قضايا وآراء

أقليات سوريا: الحل في دمشق وليس في تل أبيب

غازي دحمان
"قيادات أقلوية دعمت المؤتمر، وربما أوحت بفكرته لإيدي كوهين، أحد أهم منظمي المؤتمر، لدعم أهدافها الانفصالية وإعطاء قضية الأقليات بعدا دوليا"- إكس
"قيادات أقلوية دعمت المؤتمر، وربما أوحت بفكرته لإيدي كوهين، أحد أهم منظمي المؤتمر، لدعم أهدافها الانفصالية وإعطاء قضية الأقليات بعدا دوليا"- إكس
انعقد في تل أبيب مؤتمر "أقليات الشرق الأوسط، الذي هو في الواقع يخص أقليات سوريا بدرجة أساسية، وجاء في سياق التغيير الذي شهدته البلاد وما رافقه من أحداث أليمة طالت بعض مكونات سوريا، وتحديدا العلويين والدروز، وما تبع تلك الأحداث من سوء في إدارة الأزمة وعدم قدرة نظام الحكم الجديد، الذي تقوده قوى إسلامية، ليست محل رضى من قبل قطاعات سوريا من الأقليات والأكثرية نفسها، والتي غالبا ما يتم اعتبارها الحاضن الرئيسي للنظام الجديد.

ليس خافيا أن المؤتمر انعقد ردا على ما طال بعض الأقليات من انتهاكات مُورست ضدها في عهد النظام الجديد، لكن أيضا ليس خافيا أنه خلف الكواليس هناك قيادات أقلوية دعمت المؤتمر، وربما أوحت بفكرته لإيدي كوهين، أحد أهم منظمي المؤتمر، لدعم أهدافها الانفصالية وإعطاء قضية الأقليات بعدا دوليا باعتبار أن إسرائيل لها صوت مسموع في الخارج، ولتحويل قضية الأقليات في سوريا إلى قضية عالمية، من منطلق أن الأقليات تتعرض لتهديد وجودي!

بعض زعماء الأقليات يدركون أهمية هذا الأمر، ويعتبرون هذه الورقة مهمة لمساومة نظام الشرع، أو ربما بسبب طائفيتهم وكرههم أن يستلم الآخر السلطة

لكن هل فعلا هناك تهديد بهذا الحجم وتلك الخطورة على الأقليات في سوريا؟ بالطبع لا، إلا إذا كان المقصود أن استلام طرف سني للسلطة هو بحد ذاته تهديد وجودي، صحيح حصلت أحداث مؤسفة وترتقي إلى مصاف الجرائم، لكن لها سياقاتها، يمكن وصفها بسوء إدارة أو حالات إنفلات أمني أو عمليات انتقام، ولكنها لا تأتي في سياق حرب طائفية كما يحاول البعض تصويرها. وما يؤكد على ذلك أن الأحداث في السويداء والساحل جرت في إطار مناطق التماس الطائفي، حيث الاحتقان كبير جراء الحرب الطويلة وما ورّثته من عداوات وحساسيات.

كما أنها ليست سياسة دولة، إذ لا مصلحة لنظام الشرع البراغماتي والساعي وراء الاعتراف الدولي في معاداة الأقليات، على العكس هو يشتري تفاعلهم مع نظامه ولو على حساب الأكثرية، كما أن وجودهم في الحكومة والبرلمان سيشكل رصيدا له يستعرضه أمام الغرب ويشكّل غطاء لحكمه، وترويجا له كنظام متسامح ومختلف عن الصورة النمطية التي يسعى جاهدا لنزعها عنه، وإثبات عضويته وانفتاحه على قيم الدولة الحديثة.

لكن بعض زعماء الأقليات يدركون أهمية هذا الأمر، ويعتبرون هذه الورقة مهمة لمساومة نظام الشرع، أو ربما بسبب طائفيتهم وكرههم أن يستلم الآخر السلطة. صحيح أن الشرع من خلفية عقائدية، وربما يستدعي ذلك وقتا لإثبات العكس، لكن الآخرين ليسوا ملائكة، والمشكلة يُراد لنا أن نصدق أن الآخرين ملائكة وبدون أخطاء؛ رغم أنهم يستجرون الصراع ويرون أن ثمة فرصة لتحقيق مطامح طائفية وقومية تحت ذريعة التهديد الوجودي. هذه حقيقة المشهد السوري.

