أن تستأنف
إسرائيل جريمة الإبادة الجماعية في
غزة، وتواصل سيناريو التهجير
والتدمير في مدن الضفة على ذات النسق، على مرأى ومسمع العالم كله، يعني أن الخطط
الإسرائيلية وبدعم أمريكي ماضية إلى ما لا نهاية، وأن كل الكلام الذي سبق استئناف
جرائم الإبادة الجماعية في غزة، من توصيف وجهود وإدانة لحجم المأساة
الفلسطينية
والعمل على وقفها، نابع من الجبن العربي والغربي والرغبة اللاواعية في درء المخاطر
والخطط التي تقود لجريمة التطهير العرقي.
فمع عودة الحديث مجددا عن تنشيط خطة ترامب لتهجير سكان غزة بعد إكمال همجية
الاحتلال لتدمير كل مقومات الحياة هناك، وتحميل الفلسطينيين مسؤولية استئناف
إبادتهم، وبعد إضافة اللمسة الفاشية الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية، هناك
العديد من المواقف العربية التي تدعم الخيال الأمريكي الإسرائيلي المتكرر عن
السلام ومسؤولية الضحية في تعطيله، بينما جريمة الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين
تطرق حدودها وفضاءها، وبما لا يدع مجالا للشك بأن الأمر تخطى حساب السابع من أكتوبر
الذي تذرعت به مواقف الصمت الرسمي على الجرائم والتستر عليها شرقا وغربا وجنوبا
وشمالا في المعمورة كلها، حتى وصلت غطرسة القوة والعدوان الإسرائيلي للتجول بحرية فوق
سماء وأرض عربية.
العديد من المواقف العربية التي تدعم الخيال الأمريكي الإسرائيلي المتكرر عن السلام ومسؤولية الضحية في تعطيله، بينما جريمة الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين تطرق حدودها وفضاءها، وبما لا يدع مجالا للشك بأن الأمر تخطى حساب السابع من أكتوبر الذي تذرعت به مواقف الصمت الرسمي على الجرائم والتستر عليها شرقا وغربا وجنوبا وشمالا في المعمورة كلها، حتى وصلت غطرسة القوة والعدوان الإسرائيلي للتجول بحرية فوق سماء وأرض عربية
تحديد المواقف العربية من الجرائم الإسرائيلية، يأتي بعد سقوط مفهوم القضية
المركزية للعرب "فلسطين" وعدم تمتعها بنفس الوزن التاريخي والرمزي،
والتسلسل الهرمي للمواقف العربية والدولية التي تراقب عداد الجرائم الإسرائيلية
والضحايا الناجمة عنها في غزة؛ يشي بأن مشروع مواجهة الغطرسة الصهيونية في المنطقة
العربية أصبح خارج المعادلة السياسية والأمنية، ومناقضا إلى حد كبير وفج لمبدأ
المصالح وعلاقات "التطبيع" العربي مع الاحتلال، وأن أي علاقة مستقبلية
معه بدعم أمريكي لهذا التوجه ستكون ذيلية وخاضعة للشروط الإسرائيلية؛ كما هو موضح
في جملة المواقف الإسرائيلية عن مفهوم سلام القوة الذي ستفرضه على المنطقة، ولا
يغيب عن بال أحد الموقف الأمريكي المشارك بكل قوة في جرائم الإبادة الإسرائيلية،
وفي مواقف الضغط على النظام العربي لتنفيذ المخطط الإسرائيلي.
للآن، ومنذ 15 شهرا من جرائم الإبادة الإسرائيلية في غزة، وتصاعد العدوان
في مدن الضفة، لم تسجل مواقف عربية لافتة، لها القدرة على وقف الجرائم، ولا مواقف
تسجل على أنها عوامل ضغط عربي مساندة ومنقذة للفلسطينيين. طوال هذه المدة كانت
مواقف غير عربية؛ من جنوب أفريقيا إلى أوروبا وجامعات أمريكية ونخب وممثلين
ومثقفين وسياسيين يسجلون مواقفهم في الجانب العادل والصحيح من التاريخ، ولم نحفظ
سوى
خذلان النظام العربي لشوارعه الغاضبة على وجود وبقاء سفارات الاحتلال في عواصم
عربية. والغضب من حالة الهوان والذل التي ترافق الموقف الرسمي العربي والفلسطيني
لما يجري لأبناء فلسطين يجري امتصاصه وفقا للرغبة الأمريكية، وللآن بات الشكل
الكلاسيكي للسياسة العربية في القمم العربية أو في التواصل البيني والمشترك بين
المسؤولين والقادة هاتفيا أو جسديا، يبحث عن أمر واحد فقط، هو عن كيفية تحقيق
الرضوخ الفلسطيني الكلي للشروط الإسرائيلية، أو في تبني رسائل الضغط الأمريكي الإسرائيلي
للطرف الفلسطيني.
