أن تضع
إسرائيل اغتيال قادة حركة حماس هدفا
رئيسيا لها، فهذا أمر قد يبدو مفهوما لكيان لا يريد تكرار تجربة "طوفان
الأقصى" مرة أخرى مهما كلف الأمر، ولذلك أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو
علنا في مؤتمر صحفي قبل نحو عامين أنه كلف جهاز الموساد باستهداف قادة حماس أينما
كانوا.
جرت عمليات اغتيال لقادة الحركة في غزة ثم
لبنان، إلى أن تطور الأمر باغتيال إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية طهران في
يوليو العام الماضي، وهو أمر يبقى أيضا مفهوما على اعتبار أن إيران دولة معادية
لإسرائيل وداعم رئيس لحركة حماس.
لكن الأمر يختلف تماما في حالة
قطر لأسباب
عدة، أهمها:
أولا ـ صحيح أن قطر تدعم حركة حماس منذ
عقود، لكن دعمها يقتصر على الجانبين السياسي والإنساني، إذا طلبت إسرائيل بموافقة
أميركية أن تقدم قطر الدعم المادي ـ الإنساني لقطاع غزة خلال السنوات التي سبقت
أحداث 7 أكتوبر عام 2023، ولذلك اقتصر الدور القطري على بناء وحدات سكنية ومدارس
وطرقات ودعم البنية التحتية لقطاعات الكهرباء والمياه والصحة في قطاع غزة، فضلا عن
الرواتب.
قطر إلى جانب مصر هما الوسيطان الرئيسيان الإقليميان بين إسرائيل وحركة حماس، وهي بخلاف مصر الجانب الموثوق من قبل حركة حماس التي تتعامل مع مصر بحكم الضرورة الجغرافية ليس إلا، وفضلا عن ذلك جاءت الوساطة القطرية بطلب أميركي مباشر، وعليه أصبحت الدوحة مقر المفاوضات، بما في ذلك حضور وفود إسرائيلية إليها للتفاوض.
وكان كل ذلك يتم بالتواصل مع إسرائيل من أجل
الإبقاء على استمرار الدعم الإنساني القطري لسكان القطاع المحاصر.
ثانيا ـ قدمت قطر نفسها أمام المجتمع الدولي
كدولة وسيطة في حل النزاعات الدولية، لا سيما الشائكة منها، وخلال أقل من عقدين
نجحت نجاحا باهرا في تحقيق إنجازات هامة، ووضعتها في مصاف الدول الأولى ممن تمتلك
خبرة الوساطة: 2007 الإفراج عن الممرضات البلغاريات في ليبيا، 2008 اتفاق الدوحة
الخاص بلبنان، 2011 وثيقة سلام دارفور والمصالحة بين جيبوتي وإريتريا، 2014
الإفراج عن الراهبات المحتجزات في سورية وتبادل الأسرى بين طالبان والولايات
المتحدة، 2015 اتفاق التبو والطوارق في ليبيا ومفاوضات الحكومة الأفغانية وحركة
طالبان، 2021 مفاوضات كينيا والصومال، مفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني.. إلخ.
وهذا يعني وفقا لما تقدم أن دولة قطر هي
دولة محايدة إزاء القضايا الإقليمية والدولية العالقة، وليس طرفا في الصراع.
ثالثا ـ قطر إلى جانب مصر هما الوسيطان
الرئيسيان الإقليميان بين إسرائيل وحركة حماس، وهي بخلاف مصر الجانب الموثوق من
قبل حركة حماس التي تتعامل مع مصر بحكم الضرورة الجغرافية ليس إلا، وفضلا عن ذلك
جاءت الوساطة القطرية بطلب أميركي مباشر، وعليه أصبحت الدوحة مقر المفاوضات، بما
في ذلك حضور وفود إسرائيلية إليها للتفاوض.
لقد ضربت إسرائيل هذه المعطيات الرئيسية
بشكل صارخ، وقدمت نفسها دولة مارقة خارج القانون الدولي والأخلاقيات السياسية،
فهذه سابقة من نوعها أن يقوم أحد طرفي المفاوضات بشن هجوم على الدولة الوسيطة.
