قضايا وآراء

تشريعات السابع من أكتوبر.. حرب إسرائيلية موازية!

عباس قباري
"استغلت إسرائيل أحداث "الطوفان" في إقرار إجراءات من شأنها ضم الضفة الغربية"- جيتي
"استغلت إسرائيل أحداث "الطوفان" في إقرار إجراءات من شأنها ضم الضفة الغربية"- جيتي
ألقت معركة "طوفان الأقصى" بظلالٍ كثيفة على البيئة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، لكنها تركت ندوبا غائرة أعمق أثرا في البنية المجتمعة الإسرائيلية، تسببت في ارتباك أحوالها اليومية، وحركة أعمالها، والأخطر أنها تسببت أزمة وجودية غير مسبوقة حسب تعبير السياسيين الإسرائيليين.

تأتي التدابير التشريعية في مقدمة الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لمعالجة أثر الهزيمة النفسية والمادية التي تعرض لها الكيان الإسرائيلي، حيث سنت حزمة كبيرة من التشريعات الاستثنائية، والتي تتعارض بشكل كبير مع الصورة التي كانت تبالغ في رسمها عن مجتمعها الديمقراطي، والحريات، ودولة القانون. في هذا المقال نلقي الضوء على أهم هذه التشريعات عبر تجميعها في خمسة أطر شاملة.

الإطار الأول: تشريعات حصار الهزيمة وترميم الجبهة الداخلية

تركزت جهود الكنيست الإسرائيلي لمعالجة أثر الهزيمة وترميم الجبهة الداخلية حول زاويتين رئيسيتين، الزاوية الأولى خاصة بهدم رمزية الفعل المقاوم، والثانية تتمثل في استغلال الحدث في تمرير إجراءات عقابية في مواجهة المجتمع الفلسطيني من "عرب 48".

عقوبة لمن يشاهد "إصدارات المقاومة"

أُجريت مجموعة من التعديلات على قانون الإرهاب بعد ثلاثة أشهر من بدء معركة الطوفان، ففي الثامن من شباط/ فبراير أقر الكنيست تعديلات على قانون الإرهاب، فرض بموجبها عقوبة السجن لمدة عام على كل من يتم اتهامه "بالمشاهدة" بشكل منهجي لفيديوهات تطلقها ما تسميها إسرائيل "منظمات إرهابية"، والتي تشمل حسب القانون ثلاث منظمات: "تنظيم داعش، وتنظيم القاعدة، وحركة حماس"، ويمنح القانون الوزير المختص حق إضافة أسماء منظمات أخرى.

أكدت المذكرة التفسيرية وجهة القانون وغاياته بالقول: "إن المشاهدة المكثفة للمنشورات الإرهابية من قبل بعض المنظمات قد تخلق عملية غسل أدمغة، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الرغبة والدافع لارتكاب أعمال إرهابية..". ويعطي هذا التفسير دلالة على عمق أثر إصدارات المقاومة على نفسية المجتمع الصهيوني، ما أدي لاتخاذ إجراء مشدد مقابل مجرد مشاهدة هذه الإصدارات!

عقوبة طرد أبناء العائلات الفلسطينية

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 أقر الكنيست قانونا يقضي بطرد ابن عائلة "المخرب" الفلسطيني إلى قطاع غزة، أو إلى مكان آخر تختاره وزارة الداخلية الإسرائيلية. يمنح التعديل للحكومة سلطة طرد العائلات الفلسطينية وفق حجج واهية، من قبيل توفر العلم المسبق عن خطة "المخرب" ولم يقم بمنعه أو الإبلاغ عنه، أو إذا أعرب عن تأييده للعمل "الإرهابي" أو نشر مديحا أو تأييدا لأفعال المقاومة "الإرهابية". وتتراوح فترات الطرد لمن يحملون الجنسية الإسرائيلية أو الإقامة الدائمة من 7 سنوات إلى 20 عاما.

