قضايا وآراء

من باكو إلى السويداء

حسين عبد العزيز
 التوافق على آلية لتسليم السلاح الثقيل بالتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية لإنهاء مظاهر السلاح خارج إطار الدولة بالتنسيق مع الفعاليات ومراعاة خصوصية السويداء. (الأناضول)
التوافق على آلية لتسليم السلاح الثقيل بالتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية لإنهاء مظاهر السلاح خارج إطار الدولة بالتنسيق مع الفعاليات ومراعاة خصوصية السويداء. (الأناضول)
قبيل أحداث السويداء شهدت سورية هدوءا عسكريا إسرائيليا مقارنة بالأشهر السابقة، حيث انخفضت الضربات الإسرائيلية على سورية بشكل ملحوظ نتيجة ضغط أميركي.

في هذه الأثناء تكثفت التسريبات والتصريحات الإسرائيلية والأمريكية عن مفاوضات تجري بين الجانبين السوري والإسرائيلي بشأن انضمام سورية للاتفاقات "الإبراهيمية" مقابل إيجاد حل لقضية الجولان المحتل، والأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل في جنوبي سورية بعيد سقوط نظام الأسد.

اجتماعات باكو

كان اجتماع العاصمة الأذربيجانية باكو تتويجا لمفاوضات غير مباشرة بين سورية وإسرائيل تحت عباءة أمريكية ـ خليجية ـ تركية ـ أذرية، وفي هذا الاجتماع قيل إنه جرى لقاء مباشر جمع الرئيس أحمد الشرع، وزير الخارجية أسعد الشيباني، منسق الحكومة السورية للاجتماعات الأمنية مع إسرائيل أحمد الدالاتي، مع ممثل عن بنيامين نتنياهو.

وبغض النظر من صحة هذا اللقاء أم لا، فإن اجتماع باكو كان في غاية الأهمية لأنه شكل نقطة خلاف بين سورية وإسرائيل حيال مصير الجولان.

أدرك الشرع سريعا الفخ الذي نُصب له، فعمد إلى إعادة تثبيت الاتفاق مع أهالي السويداء (الدروز) وإن كان الثمن سحب القوات العسكرية من محافظة السويداء، شرط موافقة الأطراف الدرزية الاندماج الكامل للسويداء في الدولة السورية.
المعلومات المُعلن عنها في الصحافة العربية والعبرية الدولية تقول إن اجتماع باكو فشل بسبب رفض الشرع التنازل عن فكرة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان، وأن يكون التطبيع خفيفا، يقتصر على الانسحاب الإسرائيلي من المناطق التي احتلتها بعد سقوط نظام بشار الأسد.

في المقابل، أصرت إسرائيل على بقاء قواتها في قمم جبال الشيخ، وكذلك في تسعة مواقع سيطرت شرق الجولان، مع بقاء السيطرة الإسرائيلية على الجولان، بغض النظر عن الصيغة الشرعية لهذا البقاء، هل هو استئجار الجولان لمدة طويلة؟ أم تقسيم السيطرة على الجولان بين سورية وإسرائيل؟ أو غير ذلك؟

وإذا كانت إسرائيل ترفض الانسحاب من المواقع التسعة في عمق الأراضي السورية، فكيف الحال بالجولان؟

تقوم المقاربة الأمنية الإسرائيلية بعيد أحداث 7 أكتوبر عام 2023، على إنشاء منطقة آمنة في عمق أراض العدو، كما يحدث الآن في غزة ولبنان وسورية، مستفيدة من انهيار قدرات المقاومة في هذه المناطق الثلاثة.

في ضوء هذا التناقض بين الموقفين، لا يُعقل أن يكون قد جرى التوافق في باكو بين الجانبين على دخول قوات الحكومة السورية إلى محافظة السويداء، فهذه نتيجة تتعارض مع المقدمات سالفة الذكر.

ولعل تصريح وزير الخارجية الأمريكي بأن ثمة سوء تفاهم جرى، يشير إلى أنه نصب فخ للشرع لدخول المحافظة، وهو فخ سُرعان ما تكشف مع الهجمات العسكرية التي شنتها إسرائيل على دمشق ومناطق أخرى من سورية تزامنا مع رفض شيخ عقل الدروز حكمت الهجري الاتفاق الذي جرى بين الحكومة وشخصيات درزية.