لكن التدقيق في الأمر بروية يكشف لنا أمورا
يجب التوقف عندها:
إن طريقة إعلان إسرائيل مسؤوليتها عن الهجوم
تحمل دلالات واضحة، فبخلاف أسلوبها المعتاد في الاغتيالات ـ حيث تتأخر في الإعلان
عن مسؤوليتها، وفي أحيان أخرى لا تعلن المسؤولية ـ أعلنت إسرائيل عقب الهجوم
مباشرة مسؤوليتها عنه، إذ أعلن الجيش الإسرائيلي في بيان مشترك مع
"الشاباك" أن سلاح الجو هاجم قبل قليل بشكل موجه ودقيق قيادة حركة حماس
في العاصمة القطرية الدوحة.
لا يتعلق الأمر هنا بحسابات عسكرية، أي عدم
الخوف من رد عسكري قطري هو السبب في إعلان المسؤولية فورا، ففي لبنان على سبيل
المثال لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن اغتيال صالح العاروري مباشرة، بل تأخرت في
ذلك، وكذلك الأمر فيما يتعلق باغتيال هنية في طهران، فالأمر ليس مرتبطا باعتبارات
عسكرية، وإنما باعتبارات أمنية من أجل ضمان خروج العناصر الإسرائيلية بشكل آمن من
إيران.
في الحالة القطرية يتعلق الأمر بالجانب
السياسي، أي أن نتنياهو أراد إيصال رسالة سياسية لقطر بشكل مباشر وللعالم العربي
الإسلامي بشكل غير مباشر.
الهجوم على قطر قد يكون مقدمة لهجمات أخرى على دول خليجية أخرى، إذا لم يجر تكاتف وتعاضد عربي ـ عربي وإسلامي لتحويل الهجوم الإسرائيلي إلى أزمة دولية
الرسالة الأولى مفادها أن إسرائيل غير راضية
عن الوساطة القطرية القائمة على مبدأ الوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين ويؤدي إلى
إنهاء حالة الحرب في غزة، وهو ما نجحت فيه الدوحة جزئيا عندما ساهمت بفعالية في
التوصل إلى هدنتين نهاية عام 2023، ومطلع العام الجاري.
وليس الهجوم الإسرائيلي على الدوحة إلا فعلا
مقصودا لضرب وإفشال الوساطة القطرية، وهو يأتي بعد أشهر من امتعاض إسرائيل من
الدور القطري المحايد، والحياد وفق القاموس السياسي القطري هو منع إسرائيل
الاستفراد بحماس على طاولة المفاوضات في الوقت الذي تدفع قطر حركة حماس إلى تقديم
بعض التنازلات، هذا هو الدور الحقيقي للوسيط النزيه والمحايد.
لكن هذا الدور أصبح يشكل عبئا على نتنياهو
المستعجل إلى إنهاء الحرب وإعادة الأسرى وجثث القتلى، ولذلك أخذت وسائل الإعلام
العبرية من أكثر من عام تشن هجمات على قطر بغرض تشويه دورها، لأن إسرائيل تريد
وسيطا يدافع عنها فقط.
الرسالة الثانية للعالم العربي ـ الإسلامي،
ومفادها أن إسرائيل قادرة على ضرب أية دولة عربية أو إسلامية إذا ما تبين لها أنها
تدعم المقاومة الفلسطينية، وأن إسرائيل تعمل على تغيير ما يمكن تسميته معامل
الارتباط بين الدول العربية والإسلامية تجاه فلسطين.
على أن أهم النتائج الناجمة عن الهجوم
الإسرائيلي على قطر هو الكشف عن هشاشة الأمن القومي العربي بشكل عام وأمن الخليج
بشكل خاص، فالهجوم على قطر قد يكون مقدمة لهجمات أخرى على دول خليجية أخرى، إذا لم
يجر تكاتف وتعاضد عربي ـ عربي وإسلامي لتحويل الهجوم الإسرائيلي إلى أزمة دولية،
وهنا على السعودية الآن بما تمتلكه من مقدرات كبيرة أن تكون رأس حربة هذا الخيار
في ظل انفراط عقد العراق وسورية، وانزياح مصري.