قضايا وآراء

الشرع في أمريكا.. تكتيك أم تحول استراتيجي؟

حسين عبد العزيز
لن تُقدم سورية على إجراء تحول استراتيجي حيال إسرائيل، وكل ما يقوم به الشرع هو مجرد تكتيك للحصول على ما يريد، غير أن موازين القوى تفرض حضورها في النهاية.. الأناضول
لن تُقدم سورية على إجراء تحول استراتيجي حيال إسرائيل، وكل ما يقوم به الشرع هو مجرد تكتيك للحصول على ما يريد، غير أن موازين القوى تفرض حضورها في النهاية.. الأناضول
إلى نيويورك، حيث الأمم المتحدة التي صنفته إرهابيا حتى حين وطأت قدماه أروقة المنظمة الدولية في سبتمبر الماضي، ثم إلى موسكو حيث العاصمة التي حمت نظام الأسد وقاتلت ضد المعارضة السورية وفي مقدمها "الجيش السوري الحر" و"هيئة تحرير الشام"، ثم إلى واشنطن ـ غدا الأحد ـ التي صنفته مع هيئته ضمن قائمة الإرهاب.

يشير انتقال الرئيس السوري أحمد الشرع بين هذه المدن الثلاثة إلى براغماتية سياسية عالية المستوى، ولكن البراغماتية نوعان: الأول يكون مجرد تكتيك غايته تمرير الوقت واللعب على الأطراف المتضادة، والثاني الاستسلام للواقع القائم وتقديم تنازلات كبرى ترقى إلى مستوى الانعطافة السياسية، فأي براغماتية يمارسها الشرع؟

من الصعب تقديم إجابة قطعية على هذا السؤال، ذلك أن القطعية هنا تتنافى مع عالم السياسة ومصالحه المعقدة والمتشابكة، كما تتعارض مع التداخل بين ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي في لحظات معينة، لدرجة يصبح من الاستحالة بمكان إجراء فصل بينهما.

تكتيك سوري

لا شك أن القيادة السورية، وحتى قبيل وصولها للسلطة في 8 ديسمبر الماضي، كانت مدركة أن قبول المجتمع الدولي بها يتطلب الحصول على دعم إقليمي تمثل السعودية رأسه، وعلى دعم أوروبي تمثل الترويكا الفرنسية الألمانية البريطانية رأسه، وعلى دعم دولي تمثل الولايات المتحدة رأسه.

وبين هذه الرؤوس الثلاثة، تشكل الولايات المتحدة المايسترو الرئيس في شرعنة نظام الحكم الجديد ومنحه الغطاء السياسي للمضي قدما، فمن دون واشنطن لا إمكانية لإلغاء العقوبات الأممية المفروضة على سورية، ومن دونها لا حل لمسألة "قوات سورية الديمقراطية"، ومن دونها لا حل لمشكلة التدخل العسكري الإسرائيلي في سورية.

لا شك أن القيادة السورية، وحتى قبيل وصولها للسلطة في 8 ديسمبر الماضي، كانت مدركة أن قبول المجتمع الدولي بها يتطلب الحصول على دعم إقليمي تمثل السعودية رأسه، وعلى دعم أوروبي تمثل الترويكا الفرنسية الألمانية البريطانية رأسه، وعلى دعم دولي تمثل الولايات المتحدة رأسه.
غير أن القبول الأمريكي بالحكم الجديد ومنحه فرصة سياسية يتعدى بالنسبة للبيت الأبيض، ملفات محاربة الإرهاب، وحماية الأقليات، والانفتاح السياسي على مكونات المجتمع السوري، وما إلى ذلك من الملفات العامة المُخصصة للاستهلاك الإعلامي.

ما يهم الولايات المتحدة من أي علاقة مع سورية ليس ضمان الأمن الاستراتيجي لإسرائيل بجعل سورية واحة آمنة بالنسبة لإسرائيل فحسب، بل المطلوب تقديم تنازلات يمكن اعتبارها استراتيجية لإسرائيل.

رفض الشرع الانخراط في الاتفاقات الإبراهيمية، مُعللا ذلك بحجة في غاية القوة، وهي أن هذه الاتفاقات مرتبطة بين دول ليس لها حدود مع إسرائيل، وبالتالي لا وجود لأراض محتلة، الأمر الذي يجعل الحالة السورية أقرب إلى اتفاق كامب ديفيد المصري منه إلى الاتفاقات الإبراهيمية.

