صحافة دولية

"عربات جدعون" .. ماذا تعرف عن خطة الاحتلال الأكثر بشاعة في غزة؟

تعتبر عملية عربات جدعون مستوى دموي آخر من الإبادة الجماعية في غزة- جيتي
تعتبر عملية عربات جدعون مستوى دموي آخر من الإبادة الجماعية في غزة- جيتي
أقرّ المجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغّر (الكابينت) خطة تصعيد جديدة في قطاع غزة تحمل اسم "عربات جدعون"، وتستند إلى سياسة التجويع الممنهج، وشنّ مجازر كثيفة، ومنع إدخال الغذاء والدواء، بهدف إعادة تقسيم القطاع إلى معازل صغيرة تدفع بالفلسطينيين نحو منطقة محددة تُعرف بـ"غزة الصغرى"، تمهيدًا لتهجيرهم القسري خارج القطاع.

لكن ما هي خطة "عربات جدعون"؟ وكيف يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تنفيذها في ظلّ التفاقم المتسارع للأزمة الإنسانية في غزة؟

مكونات خطة "عربات جدعون" وأهدافها
وافقت حكومة الاحتلال رسميًا، في السادس من أيار/ مايو الماضي٬ على الخطة التي تهدف إلى القضاء على حركة "حماس"، وترسيخ واقع أمني جديد في غزة يضمن استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي، مع تحقيق ما تسميه "عودة الرهائن". 

وتوصف الخطة بأنها متكاملة، وتستند إلى مزيج من الضغط العسكري، والدبلوماسي، والإعلامي، لتحقيق الأهداف المعلنة.

ومع أن الاحتلال الإسرائيلي لم يقدّم تصورًا واضحًا لمرحلة ما بعد الحرب، بسبب الخلافات الداخلية وضعف التنسيق مع واشنطن، فإنها تشترط لمرحلة "اليوم التالي" القضاء التام على حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وفرض سيطرة عسكرية دائمة على القطاع.

وفي هذا السياق، شدد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على أن "تحقيق النصر" يتطلب احتلالًا مباشرًا، ونزع سلاح غزة، وتفكيك سلطة "حماس"، ونقل السكان إلى جنوب القطاع لتوزيع المساعدات هناك، مع وضع إطلاق سراح الأسرى في أسفل قائمة الأولويات.

اظهار أخبار متعلقة


ثلاث مراحل للتنفيذ
تُنفَّذ خطة "عربات جدعون" عبر ثلاث مراحل رئيسية

المرحلة الأولى: الاستعداد اللوجستي والنفسي
بدأت بالفعل وانتهت مع موعد انتهاء زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة وتشمل:
- التحضير لتهجير السكان إلى جنوب القطاع، وخصوصًا إلى المنطقة بين محوري موراغ وفيلادلفيا.
- إنشاء "مراكز لوجستية" لتوزيع الغذاء والمياه والأدوية بإشراف شركة أمريكية.
- تدمير الأنفاق التي تربط رفح بخانيونس والمناطق الوسطى، بهدف عزل المناطق وقطع خطوط التهريب والتنقل.

المرحلة الثانية: القصف التمهيدي والتهجير القسري
وهي الأخطر إنسانيًا، وتشمل:
- تنفيذ قصف جوي وبري مكثف في أنحاء القطاع.
- تهجير السكان إلى مناطق محددة في رفح عبر التهديد أو التوجيه بواسطة منشورات ورسائل.
- إقامة "نقاط تصفية أمنية" يشرف عليها الجيش والشاباك لمنع تسلل المقاومين.

المرحلة الثالثة: الاجتياح والتفكيك العسكري
تبدأ بعد إخلاء المدنيين، وتشمل:
- اجتياح تدريجي للمناطق المُخلاة شمالًا.
- تدمير شامل للبنية التحتية العسكرية لحماس، بما في ذلك الأنفاق والمقرات.
- تمركز طويل الأمد للجيش الإسرائيلي لمنع إعادة بناء القدرات العسكرية للفصائل.

اظهار أخبار متعلقة


أدوات الضغط المرافقة
يعتمد المخطط الإسرائيلي على خمس "روافع ضغط" لتحقيق أهدافه:
- الاحتلال والسيطرة الميدانية.
- فصل السكان عن المقاومة عبر نقاط تفتيش تُعرف بـ"المصارف".
- منع وصول المساعدات إلى حماس.
- الفصل بين حماس والمدنيين.
- الرافعة المعرفية، وتشمل الحرب النفسية والاستخباراتية للضغط على القيادة الفلسطينية.

