمر متفهم ومقدر، وإن تجاوز البعض خلقا وشرعا، ولم يكن من رفضوا كلامه من الإخوان المسلمين فقط، بل من شريحة كبيرة من هذا التيار الرافض للسيسي وحكمه وممارساته.

لكن هناك جملة أو فقرة، لم ينتبه إليها وينقد العوا فيها، سوى من شاهد البودكاست كاملا، إذ إن الرافضين لجملته عن السيسي اكتفوا بالفيديو التشويقي للحلقة وهو لا يتجاوز بضع دقائق، الجملة تتعلق برأي العوا في حكم الرئيس السوري أحمد الشرع، وتجربته في الحكم، فكان مما قاله العوا: أنا لا أثق في حكم شخص تلوثت يده بدماء بني وطنه. في إشارة للتوجه الذي كان يتنباه الشرع قبل حكم سوريا، وتخوفه فيما هو قادم.

هذا الكلام المقتضب، أثار بعض المؤمنين بمشروع الشرع لحكم سوريا، وغضوا الطرف عن الأسباب والدوافع التي تجعل العوا وغيره من أهل الفكر يبدون نفس التخوفات والتوجسات، مما قد تؤول إليه تجربة الشرع في سوريا.

هناك عوامل لا يمكن أن تدفع بالعوا سوى لهذا التوجس، وليس العوا فقط، بل إن كثيرا ممن طال تأمله وتبصره بالتاريخ البعيد والقريب لتجارب الحكم، تجعله ينظر بريبة شديدة للشرع وتوجهاته، نعم القلوب كلها تتمنى له التوفيق والنجاح، وتتمنى لسوريا وأهلها كل خير، فالسوريون ذاقوا ويلات الاستبداد والظلم، ومورس عليهم جل أنواع الاستبداد، ولا نكاد نرى شعبا يأتي في الترتيب بين شعوب العرب والمسلمين في المعاناة بعد أهل فلسطين، كأهل سوريا.

لكن هل تمني الخير لسوريا، يكون بالأماني والدعوات الصالحات فقط؟! يصعب على شخصية المفكر والفقيه أن يكون أداة من أدوات التخدير للناس، وهذا ما أبداه العوا، وليس العوا وحده من يتخوف من تجربة الشرع، بل هناك إسلاميون أيضا يختلفون اختلافا جذريا مع العوا وفكره، وقد كانوا أقرب للشرع من العوا، لكنهم بدأوا في بث مخاوفهم، وهناك جهاديون سابقون، ورفقاء سلاح مع الشرع، جل هؤلاء يبدون تخوفاتهم، سواء عن طريق معرفتهم الشخصية بالشرع، أو بتوجهه، لكن الناقمين صبوا جام غضبهم على العوا وحده!

يمتلك العوا رصيدا ليس قليلا، من معرفته بالفرق والجماعات الإسلامية، ومن يقرأ كتابه: المدارس الفكرية الإسلامية، يعي جيدا مدى إلمام العوا بعالمي الأفكار والمشاريع، وبميزان الفقيه السياسي، أنصف كل هذه المدارس، وبين ما أضافوه للفكر الإسلامي، وما يستفاد منهم فيه، وبين ما عليهم من أخطاء يجب علينا تجنبها، ولإنصافه أطلق عليهم: المدارس، ولم يطلق مصطلح: الفرق، لما يوحي الأخير بالنظرة السلبية، وفي خاتمة كتابه كتب فصلا مستقلا عن ما نستفيده من هذه المدارس، وتمنيت عليه أن يخرج هذا الفصل وحده مستقلا، مع شيء من التفصيل لأهميته.

تجربة العوا وجيله من المفكرين مع حملة السلاح، سواء من إسلاميين أو عسكر، ليست مريحة، ولم يجنوا منها سوى المر والعلقم، ولا زلت أذكر جملة قالها العوا في جمعية مصر للحوار في إحدى محاضراته، كان يتكلم عن العسكر، أنه لو قلنا لعسكري متدين: لو سمحت سنترك لك هذه الجمعية تحرسها ليوم، ثم جئنا لنطالبه بردها، لن يردها، وسيحتمي بالسلاح الذي أعطيناه له. مشيرا بذلك إلى أن منطق القوة المسلحة يفرض واقعا مختلفا عما تتصوره أنت. وما قاله العوا قاله شيخنا القرضاوي، حين قال ذات مرة لجمع من الإخوان: أنا لا أثق في عسكري يحكم، ولو كان من الإخوان المسلمين!