ويمكن اعتبار غايات القانون بحسب الأصل انتقامية وليست وقائية، حيث تستغل الحدث في ترحيل العائلة كلها، وهي عقوبة جماعية ممنوعة دوليا، كما تستخدم هذا الإجراء ذريعة للتوسع في هدم منازل العائلات الفلسطينية وتهجيرها، بالإضافة لاستغلال هذا التشريع في صناعة طبقة من الجواسيس الذين يبلغون عن العائلات الفلسطينية.

عقوبة إنكار "مجزرة" السابع من أكتوبر

في ذات السياق أقر الكنيست عقوبة بالسجن 5 سنوات على كل من ينفي حصول "المجزرة" التي نفذها "مخربو حماس ومساعدوهم" يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في محيط قطاع غزة، ويتم توقيع العقوبة على كل من يكتب أو يتكلم شفهيا ما من شأنه نفي المجزرة أو امتداح "العدو".

وتشرح المذكرة التفسيرية الغرض النهائي للتجريم بقولها: "كما تعلمنا من ظاهرة إنكار الهولوكوست، فإن هذا النوع من الأكاذيب يمكن أن ينتشر بسرعة ويحول دون إمكانية إثبات الحقيقة التاريخية. كما أن إنكار المذبحة في بعض الأحيان يشكل جزءا من محاولة حماية مرتكبي الجرائم والتعبير عن الدعم لهم، ومن أجل مكافحة إنكار المذبحة ومنع انتشارها سواء في إسرائيل أو في الخارج، فنقترح إنشاء جريمة جديدة، على غرار الحظر المعمول به فيما يتعلق بإنكار الهولوكوست".

الإطار الثاني: تشريعات عقابية ضد فلسطينيي الداخل

وفق الحالة التي صنعها الطوفان، اتخذت السلطات الإسرائيلية مجموعة من الإجراءات لفرض عقاب جماعي على فلسطينيي الداخل لمنعهم من التعاطف ابتداء، وبالتالي ترتيب عقوبات إن تم هذا التعاطف، لكن بنظرة تحليلية للعقوبات نجدها أقرب للعقوبات المجهزة مسبقا ووجدت في الحدث أرضية مناسبة لإقرارها.

إسقاط المواطنة وإلغاء الجنسية

في آذار/ مارس 2024 أقر الكنيست تمديدا زمنيا يحرم آلاف العائلات الفلسطينية في الداخل الفلسطيني (خلف الخط الأخضر) من إجراءات لم الشمل في حال وجود أحد الوالدين من الضفة الغربية أو قطاع غزة، ويشمل المقيمين في لبنان وسوريا والعراق وإيران، ويعد الإجراء امتدادا لإجراءات معمول بها منذ انتفاضة الأقصى عام 2002.

تعديل آخر تم على قانون المواطنة الإسرائيلي في تموز/ يوليو 2024 يقضي بإلغاء الجنسية أو سحب تصريح الإقامة الدائمة لمن يمتدح أعمال "الإرهاب" أو مرتكبيها.

فصل الموظفين

تقررت حزمة من الإجراءات لفصل الموظفين، أبرزها القانون الذي أقره الكنيست بمنح وزير التعليم صلاحية فصل الموظفين بجهاز التعليم الرسمي، في حال صدر عنهم ما يؤيد "منظمة إرهابية" أو عمليات إرهابية، وتكون عملية الفصل فورية من دون سابق انذار.

كما منح القانون للوزير صلاحيات قطع الميزانيات عن المؤسسات التعليمية الخاصة، المعترف بها، والتي تتلقى ميزانيات من الدولة، في حال ثبت أن "مناهجها" تتضمن ما يؤيد "الإرهاب" بحسب المفهوم الإسرائيلي.

