قضايا وآراء

لماذا يصمت شيخ الأزهر عن جرائم الإمارات؟!

عصام تليمة
 نحن نفرق بين الإمارات شعبا، والإمارات إمارة إمارة، فالمشكلة مع إمارة واحدة، وفي سلطتها، وليست في شعبها.. الأناضول
نحن نفرق بين الإمارات شعبا، والإمارات إمارة إمارة، فالمشكلة مع إمارة واحدة، وفي سلطتها، وليست في شعبها.. الأناضول
شارك الخبر
كتبت صفحة الأزهر الشريف تهنئة باسم شيخ الأزهر لدولة الإمارات العربية، بمناسبة اليوم الوطني لها، وذلك يوم الثاني من ديسمبر، وكانت صيغة التهنئة تحمل عبارات ما بين الدبلوماسية، والاستفزاز لمشاعر شعوب تمارس الإمارات جرائم في بلدانها، وتعين على القائمين على هذه الجرائم في هذه البلدان.

أما عن صيغة التهنئة فكانت ما يلي: (يتقدَّم فضيلة الإمام الأكبر أ. د. أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، بخالص التهنئة إلى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربيَّة المتحدة، وإلى إخوانه حكَّام وشيوخ دولة الإمارات والشعب الإماراتي الشقيق؛ بمناسبة اليوم الوطني الرابع والخمسين.

ويؤكِّد شيخ الأزهر أن هذا اليوم ـ عيد اتحاد الإمارات ـ يذكر بروح الوحدة والتضامن التي تأسَّست عليها دولة الإمارات الشَّقيقة على نهج حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله وطيب ثراه، كما يُشيدُ شيخ الأزهر بما حقَّقته دولة الإمارات من إنجازات ونهضة لشعبها، وما تبذله من جهود عالمية في ترسيخ قيم الأخوة الإنسانية والتسامح سائلًا المولى -عزَّ وجلَّ- أن يُديم على دولة الإمارات وسائر الأمة العربية والإسلامية، والإنسانية جمعاء، الأمن والأمان والتقدم والازدهار).

لو كانت التهنئة وقفت عند تهنئة الشعب الإماراتي، لما وجد الناس غضاضة في ذلك، ولو أنها وقفت عند الحديث عن الشيخ زايد وتأسيسه لهذا الاتحاد، والدعاء لهذه الإمارات جميعا بالخير والسلام، لما غضب الناس، لكن الجملة التي بها إشادة شيخ الازهر بما زعم البيان أنها حققت وبذلت جهودا عالمية في ترسيخ قيم الأخوة الإنسانية والتسامح!!

لا شك أن هذه الجملة موضع إدانة ورفض من الأزهر شيخا ومؤسسة، ولو لم تكن هذه الجملة في التهنئة لكانت لا غبار عليها، فهي تهنئة بيوم وطني، وتتكلم في المجال العام بالدعاء بالخير، وهو أمر لا يلام عليه الأزهر، لكن الجملة حملت مجاملة بدون داعي، وحملت تجميلا لقبائح تمارسها السلطة الإماراتية في العالم العربي والإسلامي.

مبررات مرفوضة للبيان

ربما برر البعض للبيان، أنه لم ينزل على صفحة شيخ الأزهر الشخصية، وأنها نزلت فقط على صفحة الأزهر، وقد يكون ذلك عن طريق التعامل الرسمي من مكتبه، أو من مكتب وكيل الأزهر، وأن بعد نشر البيان لا يمكن التدخل بالحذف، فعندئذ سينتبه من لم ينتبه، ويتسبب ذلك في حرج للشيخ والمشيخة، وهو مبرر لا يقبل في هذه الحالة، وربما قبل في غيرها كما حدث في سحب بيان الأزهر عن غزة.

