انتقل الوضع في
غزة، إلى مرحلة جديدة، خلال
الأسبوع الفائت. فمن جهة، تصاعدت عمليات المقاومة. وثبت أن استراتيجية "عربات
جدعون2" آيلة إلى فشل. وذلك بالرغم من التصعيد، الذي راح الجيش ينزله بسكان
غزة، على مستوى القتل الجماعي والتجويع، كما على مستوى التوسّع في التدمير، أكثر
من ذي قبل، من جهة أخرى.
فالتغيّر الذي حدث، يتمثل في الموقف الجديد،
الذي سرّب عن موقف لدونالد
ترامب، في لقائه مع وفد من رؤساء الدول العربية
والإسلامية، غاب عنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي. وهو تغيّب له مغزاه، ولا شك.
إن مشروع ترامب، أو مسودة مشروع ترامب، أو أيّة مفاوضات ستظل ملغومة، إن لم يؤمن لغزة، إنسحاباً كاملاً لجيش الاحتلال. ووقفاً للحرب، وحق تقرير المصير للشعب، المعني وحده بكيف يكون الوضع في المرحلة التالية.
ما سرّب من مشروع يطرحه ترامب، لإطلاق
الأسرى، ووقف الحرب في غزة. يتضمن تراجعاً عن موقفه السابق، الذي كان مطابقاً،
لموقف نتنياهو، بنسبة 100%. ولكنه تراجُع، ما زال بعيداً من "الاعتدال"،
المطلوب حتى من وسيط منحاز لنتنياهو. أي ما زال المشروع، الذي تضمن جديداً
وتراجعاً، بعيداً من إمكان القبول به، من المقاومة والشعب في قطاع غزة، أو من
الشعب
الفلسطيني، على العموم.
الهم الأول لترامب، هو إطلاق الأسرى، مقابل
الحصول على قبول نتنياهو، في ما يتعلق بانسحاب متدرّج، لجيش
الاحتلال، أو إبقاء
السيطرة الصهيونية، على القطاع، بصورة مباشرة وغير مباشرة. وذلك إضافة إلى تسليم
السلاح، والقضاء على المقاومة، أو إنهاء وجودها.
وهذا كله، من الظلم والإنحياز الأعمى،
لنتنياهو من ناحية، كما عدم واقعيته، وعدم اعترافه بالمقاومة، التي ما زالت تنزل
الضربات القاسية، بالجيش الصهيوني. وتحول دون تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية.
ومن ثم يكون مشروع ترامب، يرمي إلى أن يحقق
لنتنياهو، بالسياسة ما لم يستطع الجيش الصهيوني، وبالدعم العسكري الأمريكي، تحقيقه
بالحرب البريّة، وحرب الإبادة، والتجويع، طوال سنتين تقريباً.
إن العجيب، الواقف على رأسه، قي موضوع غزة،
يتمثل في موقف أمريكا، وعدد من الدول، في عدم الاعتراف، بحق المقاومة والشعب، في
أي مشروع ينهي الحرب، ويفرض الانسحاب على قوات الاحتلال. وهو موقف، أثبت في تجارب
المفاوضات، أنه غير قابل للتطبيق، وإنما يشكل تبريراً، لاستمرار الحرب وجرائم
الإبادة.
في تجارب كل الثورات، وحركات التحرّر الوطني، لم يكن من الممكن الاتفاق على هدنة طويلة، أو اتفاق دائم، إلاّ مع الطرف الذي قاد المقاومة المسلحة. وكان يُتهم بأنه مخرب أو إرهابي، أو مهدور الدم.
ففي تجارب كل الثورات، وحركات التحرّر
الوطني، لم يكن من الممكن الاتفاق على هدنة طويلة، أو اتفاق دائم، إلاّ مع الطرف
الذي قاد المقاومة المسلحة. وكان يُتهم بأنه مخرب أو إرهابي، أو مهدور الدم.
هذا ما حدث مع مانديلا في جنوبي أفريقيا،
ومع الحزب الشيوعي الفييتنامي، ومع قادة الثورة الجزائرية، وغيرهم وغيرهم.
لهذا، فإن مشروع ترامب، أو مسودة مشروع
ترامب، أو أيّة مفاوضات ستظل ملغومة، إن لم يؤمن لغزة، إنسحاباً كاملاً لجيش
الاحتلال. ووقفاً للحرب، وحق تقرير المصير للشعب، المعني وحده بكيف يكون الوضع في
المرحلة التالية.
وهذا ما تفرضه، موازين القوى على الأرض،
ويفرضه إجماع عالمي، على إدانة نتنياهو، باعتباره مجرم حرب وإبادة، ومن ثم ليس
لترامب، إلاّ أن يأخذ هذا بعين الاعتبار، وإلاّ لحقه الفشل والعار، إذا ما تبع
نتنياهو، وربط مصيره بمصيره، كما هو حاصل حتى الآن.