كما رفض الشرع تقديم موقف صريح ورسمي من مستقبل الجولان وفق المطالب الإسرائيلية التي تتراوح بين اعتبار الجولان جزءا من إسرائيل، أو جعله منطقة محايدة وفق عناوين معقدة، أو ترك مصيره إلى مراحل لاحقة.

في المقابل، كان الشرع والحكومة السورية يؤكدان على ضرورة إنجاز اتفاق أمني يؤدي إلى انسحاب إسرائيل من كافة النقاط العسكرية التي احتلتها منذ سقوط نظام الأسد.

يشير هذا التوجه إلى أن الانفتاح السوري على الولايات المتحدة وإسرائيل هو انفتاح تكتيكي ليس إلا، الغاية منه تحقيق منفعة متبادلة بين سورية وإسرائيل: سورية ستكون بيئة آمنة لإسرائيل وفق المقتضيات التي تطمأن لها الأخيرة شرط أن لا تهدد السيادة السورية، مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الجغرافية السورية، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وما هو مطلوب الآن مجرد اتفاق أمني يحقق للطرفين مطالبهما.

تحول استراتيجي

بالمقابل، ثمة معطيات تشير إلى وجود نية لإجراء تحول استراتيجي حيال إسرائيل يتجاوز مسألة مجرد الاتفاقات الأمنية فقط، فعلى مدى أشهر من القصف الإسرائيلي لمواقع داخل سورية، والتوغلات البرية في الجنوب، لم تعلن السلطة في دمشق أي تنديد بذلك، أو بالأحرى تأخرت أشهر عدة حتى خرجت بإعلان خجول مندد، وكانت هذه رسالة سياسية من دمشق لإسرائيل مفادها أن سورية تغيرت ولن تكون منذ الآن عدوة لإسرائيل: لم تعد سورية "قلعة الصمود والتصدي"، بل قلعة السلام والأمان للمنطقة، بما فيها إسرائيل.

في ذروة القصف الإسرائيلي على سورية، كانت دمشق تستقبل وفودا يهودية: زيارة الصحفي الإسرائيلي إيتاي إنجل في شهر فبراير، ثم في ذات الشهر زيارة حاخام الجالية السورية في بروكلين بأمريكا يوسف حمرا مع وفد من اليهود السوريين ضم أحد الشخصيات اليهودية المتطرفة في دعمها لإسرائيل، هو الحاخام آشر لوباتين.

وفي سبتمبر الماضي، زار دمشق وفد يهودي أميركي، ضم شخصيات مرموقة على المستويين الديني والأكاديمي.

تبقى مسألة مصير الجولان هي الفيصل الرئيس بين ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي، فالجولان بالنسبة إلى دمشق لا يندرج ضمن الاعتبارات الأمنية كما هي حال الرؤية الإسرائيلية، وإنما يندرج ضمن معادلة الحقوق والشرعة الدولية.
تشير هذه المعطيات، إلى جانب اللقاءات الرسمية التي جرت بين مسؤولين سوريين ومسؤولين إسرائيليين، إلى أن ثمة تحول استراتيجي في الرؤية السورية تجاه العلاقة مع إسرائيل.

ومع ذلك، تبقى مسألة مصير الجولان هي الفيصل الرئيس بين ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي، فالجولان بالنسبة إلى دمشق لا يندرج ضمن الاعتبارات الأمنية كما هي حال الرؤية الإسرائيلية، وإنما يندرج ضمن معادلة الحقوق والشرعة الدولية.

لكن بالمقابل، يمكن إيجاد صيغة اتفاق ثنائي تحل مسألة الجولان على المدى الطويل وليس القصير، مع اعتبارات أمنية توضع داخل الجولان، ضمن السيادة السورية، النظرية على الأقل.

وفقا لهذه الرؤية، لن تُقدم سورية على إجراء تحول استراتيجي حيال إسرائيل، وكل ما يقوم به الشرع هو مجرد تكتيك للحصول على ما يريد، غير أن موازين القوى تفرض حضورها في النهاية، وهي موازين مقلوبة تماما لصالح إسرائيل، بحيث يصعب تحديد البراغماتية السورية، أهي مجرد تكتيك أو تحول استراتيجي؟
التعليقات (0)

خبر عاجل