قضايا وآراء

جيل "زد" في المغرب بين الغضب الاجتماعي والدروس العالمية

سمير الخالدي
المغرب اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يحوّل هذا الغضب إلى فرصة لإصلاحات جذرية، أو أن يتعامل معه كحالة أمنية عابرة سرعان ما تنطفئ.
المغرب اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يحوّل هذا الغضب إلى فرصة لإصلاحات جذرية، أو أن يتعامل معه كحالة أمنية عابرة سرعان ما تنطفئ.
لم يعد من الممكن الحديث عن الشباب المغربي بمعزل عن السياق العالمي الذي يعيشه جيل "زد"، جيل وُلد بين منتصف التسعينات وبداية الألفية، وتشكل وعيه في زمن الإنترنيت المفتوح، وتفاعل يومي مع العالم عبر المنصات الرقمية. هذا الجيل، في المغرب كما في دول أخرى، يعيش اليوم لحظة فارقة بين طموح كبير وخيبة أمل قاسية، دفعت آلافًا منهم إلى الشوارع مطالبين بحقوق أساسية في الصحة والتعليم والكرامة.

تعود جذور التحرك المغربي إلى تراكمات اجتماعية واقتصادية لم تعد تُحتمل. فقد أظهرت الأرقام أن بطالة الشباب بلغت نحو 35.8%، وهو رقم صادم في بلد يقدّم نفسه كنموذج للاستقرار الاقتصادي والسياسي. حادث وفاة ثماني نساء أثناء الولادة في مستشفى بأغادير كان بمثابة الشرارة التي فجرت الغضب، إذ اعتُبر دليلًا على انهيار المنظومة الصحية وتقصير الدولة في أبسط واجباتها تجاه مواطنيها.

وفي المقابل، لم يتردد المحتجون في رفع شعارات ساخرة وغاضبة ضد إنفاق الدولة مبالغ ضخمة على تجهيزات رياضية وملاعب استعدادًا لكأس العالم 2030، بينما بقيت المستشفيات والمدارس في وضع متردٍ، لخصوه في شعار "مستشفيات لا ملاعب".

لكن الغضب لم يتوقف عند حدود الصحة والتعليم، بل امتد ليشمل قضايا أعمق، مثل انعدام الثقة في توزيع الإنفاق العام، وغياب الشفافية في إدارة المال العمومي، فضلًا عن الفساد الإداري الذي يرى الشباب أنه ينهش فرصهم ويعمّق الفوارق الاجتماعية. هذا الشعور باللاعدالة ليس مقتصرًا على المغرب وحده، بل نجده حاضرًا أيضًا في تجارب أخرى مثل نيبال، حيث أدت فضائح المحسوبية والعرض الاستفزازي لثراء أبناء السياسيين إلى إشعال موجة احتجاجية شبابية مشابهة. في المغرب ونيبال معًا، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في التعبئة، حيث تحولت منصات مثل تيك توك وإنستغرام وDiscord إلى ساحات للنقاش، للتنسيق، ولإطلاق شعارات لاقت صدى واسعًا.

هذا الشعور باللاعدالة ليس مقتصرًا على المغرب وحده، بل نجده حاضرًا أيضًا في تجارب أخرى مثل نيبال، حيث أدت فضائح المحسوبية والعرض الاستفزازي لثراء أبناء السياسيين إلى إشعال موجة احتجاجية شبابية مشابهة. في المغرب ونيبال معًا، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دورًا محوريًا في التعبئة، حيث تحولت منصات مثل تيك توك وإنستغرام وDiscord إلى ساحات للنقاش، للتنسيق، ولإطلاق شعارات لاقت صدى واسعًا.
اللافت أن الحركات في المغرب كما في نيبال تشترك في غياب القيادة المركزية، فهي شبكات شبابية أفقية، لا تابعة للأحزاب ولا للنقابات، وهو ما جعلها أكثر صعوبة في الاحتواء أو التوجيه. في نيبال، وصلت قوة هذه التعبئة إلى إطاحة رئيس الوزراء KP Sharma Oli واستقالته تحت ضغط الشارع، بينما في المغرب لم تصل الحركة بعد إلى نقطة مماثلة، وإن كانت قد دفعت الحكومة إلى الاعتراف بالمطالب والتأكيد على “الاستعداد للحوار”. غير أن هذا الحوار ما يزال مشوبًا بغياب خطوات عملية واضحة، فيما واصلت قوات الأمن التعامل بالقوة واعتقال العشرات، وهو ما قد يعمّق أزمة الثقة ويحوّل الغضب إلى تصعيد أكبر.

إن المقارنة بين المغرب ونيبال تكشف عن أن تحركات “جيل زد” ليست مجرد احتجاجات عابرة، بل هي مؤشر على تحوّل في الوعي السياسي والاجتماعي لشباب يشعر بأن مستقبله مسروق. فحين يرى هؤلاء استثمارات بمليارات الدولارات تُضَخ في الملاعب والبنى التحتية الكبرى بينما لا يجدون سريرًا في مستشفى أو وظيفة تحفظ كرامتهم، فإن الاحتجاج يصبح خيارًا شبه وحيد. وفي نيبال، برهنت الاستجابة السريعة ـ رغم ما رافقها من دماء ـ أن السلطة قد تُجبر على التراجع وتقديم تنازلات إذا ما واجهت ضغطًا شعبيًا واسعًا ومتواصلًا.

المغرب اليوم أمام مفترق طرق: إما أن يحوّل هذا الغضب إلى فرصة لإصلاحات جذرية، أو أن يتعامل معه كحالة أمنية عابرة سرعان ما تنطفئ. التجربة النيبالية أثبتت أن محاولات القمع أو التسكين السريع لا تؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان، وأن الحل يكمن في مواجهة المطالب بشجاعة: تحسين الصحة والتعليم عبر استثمارات ملموسة، خلق فرص عمل للشباب، محاربة الفساد بآليات واضحة وشفافة، وضمان حق المواطنين في التعبير السلمي دون خوف.

جيل "زد" في المغرب ليس جيلًا عدميًا كما قد يُصوَّر أحيانًا، بل هو جيل يحب بلده ويعبر عن ذلك بصوت مرتفع، يرفض أن يعيش على الهامش، ويطالب بدولة اجتماعية تحترم إنسانيته. ما يحتاجه هذا الجيل ليس وعودًا غامضة ولا خطابات مهدئة، بل خارطة طريق عملية تضع المواطن في قلب السياسات العمومية. وإذا استوعبت الدولة الدرس سريعًا، فقد تتحول هذه الأزمة إلى فرصة تاريخية لإعادة بناء عقد اجتماعي جديد أكثر عدلًا وإنصافًا. أما إذا غلب منطق الإنكار والتأجيل، فإن خيبة الأمل ستتعمق، ومعها يتسع الفاصل بين الشباب والدولة، وهو ما لا يحتمله أي مجتمع في زمن سريع التحولات.
التعليقات (0)