رد الفعل السوري

أدرك الشرع سريعا الفخ الذي نُصب له، فعمد إلى إعادة تثبيت الاتفاق مع أهالي السويداء (الدروز) وإن كان الثمن سحب القوات العسكرية من محافظة السويداء، شرط موافقة الأطراف الدرزية الاندماج الكامل للسويداء في الدولة السورية.

وهو اتفاق لا يختلف عن سابقه قبل أيام، ولا عن اتفاق مايو السابق، فكل هذه الاتفاقات ركزت على:

ـ نشر حواجز أمنية من منتسبي الشرطة من أبناء السويداء في جميع مناطق المحافظة.

ـ الاستعانة بضباط من أبناء السويداء لتولي مهام أمنية في المحافظة.

ـ التوافق على آلية لتسليم السلاح الثقيل بالتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية لإنهاء مظاهر السلاح خارج إطار الدولة بالتنسيق مع الفعاليات ومراعاة خصوصية السويداء.

ـ الاندماج الكامل للسويداء في الدولة السورية.

ـ إعادة تفعيل جميع مؤسسات الدولة في السويداء.

يبدو أن الشرع كان مدركا أن حكمت الهجري لن يعترف بهذا الاتفاق، وهو ما جرى فعلا، إذ بعيد انسحاب القوات الحكومية من المحافظة، سرعان ما دعا الهجري إلى تجديد القتال.

إذا ما تدخلت إسرائيل عسكريا، فإنها ستظهر أمام العالم وهي تقتل أشخاصا من العشائر، وإذا ما تجاهلت الهجوم العشائري، فإن الأمر قد ينتهي بخسارة حليفها الهجري.
أمام هذا الوضع، وفي ظل الدعم الإسرائيلي للهجري، أبعد الشرع قوات الحكومة عن المشهد، فاسحا المجال لقوات العشائر العربية من كل أنحاء سورية للتقدم نحو محافظة السويداء.

بلغة الصراع السياسي، تُعتبر هذه الخطوة ذكية، لأنها تُربك إسرائيل، وتجرها إلى فخ، فإذا ما تدخلت إسرائيل عسكريا، فإنها ستظهر أمام العالم وهي تقتل أشخاصا من العشائر، وإذا ما تجاهلت الهجوم العشائري، فإن الأمر قد ينتهي بخسارة حليفها الهجري.

غير أن هذا الخيار العشائري الذي لجأ إليه الشرع مواربة، يعكس الأزمة البنيوية التي تعيشها سورية اليوم، أكثريات وأقليات، فلا أحد منهم بريء من التفكير والسلوك الطائفي، وإن كانت سلطة الشرع تتحمل المسؤولية الأكبر، لأنها تقدم نفسها على أنها الدولة، والدولة يجب أن تتمتع بنفس طويل في إدارة الأزمات، وأن تمثل الخير العام، باعتبارها المطلق الذي يتحقق عبر التاريخ، إذا ما استعرنا تعبيرات هيغل.

في مشهد السويداء، ثمة ثلاثة تطورات في غاية الأهمية، وجميعها تتحمل "الدولة" السورية مسؤوليتها بالدرجة الأولى، لأنها تُقدم نفسها على أنها دولة.

أولا، دخول القوات الحكومية إلى السويداء دون توافق مع الدروز، وهو ما سمح لإسرائيل بالتدخل.

ثانيا، ارتكاب القوات الحكومية مع قوات الهجري تجاوزات مشينة: عمليات قتل لمدنيين، إهانات بحق شخصيات روحية ومقاتلين، تذكرنا بما كانت تفعله قوات الأمن السورية وشبيحتها في ظل نظام الأسد بحق الثوار والمعارضين.

ثالثا، إرسال قوات للعشائر العربية إلى السويداء، أو على الأقل التغاضي عنهم وعدم منعهم من التحرك، وهم المثقلون بالانتقام وبحوامل طائفية، مع ما يعني ذلك من احتمال تكرار الانتهاكات من كلا الجانبين، التي ستحمل في الذاكرة على أنه صراع سني ـ درزي.
التعليقات (0)