الإطار الثالث: تشريعات مواجهة الخطر الخارجي

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 أقر الكنيست تعديلا لقانون مكافحة الإرهاب يجيز لوزير الدفاع إصدار قرارات اعتبار "الأجانب" ناشطين إرهابيين، وتم الاستفادة من هذا الإجراء في مواجهة النشطاء الرافضين للإبادة أو الاعتداءات العسكرية التي يقوم بها الاحتلال.

ولا يتوقف الأمر عند حدود وصف النشطاء بالإرهاب، بل مكَّن وزير الدفاع من إصدار قرارات "ملاحقة" للمتبرعين والداعمين لحركات المقاومة خارج فلسطين، والحجز على أموالهم ومؤسساتهم، وهو الأمر الذي عبرت عنه رئيسة مجموعة الجرائم الخطيرة في وزارة العدل، ليلاخ فاغنر، بقولها: "هذا التعديل يمنح وزير دفاعنا صلاحيات مستقلة، حيث يمكنه بنفسه الإعلان عن عملاء إرهابيين أجانب، حتى نتمكن من مكافحة آليات تمويل الإرهاب التي تستخدمها حماس وعملاء إرهابيون موجودون في الخارج وينقلون الأموال التي تذهب إلى حماس، ولدينا مصلحة كدولة إسرائيل في الإعلان عن هذه الكيانات لأن الإعلان يجعل من الممكن فرض عقوبات اقتصادية مختلفة عليها، ومصادرة أموالها وحساباتها وممتلكاتها".

في ذات السياق، أقر الكنيست قانون يحظر منح تأشيرات دخول لكل شخص أو ممثل لجهة عالمية تؤيد فرض مقاطعة على إسرائيل، بسبب سياساتها، أو أنه يؤيد تقديم مواطنين إسرائيليين للمحاكم الدولية بسبب نشاطهم، والقصد عسكريين وسياسيين متورطون في الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وهو القانون الذي استخدمته الحكومة الإسرائيلية في منع نائبتين من حزب العمال البريطاني وترحيلهما من مطار بن غوريون بعد اتهامهما بأن لهما أنشطة مناهضة للإبادة.

الإطار الرابع: إجراءات ضد السلطة الفلسطينية وفلسطينيي الأراضي المحتلة

رغم موقفها المعادي لطوفان الأقصى، لم تكن السلطة الفلسطينية بعيدة عن الإجراءات الإسرائيلية الانتقامية، فقد أقر الكنيست قانونا يسمح للمتضررين من عمليات نفذها فلسطينيون بإقامة دعاوى تعويضات من الجهات الداعمة للعمليات، وفي مقدمتها "السلطة الفلسطينية"، وتتراوح قيمة التعويضات بين 5 ملايين و10 ملايين شيكل.

في وقت لاحق تقدمت السلطة الفلسطينية بعريضة إلى المحكمة العليا الإسرائيلية" لرفض هذه التدابير، إلا أن المحكمة رفضته، وعلق قاضي المحكمة العليا على التماس السلطة بقوله: "إننا سنقول ما هو مفقود في الالتماس، ولكنه يستحق الطرح، السلطة الفلسطينية تدفع للإرهابيين وأفراد عائلات الإرهابيين أموالا ومزايا بمعدلات كبيرة، في ارتباط وثيق بالأعمال الإرهابية الإجرامية التي ارتكبوها"، وأضاف: "حتى لو كان القانون قائما على دافع سياسي، فإن هذا لا يؤدي إلى الغائه".

الإطار الخامس: تشريعات القضايا الرئيسية (القدس- الأرض– اللاجئين)

إجراءات ضم الضفة

استغلت إسرائيل أحداث "الطوفان" في إقرار إجراءات من شأنها ضم الضفة الغربية، حيث أقر الكنيست قانونا يقضي بضم مستوطنات جنوب مدينة الخليل الواقعة أقصى جنوب الضفة الغربية المحتلة، إلى ما تسمى "سلطة تطوير النقب"، وهو أحد مشاريع قوانين الضم.

