تابع العالم كله أحداث ضرب إسرائيل لدولة قطر، مستهدفة - كما أعلنت -قيادات المقاومة الإسلامية حماس، والتي كانت مجتمعة للتشاور حول مقترح ترامب الأخير، حول وقف الحرب، وخطة ورؤية تسليم الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، وبعيدا عن التحليلات التي تعلقت بالضربة، وأسبابها، ومآلاتها، على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، فإن العالم فوجئ أكثر بتصريح لترامب يعلن فيه: أن هذه الضربة من الكيان، لن تتكرر مرة أخرى، ولن يتم توجيه أي ضربة ثانية لقطر من الكيان.
ربما كان مفاجئا ما قام به الكيان بتوجيه طيرانه الحربي لضرب مقر قيادة لحركة حماس، معروف المكان، ومعروف وجود الحركة منذ سنوات، وفق تنسيق دولي، ومباركة ورعاية أمريكية لذلك، ولم يكن ذلك خافيا على الجميع، لكن لم يكن متوقعا أن تقدم إسرائيل على هذه الخطوة، وتوجيه ضربة لدولة وسيطة، وليست دولة معاونة للمقاومة بالدعم اللوجيستي كما هو تصنيف الكيان وغيره لدولة مثل إيران.
تنطلق سفن غربية لكسر الحصار المضروب على غزة، يتقدم هذه السفن على متنها رموز مهمة من العالم الغربي، من فنانين، وسياسيين، وناشطين مدنيين، ورؤساء بلديات كبرى في أوروبا، كلهم خرجوا لهدف واحد: كسر الحصار على غزة، وإنهاء هذه المعاناة التي لامست قلب كل مخلص للقيم والمبادئ الإنسانية، مشهد يمثل قمة التحدي في فعل سلمي مدني ضد أضخم آلة حرب عسكرية يشهدها القرن العشرين والحادي والعشرين، في ظل دعم أمريكي غير مسبوق، وغير منته، هذه السفن التي تمخر عباب البحر، لتكسر كل حاجز وضع أمام أهل غزة، لينهي حياتهم في صمت مطبق من العالم، جعل الناس تتساءل: لماذا حضر الغرب، وغاب العرب عن مثل هذا المشهد؟!
على مدار أسبوع مضى، لم يكن للمصريين المهتمين بالشأن العام، من حديث على السوشيال ميديا، ووسائل التواصل الاجتماعي، إلا عن موضوع علاقة المملكة العربية السعودية بالإخوان المسلمين، والمعارضة المصرية، فمن شائعة لقاء بين الإخوان ومسؤولين سعوديين في القنصلية السعودية في اسطنبول، لتصريحات منشورة في جريدة الشرق الأوسط السعودية، على لسان قيادي إخواني هو الدكتور محمد عماد، والمعارض المعروف الدكتور أيمن نور، تتحدث التصريحات المنسوبة إليهما، عن العلاقة بالسلطة المصرية، والاستعداد للمصالحة معها.
عندما خرج عدد من الإخوان الأزهريين من السجون سنة 1956م، وكانوا عشرة أشخاص، كان منهم الشيخ يوسف القرضاوي، توسط لهم ليعينوا في وزارة الأوقاف التي يتولاها، على ضمانته الشخصية، ومن يقرأ كتب وتصريحات الباقوري لن يجد فيها ما يتعلق بتنظيم الإخوان، لا خيرا ولا شرا، لأنه كان مشغولا ببناء وزارة الأوقاف، بعد عهد ملكي انقضى، وفي ظل عهد جديد، كان أحد أعمدته الباقوري.
ماذا لو قام الإخوان بحل تنظيمهم في مصر مثلا؟ هل هذا القرار سيكون موضع رضا من السيسي ونظامه؟ وهل سيصدق هذه الخطوة؟ وهل ستتقبل أذرعه الإعلامية أيضا، أم ستظل موضع تشكيك؟ ولو كانت الخطوة جادة، هل سيرحب بها السيسي عن قناعة شخصية؟
حال المعتقلين السياسيين في مصر، حال صعب، لا يخفى على كل حقوقي منصف، ولا راصد ومتتبع للمعاملة الجائرة من نظام، لا هدف له سوى الانتقام والتشفي، والحرمان من كل حق مشروع، لا يصل السجين السياسي في مصر، إلى معشار حقوق السجين الجنائي، عتي الإجرام، فالسيسي ونظامه لا يتعامل معهم كأفراد زج بهم في السجن، فتطبق عليهم لوائح السجون، أو حتى أقل الحقوق.
