قضايا وآراء

مخاطر الانفجار العلوي في سورية

حسين عبد العزيز
استمرار سلطة الشرع في الاستئثار بالسلطة، مع إبعاد المكونات الكردية والعلوية والدرزية، وطائفة من أهل السُنة بشكل واضح، يطرح تساؤلات حقيقية عن الدولة التي يُراد إقامتها.. فيسبوك
استمرار سلطة الشرع في الاستئثار بالسلطة، مع إبعاد المكونات الكردية والعلوية والدرزية، وطائفة من أهل السُنة بشكل واضح، يطرح تساؤلات حقيقية عن الدولة التي يُراد إقامتها.. فيسبوك
شارك الخبر
ما كشفته وكالة "رويترز" للأنباء خطير جداً.. لا على المستوى العسكري الأقل أهمية فحسب، وإنما على المستوى السياسي ـ الاجتماعي الأكثر أهمية.

بحسب تقرير الوكالة (المطول)، يحاول اللواء كمال حسن (مهندس المهمات القذرة، ملياردير الأمن، راعي الشبيحة) والملياردير رامي مخلوف (ابن خال الأسد) تشكيل ميليشيات في الساحل السوري ولبنان تضم أفرادا من الطائفة العلوية، بهدف محاربة السلطة الجديدة والانقلاب عليها.

وضمن هذا الهدف، تقول الوكالة إن الأول (حسن) نجح في جمع 12 ألف مقاتل، بينما نجح الثاني (مخلوف) في جمع 54 ألف مقاتل، بمجموع يصل إلى 66 ألف مقاتل، وهو رقم كبير، في وقت يسعيان للسيطرة على شبكة من 14 غرفة قيادة تحت الأرض شيدت عند الساحل السوري قرب نهاية حكم الأسد، بالإضافة إلى مخابئ أسلحة.

إذا كانت الظروف الذاتية والموضوعية للطائفة العلوية لم تسمح حتى الآن بتشكيل كتلة عسكرية وازنة، فإن استمرار الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في ضوء سياسة الشرع الداخلية، قد تؤدي إلى تغيير في الأوضاع، وتدفع أبناء الطائفة للانتقال من حالة القوة إلى حالة الفعل.
ما يُلفت الانتباه هو توقيت نشر تقرير وكالة "رويترز"، فهو جاء بعد نحو شهرين من زيارة الرئيس السوري إلى روسيا ـ حيث يقيم حسن ومخلوف ـ وإعادة ترتيب العلاقة بينهما، بشكل يظهر حتى الآن أنه إيجابي يحقق للطرفين مصالحهما.

بعبارة أخرى، إذا كان تقرير وكالة "رويترز" يبدو جديدا من ناحية بعض التفاصيل، فهو ليس كذلك من حيث التوجه، فقد طالب مخلوف، في مايو ثم في أغسطس الماضيين، العلويين بالاستعداد للمعركة الكبرى.

أغلب الظن أن المخططات العسكرية هذه باءت بالفشل، وهو ما ألمحت إليه الوكالة حين ذكرت أن كثير من العلويين لا يثقون بالرجلين، أو أن الظروف لم تُستكمل بعد، وهو ما أكده صراحة رامي مخلوف، سواء ما نقلته الوكالة عنه أو عبر كلامه على منصة "فيسبوك"، حين دعا العلويين إلى عدم الانجرار وراء غزال غزال في إشارة إلى تظاهرات العلويين في 25 نوفمبر الماضي، حين قال "هذه التحركات لن تجلب إلا البلاء لأن الوقت لم يحن بعد".

وما يدعم نظرية فشل مخططات (حسن، مخلوف) حتى الآن عدم وجود دعم روسي، إذ كانت الحكومة الروسية واضحة في أن أولويتها هي استمرار الوصول إلى القواعد العسكرية التي لا تزال تديرها على الساحل السوري، وفقا لدبلوماسيين اثنين مطلعين على موقف موسكو.

أيضا، إن أعداد المقاتلين التي قيل إنه جرى تنظيمها لا تبدو حقيقية من الناحية العملية، فبعد هروب الأسد والكشف عن الأموال الكبيرة المهربة خارج سورية، ظهر استياء لدى معظم أبناء الطائفة من الأسد، ثم جاءت أحداث مارس الماضي لتؤكد أن غالبية السوريين من أبناء الطائفة يريدون طي صفحة الماضي وفتح صفحة جديدة، وكان تنديد الكثير من العلويين بالكمين الذي قام به فلول النظام السابق بحق قوات الأمن في ذات الشهر، ثم رد الفعل السني (المُبالغ فيه) دليلاً على هذا الاستياء والرغبة في نسيان الماضي.

غير أن تقرير "رويترز" بالمقابل، سلط الضوء على نقطة تستحق الوقوف عندها، وهي أن آلاف العلويين من الذين كانوا في الجيش أو المدنيين الذين طردوا من وظائف الدولة، يعيشون في حالة فقر مدقع.

