نشرت
صحيفة "
واشنطن بوست" تقريرًا قالت فيه، إن
لبنان يستعد لتصعيد عسكري
إسرائيلي آخر قد يهدد
تعافيه الهش ويعيد البلاد إلى أتون الحرب، بعد مرور ثلاثة عشر شهرا على اتفاق وقف
إطلاق النار الذي كان من المفترض أن ينهي الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله.
وقال
مسؤولون لبنانيون في الأيام الأخيرة إن رسائل من وسطاء، من بينهم الولايات
المتحدة، حذرت من احتمال شن عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق في البلاد، على
الرغم من أن توقيتها غير واضح، وقد أبرز هذا التهديد أوجه القصور في اتفاق الهدنة،
الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وفرنسا، والذي رُوّج له على أنه اختراق من شأنه
أن يُعيد الهدوء، في ضوء
التحذيرات، يكثّف لبنان اتصالاته الدبلوماسية لحماية الدولة ومؤسساتها في حال
تصاعد التوتر، حسبما كتب وزير الخارجية يوسف راجي يوم الجمعة في منشور على منصة "إكس".
منذ
توقيع الهدنة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، شنّت "إسرائيل" غارات جوية شبه يومية
على لبنان، ودمّرت منازل وبنى تحتية أخرى خلال غارات متكررة، واستمرت في احتلال
خمس مناطق استراتيجية في جنوب البلاد، وهي أعمال وصفها مسؤولون لبنانيون وأمميون
بأنها انتهاكات متكررة لوقف إطلاق النار.
انتقدت "إسرائيل" الحكومة اللبنانية وقواتها
المسلحة ضعيفة التجهيز لعدم نزع سلاح
حزب الله، وهي مهمة يقول مسؤولون لبنانيون
إنها جارية، ولكن نظرا لحساسيتها، ستُنفّذ على مراحل، أدى
هذا المأزق إلى حالة من عدم الاستقرار في لبنان قبيل الموعد النهائي المحدد بنهاية
العام، والذي كان قد حُدد في آب/ أغسطس الماضي، حين طلبت الحكومة اللبنانية من
الجيش وضع خطة لوضع الأسلحة تحت سيطرة الدولة الحصرية.
لا دليل يُثبت استئناف حزب الله نشاطه العسكري
وقبل
أقل من ثلاثة أسابيع على الموعد النهائي، صرّح الجيش في بيان نُشر في صحيفة
"واشنطن بوست" بأن المرحلة الأولى من الخطة، التي تركز على
"السيطرة على الأسلحة" جنوب نهر الليطاني - وهي منطقة تقع شمال الحدود
الإسرائيلية مباشرة وتُعدّ بندًا بارزا في اتفاق الهدنة - قد شارفت على الانتهاء، وأضاف
البيان، في إشارة إلى حزب الله، أن إسرائيل "لم تُقدّم أي دليل ملموس يُثبت
استئناف النشاط العسكري جنوب نهر الليطاني، ولا أي إعادة بناء منهجية للقدرات
القتالية".
هيئة مراقبة وقف إطلاق النار لم توقف الغارات
وبعد
أشهر من القلق المتزايد - الذي غذّته الهجمات الإسرائيلية المتصاعدة في الجنوب،
وشائعات عن تفاقم الوضع، واقتراب الموعد النهائي - بدا أن تطورا حدث الأسبوع
الماضي قد خفّف من حدة التوتر قليلًا، فقد اتفق لبنان وإسرائيل على تعيين ممثلين
مدنيين في هيئة مراقبة وقف إطلاق النار، في سابقة نادرة للمفاوضات المدنية
المباشرة بين البلدين، اللذين لا يزالان رسميًا في حالة حرب، لكن قرار لبنان إرسال
ممثل مدني، وهو سيمون كرم، السفير السابق لدى واشنطن، لم يوقف الغارات الجوية.
