ما يحدث في العالم وأمام العالم اليوم، هو فعلا تغير غير مسبوق، وهي خطوة أولى، إن لم تكن منتصف الطريق، نحو تغير شامل كبير يقلّب العالم رأسا على عقب، منذرا بأفول حضارة بأكملها: حضارة الغرب بشكل عامّ، ونهاية القرن الأمريكي كما يشير إليه كثيرٌ من الباحثين في التاريخ والتطور البشري.
نتحدث عن هذا الموضوع من باب أن ما يحدث في
غزة ليس له مثيلٌ في العالم الحديث؛ وضعٌ تتحكم فيه قوة وحيدة تدفع باتجاهات غير مدروسة على المدى المتوسط والبعيد، سلطة عالمية انتقلت من الليبيرالية العالمية، وسياسة العولمة والاحتواء العالمي، إلى قوّة أنانية تأكل وتنهش نفسها بنفسها وتقرض حتى حلفاءها من حيث تريد أن تتقوى على الجميع من دون حاجة لأحد في البقاء، إلا بما يضمن لها الهيمنة التجارية والاقتصادية الظرفية بشكل أحادي وأناني.
هذا الوضع هو ما قد يخلق شرخًا في المنظومة الاقتصادية والسياسية العالمية. يحدث هذا بالتوازي، في عدة عواصم، وعلى مستوى الكويكبات الدائرة في فلكها: الفضاءات الوظيفة العاملة على الإبقاء على تفوُّق القوة الأمريكية في العالم، والمسماة عادة درك المناطق ومنها دولة الكيان.
هذا الكيان، الذي بدأ يعدّ أيامه الأخيرة، وبدأ معه العدُّ التنازلي لضعف المنظومة التي تحمي هذا الكيان وهذا النظام برمته؛ نظام صنعته قواعد قوة ما بعد
الحرب العالمية الثانية، الذي بلغ اليوم 80 سنة، مما يعني أن الشيخوخة قد بدأت تدبُّ في أوصاله، وعليه أن يتغيَّر بالضرورة، من دون أن يعني ذلك السقوط الكلي.
الكيان زائلٌ حتما. الزوال لا يعني السقوط المدوِّي، بل قد يكون على مراحل وقد بدأ ذلك،
عمليا، سينهي الكيان الصهيوني “دورته الجيلية” الثانية بعد 3 سنوات، أي سنة 2028، إذ يكون قد مرَّ على إنشاء هذا الكيان الوظيفي غير الشرعي، 80 سنة، أي نهاية الجيل الثاني، وعمر الكيانات اليهودية التي تأسَّست عبر التاريخ في المنطقة لم تتجاوز هذا العمر، وهذا معروف لديهم في كتبهم ولدى منجِّميهم وكهنتهم. هذا التاريخ ليس قدرا محتوما بالطبع، لكن التغيّر بعد كل جيل قائم تاريخيّا منذ ما قبل التاريخ، لأن التاريخ هو تاريخ الإنسان، وتطور الإنسان يرسم تطور الإنسانية، فهو في حد ذاته تطور للإنسان وأجياله، وهو قلب نظرية ابن خلدون، والذي نجدها في كل نظريات التطور والتغير الدائرية واللولبية من “فيكو” مرورا بمنظري القرن الـ18 إلى آخر نظريات نهاية التاريخ وصدام الحضارات.
الكيان زائلٌ حتما. الزوال لا يعني السقوط المدوِّي، بل قد يكون على مراحل وقد بدأ ذلك، وما يحدث لهذه البؤرة منذ سنوات ينذر بنهاية غير بعيدة. لأن هذا سيكون متزامنا مع بداية ضعف اليد الرافعة الصانعة لهذا الكيان منذ ما بعد الحرب العالية الثانية وأسطورة المحرقة و”إيديولوجيا معاداة السامية” والمظلومية التاريخية لليهود والشتات اليهودي منذ “نبوخنذ نصر” البابلي، إلى “تيتوس” الروماني، التي بدأت تتهاوى عالميا أمام جرائم الكيان.
هذا الكيان الذي انتقل من الدفاع عن تلميع وجه الاستيطان قبل اليوم، ليسقط في حضيض الانتقام الوحشي غير العقلاني: هجوم أرعن عابث بكل القوانين، وحش كاسر يدوس على كل الأعراف الدولية والإنسانية والأخلاقية العالمية.
حيوان، مسعور جريح لم يعد أحدٌ يقدر على التحكم فيه بمن فيه صانعه وحاميه وموظفه في المنطقة والعالم: هيجان أعمى، سينتهي به المطاف في الأخير في السقوط في مستنقع لا فكاك منه، وقد حصل، وسيجرُّ داعميه إلى المآل ذاته لاحقا على المدى المتوسط، إذ ليس من المستبعد أن نرى بعد 25 سنة، بداية تهاوي نفوذ القطب المهيمن لصالح أقطاب نامية.
الشروق الجزائرية