نعم سياسة الشرع إقصائية إلى حد بعيد، هي سياسة جماعة تريد الاستئثار بالسلطة، لا ترى في السوريين، بأكثرياتهم وأقلياتهم، من يستحق مشاركتها بالسلطة، ربما نتيجة عدم ثقة بمواقفهم السياسية وخلفياتهم الأيديولوجية، والأكيد لرغبة هذه الجماعة في احتكار السلطة وتشكيل الدولة وفق معايير الجماعة وتصوراتها ومقاييسها؛ هذه سياسة، وإن كانت مستبدة وغاشمة ورجعية، يمكن مقاومتها بالضغوط التي تتضمن النقد في الإعلام والتظاهرات السياسية وحتى الدعوة لإسقاط النظام، لكن ليس بدعوات الانفصال أو بالتحالف مع إسرائيل التي تدعو بشكل علني إلى تقسيم سوريا وإشعال نار الحروب بين مكوناتها. هذه خيانة صريحة.

عبر أكثر من عقد من الزمان، تعرضت الأكثرية السورية لإبادة كاملة الاوصاف، وتهجير عرقي ممنهج؛ فمن لا يتذكر عصام زهر الدين الذي حذر اللاجئين من العودة متوعدا إياهم بالإبادة؟ حينها لم يكن الحديث عن سياسيين معارضين ولا عسكريين منشقين، بل عن بشر عاديين يتلطون في العراء وفي الخيام على حدود سوريا! رغم ذلك بقي النضال والمعارضة ضمن إطار وطني، حتى عندما تمت المطالبة بالحماية الدولية، كان الهدف إسقاط النظام وليس إسقاط البلد.

الحل ليس في إسرائيل، بل موجود لدى شركاء الوطن، فلإسرائيل حساباتها الخاصة المتعلقة بالجدوى والتكلفة، وتتعامل مع هذه القضايا بحسابات استراتيجية وجيوسياسية لا وجود للعواطف والإنسانية بها؛

يرى البعض من السياسيين والمثقفين أنه لا يجوز لوم من يتعرض للإبادة لأنه بحث عن طرق وأساليب تحميه وتحفظ له وجوده، حتى لو كانت تؤدي إلى إسقاط الوطن، فقيمة البشر أهم بكثير من هذه التابوهات (دول المشرق) التي لم تكن أبدا أوطانا بمعنى الكلمة. وبالطبع من شأن هذا التبرير إغلاق الباب أمام أي حلول أو أفكار أخرى، وهو تبرير لإسكات أي صوت يبحث عن حلول في إطار الوحدة الوطنية وتصحيح السياسات والتأشير على الأخطاء، أيا يكن مصدرها!

بات مطلوبا من مثقفي الأقليات التعبير بشكل صريح ضد الجنون الذي يمارسه بعض من يسمون أنفسهم ممثلي وقادة الأقليات، فغالبية النخبة المثقفة من الأكثرية أدانت بشكل صريح وعبر بيانات مكتوبة ما تعرض له العلويون والدروز، وأدانوا خطف النساء وقتل الأبرياء، وما زالوا حتى اللحظة، لكن في الطرف الآخر أيضا لا وجود لملائكة، بل في الغالب رجال دين وساسة مؤدلجون، تحركهم اعتبارات ضيقة وعدائية تجاه الآخر.

الحل ليس في إسرائيل، بل موجود لدى شركاء الوطن، فلإسرائيل حساباتها الخاصة المتعلقة بالجدوى والتكلفة، وتتعامل مع هذه القضايا بحسابات استراتيجية وجيوسياسية لا وجود للعواطف والإنسانية بها؛ إسرائيل عقلانية بحسابات مصالحها وأرباحها الاستراتيجية، لكنها ليست كذلك بحسابات مصائر الأقليات والأكثريات في سوريا والجوار العربي، فليس مهما في حساباتها كيف سيتحقّق التقسيم ولا كم الأرواح التي ستذهب في الطريق إليه، ولا كم جيل سيستهلك تحقيق هذا الهدف، هذه أمور لا تعنيها لأنها لا تدفع من رصيدها شيئا، الآخرون هم أهل العرس (عرس الدم)، ودور إسرائيل هو تحصيل الفوائد الاستراتيجية في شرق أوسط ضعيف ومفتت وآمن لها.

x.com/ghazidahman1
التعليقات (0)

خبر عاجل