كتاب عربي 21

قطر والفرصة الأخيرة

أسامة جاويش
"سيقصف نتنياهو الدوحة مرات ومرات، ثم سيقصف القاهرة وعمّان والرياض، ولن يتوقف حتى إقامة إسرائيل الكبرى"
"سيقصف نتنياهو الدوحة مرات ومرات، ثم سيقصف القاهرة وعمّان والرياض، ولن يتوقف حتى إقامة إسرائيل الكبرى"
"سنستهدفهم مرة أخرى وعلى قطر أن تطردهم أو تقدمهم للعدالة".. تهديد جديد من مجرم الحرب رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدولة قطر؛ باستهداف قيادات حماس مرة أخرى بعد الضربة الفاشلة الأخيرة التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء.

التاسع من أيلول/ سبتمبر عام 2025، قرر نتنياهو أن يحرق كل السفن الدبلوماسية ويدمر كل مسار تفاوضي ويخلط أوراق التحالفات الإقليمية والدولية في العام العربي ويقصف العاصمة القطرية الدوحة، في محاولة لاغتيال خليل الحية ورفاقه من الوفد التفاوضي الفلسطيني الممثل لحركة حماس، ولكن العملية فشلت لأسباب مختلفة لم يعلن عنها بشكل رسمي حتى الآن.

في مثل هذه المواقف لا يُحسب رد الفعل وفقا للحسابات العادية والهدوء الدبلوماسي والصبر الاستراتيجي، بل يجب التعامل معه وفق سياسة تتلخص في كلمة واحدة هي الردع والردع فقط.

في مثل هذه المواقف لا يُحسب رد الفعل وفقا للحسابات العادية والهدوء الدبلوماسي والصبر الاستراتيجي، بل يجب التعامل معه وفق سياسة تتلخص في كلمة واحدة هي الردع والردع فقط

تحدثت قطر عن إرهاب الدولة، وصف رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني؛ نتنياهو بالشخص المارق المطلوب تسليمه إلى العدالة الدولية، علقت قطر دورها في المفاوضات، وأعلنت قطع أي أمل في إطلاق سراح الرهائن ودعت لقمة عربية طارئة لبحث ما أطلقوا عليه الرد العربي الموحد في مواجهة إسرائيل.

عربيا، تسابقت كل رئاسة وديوان أميري أو ملكي في العواصم العربية في إصدار بيانات سريعة تمحورت حول عدة كلمات؛ بين نشجب وندين ونرفض ونحذر وندعم ونؤكد ونقول ونكرر ونشدد ونمدد، إلى غير ذلك من العبارات التي لا تحمي سيادة او تردع عدوا او تحفظ أرضا.

دوليا، انتفضت أيضا العواصم الغربية وأطلق الرؤساء والساسة الأوروبيون عاصفة من التصريحات الغاضبة المنددة بالعدوان الإسرائيلي على سيادة دولة قطر، واصفين نتنياهو بالشخص الذي يخرب استقرار المنطقة ويدمر أي مسار لحكمة والمفاوضات.

المشترك في كل ما سبق من ردود فعل قطرية وعربية دولية هو غياب الردع تماما، وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها بنيامين ونتنياهو ووزراؤه المتطرفون في حكومته، ويحسب لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألف حساب.

مرت أربع وعشرون ساعة على اعتداء إسرائيل على سيادة دولة قطر فخرج نتنياهو فورا متباهيا فخورا بفعلته الحمقاء، موجها تهديدات جديدة إلى قطر وكل دولة تستضيف قيادات حماس على أراضيها، ودعم جريمته بعملية قتل أسامة بن لادن على يد الولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات.

تحركت قطر مرة أخرى، وتحدث رئيس وزرائها ووزير خارجيتها مع شبكة سي إن إن الأمريكية في حوار متلفز هدد فيه نتنياهو بشكل مباشر، وتوعده برد عربي موحد، واصفا ما جرى بالخيانة.

