كتاب عربي 21

ترامب ونتنياهو إلى أين؟

منير شفيق
"ما يفعله ترامب منذ عودة نتنياهو من واشنطن، وقبل ذلك عمليا، قد طبّق سياسة ترك نتنياهو ينفذ المضيّ في سياساته"- جيتي
"ما يفعله ترامب منذ عودة نتنياهو من واشنطن، وقبل ذلك عمليا، قد طبّق سياسة ترك نتنياهو ينفذ المضيّ في سياساته"- جيتي
مرّة أخرى يجد ترامب نفسه أمام امتحان غزة، فقد كشفت كل تصريحاته خلال الأسابيع الثلاثة الماضية ذلك. وقد راح يلوّح بأن اتفاقا لهدنة الستين يوما اقترب واقترب جدا، ثم تراجع عندما جاء جواب المفاوض الفلسطيني، في مفاوضات قطر، متسّما بالمرونة من جهة، وبالتمسّك بالثوابت في رفض الخرائط، التي رسمها سموتريتش وحملها الموفد الأمريكي ويتكوف، من جهة أخرى، الأمر الذي فرض على ترامب وويتكوف أن يكشفا، مرّة أخرى، عن انحياز لنتنياهو، دمرّ المفاوضات.

فما إن سحب نتنياهو وفده لتلك المفاوضات، حتى سارع ترامب وويتكوف ليحمّلا حماس مسؤولية فشلها. وقد أضاف ترامب تهديدا بالقضاء على حماس، وسحب سلاحها.

وبهذا دخل في لعبة كلامية، تناقض تصريحاته السابقة قبل ساعات، ولكن طابعها هذه المرّة كان الذهاب إلى الحرب، والحسم بالحرب، وهو يعلم أن الجيش الصهيوني، منذ 21 شهرا، عجز عن الحسم العسكري، بل وجّهت المقاومة له ضربات عسكرية موجعة، جعلت قيادة الأركان تعلن، بلا مواربة، أنها وصلت حدّها في ما يمكن أن تفعله، بما يعني عدم المضيّ بالحرب.

وبهذا يكون ترامب قد أطلق تهديدات لا يستطيع تنفيذها، وعرّض نفسه لتجاوزها، والتراجع عنها، إن لم يكن بصورة واضحة، وإنما بالعودة إلى المفاوضات، أو عرض العودة للمفاوضات.

على أن ما يفعله ترامب منذ عودة نتنياهو من واشنطن، وقبل ذلك عمليا، قد طبّق سياسة ترك نتنياهو ينفذ المضيّ في سياساته، بمواصلة التنمّر العسكري على غزة، مضيفا إلى الإبادة التجويعَ الإجرامي، بقتل الأطفال والمجوَّعين، ومن ثم التهرّب من اتفاق وقف إطلاق نار ينتهي بإنهاء الحرب، وبعدم المساس بسلاح حماس،
قدرة نتنياهو، حتى اللحظة، على تحدّي دول العالم وتجاوز ترامب، بمواصلة التوتير والاعتداءات العسكرية والتنمّر؛ شيء، وأن قدرته على إحداث أي تغيير في تثبيت واقع جديد دائم، شيء آخر
وبعدم بقاء الجيش الصهيوني محتلا لما احتلّ من القطاع. أي لو بخسارة تمسّ مكانة الكيان الصهيوني، حين يجد نفسه معزولا دوليا، وحتى متوترا، بعلاقة على كف عفريت مع ترامب المتقلّب.

هذه المعادلة راحت تهز سياسة ترامب، نسبيا، في لبنان وفي سوريا، ومع إيران. وذلك بتصعيد نتنياهو للاعتداءات العسكرية والتنمّر، وإطلاق التصريحات التي توهم بأنه قادر على إعادة تغيير خرائط دول ما يسمّونه "الشرق الأوسط"، بينما يُعلن ترامب سياسات أخرى.

بكلمة، نتنياهو يعتمد على قوة الطيران، لكن لا يملك جيشا يستطيع أن يحتلّ ويفرض واقعا، كما فعل في عدوان 1967 و1982، وليس لديه معادلة ميزان قوى تسمح له بذلك.

هنا يجب التنبيه إلى أن قدرة نتنياهو، حتى اللحظة، على تحدّي دول العالم وتجاوز ترامب، بمواصلة التوتير والاعتداءات العسكرية والتنمّر؛ شيء، وأن قدرته على إحداث أي تغيير في تثبيت واقع جديد دائم، شيء آخر. كما يجب التنبيه إلى أن نتنياهو ضعيف جدا، ومعرَّض للسقوط، نتيجة عزلته الدولية، وانقلاب الرأي العام العالمي ضدّه، وبسبب ما يُواجهه من تناقضات داخلية، وضغوط من الشارع، أو القضاء، أو لعدم الإنجاز العسكري الملموس.

نتنياهو يستطيع، كما ثبت، وكما هو جارٍ، أن يتمرّد ويركب رأسه، ويتحدّى كل ما هو ضدّه، ولكن لا يستطيع منع تدخل عوامل جديدة، أو تعاظم العوامل التي ضدّه وأن تقوى عليه لاحقا، وتلوي ذراعه، ولا سيما الدور الهائل للمقاومة، وتصاعد ضرباتها العسكرية الموجعة.
التعليقات (0)

خبر عاجل