لو كانت هذه الشواهد العربية مختلفة عما ظهرت عليه للعربي والفلسطيني، لما
استمر العدوان بهذا الشكل، أو استؤنف بنفس البشاعة التي بدأ بها، لأن الاستجابة العربية
هي للتركيز الشديد على "المقاومة" كسبب لخراب ما كان أو سيكون، على
اعتبار أن ما مضى كان رغيدا لشعبٍ يُقتل كل يوم وتسرق أرضه وتهوّد، وأن مستقبله
سيكون وفق ما تكشف عنه فاشية اليمين الصهيوني من ضرورة إبادة "الأغيار"،
وهي تحصيل حاصل لسياسة الخنوع الكلي للقدر الصهيوني المتفوق على العرب بالقوة
والتكنولوجيا والهيمنة.
فالمصلحة العربية الرسمية المباشرة، لم تكن طوال أيام العدوان الطويلة
واضحة بالقوة التي يتطلع إليها أشقاؤهم في فلسطين، والقوة هنا لها مفاعيل عديدة
بيد العرب الذين يؤمنون بمسيرتهم "السلمية" مع الاحتلال وفق المصالح
المشتركة، إذا افترضنا أنها ستذهب وفق ذلك، لكنها ذاهبة نحو الخنوع والإذلال
العلني والشامل لا قدر الله، وفق المشيئة الأمريكية الصهيونية للمنطقة العربية،
والتي ينظر إليها بوضوح على أنها حارسة للمحتل ومستثمرة في مشروعه الاستعماري في
فلسطين.
الإبادة الجماعية مستمرة في غزة، وجرائم التطهير العرقي في مدن الضفة تجري أمام تواطؤ العالم كله، لكن لا ينبغي لنا أن نخذل ذواتنا، لأنه آن أوان وضع حد لمنطق مغازلة الجلاد والمحتل والمستبد لتوفير استجابة سياسية فاشلة وسيئة منذ ثلاثة عقود
الحروب العربية الزائفة، على الذات وعلى محاربة "الإرهاب" ذابت
مثل الثلج تحت شمس العدوان الإسرائيلي على غزة، مثل ذوبان مرجعيات القانون الدولي
وشرعة حقوق الإنسان واحترام شرعة الأمم المتحدة والمحاكم الدولية واحترام نصوص
وقرارات مجلس الأمن. والزيف الأمريكي الصهيوني تعرّى إلى حد الفضيحة المدوية، لكن
ماذا عن المكتشف العربي الرسمي الذي يطبل للقانون الدولي دون اللجوء له؟ بمعنى
استخدام السياسة للدفاع عن مصالحه، على الأقل تهديد المصالح الأمريكية الإسرائيلية
لوقف جرائم الإبادة، وليس منح المحتل وداعمه الأمريكي استثمارات بمئات المليارات
للمضي بدعم الإبادة الجماعية، أو منحه استخدام الجغرافيا العربية لنفس الهدف
المرجو لهزيمة شعب تحت الاحتلال.
ليس هناك ما يضمن أن الفاشية الصهيونية ستتوقف عند حدود "استسلام"
غزة أو هزيمتها بتنفيذ مشروع التطهير العرقي للسكان، وليس هناك ما يضمن أيضا أن إسرائيل
ستخرج منتصرة على الشعب الفلسطيني في أرضه. إن انتصار أو فشل أهداف العدوان والخطط
والمؤامرات الإسرائيلية الأمريكية، يعتمد على الاتجاه الذي ينبغي أن تسلكه القوى
الفلسطينية سلطة وفصائل وحركات، وما ينبغي تشكيله من تحالف واسع النطاق وفق
مرجعيات وأسس صحيحة بعيدا عن التمترس في أخطاء الماضي والدفاع عن كوارث الحاضر.
ولوقف الابتذال الفلسطيني والعربي المخزي للإبادة الفلسطينية، هناك ضامن للشعب
الفلسطيني في استعادة وحدته ومنظمته يتعين عليه الإمساك به بقوة والدفاع عنه لصون
القضية وحقوق شعبها.
أخيرا، الإبادة الجماعية مستمرة في غزة، وجرائم التطهير العرقي في مدن
الضفة تجري أمام تواطؤ العالم كله، لكن لا ينبغي لنا أن نخذل ذواتنا، لأنه آن أوان
وضع حد لمنطق مغازلة الجلاد والمحتل والمستبد لتوفير استجابة سياسية فاشلة وسيئة
منذ ثلاثة عقود، منطق رمى بالقضية كلها في بطن المستعمر الصهيوني، وهو أسلوب معادٍ
لاستخدام العقل ومراجعة الذات، وهو أمر فشل أيضا باستبدال الابتذال المحزن للقضية
الفلسطينية.
x.com/nizar_sahli