وأفادت
وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن إسرائيل شنت يوم الجمعة غارات جوية جديدة على
مناطق في جنوب وشرق لبنان، دون وقوع إصابات. ووفقا لوزارة الصحة اللبنانية، فقد
قُتل ما لا يقل عن 335 شخصا في لبنان جراء الغارات الإسرائيلية منذ بَدْء الهدنة،
وكان نصفهم تقريبًا من المدنيين، بحسب الأمم المتحدة، فيما أصدر الجيش
الإسرائيلي بيانًا قال فيه إن أحد الأهداف كان مجمعًا تابعا لحزب الله مخصصًا
"للتدريب والتأهيل"، وأن الغارات استهدفت "بنية تحتية عسكرية"
أخرى.
تهديدات بالقصف رغم التفتيش
ولم
يوضح البيان ما إذا كان مركز التدريب أو البنية التحتية الأخرى لا تزال قيد
الاستخدام. وجاء في البيان: "إن وجود تدريبات عسكرية وإنشاء بنية تحتية
إرهابية مُخصصة لشن هجمات ضد دولة إسرائيل يُعد انتهاكًا للتفاهمات بين إسرائيل
ولبنان"، وفي
حادثة متوترة أخرى يوم السبت، فتّش الجيش اللبناني منزلًا بحثا عن أسلحة في قرية
يانوح الجنوبية، وأعلن أنه لم يعثر على شيء. ثم هددت إسرائيل بقصف المنطقة، ما دفع
الجنود إلى تفتيش المنزل مرة أخرى. وفي نهاية المطاف، أوقفت إسرائيل الضربة بعد
رفض الجنود الانسحاب من القرية "لمنع استهدافها"، بحسب ما أفاد الجيش.
"الغموض الهائل يُخيّم على كل شيء"
وأضاف
بول سالم، الباحث البارز في معهد الشرق الأوسط بواشنطن والمقيم في بيروت، أن وابل
الغارات الجوية وشبح التصعيد تركا الحكومة اللبنانية في حالة من عدم اليقين
"في أي يوم من الأيام، بشأن ما سيقرره الجيش الإسرائيلي أو رئيس الوزراء
بنيامين نتنياهو". وتابع قائلًا: "هذا الغموض الهائل يُخيّم على كل شيء"، بدوره قال
علي حمدان، مستشار رئيس البرلمان اللبناني وحليف حزب الله نبيه بري، في مقابلة
صحفية، إنه بينما أوضح الجيش اللبناني أنه يتبنى نهجا تدريجيًا لنزع السلاح، فإن
"إسرائيل تريد أن يتم ذلك في غضون 24 ساعة".
رفض نزع السلاح بسبب "البلاد لا تزال في حالة حرب"
وقد
وافق حزب الله، الذي تكبّد خسائر فادحة - بما في ذلك اغتيال زعيمه حسن نصر الله وعدد من كبار قادته - على نزع سلاحه في
جنوب لبنان وتسليم السيطرة هناك للجيش اللبناني، لكن
الحزب رفض دعوات لتسليم أسلحته على نطاق أوسع، قائلًا إن البلاد لا تزال في حالة
حرب، وأن على إسرائيل أولا الالتزام ببنود اتفاق وقف إطلاق النار. كما أدان
مسؤولون لبنانيون انتهاكات الهدنة، محذرين من أنها تعيق قدرة الحكومة على بسط
سيطرتها.
وكتب
رئيس الوزراء نواف سلام في صحيفة فايننشال تايمز: "هذه الأعمال
تُديم حالة عدم الاستقرار، وتُؤجّج الصراع المتجدد، وتقوّض جهود الحكومة لاستعادة
سلطة الدولة". وأضاف: "يجب على المجتمع الدولي الضغط على إسرائيل لوقف
الأعمال العدائية والانسحاب الكامل من لبنان، فضلا عن تعزيز الدعم للقوات المسلحة
اللبنانية، المؤسسة الأقدر على ضمان استقرار دائم".
وقد
انتهجت الحكومة نهجا تدريجيًا، تقول إنه يتماشى مع التزاماتها بوقف إطلاق النار،
ويتجنب مواجهة كبيرة مع حزب الله، والتي قد تُشعل اضطرابات مدنية. ورغم خسائره
الأخيرة، لا يزال حزب الله قوة عسكرية هائلة تتلقى دعما ماليًا من إيران، وحزبا
سياسيًا قويا، تشمل قاعدته الشعبية المسلمين الشيعة، الذين يشكلون أكثر من ثلث سكان
لبنان، وقد
يواجه قادة لبنان اختبارا أصعب العام المقبل، عندما تركز المرحلة الثانية من خطة
نزع السلاح على المناطق الواقعة شمال نهر الليطاني.