الحديث عن غزة، وما يجري لأهلها، من قتل بالتجويع، حديث مؤلم، يدمي القلب، ويوجع النفس، ويصيبها بانكسار وضيق، وإذا كان خذلان المقاومة في غزة، لا مبرر له سياسيا، ولا عروبيا، فإن خذلان أهل غزة وتركهم للإبادة على مرأى ومسمع من العالم كله، فهو الأكثر ألما ومرارة، حيث تحرك العالم الغربي، في شتى بقاع الأرض، متظاهرين ورافضين لما يجري على أرض غزة، بينما عالمنا العربي صامت، ليس عن اختيارا، بل إجبارا من أنظمة باتت شريكة رسميا فيما يجري لغزة.
أصدر الأزهر أول أمس بيانا قويا ومعبرا عن غزة، والحال التي وصلت إليه من الجوع والإبادة بالتجويع، بعد أن شاهد الناس مشاهد يندى لها الجبين، من رؤية أطفال يموتون جوعا، وأشخاصا من أهل غزة جلد على عظم، لا تكاد ترى لهم جسدا يكسوه أي مسحة من اللحم.
منذ بضع أيام صدرت رسالة مفتوحة عن الإخوان المسلمين، بتوقيع الدكتور صلاح عبد الحق، موجهة لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، تخاطبه بما لموقعه ومكانته من أهمية لدى المسلمين عامة، والتاريخ والواقع المصري خاصة، بأن يتدخل لرفع الظلم عن المعتقلين السياسيين، حيث معاناة صعبة، وحرمان من الزيارات، ومن أبسط الحقوق، في ظل قيامهم بإضراب عن الطعام، ومحاولة البعض الانتحار، جراء كم الظلم الواقع عليهم، والتنكيل بهم.
منذ ما يقرب من عشرين عاما، كتبت دراسة بعنوان: الخارجون عن الإخوان.. كيف ومتى ولماذا؟ ونوهت في أول الدراسة أني لن أناقش من خرجوا بفضائح، أو خرجوا بمشكلات تتعلق بهم أو بأشخاص في التنظيم، بل اكتفيت بشريحة محددة، وهم الذين خرجوا من التنظيم لخلاف إداري، أو فكري، ثم ذهبوا لمشاريع أخرى، كان التنظيم وسيلتهم السابقة لخدمة الإسلام، فاختاروا وسيلة أخرى، سواء كان اختيار الوسيلة الأخرى عن خلاف، أو عن قناعة فكرية.
أداء الإعلام السيساوي يشعرك بأن حدثا جللا سيحدث غدا، وهو ما يهدد عرش السيسي، وكأن الإخوان عائدون للحكم غدا، هياج غير طبيعي من الإعلام تجاه جماعة يزعم هذا الإعلام منذ سنوات، أن السيسي قد قضى عليهم قضاء مبرما، ولا أمل في عودتهم.
لو أن شخصا لا يعيش الأحداث التي عاشتها مصر والعالم العربي، ويدرك حقيقة وواقع جماعة الإخوان الحالي، من ضعف وانقسامات، ثم ترجمت له المواد الإعلامية للغته، لظن أن الإخوان حزب سياسي ينافس على السلطة، وأن وصوله إليها ليس وشيكا، بل بات محققا ومؤكدا، وأن الإخوان لا هم لها الآن سوى إعداد قوائم بمن يتولون المواقع والمناصب الرفيعة في مصر.
باسمي وباسم جماعة الإخوان المسلمين أود التأكيد على دعمنا الكامل للجمهورية الإسلامية في إيران في مواجهة العدوان الإسرائيلي الغاشم، كما أتقدم بخالص العزاء في كافة الشهداء من القادة والعلماء والمواطنين الإيرانيين الأبرياء.
نقصد بالباحث هنا من يتناول الإخوان أو الحركات الإسلامية من دوافع بحثية، تحكمه فيها قواعد البحث العلمي، من افتراضات وإشكالات، ومعلومات، يبذل جهدا في جمعها، سواء من خلال أدبيات الحركة، أو من خلال رصد لمسيرتها وأدائها الفعلي، محللا ما يقع تحت يده من أدبيات، ووثائق، يسعى للبحث عنها، وربما يكلفه ذلك الجهد والوقت والمال، لكنه لا يألو جهدا في السعي وراء بحثه، وهذه الفئة برز فيها شخصيات عربية وغربية.
من القضايا التي يطرحها خصوم الإخوان فكرة وتنظيما: أنه لم ينج تنظيمهم من السجون، في كل العصور التي مرت على مصر، منذ الملكية في عهد فاروق، وحتى الحكم العسكري، بداية بعبد الناصر، وانتهاء بالسيسي، وأن ذلك يعد دليلا على فساد الفكرة، أو عدم صوابية المنهج، إذ لا بد من تفكير لا يجعلهم زوارا أو مقيمين في السجون لفترات طويلة.