قضايا وآراء

تناقضات في المشهد السوري

حسين عبد العزيز
سبب هذا التضاد الحاد في المواقف يعود لأسباب عديدة، منها غياب الثقافة السياسة القائمة على المشترك العام وعلى لغة الحوار، وغياب الانتماء للدولة ككيان جامع.. الأناضول
سبب هذا التضاد الحاد في المواقف يعود لأسباب عديدة، منها غياب الثقافة السياسة القائمة على المشترك العام وعلى لغة الحوار، وغياب الانتماء للدولة ككيان جامع.. الأناضول
لا يكاد يمر يوما إلا ونسمع فيه عبر وسائل الإعلام اتهامات واتهامات مضادة بين الحكومة السورية والفرقاء المختلفين معها، واتهامات واتهامات مضادة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بين أفراد الشعب السوري.

وقد بلغت هذه الاتهامات والاتهامات المضادة حد التخوين والتهديد لدرجة تعطلت فيها لغة الكلام السياسي والوطني مع قبول شريحة اجتماعية الوضع السياسي الاجتماعي القائم والدفاع عنه بكل قوة، ورفض شريحة آخرى هذا الواقع القائم واعتباره أسوأ من مرحلة نظام الأسد.

سبب هذا التضاد الحاد في المواقف يعود لأسباب عديدة، منها غياب الثقافة السياسة القائمة على المشترك العام وعلى لغة الحوار، وغياب الانتماء للدولة ككيان جامع يمكن من خلاله تشكيل هوية وطنية تشمل الجميع، ومنها أيضا اختلاف المصالح السياسية الاجتماعية الاقتصادية بين الفرقاء، ومنها أخيرا سلوك السلطة الحاكمة في سورية التي فشلت حتى الآن في تقديم سلوك سياسي وطني يُعلي من الذات الجمعية السورية على حساب الذوات الضيقة.

يتبدى هذا الوضع اليوم في قضايا عدة:

أولا، السويداء، حتى هذه اللحظة ما نزال نسمع خطابين متناقضين: خطاب يعتبر شيخ عقل الدروز ومعاينيه خونة يستحقون المحاكمة العقابية بسبب دعوته إسرائيل للتدخل من أجلهم في سورية، وبسبب مطالبته الانفصال عن سورية والانضمام إلى إسرائيل.

بالمقابل، نسمع تصريحات كثيرة من الأوساط الدرزية تنظر إلى السلطة في دمشق على أنها وجه من وجوه التطرف الإسلامي على "داعش" و"القاعدة"، وهؤلاء بالنسبة لبعض الدروز لا يمكن إجراء أي حوار معهم، فالعلاقة بينهما تقوم على النفي التام.

يتكرر المشهد بين سلطة دمشق و"قوات سورية الديمقراطية"، فمنذ أشهر نسمع بين الحين والآخر تبادل الاتهامات بين الجانبين: كل طرف يقول إنه منفتح على الحوار في حين يتهم الطرف الثاني بعكس ذلك، وكل طرف يتهم الآخر بخرق اتفاق 10 مارس،
وإذا ما ظهر فريق من هنا أو هنا يقوم بعملية نقد لجماعته، فسرعان ما يجد نفسه في خانة المنبوذين والمضطهدين والموصوفين بالخونة.

محافظ السويداء مصطفى البكور يقول إن ما تشهده المحافظة من تدهور في الخدمات ليس نتيجة تقصير من الدولة، بل يعود إلى مواقف داخلية اتخذتها بعض الأطراف، وغياب قنوات التواصل الرسمية مع الحكومة، في حين تتهم جماعة الهجري السلطة السورية بخنق السويداء عبر حصار مطبق.

نحن هنا أمام سرديتين متباينتين بشكل حاد، لدرجة يكاد يستحيل الجمع بينهما في مشترك واحد عبر لغة الحوار أو المصالح.

ثانيا، يتكرر المشهد بين سلطة دمشق و"قوات سورية الديمقراطية"، فمنذ أشهر نسمع بين الحين والآخر تبادل الاتهامات بين الجانبين: كل طرف يقول إنه منفتح على الحوار في حين يتهم الطرف الثاني بعكس ذلك، وكل طرف يتهم الآخر بخرق اتفاق 10 مارس،

وقد جرت بين الطرفين لقاءت عديدة كان على رأسها من طرف "قسد" مظلوم عبدي قائد "قسد" وإلهام أحمد مسؤولة الشؤون الخارجية في "الإدارة الذاتية"، ومن الجانب الآخر الرئيس الشرع ذاته.