بالتزامن مع هذه التصريحات نشر موقع أكسيوس الأمريكي تقريرا نسب فيه تصريحات لمسؤول قطري أن الدوحة تعيد تقييم علاقتها الأمنية بالولايات المتحدة الأمريكية وتبحث عن شركاء جدد.

عند هذه النقطة تحديدا بدأت قطر في التلويح باستخدام سياسة الردع، فإعادة تقييمها للشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية والبحث عن شركاء جدد يعني أن قطر قررت الضغط على واشنطن وتل أبيب والخروج من مظلة التحالف الأمريكية إلى فضاء الصين وشركاء آخرين، وهو ما يحسب له ترامب ألف حساب.

ولكن الأمر لم يدم طويلا، سرعان ما نفت قطر تقرير أكسيوس عبر بيان من المركز الدولي للإعلام، والذي أكد متانة العلاقات الأمريكية القطرية وعمق الشراكة الأمنية بين البلدين.

لو سكتت قطر عن تقرير أكسيوس لكان أفضل ولأعطاها مساحة للضغط والمناورة واستخدام بعض أوراق القوة لديها في وجه أمريكا وإسرائيل، ولكن النفي قد أعادها إلى المربع صفر مرة أخرى، لتستمر في نفس الدائرة العربية الغربية في إطلاق بيانات شجب وإدانة.

حتى من كان يعول على أداء مغاير لمجلس الأمن الدولي خابت مساعيه، بعدما استمع إلى جلسة ماراثونية امتلأت بالبيانات والإدانة دون تسمية إسرائيل، ثم خلصت إلى صفر كبير وتهديد خطير من المندوب الإسرائيلي للجميع أمام أعين العالم.

هنا تتبقى فرصة قطر الأخيرة للبقاء، وليست خاصة بالدوحة فقط ولكنها تمس كل العواصم العربية والقادة العرب المشاركين في قمة الدوحة الطارئة، لبحث الرد العربي الموحد على إسرائيل.

الرد العربي الموحد يجب أن يحتوي على قرارات رادعة لإسرائيل، والحديث هنا ليس عن الحرب أو المواجهة العسكرية، وإن كانت واجبة بعد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سيادة الدول العربية

همسة في أذن هؤلاء القادة جميعا دون استثناء: جربتم بيانات الإدانة وفشلت، ثم جربتم اللجوء لمجلس الأمن وفشل، ثم جربتم الاعتماد على دونالد ترامب وحماية أمريكا وفشل أيضا، دفعتم مليارات بل تريليونات الدولارات واستضفتم قواعد عسكرية أمريكية على أراضيكم من أجل حمايتكم من التهديد الإيراني فقصفت إسرائيل ست دول عربية في يوم واحد، أفلا تجربون شيئا جديدا؟

الرد العربي الموحد يجب أن يحتوي على قرارات رادعة لإسرائيل، والحديث هنا ليس عن الحرب أو المواجهة العسكرية، وإن كانت واجبة بعد الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سيادة الدول العربية.

قطع العلاقات الدبلوماسية فورا مع الكيان، تعليق اتفاقيات السلام، إلغاء اتفاقيات التطبيع الموقعة (اتفاقيات أبراهام وغيرها)، وقف التبادل التجاري فورا بين جميع الدول العربية وإسرائيل، فرض حظر جوي وبري على السفن والطائرات الإسرائيلية في الأجواء الجوية والموانئ العربية بشكل فوري، غلق سفارات الاحتلال في العواصم العربية وطرد سفرائه فورا، وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة فورا وانسحاب الجيش الإسرائيلي من كافة أراضي القطاع.. إن لم يحتو البيان الختامي لقمة الدوحة على هذه الإجراءات أو بعضها ومرت مرور الكرام؛ فسيقصف نتنياهو الدوحة مرات ومرات، ثم سيقصف القاهرة وعمّان والرياض، ولن يتوقف حتى إقامة إسرائيل الكبرى.

هذه هي فرصة قطر الأخيرة للبقاء، وإن أضاعتها فستعبث إسرائيل في العواصم العربية في كل يوم مرة أو مرتين.
التعليقات (0)

خبر عاجل