إن شيخ الأزهر استنكر ما يرفضه من الإمارات، في سياقات أخرى، وإن لم يذكر اسم الإمارات، كما رأينا في موقفه من الديانة الإبراهيمية، وبياناته ضد العدوان على غزة، وضد المتعاونين مع الكيان ضدها، وبياناته ضد ما يمارس في السودان، وهنا يمكن أن نتفهم أن الأزهر في رسالة التهنئة لم يكن مطلوبا منه أن يهاجم الإمارات، لكن لم يكن مطلوبا منه هذا المستوى من المدح غير الحقيقي.
وربما برر آخرون، بأن بيان الأزهر أشار لقضية الجهود الإنسانية والسلام، نظرا لأنه منذ سنوات قليلة قام بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر بكتابة وثيقة الأخوة الإنسانية، سنة 2019م، وقد كانت تحت رعاية رئيس الإمارات، وكان طرفاها في التوقيع: بابا الفاتيكان الراحل، وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، لكنه أيضا مبرر بعيد، حيث إن النظرية والكلام عنها شيء، والفعل على أرض الواقع شيء آخر، فقد أسست الإمارات مجلس السلم، ولم يكن يوما داعية لسلم يتعلق بالشعوب المقهورة والمظلومة، بل رأينا الإمارات تتحرك بالسلم نحو المحتلين فقط، وترك الشعوب المحتلة تحت نير الاحتلال دعما وتأييدا لمحتليها.

المرفوض من بيان الأزهر

لكن في الحقيقة البيان فيه أكثر من مساحة تدان وترفض، ليست فقط الجملة التي تمتدح سلطة الإمارات بعكس ما فيها تماما، بل أيضا تقديم شيخ الأزهر بصفته رئيسا لمجلس حكماء المسلمين، وهو مؤسسة تحت رعاية الإمارات، وحديثة الإنشاء، ولا يليق بمقام الأزهر شيخا ومؤسسة، أن تكون جنبا إلى جنب مع منصبه المشيخي، والذي لا يدانيه منصب رسمي أو شعبي آخر.

كما أنه سيجعل كل ما يكتب بعد هذا اللقب محسوبا على الدولة التي يقام فيها المجلس وهي الإمارات، وهذا ذكرني بأحد رجال السلطة أيام مبارك حين أخرج رسالة كتبها الشيخ صلاح أبو إسماعيل للرئيس الراحل جمال عبد الناصر حين أراد أن يتم العفو عنه ليخرج من السجن، وقد كان مسجونا ضمن مسجوني الإخوان المسلمين، فبدأ السياسي بقراءة الرسالة: من المعتقل صلاح أبو إسماعيل إلى الرئيس جمال عبد الناصر. فكان رد أبو إسماعيل: إن كلمة معتقل تجب ما بعدها، فهي دلالة على أن ما يكتب بعدها لست في كامل اختياري، وهو نفس ما يقال عن رسالة وتهنئة شيخ الأزهر، إذ إن وضع منصبه التطوعي لرئاسة مجلس حكماء المسلمين، هو يمهد لأن ما هو قادم ليس محايدا فيه، بل هو أقرب للمجاملة سواء المقبولة أو المرفوضة.

بغض النظر عن الدور الذي يقوم به المجلس، والذي يقوم بدور وجهد مشهود في الجانب الفكري والعلمي، من نشر الكتب النفيسة في ثوب قشيب، وإخراج علمي لا يملك المنصف تجاهه إلا الشكر، رغم التقصير في سياقات أخرى، لا ينكرها أيضا أي منصف وعاقل، فليس من المقبول أن مؤسسة يرأسها الطيب ومعه عدد من كبار علماء الأمة، التي تنتظر منهم الأمة الكثير في قضاياها، يكون دوره عند الكتب فقط، ونشاطات أخرى، منزوعة الدسم من اتخاذ مواقف تجاه قضايا الأمة.

شيخ الأزهر لا يقر جرائم الأنظمة

هل معنى هذه الجملة التي نأخذها على شيخ الأزهر، أنه موافق على ما تقوم به الدولة الإماراتية وتحديدا إمارة أبي ظبي، من جرائم كمعاونة حميدتي في مجازر الفاشر وغيرها، والتطبيع الذي يقام بلا ضغوط، وبلا فوائد للمطبعين، سوى مناصبة العداء لحركات المقاومة والنضال، وكل حركات تحرر الشعوب من كل استبداد، حتى بتنا لا نرى مصيبة تصيب المسلمين في بلد إلا ونرى الإمارات في طرف المعتدي، إما مباشرة أو تأييدا، أو دعما، أو تحريضا.

