قضايا وآراء

إسرائيل وسياسات قضم المحيط الجغرافي

غازي دحمان
"ما يكشف حقيقة أن إسرائيل بالفعل تشن حربا صريحة ضد هذه المناطق، الإجراءات الحربية التي تقوم بها"- سانا
"ما يكشف حقيقة أن إسرائيل بالفعل تشن حربا صريحة ضد هذه المناطق، الإجراءات الحربية التي تقوم بها"- سانا
تصنع إسرائيل أزمة شديدة التعقيد في محيطها الجغرافي، فيما يبدو أنها مرحلة ضمن مخطّط أوسع يهدف إلى السيطرة المباشرة على هذا المحيط أو عبر أدواتها إن لزم، مستثمرة اختلال موازين القوى بدرجة كبيرة لصالحها، وبيئة إقليمية تتحسس على رأسها خوفا من أن تكون مدرجة على قوائم التخريب الإسرائيلي المنفلت العقال، وبالطبع مستفيدة من دعم أمريكي غير محدود، يتضح بشكل جلي عبر تبني المطالب الإسرائيلية وإدراجها ضمن أجندات التفاوض، أو عبر قرارات مجلس الأمن.

إن النظر في خريطة التحرك الإسرائيلي سيكشف على الفور ثلاث مناطق تقع ضمن دائرة حمراء بلغ الخطر فيها أقصى عتباته: الضفة الغربية، وجنوب لبنان، وجنوب سوريا، حيث تمارس إسرائيل وبشكل حثيث سياسة التدمير ضمن هذه الدائرة، سياسة يمكن وصفها بالحرب الساخنة المستمرة التي لا تهدأ ولا تتوقف، ومن خلالها تعيد إسرائيل تشكيل واقع هذه المناطق عبر عملية تراكمية مقصودة وممنهجة تريد إسرائيل في نهايتها قضم هذه المناطق نهائيا.

عمليات تهجير قسري تقوم بها إسرائيل، عبر سياسة ممنهجة ودقيقة تهدف من خلالها إلى تضييق الخيارات أما سكان هذه المناطق وجعل حياتهم جحيما لا يُطاق الأمر الذي قد يجعل كل الخيارات الأخرى، من النزوح والتخلي عن الأرض

والغريب أن إسرائيل تدير الحرب على هذه الجبهات الثلاث بنفس الزخم والفعالية، دون محاذير أو حسابات للمخاطر، وربما ذلك ناتج عن تقديرها أن المجتمعات في هذه المناطق وصلت إلى درجة من الإنهاك والاستنزاف بحيث لم يعد لديها القدرة على التحرك ضد إسرائيل وأفعالها، ولا سيما في جنوبي لبنان وسوريا.

المشترك في المناطق التي تستهدفها إسرائيل في جنوب لبنان وسوريا والضفة الغربية، غيابها عن الرادار الدولي؛ ربما يعرف العالم ببعض الأفعال الكبرى، لكن التفاصيل الكثيرة، والتي هي بالأساس تساوي جرائم حرب فعلية، لا أحد يهتم بها. فمثلا في جنوب سوريا تقوم القوات الإسرائيلية بمداهمات ليلية للقرى تسبب الرعب لسكانها، وتمنع الأهالي من الرعي والأعمال الزراعية، وفي جنوب لبنان تمنع على الأهالي العودة لقراهم أو إعمار ما دمرته الحرب، وفي الضفة الغربية تمارس سياسات تنكيل يومية عبر إفلات المستوطنين للتعدي على الأهالي.

وكانت منظمات حقوقية دولية قد تنبهت لخطورة هذه السياسات، وحذرت من نتائجها مؤكدة أنها عمليات تهجير قسري تقوم بها إسرائيل، عبر سياسة ممنهجة ودقيقة تهدف من خلالها إلى تضييق الخيارات أما سكان هذه المناطق وجعل حياتهم جحيما لا يُطاق الأمر الذي قد يجعل كل الخيارات الأخرى، من النزوح والتخلي عن الأرض، محتملة أمام العذاب اليومي والمخاطر التي يواجهونها.

وما يكشف حقيقة أن إسرائيل بالفعل تشن حربا صريحة ضد هذه المناطق، الإجراءات الحربية التي تقوم بها، سواء من خلال سيطرتها على المواقع الاستراتيجية والطرق الرئيسية، أو عبر الأنساق العسكرية التي تبنيها في جوار هذه المناطق، بالإضافة إلى الطاقات العسكرية الكبيرة التي توفرها للجهد العسكري، ضمن مناطق لا تنطوي على مخاطر فعلية وحقيقية تبرر كل هذه الأفعال، باعتراف العديد من جنرالات إسرائيل وخبرائها الاستراتيجيين.

تعتمد أدوات أخرى غير عسكرية للسيطرة على هذه المناطق، ففي جنوب سوريا تسعى إلى إشعال الفتنة بين الدروز والسنة لإحداث أكبر قدر من الفوضى، وقد أعلنت مسبقا أنها ستساعد الدروز إن كانوا ظالمين أو مظلومين، وفي جنوب لبنان تضغط على الدولة اللبنانية للدخول في صراع مع حزب الله

ما تفعله إسرائيل في هذه المناطق، عبر التفاصيل المؤلمة والعمل الحثيث، إعادة تشكيلها وهندستها وفق بما يتناسب مع تطلعاتها، سواء كان الهدف قضم هذه المناطق واحتلالها نهائيا، أو التفاوض بشأنها مع أصحاب القرار المحليين أو ربما الإقليميين، والغريب أن الولايات المتحدة الأمريكية تترك الحبل على غاربه لإسرائيل لتشكيل هذا الوضع، رغم تصريحات هنا وهناك ليس لها وزن تأثيري على حرب نتنياهو الممنجة والحثيثة في هذه المناطق.

الخطير في حرب إسرائيل، أنها تعتمد أدوات أخرى غير عسكرية للسيطرة على هذه المناطق، ففي جنوب سوريا تسعى إلى إشعال الفتنة بين الدروز والسنة لإحداث أكبر قدر من الفوضى، وقد أعلنت مسبقا أنها ستساعد الدروز إن كانوا ظالمين أو مظلومين، وفي جنوب لبنان تضغط على الدولة اللبنانية للدخول في صراع مع حزب الله تحت طائلة تدمير لبنان كله ما لم يسارع الجيش بسحب السلاح من الحزب.

في هذه المناطق الثلاث: الضفة الغربية، وجنوب لبنان، وجنوب سوريا، المهدّدة بالاحتلال الإسرائيلي، تنتظر المجتمعات المحلية، التي استطاعت إسرائيل عزلها عن عمقها الوطني، الفرج من اتفاق إقليمي واسع يغير المسارات الحالية، أو حصول تغيير ما في المنطقة يكف يد إسرائيل عنها، لكن لا يبدو في الأفق ثمة مؤشرات على إمكانية حصول أي مما يتأمله أولئك، في وقت تصر إسرائيل على ما تعتبره حقا للدفاع عن نفسها توغلها في هذه المناطق وإخضاعها لسيطرتها، حتى السلام، لم تعد إسرائيل تريده، بل إن قادتها باتوا يصرحون بأنهم ليسوا بحاجة له ما دام الوضع الحالي يحقق لهم أكثر مما قد يحقّقه السلام لإسرائيل.

x.com/ghazidahman1
التعليقات (0)

خبر عاجل