لكن هذه اللقاءات كانت تنتهي بتفاهمات عامة فضفاضة، والسبب في ذلك أن الشروط المحلية والإقليمية والدولية لإنجاز اتفاق ما تزال غير متوفرة، وكلمة السر هنا هي الولايات المتحدة التي تُلجم تركيا وسورية من القيام بأي عمل عسكري ضد "قسد" في وقت يدعو الأميركيون  "قسد" إلى الانخراط في مشروع الدولة تحت قيادة الشرع.

وبين الموقفين ثمة قضايا خطيرة عالقة، منها شكل النظام السياسي القائم الذي يرفضه الأكراد، ومنها دور "قوات سورية الديمقراطية" في الجيش السوري، ومنها ملفات النفط والمعتقلات الخاضعة لسيطرة "قسد".

ثالثا، تتواصل ظاهرة الحدية بين السوريين في الموقف من انتخابات مجلس الشعب الأخيرة: فريق يدافع عن شكل ومضمون الانتخابات البرلمانية ويعتبرها أفضل نموذج للواقع القائم المليء بالتحديات، وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وأنها على سلبياتها تمثل جزءا واسعا من الشعب.

أما الفريق الآخر، فيعتبر هذه الطريقة من الانتخاب امتدادا لشكل ومضمون الانتخابات في عهد الأسدين الأب والابن، وأن مجلس الشعب في الحالتين هو اختيار من قبل السلطة، وبالتالي يفقد المجلس دوره التشريعي المنوط به كسلطة تشريعية.

رابعا، جاء إلغاء الحكومة السورية لعيد الشهداء 6 مايو وعيد حرب عام 1973 في تشرين الأول / أكتوبر، وعيد النيروز 20 مارس، ليزيد حدة السجال ويشعله، خصوصا فيما يتعلق بعيد ذكرى حرب أكتوبر: فريق يعتبر الحرب تجسيدا لحالة الخيانة التي قام بها حافظ الأسد، وبهذا المعنى، فإن ذكرى الحرب ليست سوى تذكيرا بالخيانة والهزيمة العسكرية للجيش السوري، وفريق آخر، وإن كان يرفض سردية الخيانة، أو على الأقل لا يملك الأدلة لشرعنتها، يُميز بين النظام السابق والدولة السورية، فحرب تشرين لم تكن بين نظام الأسد وإسرائيل، بل كانت بين سورية وإسرائيل.

جاء إلغاء الحكومة السورية لعيد الشهداء 6 مايو وعيد حرب عام 1973 في تشرين الأول / أكتوبر، وعيد النيروز 20 مارس، ليزيد حدة السجال ويشعله، خصوصا فيما يتعلق بعيد ذكرى حرب أكتوبر
خامسا، الموقف من الاتفاق المُرتقب بين سورية وإسرائيل وما تسرب منه عبر وسائل الإعلام، وهنا يصبح الانقسام أكثر حدة: فريق يعتبر السلوك السوري حيال إسرائيل براغماتية عالية وفق شروط الإمكان المتاحة لسورية، والهدف منه تحييد إسرائيل من التدخل في الشأن السوري ومنعها من عرقلة عملية إعادة البناء الاجتماعي ـ السياسي ـ العسكري.

أما الفريق الآخر، فيعتبر أن الشرع قدم تنازلات وطنية كبرى لإسرائيل لم يُقدم عليها الأسدين، خصوصا فيما يتعلق بمصير الجولان المحتل ووجود القوات الإسرائيلية على جبل الشيخ.

سادسا، عمليا الثأر شبه اليومية التي تجري ضد "شبيحة" النظام السابق في جميع الأراضي السورية من مختلف الانتماءات.

هنا تنقسم الآراء، فريق يعتبر أن عمليات الثأر تشمل العلويين فقط، في حين يرى فريق آخر أنها تشمل فلول النظام السابق من مختلف الانتماءات، ويتوسع الخلاف ليشمل علاقة السلطة بهذه العمليات: فريق يرى أن "نظام" الشرع هو المحرك الخفي لهذه العمليات، في حين يرى فريق آخر أنها خطوات فردية، باستثناء ما جرى في الساحل في مارس الماضي وما جرى في السويداء في يوليو الماضي.

تشكل الأمثلة السابقة ليس دليلا على حالة الانقسام السياسي الحاد في سورية فحسب، بل الأهم دليلا على انعدام أفق الحل في المدى القريب أو المتوسط بسبب تعظيم ما هو مختلف بين الفرقاء على حساب ما هو مشترك بينهم.
التعليقات (0)

خبر عاجل