ويعنى تغيير القانون أن البلدات اليهودية في المنطقة سوف تكون مشمولة بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في مقابل منع البلدات الفلسطينية التي تقع تحت حكم السلطة الفلسطينية من التمتع بهذه الخطط، وبهذا الشكل يرسخ القانون توجهات إسرائيل التي تهدف إلى تعزيز سلطة الحاكم العسكري على أراضي "يهودا والسامرة" كما تسميها إسرائيل، وبالفعل يتولى الوزير اليمين المتطرف "سموتريتش" هذه المسئولية بصورة رسمية معتمدا على هذه القوانين.

حظر عمل الأونروا - عودة اللاجئين

في تشرين الأول/ أكتوبر 2024 اعتمد الكنيست قانونا يحظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التابعة للأمم المتحدة، في المناطق الواقعة تحت ما تسمى "السيادة الإسرائيلية"، والمقصود تحديدا القدس الشرقية المحتلة، والبلدات والمخيمات التي ضمها الاحتلال الإسرائيلي لمناطق نفوذه، مثل مخيمي شعفاط وقلنديا، كما أنه بموجب القانون تم إغلاق مكتب الوكالة في القدس الشرقية، ويشمل القانون نزع المكانة الدبلوماسية الممنوحة للعاملين ضمن منظمات الأمم المتحدة.

وعلى الرغم من أن نص القانون لا يحظر عمل الأونروا في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن حظر تعامل الأجهزة والمؤسسات الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية، سيقود إلى منع جيش الاحتلال من التعامل مع الأونروا كوكالة تابعة للأمم المتحدة، في تلك المنطقتين، ما أدى إلى امتناعها عن العمل بعد بعض تعرضها لأعمال عدوانية.

حظر فتح سفارات في القدس الشرقية باعتبارها عاصمة فلسطين

في تشرين الأول/ أكتوبر 2024 أقر الكنيست قانونا يحظر فتح ممثليات دبلوماسية في القدس الشرقية المحتلة، تهدف إلى خدمة الفلسطينيين، من دون موافقة الحكومة الإسرائيلية. ويقول مقدم مقترح القانون زئيف إليكن "إن أي شخص يرغب في إنشاء بعثة أجنبية في القدس سيتعين عليه أن يتصرف وفقا لهذا القانون، وستكون البعثة ملزمة بتقديم خدمة لسكان دولة إسرائيل كون القدس هي العاصمة الأبدية غير القابلة للتجزئة لدولة إسرائيل، ولن يسمح لأي دولة بتحدي سيادتنا في القدس الموحدة، ولن يثنينا أي قدر من الضغوط عن التمسك بهذا المبدأ المهم".

يمثل هذا القانون تعديلا على قانون ضم القدس المحتلة وهو أحد قوانين الأساس التي تمثل في مجموعها دستور "إسرائيل" حيث أنها لم تكتب دستور بالشكل المتعارف عليه.

تمثل هذه الدوائر الخمس أهم القوانين التي اتخذتها دولة الاحتلال في مواجهة الفلسطينيين بعد طوفان الأقصى، مستغلة حالة الاستعلاء العسكري، والسعار السياسي، والحشد الإعلامي في تحقيق خطط قديمة يستنزل منها ما يناسب الظرف، وهو الأمر الذي تتقنه دوائر صنع القرار الإسرائيلية عبر الصبر الطويل واستغلال الفرص، لكنها في المقابل تعكس حالة رعب من الآثار التي خلفها السابع من أكتوبر. وفي كل الأحوال تهدم هذه الإجراءات الاستثنائية الصورة الديمقراطية التي تدعيها إسرائيل، فلم تعد واحة الحريات التي تتفاخر على جيرانها، في الوقت ذاته، فقدت للأبد رمزية الدولة، وأدبيات الحكم الرشيد.
التعليقات (0)