ويسعى الاحتلال الإسرائيلي، عبر هذه الإجراءات، إلى خلق بيئة تُفضي إلى ما تسميه "هجرة طوعية" للفلسطينيين، سواء إلى سيناء أو عبر البحر، في ظلّ مفاوضات سرية مع دول أجنبية لاستيعاب لاجئين فلسطينيين، بحسب ما ورد في تقارير إعلامية.

تهجير قسري تحت غطاء المساعدات
وصدرت تصريحات إسرائيلية عديدة تؤكد أهداف الخطة، أبرزها ما قاله وزير المالية المتطرف وعضو مجلس الحرب بتسلئيل سموتريتش، الذي دعا علنًا إلى إعادة احتلال القطاع لخمسين عامًا، وتدميره بالكامل، ودفع سكانه إلى الهجرة الجماعية.

وقال سموتريتش وفق ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن "صورة النصر" تتحقق عندما يُحشر سكان غزة جنوب محور موراغ، ويُدفعون إلى مغادرة القطاع نهائيًا. 

وأضاف: "حينها ندرك أن لا أمل لديهم، وأن لا شيء ينتظرهم في غزة، ويبدأون البحث عن حياة جديدة في أماكن أخرى"، مشددًا على أن إسرائيل ستفرض سيطرتها الكاملة على القطاع لعقود قادمة.

اظهار أخبار متعلقة


لن تجدي نفعا مع حماس
وبحسب الرئيسة السابقة لوحدة الأبحاث في "وكالة الأمن الإسرائيلية"٬ نعومي نيومان٬ فالخطة التي ترفع شعار "إزالة حماس" من غزة وتحظى بإجماع سياسي واسع يكتنفها الغموض حول المآل النهائي. فخطة "عربات جدعون"، لن تفلح في تغيير موقف حركة "حماس" أو دفعها نحو القبول بتسوية تبدو محدودة. 

وترى الباحثة في التحليل الذي نشرته في معهد واشنطن٬ تبعاً لهوية "حماس" كحركة مقاومة إسلامية، يصعب تصور قبولها بالاستسلام للاحتلال الإسرائيلي، سواء على المستوى السياسي أو العقائدي. بل إن إطالة أمد الاحتلال واستمرار الإدارة العسكرية – سواء كانت صريحة أو ضمنية – قد يمنح الحركة فرصة لإعادة تموضعها وتعزيز شعبيتها، لا سيما في ظل تنامي الغضب الشعبي داخل غزة والضفة الغربية، واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية.

وتقول "رغم ما قد تبديه "حماس" من مرونة تكتيكية في ظل تصاعد الضغط العسكري الإسرائيلي، كتقديم تنازلات جزئية تتعلق بملف الرهائن أو قبول هدنة مؤقتة، إلا أن من غير المرجح أن توافق على تسوية شاملة دون ضمانات دولية راسخة، تشمل وقفاً لإطلاق النار يمتد لسنوات، وانسحاباً تدريجياً من القطاع، وإنشاء سلطة فلسطينية مدنية تدير شؤونه، مع حرص الحركة على الاحتفاظ بتأثير داخل هذه السلطة ولو بشكل غير مباشر".

وتضيف "عملياً قد يؤدي تنفيذ الخطة الإسرائيلية إلى إضعاف القدرات العسكرية للحركة على المدى القريب، وتفكيك بنيتها القيادية، لكنه لن يضمن زوالها ككيان فكري وتنظيمي. كما أن محدودية الأولوية التي توليها الخطة لقضية الرهائن، تطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية للعملية، ومدى التزام الحكومة الإسرائيلية تجاه مواطنيها".

وتؤكد أن نجاح الخطة أو فشلها سيظل مرهوناً بعوامل عدة،  أبرزها "موقف الولايات المتحدة والدول الإقليمية، واستعدادهما لممارسة ضغوط فعلية على طرفي النزاع. أما في حال غياب هذا التدخل، فإن الخطة مرشحة لتعميق الانقسام وتغذية التطرف، بل وقد تُفضي إلى احتلال طويل الأمد للقطاع، يقابله تمرد متواصل تقوده "حماس"، مع ما يحمله ذلك من تداعيات إنسانية وسياسية وأمنية خطيرة، قد تُعيق الأجندات الأمريكية الأوسع في المنطقة، ومنها تلك التي تحاول زيارة ترامب ترسيخها".
التعليقات (0)