وبالطبع نحن نفرق بين الإمارات شعبا، والإمارات إمارة إمارة، فالمشكلة مع إمارة واحدة، وفي سلطتها، وليست في شعبها، فالناس تكن للشعب الإمارتي حبا لما رأوه منهم من يد ممدودة بالخير والعمل الخيري في كثير من بلدان العالم العربي والإسلامي، وكان بوسع بيان الأزهر أن يمتدح ما يشاء في الإمارات شعبا، ويكتفي بالتهنئة العامة لرئاستها، وكان يمكنه أن يمتدح مؤسسها الشيخ زايد رحمه الله، لكن الحديث عن رئيسها الحالي بما ليس فيه، بل بعكس ما تقوم به السلطة، فهو أمر استفز الناس، واستفز مشاعرها، وبخاصة من نكبوا بجرائم الإمارات من أهل السودان ومصر وليبيا وفلسطين، وغيرها، بل لم تسلم منهم أوروبا، والعمل الإسلامي بها.

ليس مطلوبا من العالم في كل مناسبة أن يذكر الظلمة بظلمهم، أو أن يذكر مرتكبي المنكر بمنكراتها، وفي ذلك يقوم الإمام العز ابن عبد السلام في كتابه: القواعد الكبرى: (فإن علم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن أمره ونهيه لا يجديان ولا يفيدان شيئا، أو غلب على ظنه، سقط الوجوب لأنه وسيلة ويبقى الاستحباب، ‌والوسائل ‌تسقط ‌بسقوط ‌المقاصد، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يدخل إلى المسجد الحرام وفيه الأنصاب والأوثان ولم يكن ينكر ذلك كلما رآه.
لكن للأمانة العلمية، فإن شيخ الأزهر استنكر ما يرفضه من الإمارات، في سياقات أخرى، وإن لم يذكر اسم الإمارات، كما رأينا في موقفه من الديانة الإبراهيمية، وبياناته ضد العدوان على غزة، وضد المتعاونين مع الكيان ضدها، وبياناته ضد ما يمارس في السودان، وهنا يمكن أن نتفهم أن الأزهر في رسالة التهنئة لم يكن مطلوبا منه أن يهاجم الإمارات، لكن لم يكن مطلوبا منه هذا المستوى من المدح غير الحقيقي.

فليس مطلوبا من العالم في كل مناسبة أن يذكر الظلمة بظلمهم، أو أن يذكر مرتكبي المنكر بمنكراتها، وفي ذلك يقوم الإمام العز ابن عبد السلام في كتابه: القواعد الكبرى: (فإن علم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن أمره ونهيه لا يجديان ولا يفيدان شيئا، أو غلب على ظنه، سقط الوجوب لأنه وسيلة ويبقى الاستحباب، ‌والوسائل ‌تسقط ‌بسقوط ‌المقاصد، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يدخل إلى المسجد الحرام وفيه الأنصاب والأوثان ولم يكن ينكر ذلك كلما رآه.

وكذلك لم يكن كلما رأى المشركين ينكر عليهم، وكذلك كان السلف لا ينكرون على الفسقة والظلمة فسوقهم وظلمهم وفجورهم، كلما رأوهم، مع علمهم أنه لا يجدي إنكارهم. وقد يكون من الفسقة من إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فيزداد فسوقا إلى فسوقه، وفجورا إلى فجوره).

عتاب الناس لشيخ الأزهر يأتي من قدره وقيمته لديهم، وهو عتاب ولوم مستحق، قد يلتمس له أعذار في سياقات تفرضها طبيعة المنصب والمقام، لكنه مقامه لدى الأمة أكبر، ولذا يكون عتابها ولومها وضيقها بقدر هذا القيمة والمكانة، لكنه لا يمكن أن يفهم بحال من الأحوال بأنه تأييد للظلمة من شيخ الأزهر، أو شرعنة لما يقومون به، فلا يمكن لعالم يخشى الله تعالى، أن يبرر ظلما، أو يشرعنه، أو يقبل به، لكنه ينكر وفق ما يتاح له، وهذه مساحات تختلف من شخص لآخر، ومن مؤسسة لأخرى.

[email protected]
التعليقات (0)

خبر عاجل