وفي الوقت الراهن، يركز الجيش
على الجنوب، حيث نشر نحو 10 آلاف جندي في 2200 موقع، بحسب قوله، مما يمنحه
"سيطرة عملياتية" على المنطقة، وفقا لما ذكره سالم، وأضاف
أن خطوات رئيسية أخرى، من بينها سيطرة الجيش على موانئ لبنانية رئيسية، ومطار
بيروت الدولي، ومساحات واسعة من الحدود مع سوريا، التي كانت تُهرّب عبرها الأسلحة
غير المشروعة لفترة طويلة، تُعدّ أيضا دليلًا على أن الحكومة تُحرز تقدما.
"الاحتلال يستهدف كل ما يتحرك"
وتؤكد الصحيفة، أن العودة إلى حرب شاملة ستكون كارثية على لبنان، الذي لم يُعاود بعدُ بناء نفسه بعد
الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله والتي بدأت بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ويُفاقم احتمال التصعيد الضغط على حكومة تُكافح أصلا لإخراج لبنان من سلسلة أزمات
مُستمرة منذ سنوات، تشمل الحرب، والخراب المالي، والجمود السياسي.
ومع
وجود عشرات الآلاف من النازحين من الجنوب من قراهم التي دُمّرت خلال النزاع، لم
تتمكن الحكومة من جذب الاستثمارات أو المساعدات اللازمة لإعادة الإعمار. ولم تُتح
لها الفرصة للقيام بذلك، مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على المنطقة، وقال
طارق مزراني، أحد النازحين من بلدة الحولة الجنوبية: "كل ما يتحرك
يُستهدف". الوضع مريع. لا تعويضات. لا مساعدة.
وقال
مسؤولون ومحللون إسرائيليون إن حكومة نتنياهو، وإن كانت تنظر إلى نهاية العام
كموعد محتمل للعمل العسكري، إلا أن المهلة قابلة للتمديد. وأعرب البيت الأبيض عن
قلقه إزاء اندلاع حرب كبرى أخرى في الشرق الأوسط في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي
يُصوّر نفسه كوسيط سلام، وفقا لمسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، وقال
مسؤول عسكري إسرائيلي رفيع سابق، مُطّلع على المناقشات، شريطة عدم الكشف عن هويته
لمناقشة محادثات دبلوماسية حساسة، إن المسؤولين الأمريكيين حثّوا على مزيد من ضبط
النفس خلال الأسبوعين الماضيين. وأضاف المسؤول الإسرائيلي: "لقد صرّح ترامب
للجميع بأنه حقق السلام في الشرق الأوسط"، وأضاف أن أي تصعيد إسرائيلي
"سيُناقض هذا الادعاء".
"لا تُحبّذ واشنطن اندلاع حرب في هذه المنطقة من العالم"
وأضاف
مسؤول إسرائيلي ثان، متحدثًا أيضا شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة حسابات إسرائيل
الداخلية: "لن تُحبّذ الولايات المتحدة اندلاع حرب في هذه المنطقة من العالم"، وقال
سالم إنه إذا استطاع الجيش اللبناني إقناع الحكومات الغربية بأن خطته لنزع السلاح
تسير على المسار الصحيح، فبإمكانه تجنب المزيد من القتال. لكن إذا تجاهلت واشنطن
جهود الجيش، فقد يقول ترامب: "حسنا، لقد حاولت"، ويوافق على المزيد من
العمليات العسكرية الإسرائيلية، على حد قوله، وأضاف
سالم أن البيت الأبيض قد لا يعترض رغم أن حزب الله "مشلول" ولم
يشنّ هجومًا على إسرائيل منذ عام. وتابع: "من وجهة نظر أمنية، لا حاجة
للتصعيد، وهم يدركون ذلك".