بعبارة أخرى، إذا كانت الظروف الذاتية والموضوعية للطائفة العلوية لم تسمح حتى الآن بتشكيل كتلة عسكرية وازنة، فإن استمرار الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في ضوء سياسة الشرع الداخلية، قد تؤدي إلى تغيير في الأوضاع، وتدفع أبناء الطائفة للانتقال من حالة القوة إلى حالة الفعل.

ولا يبدو في الأفق القريب أن الشرع يمتلك مقاربة واضحة المعالم لإعادة بناء الداخل، فالخطاب السياسي للدولة وسلوكيات بعض أفرادها على الأرض ما تزالان بعيدتان عن أي مقاربة حقيقية لإعادة بناء الدولة والمجتمع وفق متطلبات الحداثة السياسية، كحل وحيد للانتهاء من النزاعات العامودية.

فبدلا من اعتماد السلطة مقاربة اندماجية ذات أبعاد سياسية، لجأت إلى خالد الأحمد ـ قائد ميليشيات في عهد الأسد قبل أن يغير ولاءه منتصف الحرب بعدما انقلب الرئيس المخلوع عليه ـ لتشكيل تيار علوي داعم للسلطة.

إن هذه الطريقة في التعاطي مع حراك الساحل السوري، يؤدي إلى إقامة شرخ في الطائفة، بحيث يصبح الاصطفاف العلوي الداخل مبنياً على أسس المنفعية الذاتية، وليس قائماً على أسس وطنية.

لا ينفع كلام الشرع أمام "منتدى الدوحة" بأن العلويين كانوا أكثر من دفع ثمن ممارسات النظام من تجويع وفقر واستغلال أبنائهم، كما لا ينفع حديثه عن النهوض الاقتصادي المرتقب لسورية، كما لا ينفع أيضا حديثه عن إعادة بناء مؤسسات الدولة، فمؤسسات الدولة القوية ظاهرة موجودة في الدول الديمقراطية ـ الليبرالية كما هي موجودة في النظم الاستبدادية (الصين، الاتحاد السوفيتي) والشمولية (ألمانيا النازية).

في وضع مثل الوضع السوري المتوتر، لا تنفع عملية تمرير الوقت، ولا ينفع الدعم الإقليمي والدولي أيضا في وأد الفتن الداخلية، فالاستئثار بالسلطة، كما علمتنا التجارب التاريخية بشكل عام والتجربة السورية بشكل خاص، سينتهي بكوارث سياسية، سرعان ما تستحيل إلى كوارث اجتماعية في مجتمعات تتداخل فيها السياسي بالطائفي بالديني وبالقبلي.
إن تفاصيل تقرير وكالة "رويترز" يتطلب بناء نظام ديمقراطي عبر انتخابات حرة ونزيه، تُنتج سلطة منتخبة، وإذا ما افترضنا صحة كلام الشرع بأن الظروف السورية لا تسمح بإجراء انتخابات قبل أربع سنوات، فعلى الأقل تشكيل هيئة حكم يشارك فيها ممثلون عن كافة مكونات الشعب السوري، بحيث تتشكل ديمقراطية "بدائية" يُمكن اعتبارها مقبولة في هذه المرحلة، ريثما تنضج الظروف السياسية واللوجستية.

غير أن استمرار سلطة الشرع في الاستئثار بالسلطة، مع إبعاد المكونات الكردية والعلوية والدرزية، وطائفة من أهل السُنة بشكل واضح، يطرح تساؤلات حقيقية عن الدولة التي يُراد إقامتها.

إن ذهاب شيخ عقل الدروز حكمت الهجري إلى تجميع الفصائل العسكرية المتناثرة في مكون واحد (الحرس الوطني) وقيام شخصيات علوية بمحاولة فعل ذلك، ورفض "قوات سورية الديمقراطية" الاندماج في الدولة قبيل تحقيق مشروع سياسي متكامل، هو ما تتحمله سلطة الشرع بشكل مباشر.

وفي وضع مثل الوضع السوري المتوتر، لا تنفع عملية تمرير الوقت، ولا ينفع الدعم الإقليمي والدولي أيضا في وأد الفتن الداخلية، فالاستئثار بالسلطة، كما علمتنا التجارب التاريخية بشكل عام والتجربة السورية بشكل خاص، سينتهي بكوارث سياسية، سرعان ما تستحيل إلى كوارث اجتماعية في مجتمعات تتداخل فيها السياسي بالطائفي بالديني وبالقبلي.

وربما لم تكن مصادفة أن يأتي لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع وفد علوي ضم نحو 200 شخصية بعد أيام من تقرير "رويترز"، ومن ثم تصريح الشرع بأن للعلويين مطالب محقة.

لكن اللقاء لم يرتق إلى المستوى الكفيل بإعادة بناء الاجتماع السياسي في بلد مأزوم اجتماعياً وسياسياً، فقد اقتصر على الجوانب الاجتماعية (الأمن، الاقتصاد)، وهذه مسائل على أهميتها الظرفية، غير كافية لبناء الدولة الحديثة القائمة على المشاركة السياسية والمواطنية لجميع السوريين.
التعليقات (0)

خبر عاجل