مخاوف العوا من تجربة الشرع، تأتي لما مضى من أسباب، ولأسباب أخرى من واقع التجربة السورية حاليا، منها: غياب المجتمع والمؤسسات، فجل الإجراءات التي قام بها الشرع لا وجود للمجتمع فيها، ولا للمؤسسات المدنية والسياسية، بل يريد صنعها على طريقته، وعلى عينه هو، وبشروطه، وما يجبر عليه بحكم الواقع، يفرغه من مضمونه، أو يضم له شخصيات يطرحها هو، ومن يتأمل نموذج مجلس الإفتاء الذي شكله، يجد ذلك بوضوح، فكثير من الذين عينهم، لا علاقة لهم بالفتوى، أو الإفتاء، بل هم إلى الوعظ أقرب.

الفردية ملمح واضح وبارز في سلوك الشرع، وهو سلوك يخيف أي صاحب فكر، أو تجربة فقهية سياسية كالعوا. والعامل الأخطر: هو البراجماتية الواضحة والفجة في سلوك الحكم السوري حتى الآن، فمن يتأمل مواقفه فيما يتعلق بالتطبيع، والعلاقة مع الغرب، وفي جل تصرفاتهم لا يبرز سوى المصلحة ولو على حساب مبادئ وقيم كانت الجماهير السورية والثورية تنال ممن يقترف بعضا منها ولو مضطرا.
فالفردية ملمح واضح وبارز في سلوك الشرع، وهو سلوك يخيف أي صاحب فكر، أو تجربة فقهية سياسية كالعوا. والعامل الأخطر: هو البراجماتية الواضحة والفجة في سلوك الحكم السوري حتى الآن، فمن يتأمل مواقفه فيما يتعلق بالتطبيع، والعلاقة مع الغرب، وفي جل تصرفاتهم لا يبرز سوى المصلحة ولو على حساب مبادئ وقيم كانت الجماهير السورية والثورية تنال ممن يقترف بعضا منها ولو مضطرا.

والعامل الأخير المخيف، له علاقة بالجملة الأخيرة، وهي الجماهير السورية، والتي لا يبرز منها سوى المتعصبين للشرع، والرافضين لأي توجه نقدي، والذين أصبحوا لا يقبلون أي جملة تنتقد سلوكا للشرع، تبرز فيه البراجماتية بشكل فج، وباتوا يقبلون ويرحبون بكل ما كانوا يرفضون بعضه من غيرهم، بل يكيلون الاتهامات لمن ينتقد، بأنه كاره لتجربتهم، وتعيير الناقدين، بمرارات الاستبداد التي يعانون منها في بلدانهم، بداعي أنهم فشلوا في إدارة ثورتهم وتجربتهم، ويريدون بذلك إفشال تجربتهم السورية!!

أستطيع أن أتفهم موقف كثيرين من الجماهير السورية، فما تعرضوا له ليس قليلا، وهم لا يملكون من أمرهم حيلة ولا يهتدون سبيلا، فماذا سيفعلون لو كانوا رافضين لسلوك يمارسه الشرع ورفاقه؟ لا شيء، والبديل لديهم ماذا؟ أيضا لا بدائل، وهو ما يجعلنا نعذر بعض العذر، لكن نلوم كل اللوم على التسليم المطلق بذلك، فعواقب ذلك لن تكون على المدى البعيد حميدة، ما لم يدرك المجتمع السوري أن قوته وقوة مؤسساته هي حماية للحكم، وضمانة للشرع في حكمه عن الانجراف نحو الاستبداد، ولو أن الشرع عمل على ذلك، لكان خيرا له، فهذا المجتمع والمؤسسات القوية، هي ظهير وسند كبير له، في كل التحديات التي تواجهه، سواء داخليا أو خارجيا.

[email protected]
التعليقات (0)